الشيطان وكيفية مواجهته
الأرشمندريت باسيليوس باكويانيس
نقله إلى العربية الأب أنطوان ملكي
1- الشيطان
المس الشيطاني أفضل البراهين على وجود الشيطان هو شخص ممسوس. لكلّ مَن لا يؤمن بوجود الشيطان نقول: “تعالَ وانظر. تعالَ وانظر الشيطان حياً في شخص ممسوس”.
الألم يصعب التعرّف على الممسوسين: يتشوّش الوجه، يفتل الرأس، يتثاءب الفم فيما يخرج اللسان منه والضحية يصرخ. يكون المنظر رهيباً بالفعل. في هذه الحالة، قد يكشف الممسوس كلّ “أعمالنا” (أي خطايانا)، ليس بشكل عام ومبهَم وحسبْ بل أيضاً بالتفصيل.
من دون أن يعرفنا، قد يذكر الممسوس اسمنا والمكان الذي كنّا فيه والأمور التي قمنا بها في المساء السابق ومع مَن كنّا… جدير بالذكر أن ما اعترفنا به يعجز الممسوس عن ذكره.
أسئلة: كيف يعرف الممسوسون أسرارنا؟ لماذا لا يرون الخطايا التي اعترفنا بها؟
الارتعاش خلال النوبة، يظهر الممسوسون عوارض أخرى:
– خلال القداس الإلهي يشعرون بالاحتراق، مع أنهم لا يشعرون بذلك عند رؤيتهم للنار.
– أمام الصليب المقدس، يشعرون وكأنّهم يتقطّعون إرباً، مع أنهم لا يحسّون بذلك عند رؤيتهم للسكاكين.
– عندما يرسم الكاهن إشارة الصليب عليهم بالحربة التي يستعملها في قطع قرابين التقدمة يشعرون بأن جسدهم يُثقَب. عندما فعل أحد الكهنة ذلك راح الممسوس يصرخ: “لماذا تغرِز هذا السكين في جسدي؟ لماذا تشدّ على الحربة وتمزّق لحمي؟” مع أن هذا الشخص، في الأحوال العادية، كان بوسعه احتمال ضربة سكين حاد من دون أن يصرخ.
– عندما ينظرون إلى الرفات المقدسة، يشعرون بأنهم على نار.
أسئلة: لماذا يخشى الممسوس القداس الإلهي ولا يخشى، على سبيل المثال، عملية جراحية في القلب؟ لماذا يرهب من الصليب المقدس الذي هو، في نهاية الأمر، قطعتان من الخشب ولا يرهب من السكين الحاد؟
لماذا يشعر بأنه يتقطّع عندما تُرسَم إشارة الصليب عليه؟ لماذا يخشى رفات القديسين، أمثال القديس جراسيموس الراهب الفقير المحبّ، ولا يخشى بقايا المتعطشين للدم مثل لينين الذي قتل الملايين؟
“شيء ما...” كل ما سبق ذكره يظهر لنا أن هناك شيئاً ما في الممسوس مما يجعل الصليب الكريم والقداس الإلهي ورفات قديسينا يزعجونه بشكل سيء. وهذا “الشيء ما” هو نفسه الذي يكشف خطايانا السرية، إلا إذا كنّا قد اعترفنا بها. بالنسبة لنا نحن المسيحيين، هذا “الشيء ما” هو الشيطان. ماذا عن غير المؤمنين؟
أيكتفون بإعادة الأمر إلى علم النفس؟
هناك بالطبع بعض العلماء الذين يعلنون أن كلّّ هذا سوف يوضحه يوماً آلهة “العِلم”. إنهم واثقون من ذلك. مع هذا، قد لا يكون هذا هو الحال لكونه في المستقبل. فلماذا هم واثقون؟ أي نوع من المنطق هو هذا؟ لا نهتمنّ. إذا برهن العلم في المستقبل أن هذا الشيء هو الشيطان، هل سوف يؤمن هؤلاء العلماء؟
تعطّش الشيطان للدم يُظهِر الممسوس مدى تعطش الشيطان للدم ومدى قساوته في تعذيب الناس. إليكم بعض الأمثلة من الإنجيل: الرجل الذي كان ابنه معذباً من الشيطان قال للمسيح: “وَحَيْثُمَا أَدْرَكَهُ يُمَزِّقْهُ فَيُزْبِدُ وَيَصِرُّ بِأَسْنَانِهِ وَيَيْبَسُ… وَكَثِيرًا مَا أَلْقَاهُ فِي النَّارِ وَفِي الْمَاءِ لِيُهْلِكَهُ”.
