كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل الحادي عشر
عن إهتمام العناية الإلهية بالأبرار
العبد
إنني أتتبع بفرح أيتها البتول الكلية الخضوع الإتزان الذي لازم نفسك حين التزمت أن تسافري إلى مصر. لقد كنت مقتنعة بأن التدابير الإلهية التي إستسلمت دائماً لها كان عليها أن تسهر عليك في الطريق، وإنك تتركي وشأنك عندما تبلغين النهاية المعينة لك. وهل يمكن لعمري ألا تكون عينه تعالى ساهرة عليك وعلى الوديعة المقدسة الموكلة إليك؟! كلا ثم كلا: لم يكن لك أن تخشي لا من هول الليل ولا من السهم الذي يطير في النهار. إن الله أوصى ملائكته بك وأصدر إليهم أمره بأن يتبعوك بأمانة في كل خطواتك وأن يبعدوا عنك كل خطر، وحتى أن يحملوك على أيديهم إذا اقتضى الأمر ذلك. مهما كانت الأرض التي تقصدينها مملؤة حيوانات مفترسة وزواحف مخطرة فأنت ستسيرين آمنة فوق الأفاعي المسمومة والأورال وستطأين الأسد والتنين.
مريم
يابني: إن الله قد وعد في أماكن متعددة من كتبه المقدسة بأن يحامي الواثقين به. لاتضطرب إذاً إزاء الأوامر التي يصدرها إليك مهما كانت صعبة التنفيذ. ثق به فيساعدك. وحتى إذا عرضتك طاعتك له لأعظم فاقة فما عليك سوى الإتكال على عنايته التي لن تتركك تحتاج الى شيئ. وإذا تعرضت لهزؤ وسخرية وشتم وإضطهادات الأشرار فلا تخر قواك ابداً، الله سيكون حصنك في وقت الضيق. إن ثقة الأبرار بالرب خير ضمان لحمايته لهم.
وإذا بدا منه أنه قد تركهم لوقت فهو يعيد لهم في النهاية سلامهم. إن سكان بتوليا لم يكونوا لينتظروا شيئاً من الله إله آبائهم، في حين كانت عينه ساهرة عليهم أكثر من أي وقت آخر، ويوسف العفيف لم تنسه عناية الله حين كان يأن تحت وطأة السلاسل في سجنه المظلم، بل أخرجته من سجنه لترفعه الى العظمة وليقاسم فرعون سلطانه السامي. وهذا لا يعني بأن العناية الإلهية تخلص الأبرار دائماً من مخاوفهم وأخطارهم وتمنحهم احتياجاتهم بالطريقة التي يتمنونها أو يطلبونها، كما وأن طرق هذه العناية الإلهية عجيبة دائماً، سواء أنقذتهم من فاقتهم وأقتصت لحقهم أوجعلتهم ضحايا الفاقة والتعدي. غير أنه تعالى لابد وأن يعطيهم حينئذ نعمة الصبر على النوائب، وبهذا يكون قد أحسن إليهم أكثر مما لوكان قد غمرهم بالخيرات الأخرى.
كم من المسيحيين الراضين بحالهم يبدون كأنهم حاصلون على كل شيئ ولا شيئ لهم، ويباركون عنايته تعالى غير راغبين بإستبدال حالة فاقتهم تلك بحالة سعداء الدنيا. فإلتجىء إذاً إلى الرب في كل إحتياجاتك معتصماً به، وستقتبل منه المساعدات التي ستكون حقيقية ومسلية ، وإن لم تكن دائماً حسية وبارزة للعيان.
No Result
View All Result
Discussion about this post