كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل العاشر
عن كيفية سلوك النفس عندما يتخذ الله معها خططاً غير مدركة، وعن العواطف التي يجب أن تشغلها حينئذ
إن الله أعلم مريم بواسطة ظهور الملاك ليوسف بوجوب إنقاذ الطفل الإلهي من غضب هيرودس بواسطة الهرب إلى مصر.
ولكن: أليس لله طرقاً أخرى يلين بها قلب هذا الملك؟ أليس من غير اللائق بالله أن يلوذ بالهزيمة أمام ضعيف مائت؟ أليس في مقدوره أقله أن يكرر أعجوبة الضربات العشر التي سلطها على المصريين لإنقاذ شعبه؟ آهاً! إن مريم لا تحاول قد إدراك مقاصد الرب في مسلكه معها. إن إرادته القدوسة تستحق خضوعنا، أدركنا أولم ندرك أسبابها. إنها لا تفحص عما إذا سيكون في وسعها الحصول على ما يقوتها في هذا السفر الطويل وسط القفر الموحش وفي هذه الأرض الغريبة التي تعين لسكناها. إن الله الذي أصدر إليها أمره بالسفر هو نفسه مقتدر على أن يوفر لها وسائط العيش، وإن خفي عنها أمر كيفية تحقيق ذلك .
هل ستبقى دائماً في مصر؟ إنها لا تسأل عن ذلك. يكفيها أن تعرف بانها ستعود منها حين يعلمها الله بأن وقت رجوعها قد حان. إنه ليس من المستبعد أن يعطيها الله أوامر اخرى قد يصعب إدراكها أكثر من الأخرى، إلا إن نفسها لا تفقد شيئاً من سلامها. ماذا يقلق النفس التي تعتقد بأن الله يسير خطاها؟ هل من حماية أعظم من حماية العناية الإلهية؟ إنك يارب تأمرني السير في طريق أجهلها، وهذا يكفيني.
إرادتك هي لي بمثابة نور وسبب موجب للعمل. قد لا أعرف شيئاً عن وجهة سيري، إلا إنني واثق من أن قدمي لن تزل إذا تركت ذاتي تنقاد لدليل هذه حكمته. إنني أسير واثقاً وأن كان سيري في الظلمة، لأنني واثق بأنك لن تتركني. وماذا تفيدني أنواري الضعيفة في طريق تنتهجها لي أنت، وتأمرني بأن أتبعها بطاعة عمياء؟ حالما تتكلم فعلي أن أفعل، وألا أصغي لذاتي. يستسلم الإنسان بكليته لعناية إنسان يظنه فطناً ومتنوراً، افهل يخامرني الريب فيك ايتها الحكمة الإزلية عندما تريدين أن تسيريني أنت؟ أن عنايتك يارب كثيراً ماتنال غاياتها بوسائط تبدو قليلة التناسب معها، لذا فمهما بدت لي نواياك بخصوصي غريبة سأكتفي بالسجود لها. إنك تقدر أن تفعل أكثر مما أقدر أنا أن أدرك. إن تدابيرك لا تفقد شيئاً من قيمتها بسبب جهلنا إياها، وأعمالك تحمل ختم الحكمة السامية وإن بقي سرها غير مكشوف لدينا. فأريد إذاَ يا إلهي أن أحمل لأوامرك عين الخضوع الذي أحمله للحقائق التي أوحيتها ولا أفهم أسبابها. إنني سأعتمد مطمئناً على هذه الحقائق ولولا أدركها أولا أراها بوضوح، لأنك أنت قد تكلمت.
No Result
View All Result
Discussion about this post