بعض الذي يعرفون “كل شيء” يعيدون هذا الأمر إلى إصابة الصبي بالصَرَع. لكن يوليوس قيصر الذي عاش قبل المسيح بزمان كان مصاباً بالشيء نفسه. شعوب العالم القديم كانوا على علم بالفرق بين الصَرَع والمسّ. لم يكونوا “متخلّفين” كما يحلو لنا أن نفكّر. ممسوس آخر لم يكن يسكن في منزل بل يدور في الصحارى والحقول عارياً صيفاً شتاءً. آخر من الممسوسين كان يرمي نفسه بالنار ليحترق فيما آخر يرمي نفسه في الماء ليغرق. مجنونا كورة الجرجسيين كانا عنيفين جداً حتى أن أحداً لم “يَقْدِرُ أَنْ يَجْتَازَ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ” (متى 8). لقد كانا مصدر أذى للآخرين.
قوة غير طبيعية إذا أُوقفت الشرطة أحد المجرمين وقيّدت يديه، يصير عاجزاً عن فكّ قيوده مهما كان قوياً. هذا لا ينطبق على الممسوسين. إذا قُيِِّّدوا، حتى ولو كانوا مشلولين، فهم قادرون على فكّ القيود. يخبرنا الرسول لوقا أنّ الممسوس الذي كان في كورة الجدريين كان “قَدْ رُبِطَ بِسَلاَسِل وَقُيُودٍ مَحْرُوسًا، وَكَانَ يَقْطَعُ الرُّبُطَ”. أي بعد أن يتمّ تثبيته بالسلاسل كان يفكّها!
لم يكن الرجل هو الذي يفكّ السلاسل بل الشيطان الذي فيه. هذا يبرهن بوضوح أن للشيطان قوة فوق البشرية. لذا يقدر على القيام بالعلامات والعجائب. إذا أراد، فهو قادر على أن يثير زوبعة تخرّب البيوت وتقتلع الأشجار، يحرّك عاصفة تغرِق السفن، يغرِق الناس والوحوش، يسبب زلزالاً يسوّي المدن بالأرض. لكنه يحجم عن ذلك.
لماذا؟ ألا يرغب بقلب كل شيء رأساً على عقب؟ بالطبع هو يرغب بذلك، لو استطاع. لكن الله يمنعه عن القيام بهذا. لو لم يكن الله يحفظ هوس الشياطين مضبوطاً، لكنّا نراهم يلعبون بالعالم مثل الكرة.
هل يحاربنا الشيطان؟ إن الشيطان المبغض للبشر يحاربنا بأسلحة يمكن رؤيتها وسماعها (حجارة وهراوات وغيرها)، كما بأسلحة صامتة وغير مرئية. أحد هذه الأسلحة هي الأفكار. إنه يزرع الأفكار في رأسنا لكي نضعها نحن قيد التنفيذ. إن لم تجد الأفكار السيئة أساساً عندنا فهو يحاربنا بأفكار يُفتَرَض أنها حسنة، لكي يوقِع بنا.
على هذا الأساس، ينبغي أن نكون مهتمين ونسأل أنفسنا: أيمكن أنّ ما في فكرنا هو بذار رماها الشيطان؟ أمن الممكن أنه يضلّلنا نحو أفكار ظاهرها حسن؟ أيمكن أن فلسفتنا في الحياة والموت، التي نعتقد بصحتها، هي بالواقع مجموعة أفكار من الشيطان؟ أيمكن أن تكون أفكارنا حول الأمور الروحية، كأرثوذكسيين، بالواقع أفكار شيطانية؟ الجواب هو: ربّما. الشيء الوحيد الأكيد هو أن الشيطان لا يعتبرنا استثناءً.
2. مسّ أو مرض روحي؟
العوارض المشتركة بالتأكيد قد يظهِر أحد المرضى عقلياً أو عصبياً بعض العوارض التي تشابه عوارض المسّ. على سبيل المثال: قد يرفض الممسوس أن يقول “يا رب ارحم” أو أن يذهب إلى الكنيسة أو أن يعترف أو يتناول. غير المؤمن أيضاً قد يرفض القيام بهذه الأشياء، لكن هذا لا يعني أن غير المؤمن ممسوس. من الممكن، بحسب الأطباء النفسيين (المؤمنون منهم طبعاً)، أن يصرخ أحد المختلين عقلياً عندما يواجه الصليب الكريم أو الرفات المقدسة “أنا أحترق” من دون أن يعني ذلك أنه ممسوس.
هناك حالات معروفة. عندما يواجِه الممسوس الأشياء المقدسة، يتحرّك ضميره، فتصير كل الخطايا التي قد ارتكبها مصدراً لشعوره بالاحتراق. تصوّروا مثلاً حالة من هذه الحالات، حيث يكون المعذّب بحاجة إلى عناية عاجلة من اختصاصيين فيما نحن نحاول أن نقيم عليه صلاة الاستقسامات.
