القديس “غابريال لسيّدة الأوجاع” 27 شباط
(1862-1838) SAINT GABRIEL OF OUR LADY OF SORROWS
وُلد في 1 آذار 1838، في أسيزي- إيطاليا، بلدة القديس الكبير “فرنسيس الأسيزي”، فسُمّي على اسمه “فرنشيسكو”. نال معموديّته في اليوم نفسه، في الكنيسة نفسها التي اعتمد فيها هذا القديس.
عَرف غايرياليه الألم منذ نعومة أظافره، إذ شهد على وفاة أختين له وأمّه اللواتي توفّين تباعاً، وما لبثت أن توفّيت أختٌ ثالثة بعد فترةٍ وجيزةٍ، وهو لا يزال في الرابعة من عمره. ثمّ توفّي أخوَين آخرَين بعد بضع سنوات. (إثنين من إخوته ترّهبا ونالوا سرّ الكهنوت)
ترك مشهد أمّه المنازعة تأثّرًا عميقًا في حياته، وصورةً لأمّ الأوجاع “مريم العذراء” تحت الصليب. فحمل في قلبه منذ الصغر، إكرامًا وحبًا فريديَن للعذراء مريم…
لم تكن طفولته ملائكيّة عجائيبّة، بل مرحةً ولا تخلو من النواقصَ والهفوات. في عمر الثالثة عشر، أُصيب فجأةً بمرضٍ خطير كالذي أَودى بحياة إخوته، حتّى لامس الموت. فوعد الرب بدخول الدير في حال أنعمَ عليه بنعمة الشفاء، فنال مَطلبه وشُفي.
لكنّ حبّه للعالم وأباطيله أخمدا في قلبه هذا الوعد ! فأخذ يقرأ الكُتب والأشعار الرومانسيّة بإسراف، حتّى الإدمان، بالإضافة الى الفن المسرحيّ والرقص، ليعترف مُتحسّرًا فيما بعد:
‘‘ أيُّ عمًى كنتُ فيه ! لم أعش إلّا مِن أجل الدّخان … إنّ الله- الكليّ القُدرة- كان يَنتظرني مُنذ زمنٍ بعيد، غير أنّي لم أعِره أيّ انتباه، بل بقيت تائهًا، أُهُينُه في العالم’’.
بعد ثلاث سنوات، أُصيب بالتهابٍ في الرّئتين، ومرّةً جديدة أشرف على الموت. فتوسّل نعمة الشفاء، واعدًا الربّ بدخول الدير إن شفي… وبعد أن حَصلت الأعجوبة الثانية في اليوم التالي، نسي وعده مِن جديد.
في صيف 1856، أقام سكّان “سبوليتو” (التي ترعرع وكبُر فيها) مسيرةً بأيقونة بيزنطيّة عجائبيّة لوالدة الإله، طالبين منها التدخّل لتضع حدًّا لمرض “الكوليرا” الذي فتك بالمدينة… شفت العذراء بعد هذه التضرّعات، كل الذين بُليوا بهذا المرض. ولم تُسجَّل بعدها أيّة إصابة جديدة !
بعد ثمانية أيّام، تحديدًا يوم 22 آب (الذي صار لاحقًا “عيد قلب مريم الطاهر” في الكنيسة) شارك “فرنشيسكو” بالمسيرة الثانية التي أُقيمت لِشُكر العذراء، وعندما اقتربت الأيقونة نحوه، دبّت الحياة فيها، ونظرت إليه العذراء وقالت له بصوتٍ داخليٍّ في قلبه: فرنشيسكو”، العالمُ ليس لكَ (…) أسرِع وترهّب!’’
بعد هذه الحادثة دخل دير الإبتداء، ولبس الثوب الرهبان، في عيد سيّدة الأوجاع 1856 واتّخذ اسم “غابرياليه لسيّدة الأوجاع -أو- للعذراء المتألّمة. Gabriele Dell’Addolorata
لم تتميّز حياة غابريال داخل الدير بظواهر قويّة، ولا بالعجائب الباهرة، بل بما هو أساس كلّ هذه الأمور: الفضائل الإلهيّة حتّى الكمال!
