كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل الخامس والعشرون
في أنه يجب أن ندرس يسوع ونتخذه مثالاً لنا
مريم
يابني: لعلك من جملة أولئك المسيحيين الكثيرين الذين يجيدون الكلام أكثر من العمل. إن عواطفك تبدو جميلة في بعض أوقات الحرارة، ولكن سرعان ما مايثبت بعدئذ عدم انطباق الأعمال على العواطف. إننا كثيراً مانقول لله بأننا نحبه بسبب ما نشعر به من حب تثيره فينا النعمة في بعض الأوقات، إلا أن هذا ليس ببرهان عن محبة حقيقية صادقة. إن البرهان الذي ينتظره يسوع عن محبتك يتوقف على أن تقتدي بأمثلة الفضيلة التي قدمها لك.
العبد
أيتها الأم القديسة: لقد سعيت طيلة السنين التي قضيتها في الناصرة بمعية يسوع في أن تتبعي خطوات هذا المثال الأسمى لكل الفضائل. ونلاحظ في الإنجيل الطاهر مدى إصغائك إلى كل تعاليم يسوع ومراقبتك لحركاته وتأملك بها وتذكرك كافة إرشاداته.
مريم
اي نعم يابني: إن جل انشغالي كان في أن أتأمل يسوع لأقتدي به. فأجعل أنت ايضاً جل اهتمامك في التأمل بحياة يسوع للاقتداء به. وجه عنايتك كلها نحوهذا الأمر مقتنعاً بأن ما من علم حقيقي غير علم يسوع، ليكن هومعلمك الوحيد. إن يسوع ملك يستحق منك كل تقدير، وتشبهك بفضائله هوأجل تقدير في وسعك أن تظهره له. قابل دائماً بينك وبين هذا المثال الآلهي قبل أن يأتي اليوم الذي تفحص فيه أعمالك أمام منبر الرب بموجب هذا المثال ذاته. إن محبة يسوع لك هي التي حملته على أن يعطيك أمثلة كهذه عن التواضع والصبر والطاعة. اقتد بها حباً به. وإذا واجهت صعوبة في ذلك فأجعل مثاله نصب عينيك. اسع جهدك كي تكون في كل شيئ وفي كل مكان صورة أمينة تمثله. إذا صليت فأذكر اختلاءه حين كان يصلي، وإذا ذهبت إلى الكنيسة فليكن ذهابك إليها بروح التعبد والتضحية على مثاله. إذا فاوضت البشر فعليك أن تفكر بالطريقة والاحتشام واللطافة التي كان يستخدمها يسوع في مفاوضته إياهم. وحتى تتشبه به هوالوديع والمتواضع القلب عليك ألا تتشكى قط من آلامك، وأن تقابل الشر بالخير، وأن تفر من شرف العالم مفضلاً أن تكون منسياً مذللاً. إنه لم يفتش قط على إرضاء ذاته. فيجب عليك إذاً على مثاله أن تجعل مجد الرب وتكميل إرادته مبدأ وغاية كل أعمالك. ما من حالة في حياة يسوع إلا ونجد فيها مثالاً لأحدى الفضائل. إن حياته الخفية والعلنية هي لتلاميذه الحقيقيين ينبوع علم لا ينضب.
إنه الطريق والحق والحياة. فلا يمكن إذاً أن تجد الطريق الواجب السير فيها ولا الحقيقة التي يجب أن تصغي إليها ولا الوسائط الضرورية لحفظ حياة نفسك إلا فيه، في جميع ظروفك اسأل ذاتك عما كان يسوع فاعله أو قائله في ظروف مشابه لظروفك، واتبع المثال الذي يقدمه لك بأقواله أو أعماله. لقد عرفت جيداً يا بني ما كانت ميول يسوع وأشواقه وعواطفه، فأفحص إذا أشواقك وعواطفك مقابلاً إياها مع أشواقه وعواطفه، وأصلح ما فسد منها، متذكراً دائماً بأن هذا الإصلاح الذي يجب أن يولد فيك المشابهة بينك وبين يسوع لا يمكن أن يكون ثمرة يوم واحد. ليس في وسعنا أن نتشبه تماماً بالكمال الذي يقدمه لنا يسوع في مثال حياته. وأنما لهذا السبب يجب أن نسعى طيلة حياتنا في التشبه ببعض نقاط هذا المثال. وحيث أنه من المستحيل علينا أن نبلغ سعادة التشبه بيسوع مالم تسندنا نعمته ذاتها، فما علينا إلا أن نكون مدمنين طيلة حياتنا على استمداد هذه النعمة منه.
No Result
View All Result
Discussion about this post