الشهيدان
أغناطيوس و بوليكربس
(القرن الثاني الميلادي)
القمص تادرس يعقوب ملطى – كاهن بكنيسة مارجرجس باسبورتنج
تلميذ يوحنا الحبيب
أفاح أغناطيوس النوراني خلال التاريخ رائحة المسيح الذكية إذ شهد للمسيح بسيرته الطيبة ورعايته الصالحة النابعة عن قلب محب ، واشتياقه الشديد نحو تقديم جسده ذبيحة لأجل يسوع الذي أحبه .
وقد ترك لنا رسائل تعتبر ذخرا بين كتابات الآباء القديسين الأولين. ويعتبر أغناطيوس أسقف أنطاكية وزميله بوليكربس الشهيد أسقف مدينة سميرنا ( أزمير ) من أعظم تلاميذ يوحنا الحبيب وقد كان أغناطيوس يكبر عن بوليكربس في السن كثيرا, حتى أنه عندما كان يوجه إليه الكلام, كان يحدثه كما يحدث المعلم تلميذه, لا الأنسان لزميله .
أغناطيوس الثيؤفورس
ولد حوالى سنة 3.م , وقد قيل عنه أنه نشأ في سورية. أمانيكوفوروس المؤرخ فيذكر عنه أنه كان يهوديا , وأنه هو الصبي الصغير الذي حمله السيد المسيح مقدما إياه مثالا للاتضاع إذ يقول الإنجيل ” فدعا يسوع إليه ولدا وأقامه في وسطهم وقال الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثلا الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات ” مت 18: 2-4 . ولعله لهذا السبب دعي بالثيؤفورس .التي يظن البعض إنها تعني المحمول بالله , وإن كان المعنى الأصح لكلمة ” ثيؤفورس”.كما يقول الكتاب الأولين هي ” حامل الله ” أي حامل السيد المسيح في قلبه . فلعله لقب بهذا لفرط حبه لسيده المسيح .وقد أطلق عليه ذهبي الفم “مسكن الله وخدره”
أغناطيوس أسقف أنطاكية
أنطاكية
كانت أنطاكية في القرن الأول الميلادي عاصمة ولاية سورية ففي سنة 64ق.م. استولى بمبايوس على مملكة السلاقسة وما جاورها, فاحترم حق أنطاكية في ادارة شئونها الداخلية, وجعلها عاصمة ولاية سورية بكاملها ومقر الحاكم الروماني العام pegatio وفي سنة 27ق.م. عندما أعيد النظر في نظام الولايات، ظلت أنطاكية عاصمة لسورية ،كما كانت ثالث مدينة في الامبراطورية. ولم تسلخ اليهودية- فلسطين – عنها قبل سنة70م. وكانت أنطاكية لم تزل حافلة بحلل الفخر، فأنشأ فيها الفاتحون الهياكل والقصور والمسارح. ويلاحظ ان اللأنطاكيين كانوا يفخرون بأصلهم اليوناني الهليني حتى الفتح الاسلامي ويرى البحاثة كارل كرايلنغ kraeling أن عدد اليهود في أنطاكية يتراوح بين 45000, 65000 من المجموع العام الذي يبلغ حوالي 400000نسمة
المسيحية في أنطاكية
+لعل أول مسيحي أنطاكي هو نيقولاوس الدخيل الأنطاكي ( أع 5:6) أحد الشمامسة السبعة الذين إنتخبوهم ليقوموا بالاهتمام باحتياجات الأرامل …إلخ.
+وقد تم التبشير في أنطاكية بواسطة الشعب المضطهد في أورشاليم “أما الذين تشتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب إستفانوس فاجتاوا إلي فينيقية وقبرص وأنطاكية وهم لا يكلمون أحداً بالكلمة إلا اليهود فقط . ولكن كان منهم قوم وهم رجال قبرصيون وقيروانيون الذين لما دخلوا انطاكية كانوا يخاطبون اليونانين مبشرين بالرب يسوع. وكانت يد الرب معهم ,فاَمن عدد كثير ورجعوا إلي الرب ” أع11 :9-21 .
وإذا نجحت الخدمة في انطاكية ارسلت الكنيسة التي في أورشاليم برنابا إليهم ,الذي فرح جداً لما رأى نعمة الله عاملة في قلوبهم ( أع 22:11-24 ). فتعتبر أول مدينة بشر فيها بالأنجيل للأمم.
+ ثم خرج برنابا إلى طرسوس ليطلب شاول . ولما وجده جاء به إلى أنطاكية. فحدث أنهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة وعلما جمعاً غفيراً ( أع 25:11).
+ كانت أنطاكية في القرون الأولى من مراكز الإشعاع الهامة للمسيحية .
+ بسبب أنطاكية عقد المجمع المسكوني الأول ( أع 15) إذ “انحدر قوم من اليهودية إلي انطاكية وجعلوا يعلمون الإخوة أنه إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا .فلما حصل منازعة ومباحثة ليست بقليلة معهم , رتبوا أن يصعد بولس وبرنابا وأناس آخرون منهم إلي الرسل والمشايخ إلي أورشاليم من أجل هذه المسألة ” أع 1:15 2. وبسبب هذا الوفد أنعقد المجمع للبحث في أمر تهود الأمم قبل قبولهم المسيحية ( راجع أع بأكمله ) . وقد كان قرار المجمع كما يلي “لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثرغير هذه الأشياء الواجبة .أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعماً تفعلون “أع 15 .
+ في أنطاكية أولاً دعي التلاميذ مسيحيين أع 26:11. ولعل الذين لقبهم بهذا الأمم لما رأوهم يبشرون بالمسيح ويتعبدون له … وقد رفض اليهود أن يلقبوهم هكذا لأن المسيح أسم مقدس , فاكتفوا بتلقيبهم “ناصريين” أي أتباع يسوع الناصري .
ويرى بروشن الألماني prushen أن الأمم دعوهم هكذا للتهكم, إذ هم في نظر الأمم يمسحون مسحاً.
أغناطيوس الأسقف
اشتم الرسل في أغناطيوس حبه لربه يسوع وغيرته على خلاص البشر باللإيمان بالمسيح المصلوب , فأقاموه أسقفاً على مدينة أنطاكية. ويرى بعض المؤرخين , أن بطرس الرسول هو مؤسس الكنيسة الأنطاكية. ويفرقbelser الألماني بين تنصر بعض اليهود في سنة 33م وقيام كنيسة مسيحية متهودة على يد بولس الرسول في السنة 34-35م , وبين تنصر العناصر الأممية التي لم تبدأ إلا بعد البت في قضية كرنيليوس وقبوله في الكنيسة سنة 39 أو 40م. ويقال بأن بطرس الرسول قال ” في انطاكية سيم أفوديوس أسقفاً بواسطتي ,وسيم أغناطيوس أسقفاً بواسطة بولس الرسول ” لذلك يرى البعض أن ظروف الكنيسة في أنطاكية اقتضت أن يسام أسقفاً غلى المسيحين المتهودين , وأسقفاً آخر على المسيحين الأممين. وأن افوديوس وأغناطيوس رأسا الكنيسة في أنطاكية في زمن واحد , فلما توفي افوديوس أو أستشهد , قام أغناطيوس بالعمل بالنسبة للفريقين في وقت واحد .
راع حكيم
دبر أغناطيوس الكنيسة خير تدبير , فامتاز بغيرته المتقدة نحو خلاص شعبه وحكمته السمائية, حتى كانت كنائس سورية جميعها تستشيره في كثير من أمورها . وقد استطاع بسيرته الطيبه أن يكسب كثير من الأمم للسيد المسيح.
راع يعظ
جاهد هذا الأب ضد الهراطقة وأصحاب البدع. فقد كان أباً عطوفاً على رعيته, يشفق عليهم من الذئاب الخاطفة التي تقسم الكنيسة وتحاول هدم وحدته…وخاصة تلك الذئاب التي لها ثوب الحمل,التي تدعي المسيحية فتحمل أسم المسيح وتأخذ صورة التقوى والتدين , وفي الداخل تقسم جسد المسيح الواحد!! لذلك حارب الهراطقة بكل ما وهبه الله من قوة وفهم وعلم , ولم يقف عند حد تحذير الشعب. بل وشعوب الأسقفيات الأخرى. وقد سمحت العناية اللآلهية ان يسجل تعاليمه هذه كتابة قبيل استشهاده أثناء سفره إلى روما, نذكرها فيما بعد بمشيئة الرب. ويظهر حبه لرعيته في حديثه مع مستقبليه في أزمير أثناء رحلته إلى روما للأستشهاد, إذ كان يذكر أمامهم شعب كنيسته , راغباً في معرفة أخبارهم بعد تركه لهم , طالباً منهم الصلاة من أجلهم .
وضعه نظام التسبحة
يقول سقراط المؤرخ ” ينبغي علينا ان نوضح اصل عادة الكنيسة في التسبيح إن أغناطيوس الذي كانت له صله مع الرسل أنفسهم , رأى رؤيا أن الملائكة ترنم ممجدة الثالوث الأقدس, فنقل النظام الذي لاحظه إلى الكنيسة الأنطاكية , حيث أنتشر بعد ذلك بين بقية الكنائس”. وذكر ذلك أيضاً المؤرخ أوسابيوس أسقف قيسارية وبارينوس.
مع تراجان
حبه للاستشهاد
كان أغناطيوس الثيؤفوروس يشهد للمسيح بقدوته الصالحة أمام المؤمنين وغير المؤمنين وحبه في رعاية شعبه وغيرته ضد الهراطقة والمنشقين …لكن نفسه كانت تتوق دوما إلى الشهادة للمسيح بسفك دمه من أجله. لذلك يقول لتراجان الملك في جرأة إنه يشتاق إلى تقديم ذاته ذبيحة لأجل إيمانه بالمسيح .
وبلغ حبه للأستشهاد لأجل يسوع أنه كثيراً ما كان يقول ” لاأعتقد أنني أحب سيدنا يسوع المسيح بدون أن يسفك لأجله دمي كله”.
أما رسالته التي كتبها ألي أهل رومية حاثاً إياهم أن يكفوا عن العمل على أبطال استشهاده فتعتبر أروع رسالة يسجلها شهيد قبيل استشهاده .
لقاء مع تراجان
كان تراجان يتوه عجباً بانتصاراته على السكيثيين Scythians والdacians وكثير من الأمم
وبقي عليه أخضاع المسيحيين . فابتدأ باضطهاد عام على المسيحية , وإذ جاء ن روما لمحاربة الأرض أقبل إلى انطاكية حيث سمع عن هذا الأب الجليل وغيرته على انتشار المسيحية وجذب الكثيرين للإيمان المسيحي , ورفضه عبادة الأوثان كأمر الأمبراطور , كما سمع عنه أنه يشجع الأخرين على رفضهم السجود للأوثان مخالفين بذلك أوامر الأمبراطور .
طلب الأمبراطور مقابلته , ولما التقى به قال له “من أنت إيها الشقي الشرير حتى تعصى أوامري وتحرض الآخرين على ذلك أيضاً فتجعلهم يهلكون “.
أجابه الأسقف “لا يكون من يلقب بحامل الله شريراً , لأن الأرواح الشريرة تبتعد عن خدام الله , ولكن إن كنت في نظر الأرواح الشريرة أنني شرير , فذلك لأني عدو لهم , وهذا أوافقك عليه . لأنه طالما معي السيد المسيح ملك السماء فسأبيد كل مكائدهم .
– وماذا تقصد بحامل الله ” ثيؤفوروس ” ؟
– أن يكون السيد المسيح في قلبه .
– أتظن أننالا نحمل الآلهة هكذا في قلوبنا , هؤلاء الذين يعضدونا في الحروب وينصرونا على أعدائنا.
– ألا ليت شعري كيف يمكن لتلك التماثيل العديمة الحس أن تكون آلهة . فاعلم أنه لا إله إلا الله الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها , وابنه الوحيد يسوع المسيح الذي تجسد وصار إنساناً لكي يخلص البشر الذي سأتمتع بملكوته , فلو كنت تؤمن به لكنت في هذا الماك سعيداً .
– هل تقصد بذاك الذي صلب في عهد بيلاطس البنطي ؟
– نعم إنني أقصد به ذاك الذي حمل خطاياي بكل أنواعها معه على الصليب , والذي أعطى لمن يحملونه في قلوبهم سلطاناً أن يدوسوا تحت أقدامهم كل خداعات وافتراءات الشيطان
– إذن هل تحمل (يسوع ) المصلوب في داخلك ؟
– بالحقيقة هكذا , لأنه مكتوب ” سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعب ” 2كو16:6 .
– دع الآن هذا الكلام وأفعل ما يسرني ويفيدك . قدم ذبيحة لآلهتي فتظفر مني بالإلتفات ويكون لك عندي مكانة , وأنا أجعلك أعظم أحبار هذه الآلهة .
– زادك الله غنى , تكرم بهذه المنح على من يعتبرونها ويرغبون فيها , فأنا كاهن سيدي يسوع المسيح وله أقدم الذبيحة في كل يوم , وأرغب في أن أقدم حياتي ذبيحة , كما قدم حياته ذبيحة حباً بي .
حينئذ أمر الأمبراطور: نحن نأمر بأن أغناطيوس الذي يقول عن نفسه أنه حامل في قلبه المصلوب يقيد ويقاد إلى رومية العظمى , ليقدم هناك طعاماً للوحوش الضارية , إرضاء للشعب. فلما سمع الأسقف بأمر الأمبراطور ابتهج جداً . لأنه قد جاءت الساعة التي طالما ترقبها , وكأن أمر الأمبراطور كان أعظم هدية تقدم له لذلك إذ تقدم الجنود إليه بالقيود , جثا وصرخ مبتهجاً قائلا : ” أشكرك أيها السيدالرب , لأنك وهبتني أن تشرفني بالحب الكامل نحوك , وسمحت لي أن أقيد بسلاسل حديدية كرسولك بولس “.
