كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل العاشر
عن التدابير الواجب إتخاذها للمحافظة على النقاوة
لقد أضحت مريم بواسطة نعمة الحبل بها بلا دنس بعيدة المنال من عدوى الرذيلة. مع ذلك فقد إضطربت لرؤية الملاك الذي ظهر لها بصورة إنسان.
لقد وجدت ذاتها معه لوحدها وبلا شاهد. وهذا كفى ليملأها خوفاً مقدساً. والسبب الثاني لخوف مريم كان كلام الملاك لها: إنكِ ستلدين إبناً وتدعين إسمه يسوع . إنها لا تشك أبداً في إمكانية حدوث ذلك، إذ ليس عند الله أمر عسير، وإنما تستفهم عن طريقة إستكمال ذلك السر.
ولكن! أية فطنة وأية رصانة في إستفسارها! إنها لا تتلفظ إلا بما هو ضروري، ومن السهل علينا أن خلال هذه الإشارات نفساً جعلت النقاوة كنزاً لها. إن النقاوة كوردة نحيفة، تخشى أدنى نفحة هواء، نظرة واحدة أوكلمة واحدة تفزعه. فكل عذراء تدرك قيمة هذه الفضيلة تخشى الفرص التي تخدشها، مهما كانت هذه الفرص بعيدة. لذلك فالكلمات الملاقة والعروض التي لها صبغة الإحسان بل وحتى المحادثات التي تظهر بثبوت البراءة، كل هذه الأمور تريبها فتحملها على مضاعفة السهر والإنتباه.
ولكن إذا كان لحفظ النعمة بكاملها يقتضي إتخاذ تدابير هذه عظم مقدارها، أفهل يمكن الإدعاء بوجود نفوس عفيفة في العالم؟ ليت الناس يتخذون في سبيل المحافظة على هذه الفضيلة ما يتخذونه من تدابير للمحافظة على ظواهرها! كم من الإشخاص أضحت لهم البطالة وحياة الرخاوة والقراءات المخطرة والمحادثات المطلقة العنان فرصاً للسقوط! كثيراً هن العذراى المسيحيات اللواتي يتحدثن غالبا ً وبلا تخوف مع أشخاص ليسوا بملائكة! لعمري: اذا تحججن بقولهن بأنهن يسهرن متحفظات، نجيبهن بأن الشيطان أيضاً يسهر بغية إسقاطهن!
إن العذراء الراغبة في المدح لن تبقى مدة طويلة عديمة الإكتراث بمادحها! إن في ما يخص العفة يوجد دائماً مجال للخوف، وخوفنا في هذا الموضوع لايبلغ قط درجة الكفاية. كثيراً ما يحاول الإنسان تجاهل الأخطار المحيقة بالعفة. فهولا يتجاهلها إلا لأنه يحبها. وخير دليل على حبه لهذه الإخطار هو اهتمامه الزائد بإخفائها
لعمري: حيث إننا مجبولون من عين الطينة فقد يمكن أن يحدث لنا ما حدث للكثيرين الذين تحققوا ضعفهم بإختبار أليم. ولوأنه يجب الإعتماد على عون النعمة، إلا إنه لا يجوز تعريض الذات للخطر. إن هذا العون يؤمن فقط للذين ينوجدون في التجربة دون أن يفتشوا عليها. ولئن كنت قد حزت الغلبة على أعداء النقاوة مراراً ولمدة سنين، مع ذلك فليس لك أن تعتقد بأنك صعب المنال. لا تعتمد على هذه الإنتصارات ولا على ذاتك. كن أميناً في تجنب الفرص اليومية التي تتعرض لها من كل جهة والتي يوفرها الشيطان لك . حينئذ فقط سيمنحك الله نعمة القوة للصمود أمام هذه التجارب التي لا يمكن أن نسبق فنعرفها، والتي نفتقر إلى فضيلة عظيمة للتغلب عليها.
أيتها البتول أم إلهي المحبوب : نالي لي النعمة كي أكون قليل الثقة بذاتي وفطناً في تصرفاتي ومميتاً لحواسي إذ إن هذا كله ضروري لحفظي في العفة. لايمكن أن أبلغ مناي فأتباهى متفاخراً بأنني من عداد الذين يحبونك إذا لا أغذي في ّ حباً خاصاً نحوفضيلة كانت إحدى مقومات مجدك السامي.
أيتها الاُم الكلية الطهر والنقاوة وملكة العذارى : نالي لي النعمة لأحيا حياة نقية تمكنك من أن تجدي في العلامة الفارقة التي بها تميزين أولادك الأعزاء.
No Result
View All Result
Discussion about this post