كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل السابع عشر
عن أن النفس المسيحية الأمينة لايجب أن تفقد شجاعتها في وسط اليبوسة وعندما يخال لها بأن يسوع قد إبتعد عنها
كثيراً مايحدث أن يعامل يسوع الأبرار معاملة تخيفهم وتفزعهم، فهو قد يحرمهم لوقت من حلاوة حضوره الحسية لاختبار أمانتهم. هكذا عامل يسوع أمه القديسة. إنه سبق وعرف الألم الذي سيسببه لها ابتعاده عنها، مع ذلك فقد شاء أن يبتعد عنها مدة ليمكث في الهيكل على غير معرفتها. فلا تضطربي إذاً أيتها النفس المسيحية فيما إذا راق في أعين هذا إله المحبة أن يمتحنك بهذه الطريقة. تسلحي بالشجاعة وانتظري رجوعه بصبر. فهووان كان دائماً بقربك ليعطيك عونه لما تلتمسينه منه، مع ذلك فهو يتظاهر بالابتعاد عنك أحياناً لتفهمي كم تكونين تعيسة إذا فقدته بالتمام. إنه حين يجود على نفس بتسلياته يقصد سندها في محنها. وحين يعود من جديد فيسلمها لليبوسة والكآبة فهو ينوي صدها عن التكبر بالجودة التي يظهرها نحوها. إن أغلب أصدقائه إذا لم نقل كلهم قد عبروا في هذه التبدلات بين فرح وحزن، بين حرارة عبادة وكراهيتها، بين سلام وتجربة. فهم قد شعروا بكل ضعفهم عندما كان يسوع يتظاهر بالتباعد عنهم وتركهم لذاتهم. الا أنهم لم يكونوا ليقطنوا قط من ذلك، عارفين بأنه وإن لم يكن حضوره دائماً محسوساً إلا أن عونه كان دائماً حاضراً لديهم. إنهم كانوا عارفين بأن الله سبق وعرف مانتشكي منه، ولهذا فقد أعد لنا ما به نستفيد من هذه الحالة.
نعم إنك كنت تسير بفرح وسهولة حين كانت نعمه تسيرك بحلاوة وتسلية، ولكن لاتظن بأنك كنت قد عملت حينئذ تقدماً أعظم. لقد كان تقدمك في طريق الفضيلة أعظم حين تحملت بصبر وتواضع وخضوع هذه حالة اليبوسة التي خال لك فيها بأن الله قد تركك. حقاً إن هذه الحالة أليمة، لأنه يخشى دائماً فيها أن تكون قصاصاً أكثر منه تجربة، مع ذلك فثقي دائماً أيتها النفس المسيحية حينما تنوجدين في حالة مماثلة ولا تقطني. ثقي بثبات بأنك عن قريب ستقتبلين الحبيب وستقتبلينه لطيفاً مثلما كان في السابق، وأن عهد التجربة لن يطل مثلما لم يطل على مريم.
تمثلي باجتهادها في التفتيش على ابنها. فتشي عليه مثلها بشوق مقدس إلى أن تجديه. ولكن لاتتذمري قط. إن يسوع ليس مديناً لك بشيئ. وإذا كان ولابد أن تبرزي تذمراً فليكن ذلك عن محبة، على مثال تذمر مريم حين قالت له: يا بني: لما صنعت بنا هكذا؟ ان أباك وأنا كنا نطلبك متوجعين. قولي له على مثالها: يايسوع إلهي لماذا عرضت نفسي لتجربة كذا قاسية؟ أنك تعلم كم أتالم لغيابك! هل هي عدم أمانتي التي قد أبعدتك عني؟ اغفر لي ياسيدي أذا كنت قد استحقيت ابتعادك هذا عني بسيرتي التي لم ترق لك. أنني ساجتهد من الآن فصاعداً في أن أكون ساهراً على تجنب كل ما لا يرضيك في سيرتي هذه. ومهما كان سبب معاملتك إياي ها إنني خاضع لأن تختبرني بالنوع الذي تريده وللمدة التي تشاؤها، شرط أن أبقى محافظاً على محبتك في قلبي.
No Result
View All Result
Discussion about this post