ولما صلى هكذا قبل القيود متضرعاً إلى الله أن يحفظ الكنيسة , مستودعاً إياها بدموع تلك التي إئتمنه الرب عليها حوالي 40 عام.
ولما سمع المسيحيون بأمر الأمبراطور جاءو إلي القديس باكين , ملتمسين منه البركة . فلما عاين الجنود حب الشعب لراعيهم شرعوا يهينونه أمامهم ويعاملونه بقسوة شديدة ليثيروا الشعب فيدفعون لهم رشوة لينقذوا راعيهم من قسوتهم .
إلى روما – لماذا يرسل إلى روما؟
خرج القديس أغناطيوس في حراسة عشرة جنود , وهو في نشوة الفرح والابتهاج . وقد صاحبه إثنان من كنيسته هما فيلون وأغاتوبوس … وذلك في طريقه إلي روما . وهنا قد يتساءل
البعض :
لماذا أرسل إلي روما ؟
أما يوجد من يحاكمه في أنطاكية ؟
لو كان هذا القديس أنساناً عادياً أو كان الشعب يكرهه , كنا ننتظر محاكمته في أنطاكية. لكن الأوامر قد صدرت بسفره إلى روما لعظم شخصيته . فقد كانت هناك أوامر صادرة إلي جميع المقاطعات بإرسال ضحايا الحيوانات المفترسة إلي روما حيث ملاعبها التي على نطاق واسع , وذلك بالنسبة للشخصيات الكبيرة أو الذين يجيدون المصارعة مع الحيوانات المفترسه . فقد كان تراجان من أعظم عملاء الأستعراضات الخاصة بالمصارعة في روما حيث يتسع الماعب ل180000 مشاهد. ويقول إلاد أن أعياد أنتصار الرومان على الداسيين في خلالها وصل القديس الي روما أقيمت أستعراضات أستمرت 123 يوماً قتل فيها 11000 حيواناً مفترساً وحارب فيها 10000مصارع تسلية للشعب الروماني . فقد كانت هناك جيوش من الصيادين في غابات إفريقيا وآسيا وصحاريهما يعملون على جلب الحيوانات المفترسة , وقد تضاعف عدد المصارعين المحترفين بإيفاد كثير من المجرمين المدانين .
وكان على حكام الأقاليم أن يقرضوا ويقترضوا المجرمين فيما بينهم كلما دعت الحاجة إلي ذلك ولميكن للحاكم الحق في الافراج عن سراح المدانين بالالقاء للوحوش … ذلك لكي يبهج شعبه بالاستعراض .
أما المجرمون الذين لهم مهارة أو قوة كافية للصراع في روما (والشخصيات البارزة) فكان عليه ألا يطلق أحد بدون أستشارة الامبراطور … إذ يخصص هؤلاء لروما .
إلى سميرنا ( أزمير )
أبحر أغناطيوس في حراسة الجنود الذين عاملوه بقسوة بالغة حتى لقبهم ب”الفهود” رغم لطفه معهم ورغم ما دفعه لهم الشعب من أموال ليترفقوا بأسقفهم . ووصلوا إلى سميرنا , وقد وصلت من كنائس آسيا جميعها وفود كثيرة تلتمس منه البركة والدعاء , منهم :-
1- من أفسس: أسقفها أونسيموس والشماس بورهاش burhuss الذي طلب في رسالته إلى أهل أفسس أن يسمحوا له بمرافقته له في رحلته , وجاء منها ثلاثة آخرون .
2- من تراليا : أسقفها بوليبوس .
3- من ماغنيزيا: أسقفها دامسوس وكاهنها وشماس .
وهكذا شهد أغناطيوس عن محبته الإلهية أمام الأساقفة والكهنة والشمامسة والشعب .
ومما يدهشنا أنه في تلك الظروف التي كان فيها يستعد للأستشهاد ويلتقي مع أربعة أساقفة وكثير من الكهنة والشمامسة والشعب … لم يشغله هذا كله عن كتابة رسائل لهذه الكنائس ( فيما عدا سميرنا إذ كان بها ) مشجعاً إياهم على الإيمان المستقيم ومعالجاً مشاكلهم بدقة بالغة.
إن النفس التي تاقت إلي يسوع تستغل كل ظرف…حتى في لحظات الإنتقال من العالم لتوصيل الآخرين إلى الله.
وفيما يلي الرسائل التي كتبها هذا القديس من سميرنا.
1- رسالة إلى أفسس.
2- رسالة إلى تراليا : وهي مدينة في مقاطعة فريجيه بالأناضول وموقعها الآن قرية سلطان حصاء .
3- رسالة إلي مغنسيا (مغنزيا) : وهي مدينة صغيرة بآسيا الصغرى واقعة على الجنوب الغربي من أفسس على مقربة من نهر مويندر في مقاطعة ليديا تدعى الآن جوزيل حصار .
4- رسالة إلي رومية.
في ترواس
أبحر بالسفينة من سميرنا إلى ترواس , وهي المدينة التي ظهر فيها المكدوني في رؤيا لبولس الرسول قائلاً “أعبر وأعنا “.وقد كتب فيها القديس أغناطيوس رسائلا ثلاث :
1- رسالة إلى فلادلفي.
2- رسالة إلى سميرنا .
3- رسالة إلى القديس بوليكاربس أسقف سميرنا , طالباً منه أن يكمل عمله , أي إرسال خطابات لبقية الكنائس , حاثاً إياه كراع رسولي صالح أن يهتم بكنيسة أنطاكية التي تركها القديس ليستشهد .
ثم ذهبوا من ترواس إلى نيوبوليس Neopoles ثم إلى فيلبي . و قد طلب من أهل فيلبي أن يكتبوا إلى رعيته في أنطاكية , فكتبوا إلى بوليكربس أسقف سميرنا يسألونه أن يوصل رسالتهم إلى أنطاكية مضافاً إليها الرسالة التي بعث بها إليه اغناطيوس . كما طلبوا منه أن يرسل إليهم نسخة من رسائل القديس أغناطيوس الموجودة لديه.
ومن فيلبي ذهبوا إلي Epirus ثم أبحروا إلى Tyrhene وقد كان الجنود متضايقين بسبب التأخير, كما كان القديس يرغب في الأسراع إلى روما .
استشهاده
وصل القديس إلي منطقة Portus ,حيث إلتقى بالأخوة الذين كان الخوف يبدو عليهم ممتزجاً بالفرح. فكانوا مغبوطين لرؤيتهم للأب القديس أغناطيوس الأسقف , ولكنهم خائفين حزانى لأجل انتقاله.
وإذ ألتقى القديس بالشعب جميعه طلب منهم الهدوء , طالباً منهم أن يظهروا له الحب الحقيقي لا لمجرد العواطف البشرية الطبيعية , تلك التي أفاض الحديث عنها في رسالته إليهم.
ثم جثا على ركبتيه هو ومن معه طالباً من أبن الله أن يوقف موجة الإضطهاد عن الكنائس ,وأن يزيد من محبة الإخوة بعضهم البعض .
عندئذ أسرع به الجنود إلى الساحة ,حيث أحتشدت الجموع لمعاينة استشهاده فلما دخل الميدان إفترسته الوحوش.
زخائره
إنطلقت الوحوش نحو أغناطيوس , أما هو فتقدم إليها بوجه باش , وللحال وثب عليه أسدان وافترساه ولم يبقيا من جسده الطاهر سوى قليل من العظام التي عثر على الأسود طحنها , وبذلك تحققت أمنيته التي سجلها في رسالته إلى أهل روما حيث يقول “حرضوا الوحوش لتصير قبراً لي ولا تترك من جسدي شيئاً حتى إذا ما مت لا أكون سبباً في تعب أحد “.
جمع المسيحيون زخائره بكل احترام وأرسلوها إلى أنطاكية حيث وضعت في كنيسة خارج أنطاكية , وكانت لا تزال هناك في أيام القديس إيرونيموس .وبمناسبة تجميل مدينة أنطاكية أمر الأمبراطور تيؤدوسيوس الصغير بإدخال رفات القديس إلى كنيسة بمدينة أنطاكية أطلق عليها أسم الشهيد تخليداً لذكراه.
وقد ذكر هذه الذخائر القديس يوحنا ذهبي الفم في مديحه للقديس أغناطيوس بقوله مخاطباً مسيحي أنطاكية. “سقى دمه روما , أما أنتم فجمعتم بقاياه. لقد كان لكم الحظ السعيد بأن يكون أسقفكم. هم ( الرومان ) حملوا آخر نسمة من حياته , وكانوا شهوداً لكفاحه وأنتصاره . اما أنتم فقد كان دائماً بينكم. لقد أرسلتم اليهم أسقفا . فأعادوه إليكم شهيداً “.
رسائل القديس أغناطيوس
أهمية كتاباته
1-الكشف عن الحقائق الإيمانية
الكتاب المقدس عميق للغاية… وقد أستغل عدو الخير هذه الميزة الرائعة في الإنقسام , فالأرثوذكسي يفهم الكتاب بطريقة تختلف عن فهم الكاثوليكي أو البروتستانتي أو غير المسيحيين… الكل يدرك معانيه بطريقة تختلف عن الأخر. فكيف نفسر الكتاب المقدس ؟
بلا شك أن كتابات الأباء الأولين وبخاصة قبل إنشقاق الكنيسة في القرن الخامس الميلادي أي قبل عقد المجمع الخلقدوني المشئوم تكشف لنا عن التفسير الحقيقي للكتاب , إذ كان العالم المسيحي كله يدرك بروح واحدة.
وكتابات أغناطيوس الشهيد لها مكانة مرموقة بين هذه الكتابات لأسباب منها .
1- أن هذا القديس عاش في القرن الأول وكانت له صلة قوية بكثير من التلاميذ الذين عاينوا الرب , وكانوا يحبونه بسبب إيمانه… فهو أقرب إلى فهم الكتاب المقدس من أي مفسر أو شارح في هذه العصور , فهو شاهد عيان للحياة المسيحية منذ نشأتها.
2- أنه رسم أسقفاً بواسطة أحد تلاميذ الرب… وكان محبوباً من الأساقفة الآخرين… فكل ما سجله من عقائد إيمانية واضحة في رسائله , لابد وأن تكون هي العقيدة التي كان يعيش فيها كل باقية الأساقفة والتلاميذ.
3- أن هذا الآب أنتهت حياته الأرضية باستشهاد رائع… أعلن فيه حباً عميقاً ليسوع حبيبه.
2- الكشف عن روح الأباء
كشفت لنا هذه الرسائل عن روح أبائنا من جهة حبهم للرب والكنيسة واشتياقهم تحو الإستشهاد , وبغضهم للهرطقات ومقاومتهم للهراطقة وأصحاب البدع والمنشقين عن الكنيسة , وفتحه باب التوبة أمام الراغبين منهم إلى العودة في أحضان الكنيسة.
3- الكشف عن شخصيته
تكشف هذه الرسائل عن شخص أغناطيوس الرقيق الوديع الذي يشجع المؤمنين ويكشف لهم مواهبهم وعطايا الله لهم… دون أن يذم أو يوبخ.
كما تكشف لنا شخصيته المتضعة , إذ يكرر للشعوب أن تصلي لأجله ولأجل شعبه… وعندما يتحدث عن نفسه يرى أنه أقل إنسان من شعبه.
حول رسائله
إن كان التاريخ يشهد بروعة ما كتبه أغناطيوس من رسائل , إلا أنها أثارت جدلاً كثيراً أكثر من أي وثائق أخرى من كتابات آباء الكنيسة الأولين , فقد كتب كثيراً من العلماء بشأنها . وقد ظهرت خمس عشرة رسالة نسب إليه وهي :
1- رسائل حقيقية
1- رسالة إلى أهل أفسس .
2- رسالة إلى أهل مغنزيا .
3- رسالة إلى أهل تراليا .
4- رسالة إلى أهل روما .
5- رسالة إلى أهل فلادلفيا .
6- رسالة إلى أهل أزمير .
7- رسالة إلى أهل الشهيد بوليكربس .
2- رسائل مزيفة
1- رسالة إلى السيدة العذراء .
3,2- رسالتان إلى الرسول يوحنا .
4- رسالة إلى مريم الكاسوبيلية .
5- رسالة إلى أهل تراسيا .
6- رسالة إلى أهل أنطاكية .
7- رسالة إلى هيرو وهو شماس أنطاكي .
8- رسالة إلى أهل فيلبي .
وهذه الرسائل بها من الدلائل التي لا تقبل الشك في أنها وضعت في عصر أحدث من الذي عاش فيه القديس أغناطيوس , حتى أننا لا نجد في كتابات يوسابيوس القيصري وجيروم ( إبرونيموس ) أي ذكر لهذه الرسائل , لذلك أجمع الرأي على رفضها. ويمكن الرجوع إلى نصوص هذه الرسائل في مجموعة The Writings Of Anti – Niciene Father. Vol.l. ويلاحظ أن جميع الرسائل موجودة بالاتينية واليونانية فيما عدا الرسائل الثلاث الأولى من الرسائل المزيفة فهي موجودة بالاتينية فقط .
بين النص المطول والنص المختصر
أشار أريثموس ويوسابيوس القيصري وبوليكربس إلي الرسائل السبع الحقيقية غير أنه وجد نصان يونانيان أحدهما مطول والأخر مختصر وقد أتفق معظم العلماء على أعتبار النص القصير هو النص الأصلي, وأما المطول فجاء شارحاً للأصل , وليس القصير أختصاراً للمطول .
