كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل الرابع عشر
في أن على النفس المتواضعة أن تسهر على ألا تظهر لأعين البشر ماهي عليه أمام الله
لقد خاطب الملاك العذراء الطاهرة موجهاً إليها أعظم مدح ومنبئاً إياها بأنها كانت مزمعة أن تصبح أماً لله. مع ذلك فلم يسمع أحد من فم مريم ما قاله الملاك لها، ولم تحاول أن تبدوفي حياتها الخارجية كاُم للمسيح بل ظهرت للجميع كإمرأة إعتيادية.
إنها لم تخبر خطيبها يوسف بذلك بالرغم من محبتها العظيمة التي كانت تكنها له وبالرغم من تبادلهما المحادثات المتواترة. وهكذا أيضاً عندما ذهبت لزيارة خالتها إليشباع ووجدتها عارفة بالسر لم ترد الإستفادة حتى من هذا الظرف كي تزيدها في معلوماتها عنه.
إن مريم تركت للرب أمر كشف هذه الأسرار المجيدة التي تمت فيها ليزيح الستار عنها في الوقت الذي يراه هو. أما جل إهتمام مريم وتفكيرها فكان في أن تبقى ملازمة لتواضعها. هكذا يجب أن نخفي عن البشر مانحن عليه أمام الله وما نقتبله من جوده. الفضيلة المخفية تكون دائماً في مأمن. الله وحده يجب أن نظهر ذاتنا. عندما يعرض كنز علناً يعرض أيضاً لخطر الفقد أو الإختلاس، وأجمل الألوان تكمد في الهواء الطلق!
عندما قالت مرتا لمريم أختها: المعلم قد جاء وهو يدعوكِ قالت لها ذلك سراً وبصوت واطيئ.
كثير من البشر العميان والمنقادين للحواس لا يقدرون ولا يفهمون ماهوفرق الحواس وما هوروح الله. والذي يكلمهم عن ذلك يكون كمن يعرض أقدس الأشياء للسخرية. إن الله يفيض روحه سراً، ويرغب أن يبقى كل شيئ بينه وبين النفس المنعم عليها.رجل واحد فقط منتخب بين الف. يقدر بل ويجب أن يعرف غناك وثروتك الروحية ليرشدك إلى طريق إستثمارها، وهذا الرجل هو ذاك الذي يمثل الله لديك على الأرض ليسيرك في طريق الخلاص والكمال.
كن مع الآخر في خارجك كمع اُناس صالحين فضلاء، أعني كن متواضعاً، محتشماً، أنيساً، متزن الطباع، أما باطنك فليكن مغلقاً. ليتهموك بعدم التدرب في الروحانيات وبأشياء اُخرى ليست فيك، إن ذلك لشرف عظيم يحمي النعم التي يغمرك الله بها. إنه تعالى يرغب أن نسير في طرقه بحرارة، وليس بالقليل لديه أن نسير فيها بلا ضجة.
نفوس عديدة هلكت بعد أن نالت من الله نعماً فريدة بسبب إفراطها بالتفكير والإمعان فيها، وإتخاذها منها مجداً باطلاً، وعرضها إياها لإعتبار من لم يكن من حقه أن يعرفها. لوكانت لأمثال هذه النفوس إستعدادات البتول القديسة الباطنية لأمكن لروح التواضع، الذي يحمل دائماً الأنوار الإلهية، أن يلهمها الحذر المقدس وأن يكشف لها حيل روح الكبرياء. لن نصل قط إلى درجة الإفراط في التحفظ لتجنب الإنخداع في الحياة الروحية، وخاصة في طرقها الخارقة العادة، وما هو عصير لذيذ وسماوي فيها قد ينقلب إلى سم زعاف لقلة التحفظ. وقد لوحظ بأن النفس التي لها حياة باطنية حقيقية تتألم عندما يسمح الرب بكشف بعض الإنعامات الخاصة التي ينعم بها عليها، وتحتاج في حالة كهذه إلى إخضاع كل إرادتها لله.
No Result
View All Result
Discussion about this post