كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل الثاني عشر
عن أنه لاتوجد حالة لا يمكن أن نخدم الله فيها طالما هو تعالى يعينها لنا
يابني: ماسبب تذمراتك من الحالة التي تنوجد فيها؟ قد تدعي بأنك لاتقدر أن تخدم الله في هذه الحالة كما يجب.إن السماء غاصة بالقديسين الذين تقدسوا في حالة كحالتك وفي وضع مشابه تماماً لوضعك. كنت أجد الله في مصر حيث التزمت أن أسافر كما كنت أجده في اليهودية. وكنت أجتهد هناك في خدمته بعين نوع خدمتي إياه هناك. إن المهم أن نحافظ على نعمته تعالى ومحبته أينما كنا، وحينئذ نقدر أن نكون فرحين في كل مكان. إنه كان من الطبيعي أن يعز علينا أنا وخطيبي يوسف أن نترك ارض إسرائيل. مع ذلك فلم نشعر بأي ألم. وعندما دعينا مرة أخرى إلى هذه الأرض لم نشعر بلذة أرى غير لذة تنفيذ أوامر الله التي كانت قاعدتنا في كل حركة. فلا تفتش إذاً يا بني على تنفيذ إرادتك بل إرادة الآب السماوي، وحينئذ ستجد غبطتك في الحالة التي يضعك فيها ولن تفتش على غيرها. إنه عز إسمه قد رسم لكل منا الطريقة التي تؤدي به الى القداسة، فهو سوء تصرف منا أن نحاول تقديس ذاتنا بإتباع طريقة أخرى. لايمكن أن يكون الإنسان قديساً إلا بواسطة النعمة، وهذه النعمة لاتمنح للإنسان إلا بنسبة إحتياجه إليها بعد مراعاة نوع الحياة التب يدعوه اليها والوظيفة التي ينتدبه لها.
فليس للمنعزل في الخلوة إذاً أن يأسف على عالم تركه، ولا للمقيد بأشغال العالم أن يفكر بأنه لن يخلص فيه. إن الحالة الأكثر أمناً لهذا وذاك هي التي أرادها لهما الله. فالخلاص يتعلق بالأمانة على النعمة مهما كان الوضع الذي تنوجد فيه. لقد تقدس يوحنا المعمدان على سواحل الأردن حيث إرادة الله ولم يشأ ترك هذا المحل، ولم يفكر بأن حالة الرسل الذين كانوا يرافقون يسوع ويسمعون تعليمه كانت الأوفق للقداسة. كلا: إن حالتك ليست في حد ذاتها مانعاً للقداسة، وليس للمحل أو الوظيفة أن تقدس الإنسان، بل للإنسان أن يقدس المحل أو الوظيفة. غالباً يحملنا القلق، وليس حب الخير، على النظر إلى الحالات المخالفة لحالتنا.
ماالفائدة من تبديل الحالة التي نوجد فيها؟ هل سنكون أكثر صلاحاً في غيرها؟ إن تبديل الحالة والمكان لا يبدل الطبع والمزاج، وفي كل حالة يحمل الإنسان رذائله. فالأولى بك أن تبدل ذاتك مما أن تبدل وظيفتك. قدس أشغال وظيفتك بتوجيهها نحوالله فلن تعد تتشكى من أنها تسبب لك الطياشة وتشتيت الأفكار. إن المهام المتعددة المقترنة بإدارة مملكة عظيمة لم تمنع داؤؤد من التخصص للصلوة والترتيل سبع مرات في اليوم لأحكام الرب. وعوضاً عن أن تكون كثرة الأشغال عائقاً لتقديس القديسين ذاتهم، فقد مكنتهم قداستهم من تكميل واجباتهم جيداً. إن القداسة لاتتوقف على أن نخدم الله حيث وكما نريد بل حيث وكما يريد هو. لذا ففي وسعك أن تمجد الله فوق فراش المرض إذا كانت إرادته تعالى في أن تبقى طريحه أكثر من تمجيده إياه بإغنائك ذاتك بالأشغال في كسب النفوس له.
No Result
View All Result
Discussion about this post