وقد قال لاردنر Lardner في كتابه (Credibility Of The Gospel History.1743) “لقد قارنت بدقة بين النصين وأقتنعت تماماً بعد هذه المقارنة , بأن النص المطول هو تذييل وشرح للنص المختصر , وليس النص القصير إختصار للنص المطول ولا مختزل عنه… أما كون النص المختصر ذاته أصلاً كما كتبه أغناطيوس أسقف أنطاكية , فهذه مسألة كانت محلاً لنزاع كثير وكتبت فيها أقلام أقدر النقاد. ومهما يكن من التأكيد الذي يبديه الطرف الأخر , فمن جانبي ينبغي علي أن أعترف بأنني وجدت هذا الأمر من أعسر الأمور” .
وهكذا كان رأي كل من جورتن( Gorton 1751 ) وموسهيم (Mosheim 1755 ) , وجريسباخ (Griesbach 1768) وروسنملر (Rosenmiller 1795) ونيندر( Neander 1826) وأخرين غيرهم .
إلى عهد قريب كان الرأي السائد بأن النص القصير هو الأصل لرسائل أغناطيوس بلا مراء. غير أن المشكلة ظهرت من جديد بناء على إكتشاف ثلاثة من هذه الرسائل مكتوبة بالغة السريانية ضمن الكتب المحفوظة التي أخذت من دير السيدة العذراء مريم ديبارا St.Mary Deipara بصحراء نتريا بمصر, وذلك أن الأرشيدياكون تاطام Tattam الذي زار الدير عام 1842,1839,1838م قد تمكن من الحصول على عدد كبير من الخطوطات القديمة لحساب الحكومة الأنجليزية , وقد أودعت المخطوطات بالمتحف البريطاني , وفحصها الدكتور كورتون Cureton الذي كان موكلا بالقسم السرياني في المتحف فوجد:
1- مخطوطة بها رسالة أغناطيوس إلي بوليكربس , وقد أثبت أنها ترجع إلى النصف الأول من القرن السادس أي قبل عام 550 م .
2- مخطوطة أخرى ارجع كتاباتها إلى القرن السابع أو الثامن وتحتوي على ثلاثة من رسائل القديس أغناطيوس هي :رسالته إلى بوليكاربوس , رسالته إلى روما , ورسالته إلى أفسس .
3- مخطوطة ثالثة بلا تاريخ , أرجعها كورثون إلى وقت “طلب موسى النسيبي Moses Of Nisibius سنة 931م بجمع الكتب ” وقد كتب قبل ذلك التاريخ بثلاث قرون أو أربعة تقريباً .
وقد وجد أن عبارات كثيرة من هذه المخطوطات متآكلة تماماً .
وبناء على هذا الأكتشاف نشر كورتون سنة 1845م مؤلفاً عنوانه “النص السرياني القديم لرسائل القديس إلى القديس بوليكربس وإلى أهل أفسس وأهل روم…إلخ” برهن فيه على أن هذه النصوص هي أضبط النصوص وأدقها. وقد أيد بعض العلماء ذلك مثل المرحوم بنسين Chev.Bunsen والبعض عارضها مثل دكتور هيفيل Hefele .ولازال هناك من يفاضل بين النص المختصر اليوناني والنص السرياني , إذ ينظر البعض إلى النص السرياني كمختصر للنص اليوناني المختصر. وقد أثبت Lighifoot وغيره من العلماء أن النص السرياني هو في الواقع ترجمة قديمة للنص اليوناني المختصر .
وكان يجدر بنا أن نورد النص المطول والمختصر والسرياني…لكنه لا حاجة للتكرار , فالنص المطول هو شرح للمختصر وليس الأصل , والأصل السرياني يقترب جداً من اليوناني المختصر وبه كثير من الفقرات مفقودة… لذلك إكتفيت بذكر النص المختصر .
رسالة إلى أهل روما
مقدمة
هذه الرسالة هي قطعة فنية شيقة تنشد بالحب المتدفق من قلب يتوق لملاقات الرب , وتكشف لنا عن أسر محبة اللهلقلوب المؤمنين في الأجيال الأولى .
رسالة روميا ورئاسة أسقفها
أولاً: يقول الأب فيليب السمرائي الكاثوليك ” يقدم القديس أغناطيوس في رسائله إلى كنائس اسيا النصح والإرشاد ويتحاشى أن “ويأمرها أمراً ” بالرغم من كونه مقيداً بالسلاسل من أجل المسيح ومسافراً إلى روما ليطرح للوحوش حباً به .
وهذا دليل على أستقلال كل كنيسة أستقلالا ًداخلياً إذ لا تخضع مباشرة إلا لأسقفها .
أما في رسالته إلى كنيسة رومية , فإنه يتحاشى أن لا يأمرها فحسب بل يتحاشى أن يسدي لها النصح والإرشاد. وقد ملأها من عاطفة الأحترام البليغ والأعتبار السامي لها , وجل ما طلبه منها مترجياً أن لا تحول دون إستشهاده .
وبهذا القول يظن هذا الآب أنه يثبت رئاسة كنيسة روما على الكنيسة في العالم لكنه نسى:
1- أن هناك دالة قوية بين أغناطيوس وأساقفة البلاد الأسيوية , ومعرفة تامة لكل شؤنهم… لذلك وإن كان قد مدحهم كثيراً كما مدح كنيسة روما لكنه نصحهم وأرشدهم بحكم هذه الدالة .
2- أن أغناطيوس , لكبر سنه وقوة شخصيته وحكمته الإلهية , كان الأساقفة الآخرين وشعوبهم المتضعة يلجأون إليه… دون التفكير في موضوع الرئاسة أو الخضوع له…لأهن حب يسوع والأهتمام بكنيسته , كان يشغلهم حتى لم يبقى لهم وقت للحديث عمن هو الأعظم بينهم ؟!
3- أن كثيراً ما أستخدم أغناطيوس صيغة الأمر في رسالته إلي بوليكربس أسقف سميرنا فهل كان هذا الأسقف خاضعاً لأغناطيوس ؟!
4- إن هدف رسالته لرومية تختلف تماماً عن هدف رسائله الآخرى , فالأواى كان يوجه كل إهتمامه نحو كسبهم بالمحبة ألا يعيقوا اضطهاده… أما الرسائل الأخرى فهدفها حث تلك الكنائس التي حوله للجهاد ونزع الانشقاقات… ألخ .
5- وقد أستخدم أسلوب التحذير القاسي الذي لا يليق أن يوجهه إنسان إلى رئيسه… “رئيس هذا العالم (الشيطان) يفرح باقصائي بعيداً عن الله وإفساد أشتياقي له. ليتكم أيها القاطنون بروما لا تعاونوه… فلا تتحدثوا عن يسوع المسيح بينما تكون أشتياقاتكم على العالم “
6- الموضوع الرئيسي الذي تعرض له في أغلب رسالته هو “وحدة الكنيسة” وقد طالب الشعب بالخضوع للأسقف القائم مقام الله , والكهنة ممثلي مجلس الرسل والشمامسة خدام يسوع المسيح , فأين هو موضوع الخضوع لـأسقف روما ؟!
7- لو كان لأسقف روما حق السيطرة على أساقفة الكراسي الأخرى , لما جاز لأغناطيوس أن يأمر الأساقفة الأخرين كما يظن الأب السمرائي لأنه لم يكن أسقفاً لروما , بل كان الأجدر به أن يطلب من أسقف روما أن يهتم بهذه الكراسي ومشاكلها .
ثانياً: يقول الأب السمرائي ” ويكفي أن نذكر فاتحتها حتى يبان إحترام القديس أغناطيوس لها إلى الكنيسة المترئسة في بلاد الرومان إلى الكنيسة التي ترأس بالمحبة ”
1- ويجيب الدكتور أسد رستم ” والواقع أن هنالك غموضاً في هذين النصين أدى بطبيعة الحال إلى هذا الأختلاف في الرأي فما هي ” أرض الرومان ” بالضبط , وما هو مقدار إتساعها ؟ وإذا كانت الكنيسة تترأس في أرض الرومان فما هو نوع هذه الرئاسة ؟ هل هي رئاسة سياسية أم ثقافية أم أدبية أم روحية ؟ وما هو معنى ” المحبة ” بالضبط ؟ ولماذا خص أغناطيوس هذه الكلمة بأداة التعريف في النص اليوناني ؟
ويقول الدكتور رستم في كتابه ” نحن وروما والفاتيكان ” وتميزت بعض كنائس الكنيسة في هذا الدور الأول بميزات معينة أفاضت عليها شيئاً من النفوذ لم يكن لغيرها.
فالسيد نفسه أسس كنيسة أورشاليم وجميع الرسل عملوا فيها ويعقوب أخ الرب تولى أمورها وفيها عقد أول المجامع ولا تزال وحدها قبلة أنظار المؤمنين في أقطار العالم .
وكنيسة أنطاكية كانت كنيسة عاصمة ولاية الشرق وأكبر مدنه وأهمها وكانت مركزاً ثقافياً هاماً .
ومثل هذا يصح إلى حد بعيد عن كنيسة الاسكندرية , فالاسكندرية كانت لا تزال أكبر مدن الشرق كله وأوسعها متجراً وأسبقها علماً وثقافة وكانت جاليتها اليهودية أهم جاليات اليهود خارج فلسطين ولها كلمتها بينهم فسبقت كنيسة الاسكندرية سائر كنائس الكنيسة إلى التذرع بالعلم والفلسفة والعكف على الأسفار المقدسة والدفاع عن العقيدة فأصبحت هي المعلمة الأولى .
وإذا كانت أنطاكية عاصمت ولاية الشرق وأفسس عاصمة آسيه الساحلية والأسكندرية عاصمة مصر والقيروان , فإن رومه كانت في هذه القرون الأولى عاصمة الأمبراطورية بأسرها , وإليها تشد الرحال وفيها تفصل المشاكل وعنها تصدر الأحكام فأمسى أسقفها ؛ والحالة هذه له خطورته , إذ أن أي تصرف يصنعه إنما يراه الحكام كما لو ارتكبه المسيحيين في الدولة الرومانية .
هذا لا يعني أن لأسقف روما السيطرة على أساقفة العالم لكن مركزه في العاصمة قبل إنقسام المملكة يجعل تصرفاته لها خطورتها مثل ذلك أي تصرف يصدر من أسقف يقطن بين البوذيين أو الملحدين إنما هذا التصرف لا ينسب إلى الأسقف بل كما لو كان صادراً عن كل المسيحين , لأنهم يحتكون بأسقف غيره
هذا قبل انقسام المملكة الرومانية , أما وقد أنقسمت المملكة إلى شرقية وغربية لم يعد لأسقف روما خطورته الأولى وهنا لا أقصد بالخطورة السلطة أو السيطرة إنما كشخص مسئول له مكانته الدينية ورتبته الكهنوتية بين السلطات المدنية
ولكي نعرف كيف حاولت كنيسة روما أن تستغل (بعد ذلك) السلطان المدني في السيطرة على الكنيسة راجع كتاب ” عصر المجامع ”
2- لو صح القول بأن لأسقف روما الرئاسة عليه لوجه الحديث إليه لا إلي كنيسة روما وكان الأجدر به أن يذكر في المقدمة ” إلي الأسقف الرئيس على كنيسة العالم ” لا ” الكنيسة التي ترأس المكان السائد في بلاد الرومان ”
3- لو كان لأسقف روما الرئاسة على الكنيسة الجامعة في العالم , لطلب منه أن يعد أسقفاً لأنطاكية يخلفه لكننا نجده يطلب من شعب روما أن يصلي لأجل كنيسة روما , وهي نفس الطلب الذي ألتمسه في بقية رسائله , بل نجده طلب من بوليكربس الأهتمام بشئون كنيسة أنطاكية أكثر من طلبه لشعب روما في هذا الشأن .
نص الرسالة
فاتحة الرسالة
من أغناطيوس المدعو أيضاً ثيؤفوروس
إلى الكنيسة التي نالت رحمة منالله الآب العلي ويسوع المسيح إبنه الوحيد
أي الكنيسة المحبوبة والمستنيرة بإرادة الله , الذي يريد كل الأشياء بحسب محبة يسوع المسيح إلهنا
إلى الكنيسة المشرفة على إقليم الرومانيين
إلي الكنيسة المعتبرة عند الله , المستحقة للكرامة والسعادة الفائقة والمدح والمستأهلة لنوال كل ما تشتهيه , ولأن تحسب مقدسة , والساهرة على الحب , هذه التي دعيت من المسيح ومن الآب الذي أكرمه في إسم إبنه يسوع المسيح إلى هؤلاء المتحدي الجسد والروح.
