كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل السادس والعشرون
عن المحادثات
لننتقل بالروح إلى بيت أليصابات أثناء قيام مريم البتول بزيارتها، وهناك سنجد خير مثال للإحتشام والتواضع والفطنة والمحبة. إن أليصابات عرفت في شخص مريم أم الرب إلهها، فغمرتها بالمديح والبركات وأنشدت عظمتها مهنئة إياها على إمتيازاتها. وأما مريم فكانت أبعد من أن تترك ذاتها تفتتن برتبتها السامية لذلك فقد وجهت إليه تعالى تلك العطور التي قدمت لها. إنها لا تتجاهل ما كان قد صنعه معها القوي والقدوس إسمه، لذا نراها تسدي له الشكر والتمجيد، غير ناسية كونها أمة الرب ولو كانت أما ً له أيضاً. أنه تواضع لاغش فيه، خال من ذلك الإحتشام المزيف الذي لا يحوي في غالب الأحيان تحت ثناياه إلا عجرفة خفية.
كم من الذين يتظاهرون برفض المديح الموجه إليهم رغبة منهم في دفع مادحهم الى المزيد في مدحهم بسبب هذا الرفض ذاته، ومالدافع في هذا سوى محبتهم القوية لذاتهم، هذه المحبة التي تريد أن تضع الإحتشام ذاته تحت خدمة وتصرف العجرفة والمباهاة. إن موضوع المباحثات والمحادثات الدائرة بين مريم وإيلشباع كان قد إرتكز في الله وعظائمه ومراحمه. لقد وضعتا كل لذتهما في التحدث عن عجائب حكمته وقدرته وجودته. ولاعجب في ذلك، إذ عندما تكون مواهبه تعالى موضوع فرحنا الوحيد حينئذ يضحي الله موضوع شكرنا ومدحنا الوحيد أيضا
من فضلات القلب تتكلم الشفتان.إنك لا تتحدث إلا عن العالم وأباطيله، وهذا دليل أكيد على أنك لا تحب إلا العالم وعلى أن قلبك غير مشغوف إلا بجماله. هم من العالم، يقول التلميذ الحبيب، ولذلك فكلامهم عن العالم والعالم يسمع لهم. لوكانوا من الله لتكلموا عن الله، أو أقله لما قال شيئاً لا يتفق مع روح الله. تذكر بأنك ستعطي جواباً في يوم الدينونة عن كل كلمة بطالة. فكم يجب أن تخاف من ذلك. آهاً! كم هي قليلة المحادثات التي تجري بين المتعبدين دون أن تضاعف هذا الحساب الذي سنقدمه لله! ماهي الأشياء التي يتحدثون عنها عادة؟ ترهات العالم وضوضاء الشعب وأشياء تافهة. هذه المواضيع تعتبر من أكثر المواضيع براءة!
يخال للبعض بأنه ماعاد يمكن أن تجري المحادثات مالم تتناول نقائص القريب، والمحادثات تضحي سقيمة إذا لم تقترن بإنتقاد أوخبث ما. الويل لك أيتها الألسن النمامة التي تجدين لذتك في تمزيق شهرة الغائبين، متشبهة بلسان الحية الحاد. الويل أيضاً للذين يتلذذون بالإصغاء اليكِ! إن من يعير سمعه للنميمة يضحي شريكاً في جرمها. إتخذ لك قراراً ضميرياً بالأ تتكلم بالشر على أحد . إذا لا تقدر أن تصد الغير عن النميمة إفهمهم أقله بسكوتك بأنك لا تشاركهم في مقاصدهم النمامة . إكره كل محادثة منافية للإستقامة، وتجنب الإبتسامة في تلك الأحاديث التي يدعوها العالم فكاهة ومزاحاً وليست بالحقيقة إلا تعبيراً عن حاسيات غير شريفة كامنة في النفس، اكسب ذاتك الشرف العظيم بأن تعتبر إنساناً لا يجرؤ أحد أن يهاجم الديانة والعبادة بحضوره. نبه الملحد بحرية مقدسة، إذ لا توجد واسطة لإيقاف الحاده في حده أعرب عن عدم موافقتك على أقواله بعلامة واضحة.
كن صادقاً في ماتسرده، ومحتشماً ومتحفظاً في ما تقوله، كن أنيساً مع الكل فتتمكن من الإستسلام لفرح برئ لاتمنعك عنه الفضيلة، بل وتفرضه عليك أحياناً. بقدر ما أنت معرض لزلات اللسان بقدر ذلك يجب أن تتخذ الإحتياطات اللازمة لتقس نفسك من الأغلاط التي يكون اللسان مصدرها . إذا طاب لك أن تكلم الله مختلياً معه في بيتك سيمكنك أن تقلل من أخطارك حين تجتمع بالناس في وقت الحاجة. قبل أن تظهر في صحبة أحد أطلب من الرب أن يضع رقيباً لفمك.
وأثناء محادثتك تصور بأن الله حاضر وإنه يصغي إليك. كلمه باطنياً من وقت لآخر بواسطة نوافذ حبية قلبية. وفي نهاية الحديث إفحص ذاتك عما كان موضوعه لتشكر الرب فيما إذا كنت أثناءه ماكان يجب عليك أن تكون، أو لتصلح ذاتك من النقائص التي تكون قد إقترفتها. بهذه الطريقة ستقتني روح التمييز والوقف الفطن في الكلام، الموقف الذي يحرض عليه معلمو الحياة الروحية إذ يتعبرونه نقطة كمال عظيم.
No Result
View All Result
Discussion about this post