كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل الثاني
عن الفقر الإرادي
كم يجب أن تكوني قد تألمت أيتها البتول القديسة أم الله بسبب فقرك! إلا إنك لم تتذمري أبداً. ولم يتسائل البشر عن فقرك هذا. ولكن كيف لم تعرضي على يسوع شدة حالتكِ تلك؟ لم يكم لام الله سوى أن تتكلم، لأنه لم يكن لإبنها أن يرفض عليها شيئاً. لوطلبت من يسوع لرأيتِ الملائكة يتسابقون حالاً في نيل شرف خدمتكِ وابداء كل المساعدات لك ِ.
مريم
يابني! إن الغنى الكثير في إقتناء يسوع، والنفس التي تعتبر الله خيرها الوحيد تنظر بعين عدم الإكتراث نحو خيرات الدنيا وترضى بحالة فقرها مغتبطة. كنت أرى يسوع ملك السماوات والغنى باذات قد أضحى فقيراً لغني البشر بفقره فجعلت كل فخري في أن أتشبه به. طوبى للفقراء بإرادتهم الذين يسيرون طبق هذا المثال الإلهي فيتعرون من كل خيرات الأرض حتى لا يفكروا إلا في إقتناء غنى محبته وخيرات السماء. طوبى لهم إذا عرفوا أن يتشبهوا بيسوع فيتحملون بالرضى كل مفاعيل الفقر ويجردون قلبهم بالكلية حتى من الأشياء التي تترك لإستعمالهم.
ولكن! كثيرون هم الذين إعتنقوا هذه حالة الكمال ثم إبتعدوا عن هذا الكمال ذاته الذي تتطلبه حالتهم. إن القلب هو أحياناً شديد التعلق بهذه الخيرات الحقيرة كما لوكانت من أعظمها! هل يمكن أن يقال عن إنسان بأنه قد أضحى فقيراً لأجل يسوع حين يكفر بالإرتباك بهذه الأشياء ثم يتسابق من جهة أخرى في سبيل التمتع بها؟ إن الذين جعلوا ذاتهم فقراء بإرادتهم حباً بيسوع قد رسموا لذاتهم مثال يسوع المولود في بيت لحم والمتربي في الناصرة والمائت فوق الجلجلة! وهوالمثال الذي يفرض على كل مسيحي أن يتبعه بتجرده عقلاً وقلباً من كل الخيرات. إن روح القدس لا يطلب من الجميع أن يكفروا بخيراتهم، ولا يفرض على الكل هذه درجة الكمال، إلا إنه يقول للجميع: لا تعلقوا بها قلوبكم
إن الله لا يقدر أن ينصب ملكه في قلب متعلق بخيرات الأرض العابرة. عندما جاء السيد المسيح إلى الأرض لم يختر لذاته نصيباً سعيداً. لقد رذل الخيرات، فهي إذاً تستحق الرذل. خيرات الأرض باطلة ومضرة. إلا للذين يستخدمونها لشراء خيرات السماء بواسطتها.
No Result
View All Result
Discussion about this post