إلى كل شخص من العاملين بوصاياه , المملوئين نعمة الله , المتطهرين من كل فساد غريب
أرجوا لكم سعادة فائقة بلا لوم في المسيح يسوع إلهنا
1
إشتياقهم لرؤيتهم
بالصلاة قد وهب لي أن أرى وجوهكم الفائقة الكرامة أمام الله , فنلت أكثر مما طلبت وأنني أرغب في إهدائكم السلام , كأسير في المسيح يسوع , إن أراد الله أن يجعلني مستحقاً لنوال الختام (الأستشهاد) فستكون البداية حسنة (الحكم عليه بالأستشهاد9 إن وهبلي نوال نصيبي دون أن يوجد عائق لذلك حتى النهاية لأنني أخشى من محبتكم أن تسبب لي ضرراً لأنه يسهل عليكم أن تنقذوا ما تشاؤون , ولكنه يصعب علي البلوغ إلى الله إن منعتم إستشهادي)
2
لا تمنعوا إستشهادي
فإذ ترضون الله , أرغب ألا تكونوا مرضين للناس بل لله فإن لم تصمتوا , لن تتاح لي فرصة أخرى للوصول إلي الله , ولن تتاح لكم فرصة لكي تكونوا فيها جديرين بشرف القيام بعمل مجيد هكذا فإن ألتزمتم الصمت من نحوي فسأصير لله , أما إذا أظهرتم محبتكم لجسدي , فسأكون مضطراً. علي العودة ثانية إلى ركوض شوطى
إذن صلوا ألا يوهب لي أحسان أعظم من أن أقدم لله , مادام المذبح لا يزال معداً. ففي أجتماعكم معاً بمحبة غنوا لله أغنية شكر للآب بالمسيح يسوع , لأن الله حسبني – أنا أسقف سورية – مستحقاً أن أرسل من الشرق إلى الغرب ( وأصير شهيداً لأجل آلامه المجيدة )
جيد لي أن أرحل من العالم إلى الله لأقوم في الله مرة أخرى
3
إتركوني لأكون مسيحياً بالعمل لا بالإسم
إنكم لم تحسدوا أحداً قط , بل كنتم معلمون للآخرين والأن أطلب اليكم أن تؤيدوا تعاليمكم لآخرين بسيرتكم. فعليكم فقط أن تطلبوا لي قوة داخلية وخارجية حتى لا أكون متكلماص فحسب بل وبالحقيقة عاملاً فلا أدعى مسيحيا بالكلام فقط بل أن أوجد بالحق هكذا لأنني إن وجدت بالحق مسيحياً , فسأكون مدعواً مسيحياً بالأسم أيضاً وعندما لا أعود أظهر في العالم ( بعد إستشهادي ) أحسب مؤمناً فكل الأشياء المنظورة غير أبدية ” لأن التي ترى وقتية , أما التي لا ترى فأبدية ”
( فالإنسان لا يكون مسيحياً بسبب معتقداته , بل نتيجة القوة فإن كان العالم يبغضه فأن الله يحبه فالكتاب المقدس يقول ” لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته , ولكن لأنكم لستم من العالم بل أنا أخترتكم من العالم , لذلك يبغضكم العالم “ )
4
حرضوا الوحوش علي
إنني أكتب إلى الكنائس ( الآخرى ) وأشدد عليها جميعها بأنني سأموت أختياراً لأجل الله ما لم تمنعوني أنتم من ذلك
أطلب إليكم ألا تظهروا لي عطفاً في غير أوانه , بل أسمحوا لي أن أكون طعاماً للوحوش الضارية , التي بواسطتها يوهب لي البلوغ إلى الله أتركوني أطحن بأنياب الوحوش لتصير قبراً لي , ولا تترك شيئاً من جسدي , حتى إذا مت لا أتعب أحداً فعندما لا يعد العالم يرى جسدي , أكون بالحق تلميذ للمسيح
توسلوا إلى المسيح من أجلي حتى أعد بهذه الطريقة لأكون ذبيحة لله
إنني لا أصدر إليكم أوامراً كبطرس أو بولس , لأنهما رسولين أما أنا فأنسان مدان إنهما قد تحررا , أما أنا فلا زلت إلى الآن عبداً ولكنني حين أتألم أكون محرراً بيسوع وأقوم ثانية محرراً فيه والأن بكوني أسير أتعلم أن لا أشتهي شيئاً عالمياً أو باطلاً
5
لأحتمل كل شئ من أجل الوصول إلى يسوع
من سورية إلى رومية وأنا أقاتل وحوشاً , في البر والبحر , ليلاً ونهاراً , مقيداً لعشرة نمور , أقصد بهم الجنود الذين رغم ما يأخذونه من الهبات إلا أنهم يظهرون لي كل شر غير أنني أنتفعت من شرورهم , إذ أعمل كتلميذ المسيح ” لكنني لست بذلك مبرراً ”
ليتني أتمتع بالوحوش الضارية التي أعدت لي فإنني أصلي أن يكون لها شغفاً أكثر لتنقض علي وأنني سأعرضها لتفترسني سريعاً حتى لا تعاملني كما تعامل البعض إذ لا تمسهم لأن الخوف قد إنتزع منهم فإنها لم تشأ أن تهجم علي فسألزمها بالهجوم علي
سامحوني على هذا , فإنني أعلم بما هو نافع لي الآن قد بدأت أن أكون تلميذاً وأنني لا أترك شيئاً منظوراً أو غير منظور يعوقني عن الوصول إلى السيد المسيح
ليت النار والصليب ليت جماعات الحيوانات المفترسة ليت التمزيق والكسر خلع العظام وبتر الأعضاء تقطيع الجسد كله إرباً وليت كل عذابات الشيطان تنصب علي , لكنني لأصلي فقط إلى يسوع المسيح
6
بالموت أنال الحياة
إن كل مسرات العالم وجميع ممالك الأرض لا تنفعني شيئاً فخيراً لي أن أموت من أجل يسوع المسيح عن أن أملك كل ممالك الأرض “لأنه ماذا ينتفع الأنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه”
إنني أبحث عن ذاك الذي مات لأجلنا, وأشتاق إلي من قام أيضاً لأجلنا هذا هو الربح الذي أدخره لنفسي
سامحوني أيها الأخوة لا تعوقوني عن الحياة إشتاقوا ألا أبقى في حالة موت , لا تسلموني إلى العالم مادمت أرغب في أن أكون من خاصة الله اسمحوا لي أن أنال النور البهي عندما أذهب إلي هناك , حيث أكون بالحقيقة رجل الله فإن من كان المسيح في داخله , فليتأمل فيما أطلبه , وليترفق بي إذ يعرف كيف أنا محصور
7
سبب اشتياقه للاستشهاد
رئيس هذا العالم ( الشيطان ) يفرح باقصائي بعيداً عن الله وإفساد أشتياقي له ليتكم أيها القاطنون بروما لا تعاونوه ( الشيطان ) بل تكونوا في جانبي أي مع الله فلا تتحدثوا عن يسوع المسيح بينما تكون أشتياقاتكم في العالم
لا تتركوا للجسد مكاناً فيكم , حتى إذا نصحتكم به وأنا حاضر بينكم , بل أنصتوا إلي واثقين فيما أكتبه اليكم فرغم كوني حياً أثناء كتابتي لكم , لكنني أشتاق للموت
محبتي قد صلبت , فلا تضطرم في نار محبة شئ ما , بل يحيا في داخلي ماء حياً يتحدث في , من الداخل قائلاً ” تعال إلي الآب”
لست أبتهج بطعام فاسد , ولا بملذات هذه الحياة لكنني أشتهي خبز الله , الخبز السماوي , خبز الحياة , الذي هو جسد يسوع المسيح , إبن الله , الذي صار من نسل داود وابراهيم
كما أشتهي شراب الله أي دمه , الذي هو محبة غير فاسدة وحياة أبدية .
8
صلوا لأجلي
لست أشتاق بعد للحياة كبقية الناس , وأشتياقي هذا سيتم إن وافقتم عليه لتتحقق أشتياقاتكم أنتم أيضاً !!
أتوسل اليكم بهذا الخطاب الوجيز , أن تثقوا في , فسيكشف لكم يسوع المسيح هذا الأمر الذي أتكلم به بالحق إنه الفم الذي يتكلم به الآب حقاً , فهو لا ينطق باطلاً قط
صلوا لأجلي لأنال اشتياقي فإنني لا أكتب لكم حسب الجسد , بل بحسب أرادة الله فإن كنت سأتألم فستكونون قد أحبتموني , أما إذا رفضتم فتكونون قد أبغضتموني
9
صلوا لأجل كنيسة سورية
اذكروا في صلواتكم كنيسة سورية , فإن الله الأن راعيها عوضاً عني يسوع المسيح وحده يسوسها , ومحبتكم ترعاهم أيضاً أما عن نفسي فلست أستحق أن أدعى واحداً منهم , فإني بالحقيقة آخر الكل فيهم ولكنني إن كنت أبلغ إلى الله فسأكون قد رحمت لأصير شيئاً
السلام لكم من روحي ومحبة الكنائس التي أستقبلتني في اسم يسوع المسيح – لا كعابر طريق – فحتى الكنائس البعيدة عن طريقي– بحسب الجسد – جائت لتقابلني وتتبعني من مدينة إلى آخرى
10
خاتمة الرسالة
والآن اكتب اليكم هذه الأمور من سميرنا ( أزمير ) على يد الأفسسيين الذين نالوا أستحقاق سعادة فائقة معي أيضاً كروكس Crocus أحد أعزائي المحبوبين , ومعي أيضاً كثيرين
أما الين سبقوني إلى روما من سورية , فأظن أنكم قد عرفتوهم , راجياً أن تبلغوهم بقرب مجيئ هؤلاء يعتبرون أمام الله وأمامكم , فيليق بكم أن تريحوهم في كل شئ.
أكتب اليكم هذه الأمور عشية اليوم التاسع من شهر ( سبتمبر ) وفي الختام أستودعكم في صبر يسوع المسيح آمين .
رسائله الأخرى
تحدثت رسائله الست الأخرى عن حقائق إيمانية ومبادئ عملية حية , لذلك آثرت أن أذكر فكرة موجزة عن كل رسالة مع عرض لمقتطفات منها مرتبة بحسب المواضيع حتى يستطيع القارئ أن يلم بالعناصر الخاصة بموضوع واحد دون البحث بين الرسائل .
1- رسالته إلى كنيسة أفسس
بدء الرسالة بمدحها إذ قال ” المستحقة كل غبطة , المباركة في عظمة وملء الله الآب. السابق أختيارها قبل كل زمان لتكون دائماً لمجد ثابت لا يتحول , متحدة ومختارة بعاطفة حقيقية ” أشكرهم على الوفد الذي أرسلوه في أزمير لأستقباله
أطال الحديث معهم عن الوحدة وأحترام الأسقف كما حذرهم من المعلمين الكذبة مشبهاً إياهم بالوحوش الضارية والكلاب الشرهة التي تعض في الخفاء كما حدثهم عن طريق الشهادة الحقيقية ليسوع بين الأشرار
وحدثهم عن حقائق ثلاث مخفية عن الشيطان “ويجب أن تعلموا أن عذراوية مريم كانت مخفاة عن رئيس هذا العالم (الشيطان) كذلك نسلها ( ميلاد المسيح ) , وكذلك موت الرب تلك أسرار ثلاثة شهيرة صنعها الله في صمته الإلهي “
أخيراً يطلب منهم الصلاة لأجل نفسه ولأجل كنيسة أنطاكية .
2- رسالته إلى كنيسة مغنزيا
كشف لهم في المقدمة عن هدف رسالته ” إذ أخبرت عن محبتكم وتقواكم وحسن نظامكم , وفرحت فرحاً عظيم , وقصدت أن أتحدث معكم عن إيمان يسوع المسيح أود ان أوصي الكنائس بالوحدة الجسدية والروحية ” , مظهراً فرحة بخضوع الكهنة للأسقف , ولوحدت كنيستهم
وإذا كان أسقفهم لازال شاباً حذرهم لئلا يكون ذلك مدعاة لعدم إعتباره وإحترامه كأسقف
وقد ميز هنا بين درجات ثلاث كهنوتية ” شماس , قس , أسقف ”
كما حذرهم من التعاليم الباطلة والمبادئ اليهودية كضرورة التهود قبل أن يصيروا مسيحين
ويقول لهم بأنه ينصحهم لا لشر فيهم إنما هم أفضل منهم , بل ليزدادوا حرصاً من التعاليم الغريبة وتمسكاً بالإيمان الصحيح ولتزداد وحدتهم .
وأخيراً يطلب صلواتهم لأجل نفسه ولأجل كنيسة أنطاكية .
3- رسالته إلى كنيسة تراليا
عبر لهم عن فرحه بوحدتهم , ثم عاد يطالبهم بالخضوع للأسقف كما للرب , والقسوس كما للرسل , والشمامسة الذين هم خدام أسرار يسوع المسيح .
أما موضوع هذه الرسالة الرئيسي فهو حقيقة تجسد الرب , مظهراً لهم بطلان القائلين بأن يسوع حمل جسداً خيالياً و تظاهربالموت و القيامة .
4- رسالته إلى كنيسة فيلادلفيا
عبرلهم عن فرحه لوحدتهم بأسقفهم التقى الوديع ، ثم حذرهم من التعاليم الغريبة التى شبهها بنباتات سامة لم يغرسها الرب . وقد حدثهم عن الوحدة فمنعهم من الأشتراك فى أفخارستيا غير واحدة ، حاثاً إياهم على الاتحاد مع الأسقف والقسوس والشمامسة
5- رسالته إلى كنيسة سميرنا
في هذه الرسالة يحذرهم أيضاً ممن يدعون بأن جسد المسيح خيالي ، و قد شبه الهراطقة بحيوانات شريرة في شكل بشري . كما يحثهم على الأتحاد مع الأسقف والقسوس والشمامسة .
6- رسالته إلى بوليكاربس الأسقف
كتب فيها يحثه على متابعة جهاده ، مقدماً له نصائح للرعاية وتحذيرات من الهراطقة . وقد قدم نصائح للمتزوجين وغير المتزوجين والمتبتلين . وقد وجه نصائح لكافة المؤمنين .
وقد رجاه أن يكتب رسائل إلى الكنائس القائمة بين أزمير وأنطاكية نيابة عنه لأنه ركب البحر إلى رومية دون أن يبقى له متسع من الوقت للكتابة .
أهم الحقائق الإيمانية و الأخلاق المسيحية:
المسيــــــــــــح أحد الأقانيم الثلاثة
ردد أغناطيوس الأنطاكي ذكر الثالوث الأقدس ” الآب ، الأبن ، الروح القدس ” كثيراً ، و إن كان لم ترد في رسائله كلمة ” أقنوم ” .
كما تحدث عن المسيح كإله ، أختبر عمله في حياته كمخلص له من خطاياه وعامل في الخدمة التي سلمه إياها .
