كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل السادس عشر
في الخضوع للإيمان
حالما أيقنت مريم بأن الله هوالذي كان يكلمها بفم الملاك آمنت إيماناً راسخاً بأن كل ما قيل لها سيكمل، دون أن تفتش على وسيلة لإدراك ذلك. فلم تطلب لذلك آية كما فعل آحاز. ولم تعط مجالاً للشك مثلما فعل زكريا، ولم تكرر كلامها: كيف يكون هذا؟ لم تسأله: كيف سيقوم هذا الولد الذي سأضحي اُماً له بعمل الفداء الذي تكلمني عنه، وكيف سيتم تأسيس ملكه. لا شيئ من هذه الإعتراضات أو الأسئلة الفضولية الخاصة بالنفوس الضعيفة، بل تراها تخضع حالاً عقلها لنير الإيمان.
تواضعي إذا ً يا نفسي على مثالها بإخضاعكِ عقلك لحقائق تفوق إدراككِ. لا تفتشي على فهم الحقائق التي يعرضها عليكِ الإيمان، لأن إذا فهمتها فلا تبقى أسراراً. يكفيك ِ أن تعرفي بأنها صحيحة. والحق أنه لا يسعكِ إلا أن تقتنعي بصحة هذه الحقائق إذا أعتبرت ِ الإيمان الذي يعلمها والخواص التي حملت العالم بأسره على إقتبالها. نقر بأن هذه الأسرار غير قابلة الإدراك. غير أن الإيمان يفقد ميزة الإستحقاق إذا توصل العقل البشري إلى شرحها. طوبى للذين لم يروني وآمنوا. إبتداء من النجوم وحتى أصغر الورود، كل هذه الأمور أسرار طبيعية لك. أنك لا تفهمها فكيف تحاول أن تفهم أسرار السماء؟
يريد الإنسان أن يرى الأمور الإلهية واضحاً وهولا يرى الأمور الأرضيه إلا بطريقة غير كاملة. لا يجب أن نقيس أنوار العقل البشري الضعيفة بقدرة وأعمال كائن غير قابل للإدراك وغير متناه . هل يكون الله إلهاً إذا تمكنا من فحص كنه وجوده؟ فالإيمان بما لاتراه العين ولا يدركه العقل إن هو إكرام كامل للحقيقة السامية.
يارب: إنني لا أريد أن أحكم على الأشياء بأنواري الشخصية بل بأنوارك التي يوزعها علي َ الإيمان. إنك لا تطلب مني تضحية القلب فقط بل تضحية العقل التي تتم بالإيمان. لي الأمل الوطيد بأن أصل الى السماء حيث سيكشف الستار عن كل شيئ. ولكن حتى في السماء لن أتوصل إلى أن أدرك تماماً كمالاتك ولا أعمالك، لأنك أنت دائماً غير محدود وأما أنا فدائماً محدود! أؤمن يارب فإعن قلة إيماني. زدني إيماناً. إنك لا تقدر أن ترفض عليّ هبة الإيمان التي هي ينبوع كل الهبات إذا سألتك إياها كما يجب. فها إني أستمدها منك بشفاعة هذه البتول القديسة التي بفضل خضوعها وإستحقاق إيمانها رأت بأنه قد تحقق فيها ما قيل لها من قبلك.
إمنحني إيماناً حياً شاملاً لا يشوبه ريب ولا يستثني شيئاً. الإرتياب ليس هو إيمان، وإستثناء عقيدة واحدة من الإيمان معناه رفض كل الحقائق على السواء. إمنحني إيماناً منتعشاً بالمحبة يجعلني أحيا حياة مطابقة للحقائق التي علمني إياها الإيمان. لا أطلب منك أن أعمل العجائب التي أتى بها الإيمان على يد قديسيك، بل ألتمس منك فقط ذلك الإيمان الذي صيرهم قديسين.
No Result
View All Result
Discussion about this post