عندما تُقرأ الاستقسامات على مختلٍّ عقلياً، يحسّ هذا الإنسان براحة مؤقّتة، لأن “شيئاً ما” قد جرى لتخفيف مرضه. للأسف، قد يؤخَذ هذا على أنه إشارة إلى المسّ أو أحد عوارضه.
الفَرْق بين المسّ والمرض المسّ هو شيء والمرض العقلي شيء آخر. قد يكون للاثنين العوارض السطحية نفسها، لكن هذه العوارض تؤدّي إلى سلوكين مختلفين بالكليّة.
عندما يواجَه الممسوسون بالصليب المكرّم أو رفات القديسين، يقعون في “نوبة” ويصير صعباً التعرّف عليهم. تلوي رؤؤسهم، تتجمّد ألسنتهم، ويبدؤون بالصراخ. إنها ردّة فعل الشيطان. ردّة فعل المرضى عقلياً مختلفة فهم لا يتشوّهون ولا يتغيّرون بل يحتفظون بملامحهم البشرية. إلى هذا، خلال النوبة، يكسر الممسوسون القيود ويهربون منها وغير ذلك، كما أنهم يكشفون “الأسرار”. هذا بالطبع مستحيل على المرضى عقلياً.
تأثّر بالسحر أو مشكلة نفسية؟ قد ينتِج السحر والعرافة نفس عوارض المشاكل النفسية. لا ينعم المتزوّج الواقع تحت تأثير السحر والعرافة بالعلاقات الزوجية. وهذا ينطبق أيضاً على المصابين بأمراض نفسية في هذا المجال. قد يفقد أحد الواقعين تحت تأثير التعاويذ والعرافة شهيته للطعام ويعاني ومن فقدان مستمر للوزن. وهذا أيضاً قد يصحّ على مَن يعاني من مرض نفسي.
كيف لنا أن نرى الفرق؟ إذا ما كان المعاني ممارساً لعضويته للكنيسة، واعياً لحياة الأسرار، لا يكون سبب مشكلته العرافة أو السحر أو ما شابه. لا يؤثّر السحر في المسيحيين المتطهرين ذوي الضمير الحي.
المشكلة تكون نفسية وتتطلّب مساعدة طبيب مختصّ. إذا كان المصاب خارج الكنيسة ويحيا في الخطيئة، قد يكون سبب العلّة السحر والتنجيم ومع هذا، لا ينبغي أبداً أن نستبعد إمكانية المرض النفسي. التشخيص المناسب يتطلّب تعاوناً بين الكاهن وطبيب مختصّ يتّقي الله.
3- رئيس هذا العالم (يوحنا 21:12)
نحن نعيش في عالم آثم يُرتَكَب فيه كل يوم ألف خطيئة وخطيئة (سرقة، أعمال سلب، قتل…)، في كل الأرض وليس في مكان واحد. حتّى أن هذه الأمور الرهيبة صارت عادية لكثرة ما تتكرّر.
ولكنها ليست مستجدّة اليوم، فقد كان الأمر على هذا المنوال دوماً، منذ بداية البشرية إلى اليوم. بتعبير آخر، خلال هذه الآلاف من السنوات، منذ السقوط إلى اليوم، لم يكن هناك يوم واحد سادت فيه المحبة والعدالة والسلام ومحبة الآخرين.
يبدو أن رئيس هذا العالم هو الشيطان. إنه حاكم هذا العالم! هذا ما قد يبدو، دون أن يكون هذا حقيقة الأمر.
سبب الشر لنتذكرّن أنّ الشيطان هو مَن يزرع فكرة الشر في فكر كلّ منّا. من ثمّ، يتولى كلّ منا شخصياً إخراج الفكرة. بشكل أكثر تحديداً: يضع الشيطان في عقلنا أنّه علينا السرقة. لكننا نحن مَن يخطط المكان والزمان والطريقة والمادة التي سوف نسرقها.
قد نخطط لأمر ما اليوم، ولأمر آخر غداً ولغيره في اليوم الذي يليه. إلى هذا، قد ننجز مخططاتنا ونبدأ بارتكاب السرقة، ولكن على الطريق، قد يخطر في فكرنا شيء آخر فنوقف كل عمليتنا. فنذهب إلى بيتنا لنضع مخططات جديدة.
الآن، ماذا إذا باشرنا هذه المرة إلى السرقة وارتكبناها؟ أهو الشيطان الذي جعلنا نرتكبها أم نحن؟ أهو الذي وضع خططَنا، أهو فَتَح أيدينا للإمساك بشيء لا يخصّنا أم نحن مَن قام بذلك؟ نحن المسئولون عن هذه اللعبة. نحن سرقنا وليس الشيطان.
