كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل الثالث
في الاجتهاد الواجب علينا للمحافظة على النعمة المقدسة
إن مريم المحبول بها في حال نعمته تعالى والبريئة من أية وصمة الإثم ومن أي ميل نحوه لم يكن لها أن تخشى سقوطاً في الخطيئة مثلنا. مع ذلك فمن السهل أن يثبت لفاحصي حياتها بأنها كانت تخشى ذلك مثلنا وأكثر منا. كانت يقظة على كل كلماتها كأنها غير واثقة من شفتيها. أرادت أن تحيا حياة توبة متواصلة هي التي حُبل بها في حال البرارة مع كافة إمتيازاتها. أما نحن فمع كوننا محاطين بأعداء ملاقين خداعين دأبهم إستخدام ضعفنا الطبيعي لإفقادنا النعمة فلا نخاف ولا نسهر! إننا نعترف بأننا الضعف بالذات، ومع ذلك فكثيراً ما نعرٌض ذاتنا للفرص التي قد أسقطت النفوس الأكثر مقاومة. أفلا يستحق الضعف أن يفقد سنده عندما يتحول إلى إعتماد على الذات؟ إننا نحمل كنز النعمة في إناء من خزف قابل للإنكسار في وقت لا نتوقعه. كم من الأعداء يحاولون إنتزاع هذا الكنز منا! هم في باطننا وخارجاً عنا وحوالينا.
في داخلنا أميال لا تكبح! خارجاً عنا أرواح الظلام! وحوالينا عالم فاسد! فأميالنا الشبيهة بسراج مطفطف في وسعها أن تضطرم من جديد فتسبب لنا حريقاً. ولئن كنا قد رُفعنا مثل مار بولس الى السماء الثالثة، علينا أن نخشى دائماً لئلا نتدهور إلى أسفل الأعماق مع الملاك العاصي. عبثاً نعتمد على صدق عواطفنا وحرارة مقاصدنا. فرصة واحدة تعيسة تكفي لإهلاكنا. نظرة واحدة منحرفة صدرت من داوود النبي إنتزعت منه صداقة الله، ودليلة تمكنت من إهلاك شمشون! لقد إنقلبت أساطين أقدس البراري بعد أن كافحت مدة سنين مقاومة أشد العواصف! في طريق الفضيلة لا يُسأل يوم عن آخر! فقد يحدث لنفس قليلة الأمانة أن تضحي موضوع شجبه تعالى بعد أن كانت موضوع إنعاماته عز وجل. فالذي يعتمد على مقاصده السابقة ولا يسهر على ذاته لن يتأخر سقوطه. والذي يريد أن يسافر في بحر هائج مملوء بالعقبات دون إتخاذ التحفظات اللازمة، عليه أن ينتظر أسوأ غريق. إنه لصعب حقاً على الإنسان أن يقضي حياته في سهر متواصل على ميوله ليحاربها، إلا إنه ما من أحد أضحى قديساً بلا سهر وكفاح. إلهي.. ليقشعر جسمي من خوفك، والخوف سيجعلني ساهراً، وسهري سينال لي الحظ السعيد في أن أفوز بالغلبة في الكفاح. إمنحني أن اُدرك بأن هذه النعمة التي تجعلنا أصدقائك وأولادك هي الخير الوحيد الذي يستحق مني كل عناية، وفقد هذا الخير يوجب على الأسف الشديد. كم كان يُضحي سعدي عظيماً لولم أفقد قط هذا الكنز الثمين! لكنت قد صُنت بذلك حياتي من أحزان كثيرة ولاكتسبت للحياة الاُخرى خيرات عديدة.
سعداً وألف سعد لي إذا بقيت أميناً في مقصدي الذي أتخذه وهو.. أن اُفضِل معاناة أقسى العذابات على أن اُعرّض نفسي من جديد للهلاك . إذا عرفت كيف أن اُحافظ على هذا الكنز فستجعل مسكنك في نفسي وستملكها بحضورك وتُنيرها بحكمتك وتسندها بقدرتك وتظهر لها على الدوام دلائل حنوك، وستكون أنت ذاتك مكافأتها في الزمان والأبدية.
No Result
View All Result
Discussion about this post