كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل الرابع
عن ضرورة التأمل وعن الفوائد الناجمة منه
العبد
يا مغارة بيت لحم: رددي لنا ما أسمعته لمريم حين وافى الرعاة ليسجدوا ليسوع في المذود. قولي لنا أنتِ بذاتكِ يا أم الله البتول عما كان يشغل أفكارك حينئذ.
مريم
يا بني: إن المنظر المؤثر لإله أضحى طفلاً مضطجعاً في مذود وملفوفاً بالقمط كان لي موضوعاً لا ينضب للتأمل . لم أكن أفتأ من التأمل بهذا السر العظيم. وماكنت أعاينه وأسمعه كان ينطبع في فكري ويترك فيه أثره البليغ! كنت أعجب أكثر من الرعاة بالمعجزات التي تمت، وكانت كل قوى نفسي منشغلة بهذا الموضوع. ومن هذا التأمل كانت تتولد الآف العواطف التي كانت تنبعث بلا إنقطاع من قلبي. من هذا التأمل كانت تصدر كل تلك المدائح والبركات التي لم أكف من أن أوجهها نحوالعلي الكلي القدرة.
يا بني: إذا كنت تريد أن تؤثر فيك مواضيع الإيمان العظيمة عليك أن تنشغل بها بإعتناء وأن تتأمل بها بإنتباه. إذا كان إيمان الكثيرين من المسيحيين مطفطفاً فما ذلك إلا لأنهم لا يريدون أن يقووا وأن يغذوا هذا الأيمان بالتأمل . كم من الجرائم والآثام تقترف على وجه البسيطة، وما سببها إلا نسيان لحقائق الأبدية. لم يتوصل القديسون إلى التجرد عن الخلائق وإلى التحليق بعواطفهم نحوالخالق إلا بالتأمل المتدوام في كمالات الله وفي بطلان الخيرات الأرضية. وبواسطة هذا التأمل المتواصل تعلموا الا يعتبروا إلا ماهوعظيم ومعتبر في أعين الله. كما وبمساعدة هذا التأمل ايضاً كانت تنبعث من قلوبهم لهب سماوية، ترتفع لتضيع في أحضان الله. فلا تدع يوماً يعبر من دون أن تغذي نفسك بإحدى الحقائق الخلاصية. هكذا يتعلم الإنسان درس القديسين. لا تتحجج قط بما يقوله البعض عن إنه ليس لهم وقت للتأمل. الشيئ الذي ينقصك ليس هوالوقت بل الإرادة. ليس لك في الحياة إلا أمراً واحداً ضرورياً وهو خلاص النفس. مع ذلك فهذا خلاص النفس الضروري لن يكن ذا بال إذا لا يستحق منك إهتماماً يجعلك لا تترك أن يعبر عليك يوم من دون أن تفكر به. إنك تجد يومياً وقتاً كافياً للتفكير في ما يخص فوائدك الزمنية العابرة، ولكن هل من فوائد ذات نتائج في غاية الأهمية لك يجب أن تهمك أكثر من فوائدك الأبدية؟
وكذلك لا تتحجج بأنك لاتعرف كيف تتأمل. لعمري! إنك تعرف أن تفكر بالآف المواضيع التي هي من باب الفضولية المحضة، وأما حين تدور حول التفكير بالمسائل العظمى التي هي الإيمان والأبدية فنراك تدعي بعدم قابليتك. إعلم يابني: إنه لا يمكن للإنسان أن يهمل هذه الواسطة العظيمة التأثير في تقديس الذات مالم يقع في عدم مبالاة أثيمة بخصوص الله والخلاص.
يابني: إن حياتك ستكون دائماً حسنة التنظيم إذا عرفت أن تخصص يومياً وقتاً كافياً لفحص ذاتك لترى فيما إذا كنت على ما يجب عليه مع الله. إنك لن تفاجأ بالموت إذا تتعلم يومياً طريقة الموت الحسن. إن ربع ساعة تقضيها يومياً عند أقدام المذبح أوعند أقدام الصليب متأملاً بعظائم الله ومراحمه وتهديداته ووعوده ستمكنك من إقتناء حكمة تفوق بما لا يحد حكمة كل أولئك العلماء الذين تبحث مؤلفاتهم عن كل شيئ ما سوى علم الخلاص.
ماذا ينفع الإنسان لو أغنى عقله بكل المعلومات المفيدة والكثيرة القبول في عين العالم وحرمه العلم الذي كون القديسين!
لا يضحي الإنسان فاضلاً بمحض شوقه الى ذلك، بل يجب درس أوسائط الملائمة لذلك ووضعها حيز التنفيذ بإعتناء . أطلب دائماً من الله أن يعطيك النعمة لتتغلب على كراهيتك لهذا عمل التأمل الذي يجتهد الشيطان في إقصائك عنه لعلمه بأهميته العظمى لك، فتقتني الفوائد العظمى منه ليس فقط لسيرتك اخاصة بل ولكل الأشخاص الذين سيوكلون لأمر عنايتك بنوع خاص.
No Result
View All Result
Discussion about this post