كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل التاسع
عن النقاوة وعن درجة إعتبارنا إياها
عندما بشر الملاك مريم بأنها ستكون اُماً لله لم يشرح لها عما إذا كانت هذه الميزة ستتفق أولا مع نذر العفة الذي كانت قد أبرزته، لذا نراها تتوقف في إعطاء رضائها فهي شاءت أن تسمو على الخلائق ببتوليتها مما بدرجتها.
ولكن: لا تخافي يامريم فإن هذه البتولية الشديدة الغيرة عليها ستجذب إلى أحشائكِ هذه الإله الذي لا يريد أن يولد إلا من عذراء. وبالحقيقة إن مريم لم تبرز رضاها إلا حين أيقنت من كلام الملاك بأن لا خطر على عفافها في صيرورتها اُماً لله.
أيتها الفضيلة الثمينة: كم يجب أن تكوني غالية لدينا وأن تظهري لنا غير قابلة التثمين! إنكِ أنتِ أعطيتينا المخلص! إن أطهر خليقة فضلتكِ حتى على الأمومة الإلهية! لقد كنتِ السبب في تفضيل يسوع التلميذ الحبيب! سعداً للنفوس التي تضحين زينة لها في هذا العالم، لأنها ستنال الشرف العظيم بأن تكون في الأبدية من حاشية الحمل. إن زعيم الرسل نال إمتيازات عظيمة، إلا أن يسوع لم يسمح بالآتكاء على صدره إلا للتلميذ الحبيب. يسوع قلّد بطرس الإعتناء بكنيسته، إلا إنه أوكل إلى يوحنا الإعتناء باُمه. بواسطة النقاوة نعيش على الأرض حياة الطوباويين في السماء ممارسة هذه الفضيلة تعطينا إستحقاقاً لا يحصل عليه الملائكة أنفسهم. لقد أعطي للنفوس الأكثر نقاوة أن تشترك أفضل من غيرها بالإتحاد الذي تنازل فعقده الكلمة المتجسد مع البشر. فيا أنتم الذين تنظرون إلى الرذيلة المضادة لهذه الفضيلة كإلى رذيلة سهلة الغفران للضعف البشري. إلا إذكروا قلما أنكر الرب الغفران عن رذائل اُخرى كما أنكره عن هذه الرذيلة وقلما قاصص رذائل بصرامة مثلما قاصص هذه! هذه الرذيلة تبعد الروح عن الله الذي لا يسكن حسب قول الكتاب في اُناس لحميين.
هذه الرذيلة توقع صاحبها في نوع من العمى. وقد وجب تدخل نبي حتى يفهم داوود الزاني عظم جرمه ويفكر بعمل توبة عنه. هذه الرذيلة تقسي القلب، فإن سليمان الذي كان اعجوبة الحكمة لعدة سنين أضحى ساجداً للأوثان في نهاية أيامه لأنه أضحى فاسقاً. أجسادنا هي هياكل الروح القدس: لذلك فالدنس في الإنسان المسيحي هو رجاسة الخراب في المكان المقدس.
يا يسوع عروس البتوليين، يا من إخترت اُماً لك ما بين البتولات، إلهمني محبة قوية لفضيلة النقاوة وأعظم كراهية للرذيلة المضادة لها. إن فضيلة النقاوة تفوق قوى الطبيعة، فلا أستطيع العيش في حياة العفة بلا نعمة خاصة. لذلك إنني أستمد منك هذه النعمة يا إلهي بإسم تلك النقاوة التي حببت مريم في عينيك ومنحتها الشرف في أن تكون أنت إبناً لها.
أستمدها منك بإسم المحبة التي أحبتك بها النفوس البتولة التي لم تشغف هنا على الأرض إلا بمحاسن الختن السماوي.
يا رب: إجعل أن تكون أعظم لذتي في التغلب على اللذات التي تشجبها شريعتك. أثر فيّ خوف اللهب الأبدية التي أعدتها للدنسين. أطف فيّ طعم الملذات الحسية، وأعطني طعم الملذات السماوية.
نجني من التجارب المزعجة التي تتبعني حتى في أعمال التقوى المسيحية. وإذا تسمح للتجارب أن تدنو مني، فاجعل أن أستفيد منها بواسطة مقاومتها بأمانة لابرهن لك عن محبتي.
No Result
View All Result
Discussion about this post