تجسده الحقيقي
المعجزات التي في هذا العصر يحاول المؤمنون أن يثبتوا لاهوت المسيح لمنكري لاهوته ، فجاعة شهود يهوه التي تدعى المسيحية تنكر لاهوت المسيح . وغير المسيحين لا يقنعوا بلاهوته هذه الروح يختلف عن روح العصور الأولى . ففي الجيل الأول رأى المؤمنون أو سمعوا عن ملايين تمت على يدى ، وعن أقامته للموتى وسلطانه على البحر والبر والشياطين والأسماك والخنازير … وشخصيته الفريدة التي شهد عنها ألد أعدائه .. كل هذا بجانب عمل رسالة إلى سميرنا
لأنه إن كانت هذه الألآم وقعت على ربنا من الظاهر ، فأنا أيضاً أكون مقيداً بحسب الظاهر ( و ليس حقيقة ) .
و لماذا أدفع نفسي إلى الموت ، إلى النار ، إلى السيف ، الي الوحوش الضارية الروح القدس في حياة التلاميذ الضعفاء الذين صاروا قادة لهم صفات جديدة وقوة غريبة هذا كله مع عوامل أخرى سنذكرها في حياة بوليكربس دعى البعض أن ينكر ناسوت المسيح .
ما أسهل على هؤلاء الرجال أن يؤمنوا بلاهوت السيد المسيح ، لكن ما أصعب ان يتصوروا هذا الأله متجسداً !! لهذا ظهرت بدعة تنادي بأن السيد المسيح أخذ جسداً خيالياً ، وأنه تظاهر بالموت والدفن و القيامة.
صموا آذانكم عن كل من يكلمكم بخلاف الحقيقة عن يسوع المسيح الذي هو من نسل داود ومن أحشاء مريم أيضاً . الذي ولد حقاً وأكل وشرب . إنه بالحقيقة إضطهد في عهد بيلاطس البنطي ، الذى بالحق صلب ومات أمام السمائين والأرضيين ومن هم تحت الأرض .أنه حقاً قام من الموت . لقد أقامه الآب والذى سيقيمنا نحن أيضاً فيه بالمسيح يسوع .
ولكن أذا كان حقاً ما يقوله بعض البعيدين عن الله أي غير المؤمنين بأن المسيح بدا كما لو صار إنساناً ، فلأي سبب أذن أنا موثق بهذه القيود ؟! ولماذا أشتهى أن أطرح للوحوش الضارية ؟! هل أموت أنا عبثاً وأكون منافقاً ومزوراً ضد صليب المسيح ؟!
رسالته إلى كنيسة تراليا
لقد أحتمل السيد المسيح هذه الأمور لأجلنا حتى نخلص . لقد إحتملها حقيقة حتى أنه حقيقة أقام نفسه ، و ليس كما يعتقد بعض غير المؤمنين ، بأنه بدى كما لو كان قد أحتمل ، ذلك لأنهم هم أنفسهم يبدوا كما لو كانوا مسيحين .
فإني أعرف بأنه بعد القيامة لم يزل له جسد ، بل أعتقد أنه الى الآن هو كذلك . فمثلا قال لهم “جسوني و أنظروا فإنني لست روح بلا جسد ” و للحال لمسوه وآمنوا إذ أقنعوا بجسده وروحه .و لهذا السبب أيضاً أحتقروا الموت و صاروا عالين أياه .
؟! لكن حقيقة أن الذى يقترب الي السيف ( ليستشهد ) يقترب من الله .والذي يوجد بين الوحوش تكون له شركة مع الله …
أنني أحتمل هذا كله لكي أشارك ذاك الذي صار إنساناً كاملاً ليقويني داخلياً.
رسالة إلى سميرنا
الرعاة و الرعية – حب الرعاة
تعاني الكنيسة اليوم من إثارة العدو الماكر الحرب ضد الرعاة ، حتي يبدد الرعية .وهذا ما عانت منه الكنيسة منذ خلقتها . فقد وجه السهام ضد بولس الرسول في كورنثوس فأنشقت الي أربعة أحزاب ، حزب يدعى التبعية لبولس مبشرهم الأول ، والثاني يدعى التبعية لأبولس بسبب حكمته ، وثالث لبطرس لأنه رسول اليهود فحسبوه أنه سيطالب بضرورة تهود الأمم قبل قبولهم فى المسيحية ، ورابع حسب نفسه يتبع المسيح وقد فند الرسول
في رسالتيه ألاعيب العدو مظهراً ضرورة عدم التمييز بين الرعاة .
ويوحنا ذهبي الفم ، في عصره عانت الكنيسة من أدعاء البعض بأن الكهنة غير أمناء على أموال الكنيسة وقد عالج هذه المشكلة في تفسيره لرسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس .
وها نحن لا نزال إلي اليوم نجد العدو يحارب الكنيسة فيشخص رعاتها ، بطرق مختلفة . لذلك يلزمنا الخضوع للكهنة حتى نكسر سطوة الشيطان ، مهما كانت سيرتهم أو سمعنا عن ضعفاتهم .
ليته لا يصنع أحد شيئاً يخص الكنيسة بدون أستشارة الأسقف .
رسالة إلى سميرنا
في طاعتهم وحدة للكنيسة
الحب الأ أسكت من جهتكم فإنني أضع على عاتقي أن أنصحكم أولا ً بأن تسيروا بحسب أرادة الله . فإن كان حتى يسوع المسيح، الذي هو حياتنا غير أخضعوا للأسقف ، وليخضع كل منكم للأخر خضوع المسيح للآب حسب الجسد ، وخضوع الرسل للآب والأبن والروح القدس ، حتى تكون بينكم وحدة بحسب الجسد والروح معاً
رسالة إلى مغنزيا
أنكم كأبناء للنور والحق ، أهربوا من الانقسام والتعاليم الشريرة ، بل حيثما وجد الراعى أتبعوه فهناك كثير من الذئاب التى تظهر كما لو كانت تستحق المديح ، هؤلاء الذين بإرادتهم الشريرة يأسرون الذين يجرون نحو الله ، و لكن هؤلاء ليس لهم مكان فى وحدتكم .
رسالة إلى فلادلفيا
الأسقف يعلن إرادة الله
إذ يلزمني المنفصلة عنا ، أعلن أرادة الاب ، هكذا أيضاً الأساقفة المقامين في كل شئ لحمل أعظم الوثق الأرضية هم كذلك بإرادة يسوع المسيح . لذلك يليق بكم أن تسلكوا معاً بحسب إرادة أسقفكم الأمر الذي أنتم تفعلونه .
لنحذر لئلا نجعل أنفسنا مقاومين للأسقف ، حتى نكون رعية الله .
رسالة إلى أفسس
من يكرمهم يكرم الذي أرسلهم
ينبغي علينا أن نقبل أي إنسان أرسله رب البيت ( الله ) ليكون رئيساً على البيت , مادمنا نحن الذين طلبنا إليه أن يرسله
إنه من الواضح إذن أنه ينبغي علينا أن ننظر للأسقف كما للرب نفسه
رسالته إلى أفسس
يخدمون الأسرار
الكاهن ينبغي طاعته وتكريمه , لا لشخصه ولا لقدرته أو فهمه , إنما لأن الله قد إئتمنه على الأسرار الإلهية فأن كان قديساً أو شريراً , متعلماً أو جاهلاً تتم على يديه الأسرار فنحن لا ندين الكاهن , إنما الله هو الذي يدينه نحن نرى فيه الروح القدس الذي يتمم على يدي الكاهن الأسرار الإلهية ، والله الموكل سيدين موكليه بكل دقة.
يعتبر سر التناول صحيحاً , ذاك الذي يقوم بخدمته الأسقف أو من يعهد به إليه ( الكهنة )
بدون الأسقف ( أو الكهنة ) لا يجوز العماد أو إقامة ولائم المحبة , ولكن كل ما يوافق عليه الأسقف ويكون مقبولاً من الله , فإن كل ما يفعل يكون مضموناً وثابتاً .
رسالته إلى سميرنا
لنطيعهم بلا رياء
والآن يجدر بكم ألا تعاملوا الأسقف بدالة بسبب حداثته , بل قدموا له كل إحترام وخضوع وفقاً لمشيئة الله الآب , كما يفعل الكهنة الأتقياء , إذ لا يحكمون عليه بسرعة لمجرد حداثة أسقفهم.
فإذ هم حكماء فى الله يخضعون للأسقف ، بل بالحري لأبي يسوع المسيح رئيس كهنتنا ( أسقفنا ) جميعاً . لذلك يليق بكم أن تطيعوا أسقفكم بدون رياء ، تكريماً لله الذى يريد منا أن نفعل هكذا . فمن لا يفعل هذا لا يخدع بالحقيقة الأسقف المنظور بل يسخر بالله غير المنظور . فهذا العمل لا يخص إنسان بل الله العالم بكل الأسرار .
رسالة إلى كنيسة مغنزيا
وصايا للرعاة
سجل لنا أغناطيوس في رسالته الى زميله بوليكربس إختباراته الرائعة فى ضرورة إهتمام الراعي برعيته ، جاء فيها :
– إنني أتوسل اليك بالنعمة التي فيك ، أن تجاهد فى طريقك وتحث الجميع على خلاصهم .
– أهتم بحفظ الوحدة التى لا يفوقها شئ آخر
– إحتمل الجميع كما إحتملك الرب . أسند الكل بالمحبة كما أنت تفعل الآن
– قدم نفسك للصلاة بلا إنقطاع
– أطلب أن يزداد الفهم الذى قد نلته
– كن يقظاً وليكن فيك روح لا ينام
– حدث كل إنسان على إنفراد بقدر ما يهبك الرب من قدرة
– إحتمل ضعفات الآخرين كمصارع كامل فى الحياة المسيحية ، فكلما أزداد العمل كان الربح أكثر
– إن كنت تحب التلاميذ الصالحين ، فأنك لا تستحق الشكرعلى هذا ، لكن بالحرى اخضع المشاغبين بالوداعة لكل جرح ( لزقة Plaster) خاصة واجه حرب المرض الشديد بدواء اللطف كن في كل شئ ، حكيماً كالحية ووديعاً كالحمامة
– كن يقظاً كمصارع لله ، فإن الجعالة التي أمامك هي الحياة الأبدية و الخلود
– ليعمل بعضكم مع بعض ، جاهدوا معاً فى شركة ، أسعوا معاً ، أحتماوا معاً كالوكلاء و الشركاء وخدام الله أبهجوا الله الذي تحاربون تحت قيادته ، و الذي منه تنالون الأجر لا يكن بينكم انساناً منفرداً على حدة
– كونوا طوال الأناة كل مع الأخر ، في وداعة ، كما الله معكم
– لا تسمح لأولئك الذين يبدون كمستحقين للكرامة ، لكنهم يعلمون تعاليم غريبة أن يخيفونك كن ثابتاً كالسندال الذي يضرب ، فإن من صفات المصارع النبيل أن يجرح لكنه ينتصر . فنحن نحتمل كل شئ لأجل الله حتى يحمل هو معنا .
– كن دائماً أكثرغيرة مما أنت عليه
– قدر دائمأ قيمة الوقت
– لتكن أجتماعاتك دائماً مستمرة ، وإسأل عن كل شخص باسمه لا تحتقر العبيد ، ذكوراً أو أناث ولكن لا تدعهم ينتفخون بغش ، بل بالحرى يخضعون أكثر لأجل مجد الله ،حتى ينالوا من الله حرية أفضل .
رسالة إلى بوليكربس
محاربة أصحاب البدع و الانشقاقات
أسهب القديس فى ضرورة الخضوع للرعاة الحقيقين , كما أسهب في تحذيرنا ممن يدعون الرعاية وهم ذئاب خاطفة أو حيوانات مفترسة في زي بشري الذين لهم أسم يسوع لكنهم يقسمون جسد المسيح الواحد ويشقونه فأن كانت وصية المسيح ” هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم “ لذلك من يقسم الكنيسة جسد المسيح , مهما كان له من صورة التقوى , ومهما أدعى من تمسكه بالكتاب المقدس فهو أبعد ما يكون عن معرفة المسيح
هؤلاء حذرنا منهم الرسول يوحنا الحبيب قائلاً ” إن كان أحد يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة ” 2يو11.
– كذلك من المربح أن تعيشوا في وحدة غير معيبة , وبذلك يمكنكم أن تتمتعوا بالشركة مع الله.
لا يخدعن أحد نفسه , فأن كان أحد خارج عن المذبح فأنه يحرم من خبز الله لأنه إن كانت صلاة شخص أو شخصين لهما قوة كهذه , فكم بالحري تكون صلاة الأسقف مع كافة الكنيسة !!!
لذلك فمن لا يجتمع مع الكنيسة يعلن عن كبريائه ، ويدين نفسه . لأنه مكتوب ” الله يقاوم المستكبرين ”
رسالة إلى أفسس
– لأنه قد إعتاد البعض أن يحمل أسم يسوع المسيح بمكر خبيث بينما لا يزالون يفعلون ما لا يليق بالله ، هؤلاء يجب الهروب منهم كما من وحوش مفترسة ، فانهم كلاب شرهة تعض فى الخفاء .لنحذر منهم بقدر ما هم إناس يصعب شفائهم …
لاتدعوا أحد يضلكم كما أنتم غير ضالين ، إذ أنتم مكرسون بالكلية لله . لأنه حيث لا يوجد بينكم خصام يضايقكم ، فحقاً أنتم تعيشون بحسب إرادة الله …
رسالة إلى أفسس
– لنجتنب كل إنشقاق لأنه بداية الشرور .
– إنه من المناسب أن تنعزلوا عن أمثال هؤلاء ، ولا تتحدثوا عنهم لا في الأحاديث الخاصة أو العامة ، بل لنهتم بالأنبياء وفوق الكل بالإنجيل الذى يخبرنا بالآم المسيح ويؤكد لنا القيامة
الرسالة إلى سميرنا
– حيثما وجدت أنشقاقات وسخط ، لا يسكن الله . هؤلاء جميعاً إن تابوا يغفر الرب لهم إن عادوا إلى الأتحاد بالله وإلى الأرتباط مع الأسقف .
