كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل العشرون
عن الصمت
العبد
إليك ألتجئ يا ملكة الفضائل لأتعلم أن أصمت وألا أتكلم إلا في الوقت الملائم. فقد مارست فضيلة بنوع كامل ليس لأحد غيرك أن يرشدني إلى طريقة ممارسته. إن الإنجيل يذكر لنا بعض كلماتك، وأرى بأنك لا تتكلمين إلا بدافع إحدى الفضائل. يا لمحبتك للنقاوة! يالتواضعك! يالخضوعك البارز في كلامك الذي وجهته للملاك الذي جاءك مسلماً باسم الثالوث المسجود له! لقد تكلمت في بيت أليصابات لتشكري الله على إنعاماته نحوك، وتكلمت كلذلك حين وجدت ابنك يسوع في الهيكل لتعربي له عن حنوك الوالدي، وتكلمت أيضاً في عرس قانا لتغيثي في احتياجات لم يكن لك فيها دخل، وانما أضحت خاصة بك بدافع المحبة. وقد لذت بالسكوت في ظروف عديدة يبدوأنك كنت قادرة فيها على الكام لإظهار عواطفك نحو الأشخاص المحيطين بك. لقد شاهدت العجائب التي تمت يوم ميلاد يسوع وأصغيت إلى ماتكلم به الساجدون الأولون في ذلك اليوم، ولم يفتك شيئ مما قالوه، إلا أنك كنت تحفظين كل هذا بصمت خشوعي. وفي الهيكل حيث قدمت يسوع الطفل لازمك صمت التعجب الذي ذكره الإنجيلي لما ينطوي عليه من التعاليم المفيدة لنا. وأخيراً تسلقت الجلجلة مع يسوع ومكثت واقفة عن أقدام صليبه، مقتبلة أنفاسه الأخيرة، وفي كل هذه الفترة لم تظهري إلا سكوت الصبر والخضوع لمشيئة الرب.
مريم
إن سكوتي يكلمك يابني، وكل النفوس التقية تفهم لغة هذا السكوت.ان ماكنت أحفظه أثناء كل تلك الظروف التي كان مجد الرب ومحبة القريب يسمحان لي فيها بالسكوت كان يلهمني إياه روح الاختلاء، والنعمة الإلهية كانت مبداؤه. وهذا الأمر يعلمك على أنه حتى يكون الإنسان باطنياً ومختلياً عليه أن يتكلم قليلاُ، وألا يتكلم إلا بعد التفكير وحسب رغبة الروح القدس الذي يملي على القلب ما يجب أن يقوله من يستشيره. إن رغبة التكلم الكثير هي علامة قلب وعقل طائشين، وهذه الطياشة هي ضرر جسيم. إن عواطف التقوى تتبخر بسهولة كلية في وسط المحادثات، وأما السكوت فيحميها ويقويها. قليلون هم النادمون على سكوتهم بينما يكثر النادمون على كلامهم. الحكيم لا يتكلم إلا في وقته، أعني عندما يضحي السكوت شراً وفي غير محله. والذي لا يعرف أن يضبط لسانه يشبه مدينة متهدمة بلا سور ومعرضة لكل مفاجأة العدو، وليس من الممكن ألا يزل الإنسان في المحادثات الطويلة. أفطن الناس أقلهم كلاماً. وقد ثبت بالاختبار بأن البرارة تكثر حيث قل الكلام وكثر السكوت. تمسك إذاً بالمبدأ الآتي: إن السكوت مفيد حيث لاحاجة للتكلم. إنه لفن عظيم أن يتعلم الناس السكوت أو التكلم في الوقت المناسب قد يكون الإنسان حاذقاً في فنون متعددة وجاهلاً فن السكوت الذي تعلمه النعمة أكثر من أي درس بشري.
يابني: بقدر ماتسكت مع الخلائق بقدر ذلك يكلمك الله. إعتبر آلاف الأشياء الباطلة التي تكون موضوع محادثات أهل العالم كعائق للمحادثات المقدسة التي يريد الرب أن يتحدث معك بخصوصها. ليكن كلامك عن صعوباتك وأحزانك قليلاً مع الناس لأنهم لاتهمهم بقدر ما تظن. كلم الرب عنها بقدر ما تشاء لأنه مستعد للإصغاء إليك. لاتتكلم عما يسببه لك القريب من مصائب إلا في الحاجة القصوى، وغالباً سيساورك الندم على أنك قد قلت أكثر مما يلزم في تكلمك عنها.
No Result
View All Result
Discussion about this post