كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل الرابع والعشرون
عن المحبة الواجبة علينا نحو يسوع
العبد
يا أم يسوع القديسة: عندما كنت تعيشين مع يسوع في الناصرة لم يكن البشر ليعرفوه، بل وكانوا يرذلوه غير مكترثين به، فكل تسليته كانت في أن يرى ذاته محبوباً بصدق وحرارة وحنو وثبات من قبل أمه. وأما أنت فلم يكن منك بعد أن عرفت لاهوته وكمالاته إلا أن تحبيه محبة تفوق محبة الملائكة وجميع القديسين. وكان في محبتك هذه ما يسموعلى محبة كل الأمهات العاديات، إذ أحببت فيه ابناً هو إله وإنسان، ومن هنا تأتى شوقك العظيم إلى أن تشاهديه محبوباً من قبل كل المخلوقات الناطقة مثلما كان محبوباً لديك. إن من خواص المحبة النقية ان تتدفق فتصيب لهباتها كل القلوب. لعمري: اننا مالم نعرف يسوع مثلما كنت ىعرفينه فلن نتوصل الى ان نحبه بنوع كامل مثلما أحببته، فحتى يكون كلامنا عن هذه المحبة وافياً يجب أن نقرأ في قلبك ماكنت تشعرين به نحو ذاك الذي كان موضوع حبه. افتحي لنا أنت بذاتك هذا القلب الذي بنوع كذا كامل، واكشفي لنا عن نقاوته وحرارته والسخاء الذي كان ينعشه،
مريم
اعلم يابني بأنه لو لم تفق محبتي ليسوع محبة كل الخلائق الناطقة، بما فيهم الملائكة، لما استحقيت أن أضحي أماً له، وكانت هذه المحبة تنمو بإطراد في قلبي لأنني كنت اكتشف يومياً في هذا الابن الإلهي بعض الكمالات الجديدة. لم أكن أذق حلاوة أو سعادة إلا في هذه المحبة، إنها كانت غذائي وحياتي وراحتي وبهجتي وملذاتي. كانت حياتي في الناصرة حياة فقيرة ومعتمة، إلا أني كنت استعيض عن ذلك بالكنز الذي كان لي باقتنائي يسوع. إن اقتناء هذا الخير وحجه يمكن الإنسان من أن يعتبر ذاته أغنى من كل الملوك الأقوياء. سعداً وألف سعد للنفوس التي تحيا بمحبة يسوع، والتي لاتتوق إلا إليه، هذه المحبة وحدها تقدر أن تجعل قلب الإنسان هادئاً راضياً، ولاشيئ دونها يمكنه أن يحوز رضانا لمدة طويلة. أي لذة يقدر أن يذوق في هذا العالم من لا يقدر أن يشعر بحلاوة يسوع؟ بمقدار ما نحب يسوع بمقدار ذلك يزداد فنا الشوق الى أن نحبه هوالذي يستحق حبنا حقاً وبلا حد، وما من تعاسة على الأرض مهما عظمت، توازي تعاسة الحرمان من محبته. وهل في وسع من لا يحب يسوع أن يدعي بأنه قد عرفه جيداً وعرف كم يستحق ان يحب؟ ان يسوع يجمع في ذاته كل الكمالات الطبيعية وبدرجة تجعله أكمل أعمال الخالق، ويحيوفي ذاته كل كمالات النعمة بحيث أن البشر لا يستقون إلا من امتلائه، كما ويضم كل كمالات اللاهوت الذي يسكن فيه جوهرياً. فهو إذاً قوي بقدرة الله وجميل بجماله وحكيم بحكمته وقدوس بقداسته.
العبد
أيتها البتول القديسة: إنني لفاهم بأنه حتى لو لم يكن يسوع مستحقاً المحبة في ذاته فمحبته إياي محبة لا حد لها تجعله مستحقاً محبتي كلها! وهل من ألم ولم يتحمله للإعراب عن محبته هذه لي؟
مريم
بل ويمكن القول يابني بأن آلامه هذه مع كثرتها وشدتها لم تشبع فيه الشوق إلى التألم لأجلك! المحبة لاتعرف أن تقول: كفى، هي أكثر اتقاداً واندفاعاً الى الظهور من كل أنواع المحبات. إن يسوع كان مستعداً أن يعطيك أكثر مما أعطاك لو كان في وسعه أن يعطيك أكثر من ذاته.
آهاً يا بني: إذا أمكنك أن تجد موضوعاً يستحق محبتك أكثر من يسوع لسمح لك يسوع بأن تخصص محبتك له، ولكن إذا استحق يسوع محبتك قبل كل أحد افهل تجسر على أن ترفض عليه ذلك؟
العبد
الا ليعرض عني كل ماهو من هذا العالم! لا أريد أن أحب ولن أحب إلا يسوع!
مريم
والحق أن الذي يعرف يسوع يكفر بالباقي، وليس العالم بشيئ للذي يكون قد ذاق حلاوات هذا الحبيب السماوي!
العبد
في وسعي إذا شئت أن أجعل يسوع صديقاً لي. لذلك فإذا تقاعست عن السعي في الحصول على كذا صديق فمن حقي أن أعيش تعيساً.
مريم
اي نعم يابني: اتخذ لمحبتك موضوعاً لا يعطي مجالاً للندم أو التقلبات ولايكون معرضاً للتبدلات ولا ينزع منك بالموت بل يضحي لك بالموت نصيباً أبدياً. يسوع وحده هوالصديق الأمين والثابت الذي لا يتخلف حيث الأصدقاء الآخر يبتعدون. كلمة واحدة من هذا الصديق تحل التسلية في القلب الحزين، أما الأخر فليسوا بالحقيقة سوى معزين مضجرين. وماعساه يكون ذلك الكدر أو الحزن الذي قد يمكن أن تشعر به، ومن عساه أن يكون ذلك العدو الذي في وسعه أن يلحق بك أذى إذا كان قلبك مفعماً بحب يسوع؟ إذا ملك يسوع في قلبك ونصب عرشه فيه فأنت أغنى وأقوى وأسعد كائن على الأرض. محبة يسوع خير عظيم يغنينا عن أي خير آخر. أليس ليسوع ما يشبع القلب الذي يحيه؟
العبد
يايسوع إلهي: التمس منك باسم المحبة التي أحبتك بها مريم أمك أن تجود على أن أحبك بنوع يجعلني لا أحب شيئاً آخر أكثر منك ولا مثلك ولا أن أحب شيئاً إلا لأجل محبتك. ليس في إمكاني أن أحبك مثلما تستحق، غير أني أرغب بأن أحبك بعون نعمتك بقدر ما يجب عليّ. أضرم في قلبي المحبة التي تريد أن أحبك بها لأنني أريد أن التهب بهذه النار الإلهية حتى أفنى فيها. لهو استشهاد حقاً أن نعرف كم أن يسوع يستحق المحبة ولا نقدر أن نحبه كما يستحق! لا شيئ يمكنه أن يخفف من قوة هذا الاستشهاد غير الشوق المتجدد إلى محبة أكثر اتقاداً.
No Result
View All Result
Discussion about this post