رسالة إلى فيلادلفيا
– مع أنني سمعت بعض أقوالهم إليكم بتعاليم باطلة، هؤلاء الذين لا تطيقوا أن نروهم بينكم ، بل تسدوا آذانكم حتى لا تقبلوا تلك الأشياء التي يزرعونها بينكم ، لأنكم حجارة في هيكل الآب وقد صرتم معدين لبناء الله الآب ، ورفعتم بأداة ( آلة ) يسوع المسيح التي هي الصليب ، مستخدمين الروح القدس كرباط ( أتصال )،وإيمانكم كان الطريق لصعودكم وحبكم هو الطريق الذي قادكم الى الله.
رسالة إلى أفسس
– لكنني أحذركم مقدماً من تلك الوحوش التى لها مظهر البشر ،هؤلاء ليس فقط لا تقبلوهم ، بل إن أمكن لا تلتقوا معهم . لكن صلوا من أجلهم لله ، لكي يعيدهم إلى التوبة بأي طريق رغم صعوبتها . فإن يسوع المسيح حياتنا الحقيقية له قدره على ذلك
الرسالة إلى سميرنا
– أحفظوا أنفسكم من كل نبات شرير لم يقمه يسوع المسيح، لأنهم ليسوا من زرع الآب . أنني لا أريد أن يكون بينكم أى أنشقاق بل نقاوة متزايدة فإذ كثيرون هم من الله والرب يسوع فإنهم مع الأسقف ، وإذ كثيرون سيذوقون التوبة فإنهم يعودون الى وحدة الكنيسة ، وبالتالي ينتمون الى الله ويعيشون بحسب يسوع المسيح .
لا تخطئوا يا إخوتي فإن من يتبع الذي يسبب إنشقاق في الكنيسة لن يرث ملكوت الله .
اهتموا أن يكون هناك قربان مقدس واحد ، لأنه يوجد جسد واحد لربنا يسوع المسيح وكأس واحد لوحدة دمه .مذبح واحد ، وأسقف واحد ينتمي له الكهنة والشمامسة ، زملائي الخدام ، وعندئذ كل ما تفعلونه تصنعونه بحسب إرادة الله .
رسالة إلى مغنزيا
– أنني لم أجد من الصالح أن أذكر أسماء ( هؤلاء المبتدعين ) لأنهم غير مؤمنين , فإنني لن أشير إليهم ما لم يتوبوا ويرجعوا إلى الإيمان الحقيقي .
الرسالة إلى سميرنا
تمسكوا بالإيمان المسلم لكم
– اجتهدوا أن تكونوا ثابتين في تعاليم الرب والرسل ولتنجحوا فى كل ما تصنعونه, جسدياً وروحياً , بإيمان ومحبة, في الآب والأبن والروح القدس , في البداية والنهاية, وذلك مع أسقفكم جزيل الأعتبار والتاج الروحي لكهنتكم وشمامستكم الذين هم في الله .
رسالة إلى مغنزيا
كيف نشهد ليسوع
يتحدث أغناطيوس عن شهادتنا ليسوع أمام الأمم كأسقف مختبر عرف كيف يربح نفوساً كثيرة للمسيح لذلك لسنا ننتظر منه كلاماً منمقاً أو مجرد حديث شيق , بل أختبار عملي , يمكن لنا أن نتلامسه في حياتنا العملية.
الصلاة من أجل الأشرار
أختبر أغناطيوس قوة الصلاة في الخدمة لذلك لم يكف عن طلب الصلاة لأجل شعبه في رسائله للشعوب الآخرى ليس كعادة … بل في شعور حقيقي بأحتياجه وأحتياج شعبه لها.
– صلوا بلا أنقطاع من أجل الآخرين , فإنه يرجى فيهم التوبة لعلهم يبلغون إلى الله .
الرسالة إلى أهل أفسس
القدوة الحسنة أمامهم
البشارة بيسوع ليست تبشير بكلمات أو مجرد مجموعة عقائد لاهوتيات بل هي إعلان عن عمل يسوع المخلص في حياتنا أمامهم.
– إسمحوا إذن أن تجعلوهم يتعلمون بأعمالكم ( قدوتكم ) أن لم يكن بطريق آخر قابلوا غضبهم بالهدوء ، و كبريائهم بالوداعة , وتجديفاتهم بالصلوات ومقابل سقطاتهم أثبتوا في الإيمان , و مقابل قسوتهم أظهروا رفقكم .
– خير للإنسان أن يصمت ويكون مسيحياً , من أن يتكلم ولا يكون كذلك حسنا ان يعلم إن كان الذى يتكلم يعمل ايضاً .
رسالته إلى أفسس
الترفق بهم
– وإذ نحرص ألا نقلدهم في سلوكهم , نظهر لهم الأخوة بكل رأفة حقيقية .
الرسالة إلى أهل أفسس الحب الأخوي
– ليخدم كل منكم الأخر , و لينظرن كل إلى قريبه لابحسب الجسد، بل أحبوا بعضكم بعضاَعلى الدوام في يسوع المسيح. لا تسمحوا لأمر ما ان يسبب أنشقاق بينكم , بل اتحدوا مع أسقفكم ومن له سلطان عليكم .
الرسالة إلى مغنزيا
– أهتموا أذن أن تجتمعوا معاَ غالبا لتقدموا التشكرات لله و لترفعوا له تسبيحاً . لأنه حيث تكثون الإجتماع في مكان واحد تنهزم قوات الشيطان . ووحدة إيمانكم تحفظكم من الهلاك الذي يقصده بكم .
لا شئ أثمن من السلام الى يخمد كل حرب سواء في السماء أو على الأرض .
الرسالة إلى أفسس
– إلبسوا إذن لباس الوداعة , تجددوا في الإيمان وفي الحب .
لا يحمل أحدكم حقداً على آخر .
لا تفسحوا مجالاً للأمم , لأنه بسبب قليل من المؤمنين تنطق الأمم بشر , فإنه ” ويل لذلك الذي يجدف على إسمي بسببه بين الأمم “
بوليكربس في صباه
ولد بوليكربس حوالي سنة 70م وتنصر في صباه , ويروي عنه كلارك C . P . S Clarke القصة التالية :
” كانت هناك سيدة تقية , له أعمال صالحة تدعى ” كالستو Callisto ” , ظهر لها ملاك من الله 454 في أحد الليالي وقال لها في حلم ” كاليستو . إستيقظي وإذهبي إلي بوابة الأفسين Ephesian , وعندما تسيري قليلاً ستلتقين برجلين معهما ولد صغير يدعى ” بوليكربس ” , إسأليهما إن كان هذا الولد للبيع . وعندما يجيبانك بالأيجاب إدفعي لهما الثمن المطلوب , وخذي الصبي وإحتفظي به عندك . إنه طفل شرقي… ” .
أطاعت كاليستو الرؤيا فوجدت كل ما قيل لها عنه في الرؤيا , فاشترت بوليكربس وأودعته منزلها , وعندما نمى جعلته مدبراً لممتلكاتها .
حدث مرة أنها سافرت لأمر ما , فجعلت بوليكربس أميناً على مخازنها . فالتفت حوله الأيتام والأرامل والمحتاجون , كل يطلب إحتياجه . وإذا كان بوليكربس ينفذ الوصية ” من سألك إعطه” بإيمان وفي حرفية , أفرغ كل المخازن على المحتاجين. فلما عادت كاليستو أخبرها العبد زميله بما فعله بوليكربس فأستدعته وطلبت منه مفاتيح المخازن , فلما فتحت المخازن وجدتها مملوءة كما كانت. فأمرت بعقاب العبد الذي وشى ببوليكربس .
لكن للحال طلب بوليكربس من السيدة أن تعفو عنه , معترفاً لها بحقيقة الأمر , أنه أفرغ جميع المخازن في عطائه للفقراء . فأندهشت كاليستو من هذه المعجزة حتى تبنت بوليكربس ليرث ممتلكاتها بعد وفاتها .
وإذ كان بوليكربس مسيحياً مؤمناً , لم تؤثر الثروة الطائلة على محبته لله وإيمانه .
ومن أعماله الطيبة التي أوردها عنه كلارك أنه كان يذهب إلى الطريق الذي يعود منه حاملي الحطب من الضواحي , فكان يختار أكبرهم سناً ويشتري منه الحطب ويحمله بنفسه إلى أرملة فقيرة .
V V V
بوليكربس الكاهن
يذكر كلارك أيضاً بأن بوكوليس Bucolus أسقف سميرنا رسمه شماساً , فقام بالتبشير بالمسيحية بالكلام ( الوعظ والتبشير ) والقدوة الطيبة , مواجهاً الأمم واليهود والهراطقة . ثم رسمه كاهناً وقد شهد عنه الأسقف قائلاً بأنه يدرك أن بوليكربس ممتاز جداً حتى يليقأن يكون مشيراً له ومشارك له في التعليم .
وقد رسم بوليكربس وهو صغير السن , رغم أن درجات الكهنوت لم تكن تعطى إلا لكبار السن .
بوليكربس أسقف سميرنا
جاء في الكتاب الثالث ضد الهراطقة للقديس أيريناوس الشهيد أسقف ليون تلميذ القديس بوليكربس ما يلي ” وأما بوليكربس أيضاً ليس فقط قد تعلم بواسطة الرسل , في آسيا أقيم أسقفاً في سميرنا. هذا الذي رأيته أيضاً في صغري ” .
والذي أقام بوليكربس أسقفاً هو يوحنا الحبيب قبل أن ينفى إلى جزيرة بطمس كقول ترتليان .
قد ذهب البعض إلى أن ما جاء في سفر الرؤيا بخصوص ملاك كنيسة سميرنا , يقصد به بوليكربس , وهو الوحيد بين الأساقفة السبعة الذي وجده السيد المسيح باراً خالياً من كل عيب أو لوم إذ خاطبه قائلاً ” وأكتب إلي ملاك كنيسة سميرنا. هذا يقوله الأول والآخر الذي كان ميتاً فعاش. أنا عارف أعمالك وضيقتك وفقرك . مع أنك غني. وتجديف القائلين أنهم يهود وليسوا يهوداً بل هم مجمع الشيطان . لا تخف البته مما أنت عتيد أن تتألم به. هوذا إبليس مزمع أن يلقي بعضاً منكم في السجن لكي تجربوا ويكون لكم ضيق عشرة أيام. كن أميناً إلي الموت فسأعطيك أكليل الحياة ” رؤ 2: 8 – 10 . وفعلاً إضطهده الوثنيون والهراطقة والإخوة الكذبة.
وقدشهد عنه تلميذه القديس ايريناوس في خطابه إلي Vlorlnus قائلاً ” إنه إلى الآن لم يزل ثابتاً في مخيلتي نوع الاحتشام والرصانة التي كان متضعاً بها القديس بوليكربس مع إحترام هيئته ووقار طلعته وقداسة سيرته وتلك الإرشادات الإلهية التي كان يعلمها لرعيته. وبأبلغ من ذلك كأني أسمع حتى الآن الفاظه التي كان يخبر بها مفصلاً عن المخاطبات التي حدثت بينه وبين القديس يوحنا الأنجيلي وغيره من القديسين الذين شاهدوا يسوع المسيح على الأرض وترددوا معه وعن الحقائق التي أخزها عنهم وتعلمها منهم ” .
V V V
بوليكربس ومرقيون
مرقيون المبتدع
مرقيون إبن أسقف سينوب. تأثر مرقيون بالغنوسية التي تنادي بمبادئ خطيرة أهمها أن الشر له مبدأ غير الله , إذ لا يمكن أن يكون الله الخير الأعظم مصدراً للشر, ومبدأ الشر هو إله الشر والآخر إله الخير. والمادة هي شر .
إعتنق مرقيون هه المبادئ كغيره من الذين مزجوا المبادئ الغنوصية في المسيحية محاولين أن يجدوا في المسيحية ما يثبت صحة مبادئهم . فلما أدرك والده أن مرقيون يبشر بمسيحية غنوصية ( أن جاز التعبير ) غضب عليه وقطعه من شركة الكنيسة فخرج من سينوب وجال يبشر بمبادئه في آسيا الصغرى .
وفيما يلي أهم المبادئ التي أعتنقها مرقيون :
1- يوجد ثلاث مبادئ ( علل أولى ) , الأول طاهر جداً . والثاني ردئ جداً هو إله الشر, والثالث متوسط بينهما هوالمهندس الأعظم الخالق للعالم المادي , هذا الذي تحدث عنه العهد القديم وعبده الشعب اليهودي .
2- إله العهد القديم خالق للمادة , والمادة شر, فهو أدنى من إله المسيحين ومستقل عنه رغم أزليته وكونه خالق غير مخلوق .
إله العهد القديم إله الخليقة والناموس , والثاني إله الرحمة . فلا يمكن إختيار الأثنين معاً , فأما أن نختار محبة المسيح اللانهائية أو عدالة إله الخليقة العادل القاسي .
3- كانت هناك حرب دائمة بين إله الشر والإله الخالق لأن كل منهما يريد أن يعبد في العالم. فأرسل الإله الطاهر الصالح المسيح لابساً هيئة الجسد , دون أن يأخذ جسداً حقيقياً , حتى يخرب مملكتي الإله الخالق والذي يتعبد له اليهود وإله الشر الذي يتعبد له الأمم عبدة الأوثان.
4- بما أن العالم المادي كله شر وليس للمخلص أي صلة بإله الخليقة , لذلك فأن المخلص لبس هيئة جسد خيالية , فهو لم يكن بشراً ولم يولد لكن شبه لهم في كنيس كفرناحوم أولاً في السنة الخامسة عشر لحكم طيباريوس قيصر ثم في سائر الجليل واليهودية والسامرة .
