كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل الثالث والعشرون
عن مراحم الرب
العبد
كم يسرني يامريم أن أسمعكِ ترتلين مراحم الرب بعين الصوت الذي به ترتلين عظائمه، إن ترتيلك هذا لرماحم الرب يولد فيّ أفكاراً سامية. إذا أتتبع معكِ سلساة هذه المراحم من جيل إلى جيل لن أجد أحداً من الذيت إتقوا الرب من لم تشمله هذه المراحم. إذا يقاصص الخطأة برجزه ويشعرهم بشدة عقابه فهولا يفعل ذلك إلا بعد أن يكون قد سعى بواسطة إحساناته في جذبهم إليه وإتحادهم به. إن ينبوع خيراته لم يجف أمام عدم أمانة شعبه ونكرانه بالجميل بل فتح لهم أحشاء رحمته بحنو والدي. إنه وعد إبراهيم وذريته بإرسال مخلص لهم، وليس فقط لم يحنث بوعده بل فتش ليجد في الآباء أسباباً تجعله يفيض بنعمه على الأبناء غير المستحقين فظهر المخلص، ولم يتمكن البشر من تجاهل المحبة التي كان يكنها لهم. مد يد المساعدة لكل البؤساء، والخطأة كانوا أبعد من أن يرذلوا منه فجعلهم موضوع غيرته.
لذا فبأسف بالغ رأى ذاته متروكاً من قبل عدد عظيم من جاحدي نعمه الذين فضلوا حرية مزيفة على فائدتهم العظمى في أن يكونوا من عداد عبيده وأصدقائه. وقد طفحت سيول محبته التي لا تنضب حتى علق ذاته على الصليب سافكاً فوقه دمه الكريم حتى آخر نقطة. رآه البشر على هذه الحالة ولازالوا يرونه دون أن يلين قلبهم! مع ذلك فالصاعقة التي كان لها أن تصعقهم لم تنفجر بعد، وترتفع دائماً أصوات مراحمه ودمه الكريم مستعطفا عنهم. وأنا بذاتي أيتها البتول القديسة أضحيت مثالاً يشهد عن صبره عز وجل في تتبعه الخطأة وعن السهولة التي يقتبلهم بها. إن هذا الراعي الإلهي قد أعادني أنا الخروف الضال الى حضيرة الخراف، وهوبذاته قد حملني، خائفاً عليّ حسبما يظهر من أن أتعب في طريق رجوعي.
لعمري! هل يمكنني أن أنسى اليوم الذي فيه عانقني وبللني بدموعه وضمني إلى صدره حين عدت إليه كالأبن الشاطر؟ كم إن الله صالح! إنه ينسى كونه دياناً ولا يتذكر إلا كونه اباً حين يرى قلباً منسحقاً متضعاً يعود إليه بصدق. أيتها البتول أم إله المراحم، أنت التي تشفعت ِ متضرعة بخصوص توبتي، إستمدي لي نعمة الثبات فيها. إنك تعرفين عدم الإستقرار الذي إمتازت به حياتي السابقة في أحسن مقاصدها، حافظي في على أشواقي الجديدة إلى القداسة ، قوي فيّ وكملي بكمالكِ هذه الأشواق التي تثيرها فيّ النعمة. إن محبتكِ لي ليست بأقل من ثقتي بكِ. وهل تقبلين أن يسعى عدو خلاصي في هلاكي أكثر مما تسعين أنتِ في خلاصي؟ تنازلي إذاً يا أحن وأحب الأمهات ونالي لي أنا ابنك ندامة قوية عن السابق وأمانة دقيقة للحاضر وثقة لاتتزعزع للمستقبل، فأرتل في السماء مراحم الرب وإحساناتكِ مدى الأبدية كلها.
No Result
View All Result
Discussion about this post