ينطبق الأمر نفسه على العمل الذي نقوم به، كما على أي أمر نعمله. نحن ننفذه.
والأمر نفسه ينطبق على أصدقائنا، كما على كل الناس. بتعبير آخر، ليس الشيطان مَن يعمل الشر، بل نحن في ضعفنا. لو كان الشيطان هو مَن يعمل الشر، لكنا نحن أبرياء وما من داعٍ لمعاقبتنا. وبالتالي كنّ لنذهب إلى الفردوس مهما كانت الجرائم التي اقترفناها ووحده الشيطان يذهب إلى الجحيم.
الشيطان “الكليّ القوة” لقد رأينا الشيطان يعذِّب الممسوسين. لكن هناك أمراً لم نعِرْه ما يكفي من الانتباه، وهو أنّه لا يعذّب ضحاياه ليلاً ونهاراً، لكن فقط في الفترات الفاصلة. في أغلب الوقائع، يتركهم ولا يزعجهم. لماذا؟ لمَ هذه الرحمة والتعاطف؟
إنه لا يتركهم بداعي الرحمة ولا بداعي التعاطف، بل بسبب الضعف. بتعبير آخر، إنّه لا يعذّب ضحاياه عندما يرغب بذلك، بل فقط عندما يسمح الله له بذلك. من دون سماح الله، لا يستطيع الشيطان أن يعذّب أحداً. قبل تعذيبه لأيوب البار، طلب الإذن من الرب (أيوب 2:2). إنه يعجز حتّى عن تعذيب الحيوانات من دون إذن السيدّ! تذكروا كيف سألته الشياطين أن يأذن لها بالدخول في قطيع الخنازير (مرقس 3:5). عندما دخلوا ركض القطيع إلى الجرف في البحر.
هذا قد يبدو هلوسة!
لا يملك الشيطان أي حساب يسويه مع الخنازير، ولا مع البشر، خاصة المسيحيين منهم، لأنهم يؤمنون بالمسيح الذي هو عدوه. لكن، إذا كان الشيطان قد قضى على قطيع الخنازير بهذا الشكل الفظ، تخيّلوا كم يرغب بالقضاء على الناس! إنه يحبّ أن يدخل في كل واحد منّا، ليجعلنا نركض متهورين نحو المنحدرات وفي البحار ونسعى لهلاكنا، حتى لا يبقى ولا إنسان واحد على الأرض، خاصة من المسيحيين، ليعبد عدوه.
ومع هذا، دائماً وفي كل العصور، عاش الناس ومن بينهم المسيحيون. إذاً، سيد الكلّ يضبط الشيطان مضيقاً عليه. في هذه الحال، مَن هو سيد هذا العالم الفعلي؟
الله صالح كون الله يضبط كلّ قوة الشيطان، يعني أنّه هو كلي القدرة، وبالتالي أكثر قوة من الشيطان. وعليه، إنه قادر على عمل أشياء مدهشة في أي وقت: أن يجعل الأرض ترتجف لساعات بنظرة والعالم كله يسجد له كإله وسيد، أن يجمّد اللص الماضي ليسرق، ومثله القاتل وغيرهما، حتى يبيد الشر من الأرض مرة وللأبد.
الله قادر على جعل العالم فردوساً أرضياً. لكن الله لا يعمل ذلك مع أنه قادر، إلا إنه لا يريد. فيما الشيطان يريد ولا يقدر! لا يريد الله ذلك لأنه إله صالح، يريد عمل الصلاح بحرية لا تحت الضغط، لذا يترك كل شيء لنا.
4- دعوة للشيطان
إذا أردتم أن تدعوا أحد المعارف إلى عرس أو معمودية أو غيرها، ترسلون له دعوة. فالدعوة هي طريقة لإظهار رغبتكم بحضور هذا الشخص المحدد. تُرسَل الدعوات أيضاً للشيطان.
الألعاب، التعاويذ والحلى: تعاويذ الحظ هناك “اختصاصيون” يصنّعون تعاويذ الحظ مع دعوات للشيطان. الناس، من غير أن يخامرهم شعور بوجود شيء، يلبسونها وفي جهلهم يدعون الشيطان إلى نفوسهم. ينتمي إلى هذه الفئة الأشياء المصنوعة من عظام الوطواط، حدوة الحصان والنجمة المخمّسة (ذات الخمسة رؤوس)، وغيرها.