5- حاول أن يثبت معتقداته من الكتاب المقدس , لذلك رفض العهد القديم لأنه يتحدث عن إله الخليقة العادل كما رفض النبوات الواردة فيه .
أما العهد الجديد فقد وجد فى مقارنة بولس الرسول بين الجسد و الروح ( رو8: 22- 25، 1كو15 : 50 ) وحديثه عن المسيح الفائز على الرئاسات والسلاطين الذين هم ” ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر ” كو2: 15 , أف 6: 12 … وغيرها مما يحسب أنه بذلك يستطيع إثبات مذهبه في خيالية تجسد المسيح .. ؛ لهذا السبب نادى بأن الرسل لم يستطيعوا فهم تعاليم المسيح فهماً صحيحاً فأرسل بولس الرسول ليصحح تعاليمهم .
ولهذا السبب أعتمد على إنجيل لوقا أيضاً , وقد أضاف أتباعه إلى انجيل لوقا ورسائل بولس الرسول رسالة مرقيون في التناقض بين التوراة والإنجيل فكان لهم كتاب مقدس خاص بهم شاع أستعماله في كنائسهم .
6- يرى مرقيون أن ما جاء فى رسائل بولس الرسول عن إله الخليقة مدسوس وليس حقيقي .
7- الخلاص مقدم لخاصة معينة وليس للجميع .
8- تحريم الزواج مع التنسك الزائد في المأكولات والمشروبات .
9- يسمح بإعادة المعمودية لمن أخطاؤا .
موقف بوليكربس منه
كشف لنا تلميذه إيريناوس عن جهاده ضد الهراطقة وبخاصة مرقيون , و فيما يلي بعض أقواله التي ذكرها يوسابيوس القيصري ( ك 4 , ف 14 ) .
” ويشهد لهذه الأمور كل كنائس أسيا , ويشهد أيضا أولئك الذين إلى عصرنا هذا خلفوا بوليكربس الذي كان شاهداً للحق أكثر أمانة وأخلاصاً من فالنتينوس ومرقيون وسائرالهراطقة …
وحول كثيرين من المضلين السابق ذكرهم إلى كنيسة الله . معلناً أنه تسلم من الرسل هذه الطريقة الواحدة الوحيدة الحق الذي سلمته الكنيسة .
و هناك من سمعوا منه أن يوحنا تلميذ الرب ، إذ أراد الاستحمام فى أفسس ورأى كيرنثوس داخل الحمام , وغادره في الحال دون أن يستحم صارخاً . لنهرب لئلا يسقط الحمام لأن كيرنثوس عدو الحق بداخله .
وبوليكربس نفسه إذ رآه مرة مرقيون وقال له : أتعرفنا ؟ أجاب أنا أعرفك أول مواليد ( بكر ) الشيطان .
هكذا كان حرص الرسل وتلاميذهم , حتى أنهم كانوا يرفضون مجرد الحديث مع من لا يقبلون الحق . كما قال بولس أيضاً ( تى 3: 10، 11 ) : الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين أعرض عنه , عالماً أن مثل هذا قد أنحرف وهو يخطئ محكوماً عليه من نفسه .
ومن أقوال تلميذه إيريناوس ” إن غيرة القديس بوليكربس على حفظ نقاوة التعليم الإنجيلى كانت بهذا المقدار متقدة , حتى أنه كان حين يتفق له أن يسمع بعض كلمات مضادة للحقيقة كان يسد أذنيه ويهرب من المكان قائلاً ” أواه يا إلهي الصالح على تعاسة الزمان الذي حفظتني إليه ” .
بوليكربس في رومه
يقول الدكتور أسد رستم ” وأم مرقيون رومه حوالى السنة 140 و كتم غنوسيته و نفح كنيسة رومه بهبة جليلة وعكف على ” قرض ” إنجيل لوقا ورسائل بولس وعلى تصنيف كتابه في التوراة والإنجيل . ولما تم له ذلك كشف عن وجهه الحقيقي ودعا إلى أرائه ، فألتفت حوله عدد من المسيحين , فطردته الكنيسة وطرحت هبته .
وأغتنم القديس بوليكاربوس فرصة وجوده فى روما في السنة 154 فأنقذ من الضلال عدداً من أتباع مرقيون . وحكي أن مرقيون ندم وإرتضى بما إشترطته الكنيسة عليه ولكنه توفى قبل أن يفعل . ولا نعلم سنة وفاته بالضبط .
V V V V V
بوليكربس الشهيد
لما شرع مرقس اوريليوس فى أضطهاد المسيحين , صب وإلى آسيا جامات غضبه عليهم , فأحتمل مسيحيو سميرنا الكثير من أجل الإيمان . فحنق الوثنيون على القديس بوليكاربوس لعلمهم أنه هو الذي يشددهم , فصرخوا في أجتماعه قائلين” ليبعد المنافقون، ويقبض على بوليكاربوس “
فعزم الوالي على القبض عليه . أما هو فلم يبالي بذلك ، غير أن المؤمنين طلبوا منه الاختفاء إلى فترة ما . فلما ألحوا عليه وافق على ذلك ، فأختفى عدة أيام فى منزل خارج المدينة مواظباً على الصلاة والتضرع من أجل رعيته .
وقبل القبض عليه بثلاثة أيام أنبأه الرب برؤيا في حلم ، إذ الوسادة التى كان راقداً عليها ملتهبة ناراً ، فأنتبه من رقاده وفهم ما تدل عليه . فجمع أصدقاءه وقال لهم بوجه باش ” إعتقدوا ياإخوتي إني عما قليل أحترق حياً من أجل سيدنا يسوع . فليكن مخلصي الجزيل العذوبة مباركاً وممجداّ فقد أهلني لأن أموت شهيداً “.
في نفس الوقت كان الوثنيون يفتشون عنه لكي يقتلوه قبل نهاية العيد الذي كانوا محتفلين به ، وحال خروجه من المكان الأول وصل إليه الجنود وإذ لم يجدوه قبضوا على ولدين من أبناء ذلك المكان ، فضربوا أحدهم ضرباً مبرحاً حتى أجبروه على أن يخبرهم عن المكان الذى كان بوليكربس مختبئاً فيه . فدخل الجنود المنزل وقد كان قادراً على الهروب ، لكنه أبى ذلك . بل رفع عيناه الى السماء وهتف قائلاً ” لتكن مشيئتك يا رب في كل شئ ” ثم قدم نفسه للجند وأعد لهم غذاء وطلب منهم أن يهلوه ساعة واحدة يصلي فيها .
تعجب الجند من هيبته ووداعته وبشاشته وعذوبة حديثه حتى قال أحدهم ” لماذا هذا الأجتهاد البليغ فى طلب موت هذا الشيخ المحترم ؟ ” .
فطلب منه الجند أن يخرج معهم ، ثم أركبوه جحشاً ، وفي الطريق وجدهم هيرودس أحد أكابر الدولة مع أبيه نيكيتاش فأركبه فى مركبته ، وشرع الأثنان يقولان له ” أنك قد شخت وليس لك قدره على إحتمال العذاب ، فالأجدر بك أن تدعو قيصر سيداً وتقرب الضحية لتخلص بحياتك من هذا الموت المهين ” . أما القديس فتظاهر كأنه لم يسمع كلامهما ، ولم يجبهما بكلمة . وإذ ألحا عليه قال ” إننى لا أستطيع أن أصنع ما تشيران به علي .وهكذا لا السجن ولا الجوع ولا أى صنف أخر من العذاب ، بل ولا الموت نفسه يمكن أن يجعلنى أنفذ طلبكم ” فأغتاظا منه جداً فأهناه وشتماه وطرحاه من المركبة بعنف فسقطا على الأرض وجرحت ساقه جرحاً خطيراً.
فركب الجحش مزدرياً بالإهانة والألم مكملاً سيره مهللا, حتى بلغ مكان الأستعراض المعد لقتله ، حيث كان الوالى ينتظره مع جمهور كثير من الوثنين .
وقد قيل عنه أنه لما بلغ هذا المكان سمع صوتاً يناديه ” ليتشدد قلبك يابوليكربس وباشر أمر الله بشجاعة ” . وقد سمع كثيرون ذلك الصوت أما الوثنيون فأخذوا يصيحون ويهتفون طالبين قتله .
وإذ نظره الوالي وقد إنحنى من الشيخوخة وإبيضت لحيته سأله قائلاً “هل أنت بوليكاربوس الأسقف ” فأجاب بالإيجاب .
فطلب منه الوالي أن يرثي لشيخوخته وإلا سامه العذاب الذي لا يحتمله الشباب ، ثم أمره أن ينادي بهلاك المنافقين وأن يحلف بحياة قيصر . فتنهد القديس قائلاً ” نعم ليهلك المنافقون “.
فأنذهل الوالي وقال إذن فأحلف بحياة قيصر وإلعن المسيح وأنا أطلقك “.
– لقد مضى ستة وثمانون عاماً أخدم فيها المسيح ,وشراً لم يفعل معي قط ,بل أقتبل منه كل يوم نعماً جديدة. فكيف أهين حافظي والمحسن إليَ , وكيف أغيظ مخلصي وإلهي والقاضي الأعلى العتيد أن يكافئ الأخيار وينتقم من الأشرار المنافقين.
– إعلم أنك إن لم تطع أمري فستحرق حياًوتطرح فريسة للوحوش.
– إني لا أخاف النار التي تحرق الجسد , بل تلك النار الدائمة التي تحرق النفس. وأما ما توعدتني به من أنك تطرحني للوحوش المفترسة فهذا أيضاً لا أبالي به. إحضر الوحوش وأضرم النار فها أنا مستعد للحريق والإفتراس.
– ينبغي أن ترضي الشعب.
– ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس… ( وختم حديثه قائلاً ): ماذا تنتظرون. أسرعوا بإنجاز ما تريدون. قال ذلك بشجاعة ووجهه يشع نوراً حتى أنذهل الوالي عندما تفرس فيه .
وبحسب العادة هتف مناد قائلاً ” أن بوليكربس قد اعترف بكونه مسيحياً ” فصرخ الجمع بصوت عظيم قائلاً ” هذا هو معلم أقاليم آسيا. هذا هو ابن المسيحين. هذا هو المبيد لآلهتنا. لتفترسه الوحوش ” .
فأعلن الوالي بأن أيام العيد التي يسمح فيها بأطلاق الوحوش في الأستعراضات قد انتهت. فاتفق الجميع على حرقه بالنار .
أسرع الوثنيون و جمعوا الحطب و الأخشاب ليضرموا نار شديدة في ميدان الألعاب . و بينما هم يستعدون لإشعال النار كان القديس بوليكربس يخلع ثيابه استعدادا للحريق ولما حاولوا تسميرة على خشبة حتى لا يتحرك من شدة العذاب , قال لهم ” إتركوني هكذا فإن الذي وهبني قوة لكي أحتمل شدة حريق النار , هو نفسه يجعلني ألبث فيها بهدوء بدون الحاجة إلى مساميركم” .
فأوثقوا يديه وراء ظهره وحملوه واضعين إياه على الأحطاب كما لو كان ذبيحة على المذبح. وكان يصلي للرب شاكراً إياه الذي سمح له أن يموت شهيداً , قائلاً:
” أيها الآب الأزلي أقبل ما أعطيتني من الحياة ذبيحة لعزتك. أنت رب العالمين وآن لسيدي يسوع المسيح الذي به عرفناك لأنه أحبنا حتى الموت موت الصليب. وبه أقدم لك نفسي معترفاً بايمانه تمجيداً لأسمك الكريم وأشكرك من كل قلبي على أنك احصيتني مع الشهداء القديسين وأشركتني في شرب كأس آلام إبنك الوحيد. فأحمدكوأمجدك وأباركك أنت وذلك الإبن الأزلي الذي يحيا ويملك معك ومع الروح القدس إلى دهر الداهرين آمين ” .
وإذ إنتهى من صلاته تقدم إليه الجنود وأوقدوا النار من كل جهة , فصعد اللهيب وأحاط به , لكن لم يمسه شئ بل فاحت رائحة بخور ذكية تخرج من النار. فلما عاين الوثنيون ذلك تقدم أحدهم وطعنه بآلة حادة , فتدفقت دماؤه بغزارة وأطفأت النار, وبذلك انتلقت روحه الطاهرة في 25 نيسان 166 م .
V V V
رسالة القديس بوليكربس
مقدمة عن الرسالة
تحقيق صحتها
ليس هناك داع للتسائل عن صحة الرسالة ( رسالته إلى فيلبي ) , فهي مدعمة بالحجج القوية والبراهين الخارجية القوية والقرائن الثابتة على صحتها. فقد كتب أيريناوس تلميذه في Adv . Har 3,3
بأنه توجد رسالة كافية جداً كتبها القديس بوليكربس إلى أهل فيلبي , يستطيع من يرغب أن يجني منها معرفة ملامح إيمانه . وقد أورد يوسابيوس المؤرخ هذه العبارة في كتابه ” تاريخ الكنيسة ” كما أشار إليها كانتاج غير مشكوك فيه لبوليكربس . وهناك كثير من الشهادات القديمة في هذا الصدد.
وقد إتفق أغلب علماء العصر الحديث على صحة هذه الرسالة. ويصعب أن يوجد ما يبرر تزوير هذه الرسالة , وإن كان البعض يرى بأن الأصحاح الثالث عشر منها دخيل عليها.
تاريخها
يصعب تحديد تاريخ الرسالة بالضبط لكنها هي من إنتاج القرن الثاني الميلادي .
مميزاتها
رسالة بوليكربس إلى أهل فيلبي لها أهمية كبيرة , فهي تكشف لنا عن حالة الكنيسة البكر في أوربا , والتي كانت عزيزة على بولس الرسول .
تمتاز بأنها غزيرة من جهة الحكمة العملية , مقتبساً الكثير من نصوص الكتاب المقدس .