منذ بداية حياته الرهبانيّة، أظهر “غابريال” تَصميمًا زاخِمًا في العمل على تحسين ذاته، واكتساب الفضائل فقهر رذائله وشهواته. وقد شهد معلّمه الأب نوربرتو (الذي كان مرشده خلال كلّ مسيرته الرّهبانية حتّى وفاته) أنّه: “لم يكن ليؤخّره أيّ شيءٍ في مسيرته نحو الكمال … وإذا حُرِم مِن التعزيات الحسيّة، مَلأ واجباته بالحرارة ذاتها وبسخاء القلب نفسه، من دون أن يستسلم أبدًا لتهاونٍ إراديٍّ (…) سألت نفسي مرّاتٍ عديدة، إن كان هناك من فضيلةٍ واحدةٍ لم تتألّق فيه، أو إن كان بإمكانه أن يمارس هذه الفضائل بكمالٍ أكبر، وكنتُ دومًا مضطرًا على الإيجابة بالنّفي !(…) “
وهذا ما يؤكّده ملف طلب تقديسه الذي رُفِع الى الفاتيكان، أنّ كلّ مُمارسته للفضيلة كانت بطوليّةً بالفعل، حتى يوم وفاته.
لطالما شعر “غابريال” أنّه سيموت شابًا. وإنّ إتّحاده العميق بالله واضطرام محبّته له، جعلاه يطلب منه نعمة الموت بمرض السّل، حتّى يتمكّن من أن يرفع تنهّداتٍ حبٍّ له، حتّى النفس الأخير، وكي لا يرتكب أيّ خطيئة صغيرة تجاه عزّته !
كان الأب نوربرتو، يأمره بأن يزيد على صلاته: “إن كان ذلك لمجدك يا ربّ، ولخير نفسي.”
وبعد أربع سنواتٍ من حياةٍ خدمةٍ ديريّة ودراسيّة مليئةٍ بالنشاط وبينما هو يحلم وينتظرُ بشوقٍ بأن يصير كاهنًا على مذبح الرّب، استجاب الرّب صلاته وأصيب بمرض السلّ في السنة الخامسة.
عندما طلب منه الاب نوربرتو أن يسأل الله نعمة الشفاء، قال له:
“إسمح لي أن أطلبَ ميتةً صالحة، لأنّ أخطار إهانته في هذه الحياة كثيرة …” تكبّد “غابرياليه” آلامًا شديدةً، غير أنها لم تستطع أن تُعكرّ صفو سلامه وفرحه، وأعلن في هذه المرحلة أنّ ألمه الوحيد كان انتظاره المُمِلّ (للموت) ! وعندما أُعلِم بضرورة مناولة القربان الأخيرة ونيله مسحة المرضى، إستنار وجهه بفرحٍ عجيبٍ، نصحه مُرشده بأن يعتدل بإظهاره.
أعلن ذات مرّةً بشجاعةٍ قائلًا:
“أتريدون أن تعلموا ما هو شعوري؟ إنّني أؤكّد لكم أنّ الموت لا يخيفني البتّة، بل إنّ السرور الذي أشعر به عندما أفكر به، هو ما يقلقني لكونه قد يحتوي على بعضٍ من حبّ الذات.”
في عشية 26 شباط 1862، ألمّت به تجارب الشيطان الأخيرة، فصرخ على فراش الألم ثلاثةً: “جراحُكَ يا رب، هي استحقاقاتي”.
في صباح اليوم التالي ضمّ على قلبه صورةً تمثّل المصلوب مع سلطانة الشهداء، وقبّلها وبلّلها بدموعه، مُتطلّعا الى العلى قائلًا: ” آه يا أمّي أسرعي” …
ثمّ أسلم “غالبريال الروح، في صباح 27 شباط 1862، عن عمرٍ الـ 24 سنة، وعلى وجهه ترتسمُ معالم الفرح والورع، مُحدّقًا نحو الأعالي، كأنّه يرى رؤيا سماوية… تمامًا كالقديسة تريزيا الطفل يسوع.
بعد وفاته بأعوامٍ قليلةٍ، انتشرت أخبار فضائله بسرعةٍ كبيرة في إيطاليا، وصارت الجموع تحتشد بالآلاف حول ضريحه في Isola Del Gran Sasso لأخذ البركة والصلاة وطلب النّعم. وحتّى الساعة، لا تزال تُسجّل عجائب وشفاءات لا تُحصى حول العالم بشفاعته.