الألعاب، التعاويذ والحلى: الألعاب أخبرت ملكة السحر الأسود السابقة، دورين مارفين، استناداً إلى خبرتها، أن بعض الألعاب، مثل لوحة (ouija)، تشكّل خطراً استثنائياً على الأولاد. شون سيلر، وهو من عبدة الشيطان سابقاً، يتحدّث أيضاً، استناداً إلى خبرات، عن وجود حلى وألعاب يعتبرها الناس غير مؤذية، فيما هي للأسف عكس ذلك. هذا أمر يستحق التوقف عنده، إذ لدينا اعتراف شخصين سبق أن عملا للشيطان يتحدّثان عن أن الألعاب ليست كلها ما تبدو عليه.
قبل بعض السنوات، زار أحد الأثينيين الهند، وحمل معه تذكاراً لأحد أصدقائه إحدى الألعاب المحلية. وفي أحد الأيام، فيما كان هذا الصديق يتفرّس في هذه اللعبة بفضول، صدر عنها فجأةً صوت غريب وظهر الشيطان نفسه أمام الرجل!
الألعاب، التعاويذ والحلى: المجوهرات يخبر شون سيلّر أن خلف كل صنم معبود في الهند يتخفّى أحد الشياطين. ما هو الصليب؟ إنه مجرّد مادة (خشب، معدن، إلخ) لا حياة فيها ولها شكل محدد. لكنه شكل يطرد الشيطان. الصنم، على المنوال نفسه، هو شيء لا حياة فيه وله شكل محدد. وكما أن شكل الصليب يطرد الشيطان، كذلك شكل الصنم يجذبه. لذا، المجوهرات التي لها أشكال الأصنام تستدعي الشيطان.
بعض النساء المزهوات، رغبة منهن في خلق “جو”، يزينّ بيوتهن بكل أنواع الأشياء ذات الأصول المجهولة. كيف لهنّ أن يكنّ أكيدات من أنهنّ لا يستدعين الشيطان إلى بيوتهن؟ القديس يوحنا الذهبي الفم واضح جداً حيال هذا الأمر: “… إذا زيّنتَ بيتك بطريقة مختلفة (أي غير مسيحية)، توجّه الدعوة للشيطان ورفقته”.
التأمّل حتّى التأمّل الذي يمارسه معلمو ومناصرو العصر الجديد هو دعوة للشيطان. فهم يتواصلون معه من خلال “صلواتهم” وتركيزهم. على سبيل المثال، أخبرتني إحدى الفتيات في خريف 1989، بأنها ضُللت من قِبَل مجموعة من الشبان الذين يتبعون أحد المعلمين.
وفي إحدى المرات أجرَت اختباراً، فيما كانت أرجلهم متشابكة وهم يمسكون بأيدي بعضهم البعض غارقين في التأمّل، كان معها العهد الجديد وراحت تردد الصلاة الربية بصمت وتوبة وندم. النتيجة كانت أن كل أفراد المجموعة عجزوا عن التركيز والتامّل. غضب قائد المجموعة وطردها. العهد الجديد والصلاة الربية قد مزّقا الدعوة التي كانوا يوجهونها إلى الشيطان بتأملهم.
اللغة البذيئة والتجديف يعلّم القديس يوحنا الذهبي الفم أن اللغة البذيئة هي شكل آخر من استدعاء الشيطان: “اللغة البذيئة تلطّخ السمعة وتدعو الشياطين”. الأغاني ذات الكلمات الملتبسة وبعض أنواع الموسيقى هي دعوات للشيطان. إذا قلت لأحد ما بأن يذهب إلى “الجحيم”، يكون كلامك بمثابة توجيه الدعوة للشيطان.
أخبرني أحد سكان أخائية أنّ له ابنة متزوجة تعيش قرب عاصمة المقاطعة باترا. في إحدى المرات فقدت أعصابها وصرخت بابنها بأن يمضي إلى الشيطان. وما أن أنهت عبارتها حتى ظهر إبليس في البيت فوراً، بشكل مخلوق ذي جسد رجل من الخصر وما دون، بينما من فوق كان له شكل تيس أسود ذي قرنين، وفم مفتوح! وفي حادثة أخرى أن أحد الرجال غضب من ابنه كثيراً ولعنه قائلاً:
“فليدخل الشيطان فيك”، وفجأة ظهر الشيطان أمامه قائلاً: “لقد استدعيتني وها قد حضرت”.
الفضول: قراءة كتب السحر في زمان القديس ديونيسيوس الأولمبي، عاش في فاريا مسيحي متعلّم. في أحد الأيام، وصل إلى يديه أحد كتب السحر ومن باب الفضول قرأ بعض الاستدعاءات للشيطان. النتيجة كانت أنه في تلك الليلة رأى، كما في حلم، شيطاناً عملاقاً. “لقد أتيتُ لأنك استدعيتني”، تعالَ إذن واسجد أمامي، إذا أردتَ مني أن أخدمك”.
