كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل الثاني عشر
عن أن نعم الرب هي للمتواضعين
مريم
أريد يا بني أن أطلعك على سر عظيم، يمكنك من نيل النعم العظيمة من الله. إن هذا السر يتوقف على أن تعتبر ذاتك دائماً غير مستحق لهذه النعم. إن الله يمنح نعمه للمتواضعين ، ولا يجد محلاٍ لمواهبه في القلب الممتلئ من ذاته.
العبد
ياملكة القديسين: لقد أعطيتنا بهذا الخصوص سلسلة أمثلة هي لنا أساس لتعليم عظيم. يكفي التفكير بنوع تصرفكِ أثناء زيارة ملاك الرب لكِ حتى نعرف ماكان يغمركِ عن نفسكِ من حاسيات التواضع العميق. لقد بشركِ الملاك معلناً بأنكِ مزمعة أن تصيري اُماً لله، وأما أنتِ فكنتِ متعجبة من تنازل الرب وإختياره إياكِ لمرتبة هذا عظم سموها! ومجرد التفكير بهذه الدرجة السامية الإدراك التي دعيت إليها جعلكِ تتشبهين بزيارة الملاك هذه! في اللحظة التي إنحدر فيها الكائن الأسمى حالاً في أحشائكِ لم تفكري أنتِ إلا بعمق عدمكِ! ومن كل الألقاب المرتبطة بهذا الشرف السامي الذي رفعت إليه لم تحتفظي لذاتكِ إلا بإسم : أمة الرب ياحواء الجديدة كم تختلفين عن الأولى! كبرياؤها أفقدتها إمتيازاتها ، وأما أنتِ فتواضعكِ أضحى مصدراً لإمتيازاتكِ! حين صنع القوي عظائمه فيكِ لم ينظر إلى الإعتبارات الطبيعية ولا إلى شرف النسب، بل نظر إلى الشعور الذي كان لكِ عن ذلك. إنه لطبيعي حقاً أن يكون الرب الذي واضع ذاته إلى حد صيرورته إنساناً أن يسر جداً بالتواضع، وكان من اللائق به أن يختار لذاته اُماً تلك التي كانت مستحقة لأسمى المراتب بسبب تواضعها. إنكِ كنتِ مقبولة لديه تعالى لأجل بتوليتكِ، إلا إنكِ حبلتِ به بتواضعكِ!
مريم
يا بني: ذاك يكون عظيم الإستحقاق في نظر الرب أكثر مما في نظر البشر من ظن بأنه خال من كل إستحقاق مع كونه غنياً به. مالذي يسر الرب في السماء والأرض؟ النفس المتواضعة.
إلى من أنظر، يقول الرب؟ إلى البائس والمنسحق الروح.
الكبرياء هي السبب في فقر عدد عظيم من المسيحيين الذين حرموا من خيرات النعمة. إنهم لوإجتهدوا في معرفة ذاتهم لتولد فيهم التواضع، ولكان في وسع هذا التواضع أن يسد إحتياجهم بواسطة ما يجلبه عليهم من نعم غزيرة.
يا بني: كن فارغاً من ذاتك فيملأك الرب من عطاياه، إجعل ذاتك غنياً بإعترافك بأن ليس لك سوى البؤس والتعاسة. إذا كنت متواضعاً فسيستخدمك الرب لمجده، لأنه يكل العناية بمحده إلى أولئك الذين لا يختلسونه منه ولا يقاسمونه به. عندما تقتبل نعمة من الرب فكر بتواضع وشكر كم يجب أن يكون الله رباً صالحاً حتى يرتضي بأن ينعم على آخر عبيده. وحين تجاوب على النعمة بأمانة عظيمة تذكر بأنك لم تكن أميناً إلا بواسطة عون النعمة ذاتها، وإن الرب إنما يجزي مواهبه يوم يريد أن يكافئ أمانتك . إحمل فيك دائماً هذه العواطف الثلاث: إن أالله هوكل شيئ وأنا لست ٌ شيئاً.
الله يملك كل شيئ وأنا ليس لي سوى البؤس والتعاسة. الله يقدر على كل شيئ وأنا بدونه لا أستطيع شيئاً. حينئذ وإن لم تكن في ذاتك شيئاً ولا تملك شيئاً ولاتتمكن على شيئ إلا إنك ستكون شيئاً في نظر الرب الذي سيرغب في أن يغمرك بمواهبه ويؤتيك الغلبة على أعدائك.
No Result
View All Result
Discussion about this post