كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل الرابع عشر
عن عظم التعاسة الناجمة من فقد يسوع
كان يسوع في الثانية عشر من عمره حين حين رافق مريم ويوسف في صعودهما إلى الهيكل كعادتهما للإحتفاء بعيد الفصح. وبعد انتهاء العيد عاد يوسف ومريم الى الناصرة،وبقي يسوع وحده في أورشليم من دون علمهما. لوم يشعرا بتخلفه إلا بعد أن قطعا مسيرة يوم كامل. كم كان حزنهما شديداً لفقدهما يسوع! وكم وجب أن يكون تأثير هذه الخسارة عظيماً على مريم! ولكن آهاً ياالهي! إن فقدها إياك لم يكن بذنبها. إنك كنت قد غبت عن بصرها للتخصص في ما كان يعود الى ابيك السماوي. وأما انا الذي فقدتك مراراً بأثامي واجبرتك على الابتعاد عني، أهل شعرت يوماً بتعاسة هذه الخسارة وهذا الابتعاد؟ أن مريم لم تفقد إلا حضور يسوع الجسدي، إذ قد بقيت محافظة كل المحافظة على محبتها له.
وأما أنا فقد فقدت أعز ماكنت أملكه، ألا وهو نعمة يسوع وصداقته. وهل يمكن للعالم وملذاته التي أحببتها أكثر من يسوع أن يعوضوا لي عما لحقني من أضرار بخسارتي هذه؟ سعداً لأولئك الذين لم يبتعد عنهم يسوع أبداً وبقوا محافظين دوماً على وجوده في قلبهم. ليس لأحد سواهم أن يقول لنا شيئاً عن هذا الفردوس الأرضي: المكوث مع يسوع! يالها من صحبة لذيذة ومحادثات شاغفة وصداقة هنيئة وانشراح إلهي! وأما الابتعاد عن يسوع فهو وحشة مرعبة وليلة قاتمة وفاقة قصوى وجحيم مسبق. آهاً! لوعرف الذي يفقد يسوع عظم تعاسته لضحى في سبيل الحصول عليه من جديد كل مالديه من غنى وعظمة وملذات في الحياة. إننا نندب خسارة زمنية تنتابنا ولانريد أن نسلك بعدها، إلا أننا لانندب خسارتنا لإلهنا ولا نتأثر بها. مع ذلك أفهل من خسارة للمسيحي تضاهي خسارته تلك؟
لعمري: ما من شيئ لا يتأثر الانسان لفقده ماعداك أنت أيها الإله الأسمى وغير المتناهي في الجودة والصلاح. آهاً! كم أن معرفة الإنسان إياك ضعيفة! هل يمكن للعروسة أن تبقى غير مكترثة لفقد عريس لها مالم تكن خالية العواطف؟ وهل يمكن للابن ألا يتالم لفقده أحسن الآباء مالم يكن عقوقاً؟ يا أب المراحم، أعد صداقتك إلى ولدك. ياعروس نفوسنا الإلهي أعد محبتك إلى نفسي، أشفق على دموعي المنسجمة من عيني، إنها تهطل بغزارة لأنني عارف بكل مافقدت! إنني أستبشع منظر نفسي حين أفكر بأنها قد استحقت بذنبها أن تفقدك أنت الذي أطلعتني بدلائل قوية على المحبة التي تكنها لي وعلى سرورك في أن تراني بقربك. آهاً! إن قلبي هو أصغر من أن يتمكن من مقت نكراني بالجميل. كلا! إن قلوب البشر مهما تجمعت لا يمكنها أن تمقت معاصي مقتاً شديداً، كافياً، موازياً لتعاستي التي حلت بي باقترافي تلك المعاصي. أنني يا إلهي مستغيث برحمتك الوافرة أنا أشقى الجاحدين لإحساناتك، ولتعوض رحمتك عما ينقصني أي عما أريد أن يرافق ندمي، أنني أتمنى أن يكون ندمي واسعاً بوسع الإيمان : الذي ينيرني ويعلمني أن أكره الخطيئة كراهية لا نهاية لها، وأن أحبك محبة لا حد لها.
إنني شاعر بدناءة سيرتي، ولولا نعمتك لكان شعوري بذلك أقل. إن صبرك لم يكل بكثرة جحودي لمعروفك. لقد انتظرتني بتنازل لا أتمكن من أن أعطيه حقه من الإعجاب والشكر. مالذي يحملتي على الرجاء بك في حالتي هذه التعيسة غير صلاحك وجودك؟ يايسوع مخلصي أظهر أمام الجميع مدى جودك بإعادتك إلي صداقتك. أقر معترفاً بأنني استحقيت ضربات عدلك. آها! يا إلهي: قاصص هذا الثائر عليك، ولكن لاتهمل من أن تعيد إليه محله الذي كان له في قلبك. إنني لراض بأن تنزع مني كل ما في وسعه أن يعلق قلبي بالعالم: الأموال والخيرات ، الجاه والشهرة، تقدير ومحبة البشر. لاتسمح بعد بأن أتعس بفقدي إياك من جديد. ليتني أعوض بأمانتي وحرارة قلبي في المستقبل عن الوقت الذي عشته بعيداً عنك. فتنازل يايسوع وامنحني من جديد شرف الاقتراب منك. قلبك هو دائماً عينه، مفتوح لاقتبالنا بالرغم من زيغنا. فيه ملجأي، ليتني لن أخرج منه بل أغرق فيه إلى الأبد.
No Result
View All Result
Discussion about this post