كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل الثالث والعشرون
عن كيفية تقديس الشغل وأعمال النهار المختلفة
مريم
إن واجبات حالتك يابني تسبب لك كثيراً من الاضطرابات، مع ذلك فأنت لاتفكر قط بالله عندما تقوم بها.
مريم
يابني: الأشغال اليدوية والأعمال الأكثر تعبا والأكثر حيرة لاتقدر أن تحول دون اتحادك الروحي والباطني بالله ، والنفس التي لها ملكة الاختلاء تجد سهولة عجيبة في التفكير بالله حتى في وسط تلك الفرص التي فيها واجبات الحالة تشغل الإنسان بنوع يبدو لك فيه بأنه قد فقد اختلاءه. إن هذه النفس تجد في استقامة نيتها التي بها تحيي كل أعمالها، وفي تقدمتها كل هذه الأعمال لله، واسطة فعالة تبعد بها عن ذاتها تلك الطياشة التي لا تسيطر إلا على الأنفس الأقل انتباهاً. إن روح الإيمان والتدين يشرف كل شيئ ويحلي كل شيئ ويقدس كل شيئ. ومانفعله بهذه الروح يجد قبولاً في عيني الرب ويعتبر لديه أهلاً للمكافأة.
اعمل لله ما لا يعمله الكثيرون إلا للعالم أو لفائدة ما دنيوية. انشغل بما تفرضه عليك حالتك وكمله بنظر مسيحي، حينئذ تكون قد عملت للدنيا والأبدية معاً. إذا قمت بأعمالك بدافع الذوق أو المزاج أو الإكراه أو العادة أو لأي سبب آخر دنيوي فستقضي ساعات كاملة دون أن تتمكن من إعطائه تعالى عاطفة من عواطفك، والسبب في ذلك هو لأن الله لايكون حينئذ الحافز الذي يدفعك إلى العمل. لاتقل بأنك لاتقدر أن تفكر بشيئين بدفعة واحدة، إذ من السهل حينئذ على القلب أن يقول بلحظة مايريد أن يقوله لله. إن مرتا، بالرغم من انشغالها بخدمة يسوع لم تسيطر عليها الطياشة حين كانت تكلمه، وكثيراً ما يحدث لك أن تتباحث عن انشغالاتك مع المحيطين بك في وسط انشغالاتك ذاتها فتباحث عنها أيضاً مع الله الذي هو حاضر في كل ما تقوم بعمله.
إن محادثته التي تختلف عن الكثير من المحادثات الدنيوية ليس فيها ما يكدر أو يضجر، لا بل نجد فيها الفائدة العظيمة وهي أننا نشعر بحلاوتها في كل عمل من الأعمال مهما كان نوعه. في وسع الإنسان أن يكون قديساً عظيماً وهولا يأتي إلا بأعمال عادية، شرط ألا يعملها بطريقة عادية. أغلب البشر لايهتمون بما يعملون إلا لأنهم ملزمون به، وقلما فعلوه إرضاء لله الذي يطلبه منهم. أما أنت يابني فقل له عندما تشتغل بأنك تضع ارتياحك في إرادته، وإنك إرضاء له لن تنقص من اجتهادك في هذا العمل مهما تفاقم ثقله، قدم له عملك بالاتحاد مع كافة الأعمال التي قام بها يسوع لأجل خلاصك، وإذا نجح عملك فبارك الذي يسر لك هذا النجاح، وإذا لم ينجح فكن راضخاً لهذا إذلال الذات الذي يسمح به الرب لأجل اختبار صبرك. وهكذا بواسطة اتحادك هذا بالرب في وسط أصغر أعمالك سترتفع أعمالك هذه الصغيرة إلى درجة تستحق لك مرتبة جديدة في المجد السماوي.
No Result
View All Result
Discussion about this post