فأجاب المسيحي مرعوباً: “أسجد أمام إلهي فقط وإياه وحده أعبد”. فقال له الشيطان غاضباً: “إن لم تكن تريد السجود لي، لماذا دعوتني؟”، وراح يضرب ضحيته بقساوة. استيقظ المسيحي وهو يعرق عرقاً بارداً وأحسّ بألم لا يُحتَمَل في وجهه. فراح يصرخ ويبكي. من ثمّ صارت حالته تتدهور فقد كان وجهه مملوءاً بالكدمات حتى أن عينيه كانتا مغلقتان. لكنه في النهاية شفي بصلوات القديس ديونيسيوس الأولمبي.
الفضول: الاختبار جرت القصة التالية في السنة 1998 في إحدى المدن الكبيرة. سمعت أحدى الطالبات الثانويات أن بمقدورها استدعاء الشيطان إلى منزلها إذا أضاءت شمعة وقيّدت الكتاب المقدس بحبل ودلّته مقلوباً ورددت بعض “الصلوات”. فإذا راح الكتاب يتأرجح من الخلف إلى الأمام، يكون هذا إشارة بأن الشيطان في الطريق.
ما أن أقامت الفتاة ذات الست عشر سنة “الشعائر” كما هو موصوف، وإذ بالكتاب المعلّق يتأرجح والطاولة ترشح دماً وفجأة ظهر الشيطان.
السحر كل أنواع السحر، مهما بدَت “بريئة” و”غير مؤذية” (كالتعاويذ وغيرها)، هي استدعاءات للشيطان.
في أحد الكتب التي تروي عجائب السيدة العذراء (الإيكوسيفينيسّا)، قصة امرأة لجأت إلى إحدى “السيدات الطيّبات” طالبةً إن تعيد زوجها، الذي كان يخونها، إلى رشده.
فقرأت المرأة عليها بعض التعاويذ وأعطتها تسع حمّص لتضعها في المنزل. نفّذت المرأة التعيسة ما طلبت منها المرأة “الطيّبة”. فبدأت تحلم برجل ذي ملامح شنيعة يردد على مسامعها “سوف أقتلك”. إلى أن عادت إلى رشدها ولجأت إلى الكنيسة وشُفيَت بشفاعة والدة الإله.
5- الأسلحة ضد الشيطان
– الصوم والصلاة قال الرب: “هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم”. الصوم للجسد والصلاة للنفس. لذا، كوننا نملك جسداً ونفساً، يعني أن على الإنسان بكماله أن يكون ضد الشيطان.
الصوم تكمن قوة الشيطان في البطن. بتعبير آخر، استسلام الناس للأكل والشرب من دون ضوابط، يصير بيد الشيطان سلاحاً يستعمله ضدهم. لذا، الصوم يجرّد الشيطان من السلاح. هذا يؤكده لنا كاتب الصلوات “ولا حتّى إهانات الأبالسة المستهترة تجرؤ على الصائمين” (التريودي، غروب الإثنين من أسبوع مرفع الجبن). الكثير من الحوادث في سير القديسين تظهر أن الشيطان يُطرَد بالصوم.
الصلاة لنتذكّر كيف يرتعب الشيطان من اسم يسوع. الوسيط، بالرغم من كونه في “غشية” قفز من كرسيه ثم وقع في إغماءة عميقة. مما يميّز الممسوسين هو عجزهم الفعلي عن ذكر اسم “المسيح”. عندما يتحدّثون عن السيّد يقولون “هو” أو “ذاك الذي”، لكنّهم لا يذكرون المسيح بالمطلَق. اطلبوا من ممسوس أن يقول كلمة “المسيح” وبالتأكيد سوف يرفض. لهذا، صلاة يسوع “يا ربي يسوع المسيح…” تجلب الذعر والارتعاد للشياطين.
شرب الماء المقدّس عندما يقيم الكاهن خدمة تقديس الماء، يصير الماء الذي تمّ تقديسه وعاءً للنعمة الإلهية، وعليه يصير ناراً تحرق إبليس. في سنة 1925، زار أحد الممسوسين دير ديونيسيّو في الجبل المقدّس.
أعطاه الأب بيساريون، وهو أحد آباء الدير، قنينة ماء قد أضاف إليها سرياً بعض الماء المقدّس، وقال له: “خذْ بعض الماء لتكسر به عطشَك””. ما أن لامس الماء شفتي الممسوس حتى صرخ “لقد أحرقتني أيّها الراهب”، وبصق الماء الذي في فيه. أخبرني أحد الأشخاص أنّه رشّ أحد الممسوسين بالماء المقدس فراح الأخير يصرخ “لقد أحرقتني!”
