كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل الخامس
عن المحافظة على شريعة الله
إن مريم كانت قد حبلت من الروح القدس، فأضحت أماً دون أن تبطل من أن تكون بتولاً. بل إن ولادة إبنها ساعدتها على أن تضحي تضحية أكثر نقاء . فشريعة التطهير الموسوية لم تكن ملزمة لها. ومع إن شريعة التطهير هذه لم تكن تشملها فقد شاءت أن تحافظ عليها، منتبهة الى كل ملزماتها الدقيقة، فإن المثال الذي قدمه لنا يسوع بتحمله الختان الشرعي لم يسمح لها بأن تستخدم إمتيازها ذاك. إن شريعة التطهير في الكتاب المقدس لم تتكلم عن شذوذ أو إعفاء لبعض الأشخاص، لذا فقد طاعت مريم بلا تأخير وبلا تحفظ . بل ولم تتردد من أن تخلط إبنها بين أولاد سائر الأمهات. كانت شريعة التطهير تفرض على كل الأمهات تقديم أبكارهن لله في الهيكل، لذلك فلم تر مريم بداً من الطاعة للشريعة، تاركة للآب السماوي ذاته أمر إعلان مجد يسوع إبنه للعالم متى رأى ذلك عز وجل.
إن هذا المثال كاف حقاً ليخزي تهاوننا في الخضوع لشرائع الله، وليشجب الأعذار الباطلة التي نفتش عليها ونتمسك بها لنعفي ذاتنا من الطاعة السريعة والدقيقة. إنه لمن الغريب أن يرفض الإنسان على الكائن الأسمى مايفرضه هو على مرؤسيه!
إنك تراب ورماد، ومع هذا فتجسر على القول لله الذي هوأعظم السادات بأنك لا تطيع، وإن شريعته تكلف ضعفك كثيراً! يالها من جسارة وياله من تهور! ياللخزي! يجد الإنسان نير الله صعباً بالرغم من إنه هو ذاته يؤكد لنا بأنه طيب وخفيف، فيفضل عليه نير العالم الطاغية!
يطيع الإنسان العالم فيضحي له بأثمن مالديه، أي زهرة العمر وقوة الفكر وحساسية القلب وفاعلية القوى والمواهب. أما للرب فيخصص مستقبلاً يدعي بأنه سيطيعه فيه حينئذ! أعني إنه يخصص لله حثالة السنين وبقايا العواطف وكل ما لن يفكر به العالم بعدئذ. يخضع الإنسان يومياً ذاته بعماوة للأميال والعوائد الذميمة إرضاء للعالم، أما فيما يخص إرضاء الله، هذا السيد المحبوب، بطاعة عمياء لشرائعه فإنه يجد الخضوع له قاسياً جداً ويفتش عن كل الأعذار للخروج من تحت هذا النير. إنك إذا تستشير ذاتك أو العالم قبل أن تقرر الطاعة الواجبة عليك لله فلن تطع أبداً، أولم تكن طاعتك إلا بتردد، لأن شريعة الله تنافي ميولك وشرائع العالم. لاتستشر اللحم والدم في ما يخص الشريعة الإلهية فإن الطبيعة لا تقودنا إلا إلى التراخي، والعالم لا يوجهنا إلا نحو الثورة.
أيها السيد الأسمى الذي له وحده الحق بأن يريد ولا حق لنا في البحث عن أسباب إرادته، إفتح قلبي لشريعتك، كلماتك هي العدالة والحق بالذات. أمطر كلماتك على قلبي كالندى. إن نبيك يعلن لنا في إحدى أناشيده بأن سلاماً فائضاً يكون نصيب الذين يحبون شريعتك ويحفظونها. هذه الشريعة تعطي الحكمة للبسطاء وتقود الى السعادة الحقيقية وتزيل الحزن من القلوب وتبدد ظلمات العقل. وهي افضل من الذهب والحجارة الكريمة، وتفوق العسل اللذيذ بحلاوتها. إنني أعاهدك من جديد بألا أزيغ عنها أبداً. ثبتني يا إلهي في عزمي. إنني أريد أن أحافظ على هذه الشريعة حتى آخر نسمة من حياتي. إنها في نظري تراث غني أريد أن أحافظ عليه وأن أجعله موضوع فرحي دائماً.
No Result
View All Result
Discussion about this post