أعلن البابا بيوس ال9 تطويبه في 31 أيار 1908، والبابا بنيدكتوس ال15 قداسته، يوم 13 أيار 1920، مع إعلان قداسة مارغريت ماري ألاكوك، فأي عنايةٍ إلهيّة هذه، أن يُعلن قديسًا مع رسولة القلب الأقدس، في عيد سيّدة فاطيما، التي في ذاك الظهور (13 أيار 1917) طلبت التكرّس لقلبها الطاهر، هي التي كلّمته يوم عيد قلبها؛ 22 آب 1856 ! هو الذي حمل اسم آلام قلبها، وعزّاه وتأمّل بفضائله ونِعمه، واتّحد به، ليتّحد بربّه يسوع وبآلامه الخلاصيّة ؟ عام 1926، أُعلن ” القديس غابريال” شفيع الشبيبة الكاثوليكيّة الإيطاليّة.
جثمانه المحفوظ داخل ثمثال لهٍ
تعبّده للعذراء الفائقة القداسة
أذهل حبّه لمريم وتعبّده لها، معاصريه وأثّر بهم عميقًا. وكلّ وصفٍ لهذا الهُيام يَبقى غير كافٍ.
“كانت مريم جوهر حياة “غابرياليه” وهي مَنبع ومِثال القداسة التي بَلغها؛ حتّى إنّنا نستطيع أن نقول حقيقةً، أنّه نادرًا ما استطاع أيّ من القديسين، حتى الأعظم فيما بينهم، من مساواته في تعبّده لأمّ الله المجيدة، والكلية الاقتدار. فرفع الله هذا الشّاب المبارك، ليكون نموذجًا لجميع خدّام العذراء الكليّة القداسة، في المحبّة البَنويّة لها وإكرامها في الكنيسة.”
(الكاردينال باروكّي في دعوة تطويبه الى البابا لاون الثالث عشر).
أظهر وَلعًا في قراءة كتابيَ “أمجاد مريم البتول” (للقديس ألفونس ليغوري)، و”حبّ مريم” (Dom Robert, Camaldolese Hermit)
فأصبح قلب غابرياليه أتون نارٍ يضطرم حبّاً بسلطانة السماء؛ فامتلكت مريم كلّ كيانه وتحوّل عقله بالكامل نحوها.. كان كل مرّةٍ يسمع بإسمها يكشف عن رأسه، وينحني ليحيّها. وعندما كانت الطاعة تمنعه في مرحلة الإبتداء عن التأمّل بها طوال الوقت، كان يقول لها، ونار المحبّة تحرقه: “أُتركيني أيّتها السيّدة، أُتركيني”
كان بمجرّد تلاوة “السلام الملائكي” مرّةً واحدةً أو مُجرّد فكرةٍ بسيطةٍ أو كلمةٍ عن مريم، تُشعل قلبه وتجعله يغوصُ في أعمق التأمّلات عَن عظمتها التي لا تُسبَر. وينسى أحيانًا حُضور إخوته بقربه، فيُتمتم : Maria Mia “يا مريمتي”، ويُضاءُ وَجهه بنورٍ سماويٍ.
كان هذا الإنعام السماوي يوجّه فكره وكلّ كيانه، نحو غاية مريم الأولى والأخيرة: الإتّحاد بالله؛ كان يرى الله في مريم، ومريم في الله !
في التجارب والإضطرابات، كان يسلّم نفسه بين يديها، وبمعونتها الرحومة كان ينتصر دائمًا على جميع أعدائه الروحيّين.
توسّل مِن معلّمه، أكثر من مرّةٍ، أن يسمح له أن يكتب اسم “مريم” على صَدره بالحديد المُحمّى بالنار، أو أن يحفره بالسكين على جِلده، ولم ينل الموافقة.
كان يغتبطُ فرحًا، كلّ مرّةٍ سمع عن إكرامٍ فائقٍ للعذراء، أو عن أيّ نعمةٍ أعطتها بشفاعتها، ويحزنُ بشدّةٍ إن أُهمِل إكرامها ونُسيَت أو أُهينَت… فكتب “قانون إيمانٍ مريميٍّ” جامعًا فيه تعاليم أعظم ملافنة ولاهوتيّ الكنيسة عن “مريم”
إليكم “القانون الإيمان المريميّ” (((الكامِل))) الذي كتبه عن العذراء جامعًا أروع تعاليم أكبر القديسين، والذي كتبه على ورقة وعلّقه في سلسلة حملها على عنقه طوال حياته، وقد طلب الإذن مرّات عديدة من مُرشديه أن يكتبه بدمه!
