كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل السادس
في أنه يجب أن نخصص لله ذاتنا بكليتها وللأبد
أيتها البتول المتعبدة! إنك ِ لم تقتصري على منحكِ ذاتك لله مبكراً، بل قد قمتِ بذلك من دون أي تحفظ أوتجزئة. لقد ضحيتِ له حريتكِ بكاملها حتى لاتكون لكِ إرادة غير إرادته، ولم تشائي أن يكون لكِ أي ارتياح أو أية لذة إلا في إرضائه تعالى وفي حرمانكِ ذاتكِ من كل لذة لأجل محبته. ولم تحيدي عن ذلك أبداً، بل سرتِ ثابتة في الطريق التي إنتهجها لكِ الله ذاته، متقدمة فيها تقدماً جديداً يوم بعد يوم. إن مثالكِ هذا ليشجب حقاً عدم ثباتي وترددي في خدمة ربي. وسيرتي هذه تغمر وجهي خزياً، إذ إن الله الذي لا تبدل في حبه لي، يستحق دائماً مني عين المحبة وعين الأمانة غير المتبدلة.
مريم
ولكن: لمذا يابني لماذا توقفت بعد أن إبتدأت جيداً؟ أليس إن الله هوالآن سيد عظيم ومستحق المحبة مثلما كان سابقاً؟ أليست لك معه دائماً عين العلاقات؟ هل أنت متعلق به في وقت أقل منه في وقت آخر؟ ألست ملتزماً في كل وقت بأن تكون بكليتك له؟ إن إحساناته تعالى تزداد عليك بازدياد تقدمك في العمر، فمن الواجب إذاً أن يزداد كذلك شكرك له وأمانتك معه. إن الله وحده كون قلبك ولم يكونه إلا لذاته فقط، فيجب أن يبقى هوسيده الوحيد. إنه لم يقل لك: أعرني قلبك، بل قال: أعطني قلبك . ولقد أصغيت إلى صوته بسخاء وكرست قلبك له، فأي حق لك أن تعود فتسترجعه منه؟ إنه لما يشرف العالم حقاً أن تفسح له المجال كي يظفر بحصته من عواطفك .
إلا أن نصب منافس لله في قلبك لما يهين الله إهانة عظيمة شنيعة! تدعي بأنك تعتبر ذاتك من أتعس التعساء إذا لم تكن من عداد أصدقاء الله . مع ذلك فأنت في نظره تعالى صديق هزيل وجبان. إنه تعالى لم يستكثر عليك منحه إياك ذاته بكليتها فكن أنت أيضاً بكليتك له. إعطه كل شيئ فتضمن لذاتك كل شيئ بالقرب منه . العالم وما فيه لا شيئ لمن كان الله له كل شيئ!
العبد
أيتها البتول القديسة ! إنني بحاجة بسبب ضعفي الى نعمة قوية فعالة تجعلني أستفيد من إرشاداتكِ وأقتفي آثاركِ. ألتمس منكِ إذاً أن تنالي المساعدات الضرورية لي في هذه الساعة التي تشجعيني فيها بحرارة مثلكِ، لعمري! أ أجسر بعد أن اُقدّم قلبي ليسوع بعد كل هذا التردد وهذه الخيانات؟! آهاً إنني عارف بأنه ليس في وسع رجزه أن يتصلب ضد قلب منسحق متضع ولا أمام وساطتكِ، فصالحي إذاً يا أم الرحمة بيني وبين هذا الإله المخلص، وليتنازل لطلبكِ فيملأ قلبي من نعمه بطريقة تجعل هذا القلب لا يعرف أية تجزئة أوتحفظ في خدمة سيد صالح كهذا، ولا يتشوق إلا إليه.
No Result
View All Result
Discussion about this post