كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني :
الفصل الثاني والعشرون
عن الحالات الخاصة
نادراً ما يطلب منا عز اسمه أن نظهر له حبنا بأعمال عظيمة. فحبنا هذا يبرز عادة بالأمانة في أصغر واجبات حالتنا الخاصة. بهذه الأمانة استحق مريم أن ترفع فوق الملائكة. إنها بقيت مدة ثلاثين سنة مختفية في الناصرة مع المخلص. وكان كل اهتمامها آنذاك مقصوراً على تربية ولدها الإلهي، وعلى المضي في اكتساب ثقة خطيبها، وتوفير الضروريات لعائلتها بالوسائط المتيسرة لديها. تعلم من مثلها ما يجب أن تهتم به للبلوغ إلى القداسة. إنه لضلال مبين أن نعلق القداسة على الاتيان بأعمال غريبة عن واجبات حالتنا، فنهمل هذه لنتمسك بتلك. عظمة كمالنا في أن نحب حالتنا الخاصة التي تضعنا فيها تدابير العناية الإلهية، وأن نكمل ما تفرضه علينا من واجبات مهما كانت عادية. ان عمل العامل الذي يكسب خبزه بعرق جبينه وتفاني الآب الذي يعيش راضياً في وسط ثروة اعتيادية ليسا بأقل قيمة للخلاص من عمل وتفاني أصحاب الحرف العالية والقائمين بأقدس الخدمات؟ لا بل إن الأولين يعملون غالباً عمل خلاصهم بخطر أقل. إن الحالة الملائمة لخلاصك ليست الحالة التي تظهر لك أكثر كمالاً بل تلك التي قررها الله لك. يضل إذاً من يريد أن يصير قديساً بالطريقة التي يختارها هونابذاً تلك التي يريدها الله له، ولايمكن أن نأتي عملاً بكمال إلا بقدر مانقوم بذلك العمل طاعة لله وبالطريقة التي يريدها. لا تتوقف قيمة أعمالنا على طبيعة تلك الأعمال بقدر ما تتوقف على الروح الذي يحييها وعلى مطابقتها لإرادة الرب.
إنه تعالى يريد منك المضي في أعمالك الصغيرة وأنت تفضل القيام بأعمال عظيمة، ويؤول الأمر بك أخيراً إلى عدم القيام جيداً لا بالأولى ولا بالثانية. مرتا مرتا أنك مهتمة ومرتبكة بأمور كثيرة، غير أنك مخطئة في رغبتك بالإتيان بأكثر مما يريده الله منك. اقتصري إذاً على أن تنفذي جيداً ما يطلبه منك، واعمليه كما لوكان أمراً عظيماً. ماهوالعمل العظيم الذي كانت تعمله الإمرأة القوية التي يمتدحها الروح القدس؟ انها كانت تغزل وتهتم بأمور بيتها. إن الذهاب إلى الكنيسة وإقامة الصلاة والتأمل وزيارة المرضى وماشابه هذه الأعمال هولعمري عمل سام. ولكن هل يمكن أن يقال عنك بأنك تكمل إرادة الرب حين تقوم بهذه الأعمال وواجبات حالتك تتطلب منك غيرها؟ نعم يجب أن نصلي وأن نصلي غالباً، بل ودائماً إذا كان بالإمكان، إلا أنه إذا كان ولا بد أن نهمل الواجبات البيتية للقيام بالصلاة فالصلاة حينئذ لاتكون مقبولة لديه تعالى.
لعمري! كم وكم من الأعمال التقوية التي قمنا بها لم تجدنا نفعاً للسماء لصدورها عن دافع إرادتنا الخاصة فقط! ويالعظم كنز الاستحقاق الذي نغتنمه بقيامنا بواجبات حياة عامة اعتيادية يحمل كل شيئ فيها طابع الإرادة الإلهية! كم من الذين نظنهم قليلي الاستحقاق سيرتفعون في السماء فوق ما نتصور بسبب أمانتهم في أصغر واجبات حالتهم، الأمانة التي لم نتمكن من ملاحظتها. إن السيد الذي يذكره الإنجيل لم يقل لعبده: أدخل إلى فرح سيدك لأنك عملت أعمالاً عظيمة، بل: لأنك كنت أميناً في الصغيرة.
No Result
View All Result
Discussion about this post