*****************
«إنّي أؤمن يا مريم بأنّك أمّ البشر أجمعين. أؤمن بأنّكِ حياتنا، وبعد الله ملجأ الخطأة الوحيد.
أؤمن أنّك أملُ البشر أجمعين، لا سيّما الخطأة. وأنّكِ «المدينة المحصّنة» بخاصّةٍ لمَن لا عَون له، وأنّكِ حماية المُدانين، ورَجاء اليائسين.
أؤمن أنّكِ تستطيعين أن تستنزلي رحمة الله على الشيطان نفسه، لو كان يطلُبها بتواضعٍ.
أؤمن أنّكِ لا تنبُذين الخاطئ أبدًا، ولو كان غارقًا في الخطيئة. وأنّكِ تَنتشلينه من هُوّة اليأس، إذا رَفع نحوكِ تنهّدًا واحدًا.
أؤمِن بأنّكِ قوّةُ المسيحيّين ونَجدتُهم، بخاصّةٍ عند ساعة الموت. وأنّه باتّباعكِ لا أضيع، وبالصّلاة لكِ لا أُهمَل، وبالوقوف معكِ لا أسقطُ.
أؤمن أنّكِ تلفّين بحمايتكِ كلّ الذين يلتجئون إليكِ، وأنَّ الملائكة تحبّ حماية من يستنجدُ بكِ. وأنّكِ خلاص الذين يَستحضرونكِ، وأنّكِ ترغبين في أن تصنعي لنا خيرًا أكثر ممّا نرغب، وحتّى عندما لا نطلبُ فإنّكِ تُسرعين إلى معونتنا.
أؤمن أنَّ الشياطين تفرُّ هاربةً لمُجرّد سمَاعها اسمكِ، وأنّنا نجِدُ فيه حلاوةً كالتي اختبرها القديس برناردوس في اسم يسوع، الذي هو غبطةٌ للقلب، شهدٌ للفم، ونَغمٌ للأذن. وأنّه بعد اسمه، ليس هنالك أيّ اسمٍ ينالُ به المؤمن نعمًا جمّةً، ورجاءً وفيرًا، وتعزيةً مُفرطةً، غير اسمكِ.
أؤمن بأنّكِ شريكة الفداء لخلاصنا، وأنّ كلّ النعم التي يوزّعها الله تمرّ عبر يديكِ، وأنّه لن يدخُل أحدٌ السماء إلّا من خلالكِ، أنتِ التي بالحقّ تُدعين «باب السماء».
أؤمن بأنّ التعبّد الحقيقيّ لكِ هو العلامةُ الأكثرُ يقينًا على الخلاص الأبديّ، وأنّك أرفعُ مِن جميع القدّيسين والملائكة، وأنّ اللَّه وحده يعلوكِ.
أؤمِن بأنّ اللَّه قد أعطاكِ أرفعُ منزلةٍ، وأعطاكِ النّعم كافّةً التي يمكن أن يُميّز مخلوقاته بها، كما أعطاكِ الامتياز والسّيادة.
أؤمن بأنّ جمالكِ وفضائلكِ تتخطّى تلكَ التي هي للمَلائكة وللبشر.
أؤمن أنّكِ وحدكِ تمّمتي بكمالٍ وصيّة: «أحبِبْ الرّب إلهَك»، وأنّ كلّ ساروفيمٍ في السماء يتعلّم مِن قلبكِ، كيف يجب أن يحبّ الله.
أؤِمن بأنّه لو اتّحد كلّ حبّ الأمّهات لأولادهنّ، والأزواج لبعضهما، مع كلّ حبّ الملائكة والقدّيسين نحو المتعبّدين لهم، في حبٍ واحدٍ، فهو لن يستطيع أن يُساويَ أبدًا الحبّ الذي تكنّينه لنفسٍ واحدة!
آمين».
تعبّده لقلب مريم المتألم الطاهر؛
كما أظهر الرّب يسوع عِظم مَحبّته بالآلام والفداء، كذلك الأمر عند “غابريال” – فالعذراء بآلامها الشديدة مع آلام وموت ابنها، أظهرت لنا عِظم مَحبّتها لنا. فكان ذكر وإكرام آلام أمّ الفادي، هاجسه الأكبر وشغف قلبه الأعظم !
سأله الأب نوربرتو في عشيّة سبتٍ، إن كان قد تأمّل في السماء (موضوع تأمّل الرّهبنة كل سبت) ، أجابه: “كلّا ! سمائي هو في قلب أمّي الحبيبة، المتألّم.”