معاينة الوثني التيبيتي في سنة 1970، زار أثينا أحد المشعوذين آتياً من التيبت. أثناء سيره في الشارع، رأى بتدبير إلهي، الأبالسة يتعلّقون بالناس: أحدهم على الرقبة، الآخر على الأذنين، آخر عند الأنف، واحد عند الفم، إلخ. لكن ما شغل تفكيره أكثر من ذلك هو أن الأبالسة كانوا عاجزين عن الاقتراب من الكهنة، فكانوا يحومون حولهم وكأنّهم يبحثون عن فتحة دون أن يجدوا. فسأل “مَن هم هؤلاء الرجال ذوي اللحى والثياب السود؟”، فأُجيب “إنهم كهنة الكنيسة”.
ثم قال له أحدهم: “إن أردتَ أن ترى الكثير منهم، لكن الجيّدين، اذهبْ إلى الجبل المقدّس”. فمضى إلى الجبل المقدس حيث أرسله الرهبان إلى الشيخ باييسيوس، وبالنتيجة، تعلّم أموراً عديدة. تاب، تعمّد وصار مسيحياً يحمل اسم ثيوذور. لماذا عجز الشيطان عن التعلّق بالكهنة؟ لأنهم ينتمون لكهنوت المسيح، وبهذا الانتماء يقيمون الأسرار التي، كما سوف نرى، ترعب الشيطان.
“أخشى ثلاثة أشياء” حارب آباؤنا القديسون الشيطان وجهاً لوجه. غالباً ما تحدّثوا إليه وعرفوا “أسراره”. في إحدى المناقشات اضطر الشيطان لأن يعترف لأحد النسّاك: “هناك ثلاثة أشياء أخشاها: الأول، ما يعلّقه المسيحيون في أعناقهم (الصليب)، الثاني، هو الاغتسال الذي يقومون به في الكنيسة (الاعتراف)، والثالث هو ما يأكلون ويشربون في الكنيسة (المناولة)”.
لاحظوا التالي: إنه يخاف من الصليب والاعتراف والمناولة حتّى أنّه لا يشير إليها مباشرة. وأضاف الشيطان: “أكثر ما أخشاه من بينها هو ما يأكلون ويشربون خاصةً إذا أكلوا وشربوا بضمير نقي”.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أننا نكون مثل أسود تنفث النار بالنسبة للشياطين عندما نتناول: “كمثل أسود تنفث النار، هكذا نرحل عن تلك المائدة، وقد أصبحنا مرعبين للشياطين”
تعليق “أخشى ثلاثة أشياء”، قال الشيطان. لكن هذه الأشياء الثلاثة تخصّ المسيحية، وكأنّه يقول أن من بين كل الأديان هو يخشى المسيحية فقط لأن المسيحيين وحدهم يملكون الأسلحة المناسبة لمحاربته.
هذا يعني: وحدهم المسيحيون يقيّدون الشيطان. مع الآخرين عنده حرية العمل “لأن كل آلهة الأمم شياطين أما الرب فقد صنع السماوات”، و”إنهم يذبحون للشياطين وليس لله”.
6- الاستقسامات
الاستقسامات هي سلاح آخر مهم ضد الشيطان
أ. عند المعمودية بحسب الآباء القديسين، الشيطان هو عند مركز نفس الولد غير المعمَّد. بالاستقسامات يُطرَد من من القلب ويتحرر الشخص. “أخرِج منه كل روح شرير مخفي ومعشش في قلبه”. الاستقسامات هي خبرة بغيضة للشيطان، إذ تتحداه ليخرج من ضحيته، وسواء أعجبه ذلك أو لا عليه أن يخرج.
ولكون الاستقسامات في المعمودية تهدف إلى خلاصنا، ينصح القديس سمعان التسالونيكي بأن تُقال بصوت عالٍ ولأكثر من مرة واحدة. وإلا فالشيطان يوجِد طرقاً لإزعاج المسيحي.
في كنيسة القرون الأولى، كانت صلوات الاستقسامات طقساً مستقلاّ ومؤثّراً فكانت تُقام من كهنة خاصّين يتلون الصلوات وكانت تُقرأ مرات عديدة. يلحّ القديس كيرللس الأورشليمي على الموعوظين بأن “أغرقوا أنفسكم في صلوات الاستقسامات”.
كان الموعوظون يغطّون أعينهم ووجوههم حتى لا يتشتت انتباههم، على غرار ما يحصل اليوم عند سيامة الشماس إذ يغطّي رأسه ووجهه بمنشفة.
