كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل السادس عشر
عن كيفية تصرفنا بعد أن نجد يسوع
العبد
أيتها الأم القديسة: أنك قد وجدت يسوع بعد بحثك الشاق عنه واصطحبته معك إلى الناصرة . فيا لسعدك! الملائكة ذاتهم يحسدونك! كم كان عظيماً إنتباهك الوالدي في السهر على هذه الوديعة الثمينة، وكم تضاعف اعتناؤك في أن تكوني يقظة على حياته بعد أن وجدته.
مريم
يابني: إنها لسعادة عظيمة أن يجد الإنسان يسوع. لذا يجب أن يستخدم كل شيئ ليحصل عليه.
العبد
تنازلي أيتها البتول القديسة وعلميني أنت بذاتك ما يجب أن أفعله حتى لا أعود فأحرم هذا الخير الأسمى من جديد.
مريم
يا بني: افحص جيداً السبب الذي أبعد يسوع عنك، وكيف توصلت إلى فقده بفقدك النعمة وإلى جعله عدواً لك. ألا يأخذ هذا التباعد مبدأه من تراخيك في خدمته واقترافك عدداً عظيماً من الإهمالات التي بردت قلبه نحوك؟ إن الحائط الفاصل بين يسوع وبيننا يبنى بنوع لا يشعر به بواسطة الإهمالات المتكررة. ألم تجامل بعض شهواتك المخطرة عوضاً عن أن تقمعها منذ أول رؤيتك للشرارة التي تلهبها في قلبك؟ ألم ترفض على الرب طلبه حين سألك تضحية بعض التعلقات والمحبة البشرية؟ إن الإنسان برفضه تضحية ما يطلب عنه تضحيته يبعد ذاته عن خطة العناية الإلهية الخاصة التي لاتجود في حالة زيغ مؤسف. فإذا تشعر بأن أحد هذه الأسباب أوغيرها قد أبعدت يسوع عنك فما عليك إلا بإزالة ينبوع الشر، إذ لا يزال المعلول إلا بإزالة العلة. ضاعف السهر على ذاتك. صن قلبك بكل ما أوتيت من عناية ولاتزغ عن حدوده. إن إحداث جرح في القلب لايمكن أن يتم دون تعريض القلب للخطر، كما وأن حفظ حياة النفس متعلق بصيانة القلب. كن أميناً في الصغائر لئلا تكون غير أمين في الكبائر. احتقار الزلات الصغيرة يؤدي شيئاً فشيئاً إلى الكبيرة. يسوع لا يرضى بقلب مجزأ. إنه خلق قلبك كله لذاته فيريده بجملته.
يابني: إن هذه الصغائر التي تتساهل أنت بها ونفوس عديدة رخوة تبعدنا عن يسوع وتبعده عنا من دون أن نشعر. إنها لاتقطع الصلات معه، إلا أنها تعد لذلك، إنه يرى فيها دلائل برودة، وهذه البرودة تنقص من عدد نعمه. أما الأمانة فإنها توثق العلاقة التي تربط قلب يسوع بقلب البار. عامل يسوع بما تريد أن يعاملك يسوع به. أتريد أن يفيض عليك غنى محبته، إمنحه قلبك على سعته. التحفظات التي تتمسك بها في خدمته تشير الى قلب ضعيف، والمحبة التي تحتقظ بها لأي شيئ آخر تثير فيه الغيرة. أدنى كلمة يقولها شخص نحبه تجد لدينا قبولاً. فلنقبل أذاً بدافع عين المحبة والأمانة الإلهامات التي يلهمنا إياها يسوع، سواء كان ذلك ليدلنا على تجنب الخطيئة أو ليرشدنا في تقدمنا في الفضيلة.
العبد
ايتها البتول القديسة: يامن فهمت جيداً كعنى المحبة والأمانة، لي الأمل الوثيق بأن أضع إرشاداتك هذه في حيز العمل، متكلاً على نعمة يسوع التي أرجو أن تستمديها لي. وأرتضي يا أمي بأن أعرض عليك بعض مخاوفي. هل يمكن، وأنا على ما أنا عليه من رخاوة وضعف، ألا أقع من جديد في تعاسة خسراني يسوع وخسراني إياه إلى الأبد؟
مريم
يابني: حسن لك أن تعرف بأنه لو لم يكن فيك هذا الخوف لسعيت في إثارته فيك. إلا أنه لا يجب أن يقترن خوفك هذا بقلق واضطراب، بل على العكس من ذلك يجب أن يكون خوفك هذا معتدلاً بواسطة الثقة. أعمل من جهتك مافي مقدروك للمحافظة على محبة يسوع وانتظر من جهوده نعمة الثبات.
العبد
كم هومؤلم ومعذب أيتها الأم الحنون ذلك الشك الذي يتولد في نفس لاتخشى شيئاً مثلما تخشى عدم ثباتها. والتي أخفى الله عنها فيما إذا كانت ستثبت أم لا!
مريم
يابني: إن هذا الشك هو نصيب كل النفوس المسافرة على هذه الأرض. إنه عز إسمه أراد ذلك خوفاً منه عليها لئلا تصطدم بعثرة الادعاء بالذات. هذا الشك يجب أن يجعلك دائماً في حالة إتضاع ويثير فيك ريباً مقدساً من ذاتك ويجعلك تعمل عمل خلاصك بخوف ورعدة. في السماء فقط نكون في مأمن من كل خوف، ونتمتع باليقين السعيد المؤكد لنا بأننا سنكون مع يسوع دائماً ابداً!
No Result
View All Result
Discussion about this post