فهِم منذ بداية حياته الروحيّة، كيف أن آلام الرّب يسوع مُنطبعة بأكملها في قلب الأم الوجيعة. فأخذ من ذلك القلب مَسكنًا له، مُتّحدًا فيه بحرارةٍ مع آلام الفادي الإلهي، وباكٍ عليها.
لقد فهم “غابرياليه” آلام قلب يسوع، مِن المنظار الأفضل: قلب مريم الطاهر. القلب الأغلى على قلب يسوع، والأكثر شبهًا به بين كلّ قلوب البشر. إنّه فيه ومنه، ومعه، تعلّم البكاء على الإهانات العظيمة التي تعرّض لها ابن الله، منذ لحظة تجسّده حتّى موت الصليب.
من كتاب “هذا هو ابنكِ، سيرة القديس غابريال لسيّدة الأوجاع” (الإخوة الأصاغر لقلب مريم المتألم الطاهر)
من كتاباته
-غالبًا ما يُلهمنا الله أن نُميت ذواتنا عن أمرٍ معيّن بسيطٍ أو عن غيره، يعيق نموّنا في القداسة.إن لم نتجاوب مع هذا الإلهام، فإنّنا لن ننجح في صلاتنا أيضًا.
-إذا أرسل الله إليكَ عائقًا ما أو صعوبةٍ، حريٌّ عليك أن تبتهج من أن تحزن. لأنّ الإضطرابات غالباً ما تكون علامات أنّ اختيار الله لك … لتكن مشيئة يسوع ومريم الكليّة القداسة، يومًا ما ستجني ثمار كلّ شيء.
– إذا كان الله قد صنع الكثير من أجلي، كإعطائي ابنه الوحيد، فما عسايَ لا أترجّاه منه أيضًا؟
إن كان يسوع المسيح قد صار بشرًا ومات على الصليب من أجلي، فكيف أخاف ألّا يصنع إلّي الباقي؟ لو كان أمرُ خلاصنا بين أيدينا، لكان لنا السبب الكافي لنَجزع. غير أنّه بين يديَ الله، بين يديَن صالحتَين. لنِثق بالله إذًاً ونضع رجاءنا فيه.”
–“سأتجنّب كلّ خطأٍ إراديٍّ. وإن ارتكبتُ واحِدًا للأسف، لَن أيأسَ أبدًا، ولكنّي سأستأنفُ طريق القداسة، بِحرارةٍ أكبر بعد أن أندم عليه.”
-آهٍ على المذّات التي نتذوّقها في ساعةِ تأمّلٍ واحدة في حضور يسوع – القربان، ومريم أمّه الكليّة القداسة.
-الذي يدخلُ الحياة المكرّسة “يختار النصيب الأفضل” (لو 10 :42)، يدخل الى المرفأ، ينجو من العاصفة، يتجنّب العديد من فخاخ الشيطان، والكراسي (يقصد المجد والمناصب) والعالم، والكثير من الأمور الأخرى.سعيدٌ هو الذي يُدعى الى هكذا التكرّس، ويُلبّي فورًا هذه الدعوة.
– وأنتَ ! لا تفعل كما فعلتُ، أنا الذي ناداه الرّب، وتأخرّت عن التجاوب مع دعوته مُتجاهلًا؛ ولكن إذا سمعتَ صوته أنت، فلا تتردّد لحظةً في الإستجابة. لا يخدعنك إبليس الذي يوَشوش لك: “عليكَ أن تفكّر أوّلًا…” ، لا ! لا تستمع إليه، بل امضِ فورًا واتبع يسوع. ألم يكن من المحتمل ألّا أكون حيث أنا اليوم، لو تأخرّت أكثر بقليلٍ عن الرّد على نداء الله.(من رسالته الى أخيه، ك1 1857)
-لتكُن آلام ربّنا يسوع المسيح في قلوبِكم على الدوام. إنّ آلامه وآلام مريم هي كنوز المسيحي الحقيقي التي لا تنضُب.
– إذا أردتم أن تتعرّفوا على مريم وتتعلّقوا بها من خلال مَحبّتها، وإن كان لديكم هاجس خلاص نفوسكم، إقرأوا كتاب “أمجاد مريم” فتتعرّفوا إلى هذه الأمّ الكليّة الرحمة !
-كيف لتلك التي تُسمّى بالحقّ “أمّ الرحمة”، ألّا تلتفت إلينا بنظرات رَحمتها؟!