إنها تعكس لنا روح القديس يوحنا في وداعته كالحمل وملامح الهدوء. فقد كان محباً كما كان يوحنا , وقد إنعكس صوت ” ابن الرعد ” على بوليكربس في توبيخاته للمقدسين في الإيمان والاخلاقيات .
لقد كتب مثل يوحنا الحبيب رغم إتفاقه الكامل مع أغنية بولس الرسول الخاصة بالمحبة المسيحية.
نص الرسالة
المقدمة
بوليكربس والقسوس الين معه إلى كنيسة الله المتغربة في فيلبي .
لنكثر لكم الرحمة والسلام من الله القادر على كل شئ ومن مخلصنا الرب يسوع المسيح .
الأصحاح الأول:
مدح أهل فيلبي
لقد فرحت بكم كثيراً في ربنا يسوع المسيح لأنكم أتبعتم مثل المحبة الحقيقية ( كما أظهرها الله ) ورافقتم – كما يحق لكم – أولئك القديسين الذين أوثقوا بسلاسل هي حلي ( زينة ) تليق بالقديسين, بل هي في الحقيقة أكاليل للمختارين حقاً من الله وربنا
وإذ أساس إيمانكم القوي المشهود به لكم منذ الأيام القديمة الماضية لا يزال ثابتاً حتى الآن ويأتي بثمار لربنا يسوع المسيح الذي من أجل خطايانا تألم حتى الموت ” ولكن الذي أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت ” ” الذي وأن لم تروه تحبونه ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد ” هذا الذي يشتهي الكثيرون أن يتمتعوا بفرحه , عالمين أنكم
” بالنعمة مخلصون .. ليس من أعمال ” ولكن بإرادة الله في يسوع المسيح .
الأصحاح الثاني:
حثه على الفضيلة
” لذلك منطقوا أحقاءكم ” ” اعبدوا الرب بخوف ” وحق , مثل أولئك الذين تركوا الباطل والحديث الفارغ وخطأ العالم ( الجمهور ) ” وآمنوا بالذي أقام ربنا يسوع المسيح من الأموات وأعطاه مجداً ” وعرشاً عن يمينه , فيخضع له كل ما في السماء وعلى الأرض , الذي تعبده كل روح إنه يأتي كديان الأحياء والأموات , فيطلب الله دمه من الذين لا يؤمنوا به. ولكن الذي أقامه من الأموات سيقيمنا نحن أيضاً , إن صنعنا مشيئته , وسلكنا في وصاياه وأحببنا ما أحبه , وإبتعدنا عن كل إثم وحسد ومحبة مال وكلام شرير وشهادة زور ” غير مجازين عن شر بشر أو عن شتيمة بشتيمة ” أو عن ضربة بضربة أو عن لعنة بلعنة بل متذكرين قول الرب في تعليمه :
” لا تدينوا كي لا تدانوا ” .
” اغفروا يغفر لكم ” .
” ارحموا ترحموا “.
” بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم “.
وعلاوة على ذلك ” طوبى للمساكين وللمطروحين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات “ .
الأصحاح الثالث:
عدم استحقاق
أكتب إليكم إيها الأخوة هذه الأمور الخاصة بالبر , لا لأنني أدعي شيئاً منها لنفسي , بل لأنكم أنتم دعوتموني لذلك . لأنه لست أنا ولا أي واحد مثلي يستطيع أن يصل إلى حكمة بولس الطوباوي الممجد . فإنه عندما كان بينكم علم بكلمة الحق – بدقة وثبات – في حضرة أولئك الذين كانوا عنده أحياء . وإذ كان غائباً عنكم كتب لكم رسالة تلك التي إن درستموها بدقة وجدتم أنها وسيلة لبنائكم في ذلك الإيمان الذي سلم إليكم, الذي أن تبعه الرجاء وتقدمة المحبة لله والمسيح وإقربائنا, يكون أمالنا جميعاً. لأنه إن أستطاع أحد أن ينال في داخله هذه النعم فقد أتم ناموس البر طالما من له محبة يكون بعيداً عن كل خطية .
الإصحاح الرابع
مواعظ متعددة
” لأن محبة المال أصل كل الشرور ” عالمين لذلك أننا كما ” لم ندخل العالم بشئ وواضح أنهنا لا نقدر أن نخرج منه بشئ ” . فليتنا نلبس سلاح البر ونعلم أنفسنا أولاً أن نسلك في وصايا الرب.
بعد ذلك علموا زوجاتكم أن يسلكن في الإيمان المسلم لهن وفي المحبة والطهارة , وأن يملن أزواجهن في كل حق , وأن يكن محبات للجميع ( الآخرين ) بالتساوي , في كل عفة .
وليدربن أطفالهن في معرفة الله وخوفه .
علموا الأرامل أن يكن رزينات كما يحق للإيمان بالرب , مصليات بلا إنقطاع لأجل الجميع , مبتعدات عن كل نميمة وكلام شرير وشهادة زور ومحبة مال وكل نوع من أنواع الشر , عالمات أنهن هياكل الله الذي يدرك كل الأشياء بوضوح ولا يخفى عنه شئ سواء أكانت أفكار أم تأملات أم سر من أسرار القلب .
الأصحاح الخامس:
واجبات الشمامسة والشبان والعذارى
عالمين إذن أن ” الله لا يشمخ عليه ” . فينبغي علينا أن نسير كما يحق بوصيته ومجده .
كذلك ينبغي على الشمامسة أن يكونوا بلا لوم أمام وجه بر الله , كخدام لله والمسيح وليس للناس.
ينبغي ألا يكونوا مفترين على أحد , ذوي لسانين أو محبين للمال , بل في كل شئ معتدلين , رحومين , عاملين , سالكين بحسب حق الرب الذي كان خادماً للجميع .
إن كنا نفرح الرب في هذا العالم الحاضر , فسنأخذ أيضاً العالم الآتي , كوعده لنا بأنه سيقيمنا من الموت . وأن عشنا كما يحق له , فسنملك معه وليس علينا إلا أن نؤمن .
وهكذا ليكن الشبان بلا عيب في كل شئ , معطين أهتماماً خاصاً بحفظ الطهارة , حافظين أنفسهم كما بلجام من أنواع الشر . جيد بهم أن ينقطعوا عن الشهوات التي في العالم , لأن كل شهوة ” تحارب النفس ” . إذ ” لا زناة ولا فاسقون ولا مضاجعوا ذكور يرثون ملكوت الله ” , ولا الذين يصنعون الأمور غير اللائقة والشريرة .
لذلك هناك حاجة أن يمنعوا أنفسهم عن كل هذه الأمور , خاضعين للقسوس والشمامسة كما لله والمسيح .
ينبغي أيضاً على العذارى أن يسلكن بلا لوم وبصبر طاهر .
الأصحاح السادس:
واجبات القسوس وآخرين
ينبغي أن يكون القسوسعطوفين ورحماء على الجميع , فيردوا الذين ضلوا ويزوروا كل المرضى , ولا يهملون الأرملة واليتيم والفقير , بل دائماً ” معتنين بأمور حسنة قدام الرب والناس ” , ممتنعين عن كل غضب , غير معطين كرامات للناس أو صادرين حكماً ظالماً , هاربين من كل حسد , غير متعجلين في الحكم بشر – على أحد , غير قاسين في الحكم , عالمين أننا جميعاً مدينين بالخطية .
إذن أن كنا نطلب من الرب أن يغفر لنا , ينبغي علينا أن نغفر نحن لأننا أمام أعين ربنا إلهنا ” وسوف أمام كرسي المسيح .. كل واحد منا سيعطي عن نفسه حساباً ” فلنخدم الرب في خوف وبكل وقار , كما أوصانا هو , وكما علمنا الرسل الذين بشرونا باأنجيل , وكما علمنا الأنبياء الذين تنبؤا بمجئ الرب .
لتكن فينا غيرة في إقتفاء آثار ما هو صالح ” حافظين أنفسنا من أسباب المعصية , ومن الإخوة الكذبة , ومن أولئك الذين يحملون اسم الرب برياء , جاذبين الناس الباطلين إلى الخطأ .
الأصحاح السابع:
النعم المتنوعة
كل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله ( ضد المسيح ) ومن لا يعترف بموت الصليب فهو من الشرير. ومن يحرف أقوال الله لأجل شهواته , أنه ليس قيامة ولا دينونة يكون بكراً للشيطان .
وهكذا إذ نترك غرور الكثيرين وتعاليمهم الفاسدة , ليتنا نعود إلى الكلمات التي تسلمناها منذ البداية ” أصحوا للصلوات ” , إحفظوا الأصوام , مقدمين إبتهالاتناً إلى الله الذي يرى كل شئ , حتى لا ندخل في تجربة , كما يقول الرب ” أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف ” .
الأصحاح الثامن:
ثابروا على الرجاء والصبر
ليتنا إذن نجاعد في رجائنا وإشتياقنا للحصول على برنا ,الذي هو يسوع المسيح ” الذي حمل خطايانا في جسده على الخشبة ” ” الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر ” بل إحتمل كل شئ لأجلنا , لكي نحيا فيه .
لتمتثل بصبره , وإن تألمنا لأجل أسمه فلنمجده . لأنه ترك لنا مثالاً في نفسه . ونحن نعتقد بأنه هكذا يكون .
الأصحاح التاسع:
إقتناء الأحتمال
لذلك أشير عليكم ,أن تخضعوا الطاعة لحكمة البر , وأن تتدربوا على كل أنواع الأحتمال , كما رأيتم أمام أعينكم , ليس فقط الأحتمال في حالة أغناطيوس الطوباوي وسوزيموس ورفيوس بل وأيضاً مع آخرين بينكم , وكما رأيتم في بولس نفسه وبقية الرسل .
إصنعوا هكذا متيقنين أن كل هؤلاء لم يسعوا باطلاً , بل في إيمان وبر , وها هم الآن في مكان لائق , في حضرة الرب الذي تألموا معه . فإنهم لم يحبوا هذا العالم الحاضر بل ذاك الذي مات من أجلنا وأقامه الله من الموت لأجلنا .
الأصحاح العاشر:
نصائح خاصة بممارسة الفضيلة
أثبتوا إذن في هذه الأمور وأقتفوا أثر الرب , ثابتين في الإيمان غير متقلبين , محبين للأخوة , ملتصقين بعضكم ببعض , متحدين معاً في الحق , مظهرين وداعة الرب في معاملتكم لبعضكم بعض , غير مزدرين بأحد .
متى كان في استطاعتكم فعل الخير لا تمتنعوا عنه , لأن ” الصدقة تنجي من الموت ” .
اخضعوا بعضكم لبعض , ولا تكن سيرتكم معيبة بين الأمم فيمدحوا أعمالكم الحسنة ولا يجدف على الرب بسببكم . فالويل لمن يجدف على أسم الرب بسببه ! .
لذلك علموا بالعفة للكل وأعلنوها أيضاً في سلوككم .
الأصحاح الحادي عشر:
حزن بسبب فالنز وزوجته
إنني حزين جداً على فالنزالذي كان قساً بينكم لأنه لم يكن يفهم مقدار المكانة التي أعطيت له ( في الكنيسة ) . لذلك أنصحكم أن تمتنعوا عن الطمع وأن تكونوا طاهرين وصادقين .
” إمتنعوا عن كل شبه شر” لأنه لم يستطيع الإنسان أن يحكم نفسه في مثل هذه الأمور , كيف يستطيع أن يوصي الآخرين بذلك؟ إن لم يستطع الإنسان أن يقمع نفسه عن الطمع فسيسقط في عبادة الأوثان , ويحكم عليه كوثني , ولكن من منا يجهل دينونة الله ؟ ” ألسنا نعلم أن القديسين سيدينون العالم ” كما علمنا بولس ؟ لكنني لم أسمع عن مثل هذا بينكم أنتم يا من بشر بولس بينكم ومدحكم في مقدمة رسالته , إذ يفخر بكم بين جميع الكنائس التي وحدها قد عرفت الرب , بينما نحن ( في سميرنا ) لم نكن بعد قد عرفنا الرب .
يا إخوتي , لهذا فإنني في عمق الحزن , بسبب فالنز وزوجته . ليعطيهما الرب توبة صادقة! ولنكن نحن معتدلين في هذا ( في نظرتنا لهم ) فلا نحسبهم كأعداء بل نردهم كأعضاء متألمة شاردة , حتى يخلص كل الجسد , لأنه بهذا تدينون أنفسكم .
الأصحاح الثاني عشر:
بخصوص النعم المتنوعة
إنني أثق بأنكم متضلعون في الكتب المقدسة , وليس شئ مخفي عليكم . أما بالنسبة لي فإنني لم أنل بعد هذه النعمة . فقد أعلن في هذه الكتب المقدسة ” اغضبوا ولا تخطأوا . لا تغرب الشمس على غيظكم “ فطوبى لمن يتذكر هذه الكلمات التي أظن أنها خاصة بأمركم .
ليسمح الله أبو ربنا يسوع المسيح ويسوع المسيح نفسه ابن الله وكاهننا العلي الأبدي , أن تبنون في الإيمان والحق وفي كل وداعة ورقة وصبر وطول أناة وأحتمال وطهارة , ويهب لكم نصيباً مع القديسين , كما يهب لنا نحن معكم , ويهب لكل الذين سيؤمنون بربنا يسوع المسيح وبأبيه الذي ” أقامه من الأموات ” .
صلوا من أجل كل القديسين . صلوا لأجل الملوك ( والرؤساء ) والسلاطين والأمراء , صلوا من أجل كل الذين يضطهدونكم ويبغضونكم ومن أجل أعداء الصليب , حتى تكون ثمرتكم واضحة للجميع وتكونون كاملين فيه ( المسيح ) … .
+ + +
لإلهنا كل مجد وكرامة وعزة وسجود إلى الأبد آمين
No Result
View All Result
Discussion about this post