كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل السابع والعشرون
عن قوة الصلاة
نعلم من الإنجيل الطاهر بأن الخمر قد نفذت في العرس الذي حضره يسوع مع أمه وتلاميذه في قانا مدينة الجليل، فتأثرت مريم لما استحوذ على الخطيبين من خزي أمام المدعوين، ولم يكن منها إلا أن عرضت حاجتهما على يسوع، واثقة كل الثقة بقوة ابنها. إن الله قد أناط دائماً منح نعمه بالصلاة، لذك فهو يحرضنا على أن نستمدها منه كي يفيضها علينا. وقد فرض علينا أن نرفق صلاتنا بثقة كاملة فيه. ويعتبر قلة هذه الثقة فينا علامة إيمان مطفطف. وهذا هوالسبب في بقاء عدد عظيم من صلواتنا بلا استجابة، ليس من الضروري أن نتحين بعض الأوقات الملائمة لنقدم للرب ذبيحة شفاهنا. إن إلهنا مستعد لاستجابتنا بلا اانقطاع، وهويقول لنا: أطلبوا تجدوا: من يطلب يجد.
فكيف إذاً لانهتم على مثال مريم بطلب نعمه تعالى لنا وللقريب ونحن عبيد ذاك الإله الصالح الذي لا يريد إن يرد أحداً، وخدمة ذاك الإله الذي في وسعه أن يشبع رغبات الجميع؟ يظهر من حادث قانا بأن صلاة مريم كانت قصيرة، الأمر الذي يدلنا على أن الرب، خلافاً لما يفعله الناس، لايفرض علينا صلاة مصطنعة، ولايفرض علينا دقة أو فصاحة في تعاملنا معه. إن الصلاة التي تروق في عيني الرب وتحمله على الاستجابة هي الصلاة المعمولة ببساطة، والتي نقتصر فيها على أن نطلب منه ماهو مطابق لمجده تعالى وضروري لخلاصنا أوأقله ما لم يكن منافياً لهذين الأمرين. إن عواطف القلب تنال العطايا أكثر من تعابير الكتب. ان بعض التنهدات الصادرة من قلب حنة ام صموئيل نالت لها ليس فقط الابن الذي طلبته بل أيضاً ابناً نبياً حاكماً لاسرائيل. وكانت تتكلم في قلبها. ان يسوع يكلم امه بنوع يخال منه انه لايريد ان يعطيها اي أمل بالاستجابة، مع ذلك فهي لاتكف عن أن تثق به حتى تنال مبتغاها.
من النادر جداً أن نصلي بثقة ولا نستجاب. إن الإلحاح مكروه لدى البشر لأنه يتعبهم، أما أنت فلا تكل من الطلب إلى الرب، وهولن يكل من الاستجابة لك. مهما كانت صلاتك حارة فقد يبدولك إحياناً إن تسمع يسوع يقول لك ما قاله لأمه: لم تأت بعد ساعتي، لكن اذا كانت ثقتك راسخة فهذه الساعة ستندولا محالة. كثيراً ما يضحي الإنسان غير أهل لجودته تعالى حين يحدد وقتاً للشعور بمفاعيل هذه الجودة. وقد يحدث الا يستجيبنا الرب بالرغم من صلواتنا المتكررة غير أنه يمنحنا حينئذ ماهو أكثر ضرورة مما نطلبه. لقد طلب مار بولس من الرب إنقاذه من تجربة معينة، مع ذلك فقد شعر دائماً بها.
وحيث أنه كان يواصل صلوته هذه فقد شاء الرب أن يمنحه نعمة أخرى أهلته لجمع استحقاقات عظيمة له. أفهل يمكن أن نقول بأنه لم يستجبه؟ منذ سنين وأنت تطلب من الرب أن يخلصك من مرضك ولم يفعل. إلا أن الصبر الذي تتحمل به هذا المرض هو أيضاً ثمرة لصلاتك، فقد استجابك اذاً! يحدث غالباً ان ما نطلبه من الله ظناً منا أنه خير يضحي لنا شراً اذا أعطانا إياه، لذلك فهو يرفض طلبنا هذا لأنه يحبنا. علينا أن نعتبر نعم الخلاص والتقديس التي يخص بها الرب مختاريه أكثر من اعتبارنا للنعم الزمنية التي يفيضها الرب حتى على أكبر أعدائه.
No Result
View All Result
Discussion about this post