-إنّ أمّ الأوجاع هذه، تعرف تمامًا آلام المخاض التي ولدتنا بها تحت الصليب، ففضّلت قبول موت ابنها الحبيب، على مشاهدتها لهلاك نفوسنا الأبدي ! حتى في وقت التجارب والأخطار والخوف من الهلاك، قد ترفَع نفسنا إذا ردّدنا: إذا كانت مريم معي فمن عليّ ؟
-” أحبوا مريم !…. فهي محبوبة، وأمينة وثابتة. إنّ محبتها لا تفرغ البتة بل تبقى سامية أبدا. إن إن كنت في خطر، تُسرع الى نجدتك وإن كنت في ضيق ستعزّيك. إن صابك أيّ مرضٍ فهي تشفيك، وإن كنت في عوزٍ، جاءت لمساعدتك. هي لا تحكم على ما كنت عليه، بل تأتي ببساطة الى القلبِ الذي يطلبُ حبّها. تحضرُ سريعاً فاتحةً لك قلبها الرحيم مُعانقةً إياك وتعزّيك وتخدمك. وهي التي سترافقك في سفرك نحو الأبدية.
-إنّ مريم هي السلّم الوحيد الذي يتيح لنا الصعود نحو السعادة الأبديّة.
إنّي تحت قدميكَ يا رب
(صلاة كتبها خلال سنة الإبتداء)
أُنظر إليّ يا ربّ، إنّني تحت قدميكَ أتوسّل الشفقة والرّحمة ! ما عساكَ تخسر إن أعطيتني مَحبّةً عظيمةً لك، وتواضعًا عميقًا، وطهارة قلبٍ وفكرٍ وجسدٍ عظيمةٍ، وحبًا للقريب، وحزنًا كبيرًا لإهانتكَ، ونعمةَ ألّا أهينكَ أبدًا ؟
ما عساكَ تخسر، أيا إلهي، إن سمحت لي بأن أتقبّل بإستحقاقٍ، إبنكَ في سرّ الإفخارستيا؟ إن أعضدتني كي أتصرّف وفق مَحبّتك في أفكاري وأعمالي، في توبتي وصلواتي ؟ بأن تمنحني نعمة محبّة أمّك المُباركة، بأعظم حنانٍ وثقةٍ ونعمةَ الّثبات الأخير في دعوتي، وميتةً صالحةً مُقدسةً ؟
إنّني متسوّلٌ، مغطًى بالأوساخ والقروح، يطلب حسنةً. آهٍ، أنظر الى بؤسي! هذا هو رأسي المُتشامخ، وقلبي البارد … نعم قلبي المُتحجّر.
هذا هو عقلي المليء بالأفكار الأرضيّة، إرادتي المائلة فقط نحو الشّر، جسدي الثائر على كلّ عملٍ صالحٍ.
ساعدني يا إلهي … ساعدني بالفعل لأصحّح نفسي. أسألك هذه الّنعمة بواسطة طِيبتكَ ورحمتك اللّامتناهية، وكي أنالها، أقدّم لكَ إستحقاقات يسوع المسيح ، مخلّصي وربّي، إذ ليس لديّ أيّ استحقاقٍ، فإنّي مُعدَم؛ ولكنّ آلامه تكون هي استحقاقي. إن أرقت دمي من أجل حبّكَ، كإبنكَ، أتراك لا تصنع إليّ هذه الخدمة؟ فكم يُلزِمُك إذاً أن تصغي إليّ، بما أنّه أراق دمائه مِن أجلي ؟
ألست أنتَ مَن وعدتَ في إنجيلكَ، أنّه مهما سألتُ لأجل خير نفسي ستمنحني إيّاه ؛ “إسألوا تُعطوا”؟
والآن، بما أنّه لا يمكن لكَ أن تغيّر كلامكَ، أتوسّل إليكَ أن تصغي إليّ. أتوسّل إليكَ بحقّ صَلاحك اللّامتناهي، بحقّ قلب إبنكَ المجروح بالحبّ من أجلي؛ بحقّ محبّة روحكَ الأزلي اللّامتناهية، من أجل الحبّ الذي تحمله من أجل مريم الكليّة القداسة، ابنتك المحبوبة، ومن أجل شرف البلاط السماوي بأسره، الذي أسألك دخوله يومًا ما. آمين.
إعداد وتحضير : صفحة قلب مريم المتألم الطاهر