كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل الرابع
في الإعتناء الواجب بالنمو في النعمة والكمال
لقد إقتبلتِ أيتها العذراء القديسة ملئ النِعم منذ أول برهة الحبل بكِ. إلا إنك لم تكتفي بالتمتع هادئة بخير كهذا عظيم، بل جعلتِ جل إهتمامكِ مدى الحياة في استثمار هذه النِعم. وحيث إن النعمة تحرز تقدماً حيث تجد جهوداً، فكانت هذه النعمة تزيد في غناك يومياً. إن أرض نفسك كانت محروثة جيداً إلى درجة إن أدنى بذرة كان ينتج واحدها مئة. إن القداسة لم تكن طبيعية فيكِ بالرغم من أنكِ ولدت في حالة القداسة. مع ذلك فقد جعلتِ القداسة طبيعية فيكِ بواسطة جهودكِ المتواصلة. إن مريم قد أعطت أغصاناً كالنخل ومدتها في جميع الجهات، وهي أغصان مجد ونعمة.
مريم
يا بني؛ إذا تريد أن تنمي فيك هذه النعمة التي تجعل منك صديقاً لله وإبناً له وهيكلاً لروحه القدوس وأخاً ووارثاً مع يسوع، فأهرب من العالم، أحب الصلوات، وواظب على اقتبال الأسرار، واستسلم لممارسة فضائل حالتك الخاصة. إن من أهم الوسائط الضرورية لإنماء النعمة المقدسة والملكية فيك، أن تكون أميناً لحركات النعمة الحالية. أصغ إلى الصوت الذي يكلمك باطنياً، ودع ذاتك تنقاد لتأثيراته، إذ بقدر ما يصغي الإنسان إليه بقدر ذلك يشعر بتعليمه، بمقدار ما يأتي الإنسان تقدماً بمقدار ذلك يلقنه هذا الصوت كيف يأتي بتقدم جديد أعظم. البعض يتوقفون بعد أن يكونوا قد قطعوا شوطاً في طريق الفضيلة، فرحين بما قاموا به، ناسين بأن النعمة لا تقول أبداً كفى! والبعض الآخر يتصورون بأنهم قد عملوا الكفاية حين لا يكونون أشراراً. غير إن هذا لا يكفي! على الصالح أن يسعى يومياً ليكون أكثر صلاحاً.
كم من المسيحيين سينذهلون يوم الدينونة لدى رؤيتهم ذاتهم مديونين لعدالته تعالى بسبب عدم استفادتهم من الوسائط التي منحتها إياهم ليضحوا قديسين عظاماً. إن عدم التقدم في طريق الفضيلة تأخر، وعدم الإستفادة خسارة. عندما يرسم الإنسان حدوداً لخدمة الله، فالله يضع مثل تلك الحدود لإحساناته. بقدر ما تقلل من محاسبتك لله بقدر ذلك يظهر ذاته تعالى أكثر سخاء وجوداً نحوك حتى في هذه الحياة. مهما كانت خيراتك الدنيوية قليلة فلك منها كفايتك. أما بخصوص خيرات النعمة فلا يمكنك قط أن تصل إلى درجة الإفراط في اقتنائها. إن العبد الذي يهمل إستثمار الخيرات التي أودعها إليه سيده سيعاقب. إستيقظ إذاً يا بني من سباتك التي قد يمكن أن تتطور فيك إلى مخدر قاتل. اسع للتعويض عن الوقت الذي فقدته. لا تقل بأنك تكتفي بالمحل الأخير في بيت الآب السماوي، لأن هذا الكلام يعرضك لخسارة كل محل هناك!
العبد
يا مريم؛ أيتها المحامية القديرة والغيورة. أعينيني على تحمل متاعب هذه الحياة التي لم يعطيني إياها خالقي إلا لاستخدامها كلها في سبيل خدمته ومحبته. ساعديني لكي أستحق المجد الذي لا يمكن أن أبلغه إلا بواسطة أعمالي المعضوضة بنعمته، الأعمال التي لا تُقاس عظمتها إلا بسعة الحرارة التي ترافق قيامي بها.
No Result
View All Result
Discussion about this post