كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل السادس والعشرون
عن سعادة العائلة الفاضلة
إنه لمنظر يستحق كل عطف السماء منظر تلك العائلة المقدسة التي ضمت يسوع ومريم ويوسف تحت سقف واحد. يالعظم سلام وائتلاف تلك العائلة المقدسة التي كانت موطن الفضائل والتي لم يجد انحراف الأميال فيها معقلاً البتة. بينما كان يسوع ينمو في أحضانها بالعمر والحكمة أمام الله وامام الناس كانت أنظار مريم معلقة عليه دائماً بغية الاقتداء به، ولم يكن يوسف أقل انتباهاً للاستفادة من أمثلة الابن والأم. كل شيئ في تلك العائلة كان يقود الى الله. إن مجرد حضور يسوع فيها كان يملأ القلب بهجة، وكانت محادثاته الالهية تلهبها حباً. وكان خضوع يسوع وطاعته يلهمان مريم ويوسف اتضاعاً مقدساً أمامه تعالى ويملأهما عجباً، يا إله القداسة، حقاً لقد سجد لك بالروح والحق في وسط هذه العائلة المباركة! كم كانت مقبولة لديك تلك الإكرامات التي ترفع فيها اليك! ليس من المستطاع أن نرسم صورة لهذه العائلة السعيدة إلا ونشعر بالحسد المقدس لسعادة أفرادها.
ليت كل العائلات المسيحية تتلقى دروسها في هذه المدرسة السامية! آهاً، لوكان حبه تعالى مالكاً في هذه العائلات كما كان مالكاً تحت ذلك السقف الذي ضم يسوع ومريم ويوسف لحل فيها النظام والسلام وحسن التفاهم، ولذاق الزوجان حلاوات المحبة الزوجية البريئة، ولهذب الأولاد في خوف الله ومحبته، ولوجد الخدام ما يفتقرون إليه اليوم من أمثلة صالحة. لوملك حبه تعالى في هذه العائلات لما شعرت بالمفاعيل المشؤومة التي تثيرها عادة الغيرة والخلافات، ولما تولدت في أحضانها تلك الأمور المشككة المتوفرة في زماننا. وعوضاً عن إتلاف الثروة في الولائم الفخمة والمدمرة لسعى أفراد هذه العائلات في إفساح المجال للفقير كي يشعر بتأثير هذه الثروة الهني، ولسعوا جادين في سبيل تقديس هذه الثروة بالشكر الواجب لله وبالقناعة المسيحية، ولجعلوا الاقتصاد الفطن أساساً لسعيه الاقتصادي الرشيد، ولاقصوا جانباً سوىء الإدخار السيئ المتأتي عن البخل وسوآء البذخ المفرط المستهتر. إذا ملك حبه تعالى في هذه العائلات فلن يكن في وسع المعاكسات أن تولد فيها التشكيات والتذمرات ضد العناية الإلهية، وسيمجد الله فيها في وقت الفاقة والقلة كما في وقت الغنى والارتفاع ، وسيقوم رئيس هذه العائلة باستخدام سلطته حينئذ بلا عجرفة أوخيلاء، وستسهر ربة البيت على شؤون بيتها امتثالاً لرغبات زوجها المشروعة، وسيتعزى الزوجان معاً برؤيتهما أولاداً هادئين ينمون كغرسات نضرة أمام عيونهما وقد انتحوا صوب الفضيلة.
يا ما أعظم الخير الناجم من ذلك لجماعة المسيحين كلها، وياما أحلى بساطة آدابهم حينئذ! ياله من شقاء ويالها من براءة! ياله من ائتلاف ويالها من وحبة! يالها من أمثلة صالحة ويالها من قداسة مثمرة! ستقضي الأيام على هذه العائلات بهدوء وسلام. وإذا ما دقت ساعة الموت فسيهرع أفراد هذه العائلات إلى تضحية حياتهم بالرضى لقينهم بأنهم قد عاشوا عيشة ملؤها البرارة ومحبة القريب.
No Result
View All Result
Discussion about this post