22- تنافي السلطة البابوية في روما
كان ضعف النائب الإمبراطوري في إيطاليا وافتقاره في معظم الحالات إلى المال والرجال، يساعد على ازدياد نفوز البابا المدني في بقية أنحاء إيطاليا، فضلًا عما فعله جريجوري من نفوز البابا مدنيا إلى أفريقيا وأسبانيا وإنجلترا فقد عمل جريجوري على نشر الكاثوليكية بين القوط الضريبي، وبذلك أدخل أسبانيا ضمن الكنيسة الغربية، كما أرسل بعثه إلى إنجلترا لنشر المسيحية هناك ومحاولة سيطرته سياسيا عليها، وكانت كلمته مسموعة في غاليا.
على أن هذه المكانة السامية التي وصلتها الباباوية في عهد جريجوري الأول Pope Gregory I (العظيم) سرعان ما أدت إلى نوع من التنافس بينهما وبين الإمبراطورية نتيجة لاعتزاز كل من الطرفين بسمو مركزة، وهو تنافس أدى إلى الصدام أكثر من مرة في العصور الوسطي، حيث بدأ أول احتكاك بينهما أيام الإمبراطور قنسطانز الثاني (قنسطنطينوس) 641-668 والبابا مارتن الأول 649-655 وكان هذا البابا قد عقد مجمعًا في روما 649 أعلن فيه بطلان المرسوم الذي أصدره الإمبراطور بخصوص تحريم أي نقاش حول الطبيعة الواحدة للسيد المسيح، في الوقت الذي كانت البابوية تطمع في تحريم المونوفيزينية واضطهاد أتباعها، ولم يستطع الإمبراطور أن يغفر للبابا هذه اللطمة، فأمر نائبه في إيطاليا بانتهاز الفرصة للقبض على البابا، فتم له ذلك أرسل البابا إلى القسطنطينية حيث حوكم ونفي إلى القرم ومات هناك سنة 655.
وقد شجع هذا الإمبراطور على تحقيق سيطرته والانتقال إلى إيطاليا سنة 663 حيث اشتبك مع اللومبارديين، وقصد روما حيث قدم له البابا فيتاليان (657-6729) فرد من الولاء والتبعية.
إلا أن هذه الأعمال أضرت بسمعه الإمبراطور أكثر مما أفادته، نظرًا لأنه لم يتورع عن نهب كثير من التحف والآثار الثمينة التي وجدها في روما، هذا في الوقت الذي لم يغفر الإيطاليون للإمبراطور قنسطانز هذا ما فعله بالبابا مارتن (مارثن) الذي اعتبروه شهيدًا.
وكانت هذه الزيارة كذلك أول لبنه في الصراع الكبير بين البابوية والإمبراطور، إذا أحس قنسطانز عندئذ بخطورة ازدياد نفوذ البابوية فحاول أن يقلم أظافرها. فمنح رئيس أساقفته رارافنا – وكان تابعًا لسلطان البابا حق الاستقلال عن البابا. وعدم الخضوع لسلطانه الروحي، وقد استمر هذا الشقاق بين روما وأسقفيه رافنا عشرين عامًا، حتى انتهى الأمر بعوده الأخيرة إلى حظيرة البابوية مرة أخرى.
وقد عاد الإمبراطور جستنيان الثاني (685-695) إلى معاودة القبض على البابا سرجيوس (607-701) وإرساله إلى القسطنطينية، ولكن النائب الإمبراطوري تعرض للحامية البيزنطية المنوط بها تنفيذ الأمر وسانده شعب روما في ذلك، وانتصر البابا بذلك على الإمبراطور الذي عزل.
وقد ساعدت الفوضي التي تعرضت لها الإمبراطورية البيزنطية في الاثنين وعشرين سنة التالية (695-717) على ضعف نفوذها في إيطاليا، الأمر الذي أعطي البابوية فرصة للظهور والتمتع بسلطات سياسية أكثر، حتى البابا حنا السادس (701-705) الذي باشر جمع الضرائب في روما، كما عقد المعاهدات مع الحكام اللمبارديين.
No Result
View All Result
Discussion about this post