ب. من أجل “اللعنات” والممسوسين تستعمل كنيستنا صلوات الاستقسامات التي كتبها القديسان باسيليوس الكبير ويوحنا الذهبي الفم، فتُقرَأ فوق المتألّمين من المسّ أو اللعنة. الأب برفيريوس السابق رقادُه الذي عرف الكثير عن الشياطين، اعتاد القول عن صلوات الاستقسام أنها:
– لا ينبغي قراءتها من دون سبب جديّ ومحدد
– ينبغي قراءتها بصمت من دون أن يسمعها الحاضرون
– كان يوبّخ الكهنة الذين يعيّنون أنفسهم كطاردي أرواح أو الذين يقرؤون الصلوات علناً
– عندما تُتلى الصلوات حيث يجب عدم قراءتها وبغير ما ينبغي أن تُقرأ، يَغِير الشيطان بعنف على الضحية وعلى الكاهن وعلى الحضور.
الشيطان المغتاظ عندما تُتلى صلوات الاستقسامات على إنسان لم يعتمد بعد، يغتاظ الشيطان. كذلك الأمر عندما تُتلى على إنسان ممسوس. الشيطان الذي “يتفجّر” من الصلوات، يُدفَع إلى الرحيل عن الضحية. أي أنّه مُطالَب بعمل شيء يكرهه لذا يتفجر غضباً.
الضحية يركّز الشيطان على ضحيته للانتقام! فهو يعذّبه بقسوة ويؤلمه حتى يتلوّى.
7- طرد الأرواح
الكاهن – طارد الأرواح في كانون الأول 1996، ذهبت إحدى السيدات إلى كنيسة في مدينة باترا وطلبت من الكاهن، الذي روى القصة لاحقاً، بأن يقرأ عليها استقسامات القديس باسيليوس الكبير.
فحقق الكاهن طلبها وتلا تلك الصلوات. وفي طريق عودته للبيت، تعرّض لرمي حجارة حوله. تطلّع خلفه فلم يجد أحداً. من ثمّ، عند منتصف الليل، جرى أمر فظيع، إذ راح المنزل بأكمله يهتّز، الصحون والزجاج في المطبخ راح يسقط ويتكسّر، فيما راحت الخزانات تهوي إلى الأرض. ركض الكاهن وارتدى غمبازه وما أن بدأ بالصلاة “تبارك الرب…” حتى توقّف الشر.
واضح جداً، أن الشياطين اغتاظت من صلوات الاستقسامات فهاجمت “المجرِم”.
المتفرّجون في زمان القديس يوحنا الذهبي الفم، كان الممسوسون يجلَبون إلى القداس الإلهي. كان بعض المسيحيين الذين يصادف حضورهم في إحدى هذه الخِدَم لا يعيرون انتباهاً ويتوشوشون في ما بينهم. القديس يوحنا، الذي كان خبيراً بخداع الشيطان، قال لرعيته: “ألا تهتمون في ما أنتم تصدرون هذا الضجيج، أن يثِب أحد هذه الشياطين فيجد نفسَكم خاوية، كمثل بيت من غير باب،
فيدخل فيها؟ فإذا لم تهتمّوا لأمر إخوتكم الممسوسين، أشفقوا على نفوسكم. أغلِقوا أبواب نفسكم في وجه الشيطان”. لذا، عندما يشترك الإنسان في صلوات الاستقسامات من غير انتباه، يمكن أن يصير ممسوساً.
التواضع تعلّمنا خبرة آبائنا القديسين أن ما يُخرِج الشياطين من الناس هو التواضع. كان لأحد الرجال ابنة ممسوسة. أخذها إلى ناسك ليعيد لها صحتها. ما أن رأت الناسك حتى صفعته. من جهته، لم يرد، لا بل بحسب تعليم السيد أدار لها الخد الآخر.
هذا الموقف المتواضع كان صفعة للشيطان الذي راح يصرخ “أنا أُطرَد بوصية الرب”. عندها تعافت الفتاة ومجّد الشيوخ الله قائلين: “لا شيء يمحق تكبّر الشيطان بقدر التواضع”.
قصد أحد الممسوسين شيخاً طلباً للشفاء. الشيخ اعتبر نفسه غير مستحق ورفض. عند إصرار أقرباء المريض، لانَ وقال للشيطان: “اخرج من خليقة الله”. فأجاب الشيطان: “سوف أخرج، لكن أخبرني مَن هم الخراف ومَن هم الجداء؟”.
فأجاب الشيخ بانكسار: “أنا الجداء، أمّا الخراف فالله يعرفهم”. فولول الممسوس “تواضعك يطردني”، ومن ثمّ تعافى.
حملوا مرة أحد الممسوسين للقديس أنطونيوس الكبير الذي اعتبر نفسه غير مستحق لطرد الشياطين. لذا أرسل الممسوس إلى تلميذه الأب بولس البسيط. وفيما كان يصلّي عليه الاستقسامات، خرج الروح الشرير منه وهو يصيح: “تواضع أنطونيوس الكبير يطردني“.
No Result
View All Result
Discussion about this post