كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل التاسع والعشرون
عن عظم لذة الإصغاء لصوت يسوع وعن وجوب المبادرة إلى اقتبال تعاليمه
كانت مريم متمتعة بحضور يسوع وبحلاوة محادثته مدة الثلاثين سنة التي قضتها معه في الناصرة. وقد يخال لنا بأنه كان يكفيها أن تعيد في هدوء خلوتها ذكرى تلك التعاليم التي كانت قد اقتبلتها من يسوع، دون لجوئها إلى اتباعه في كل أماكن حياته العلنية. مع ذلك فمار يوحنا يذكر بأنها بقيت مع يسوع بضعة أيام في كفرناحوم، ولا شك أن ذلك كان للاستفادة من تعاليمه. والإنجيليون الآخرون يذكرون بأنها حين رأت عدم تمكنها من الاقتراب من يسوع بسبب تجمهر الشعب حواليه لسماع تعاليمه طلبت أن تراه لتكلمه. لم يتفوق عليها أحد في معرفة تعاليم يسوع الإلهية وفي تذوق حلاوة محادثته، وكم يحلو لمن يميز صوت يسوع من صوت البشر أن يصغي إلى كلمات الحياة الخارجة من فمه، من تذوق حلاوة يسوع مرة واحدة ليس في وسعه أن يعيش من دونه، وحتى لوسمعه الآف المرات فهولا يرغب ألا في المزيد.
إنه يكره كل مكان لا يجد فيه يسوع، وكل صوت غير صوته يبدوله مزعجاً. كم تضنكه محادثات البشر! إنه لا يرى فيها إلا مواضيع تافهة، كلمات يسوع فقط هي له روح وحياة. وما أن يسمع يسوع يتكلم حتى يبعد عن ذاته كل الأفكار الأخرى ليتسنى له الإصغاء إلى هذا الكلام الإلهي الذي يلذ له أكثر من أي كلام جذاب يسمعه إياه العالم. لا يتمتع بالإصغاء إلى أي شيئ بسبب تمتعه بالإصغاء إلى صوت يسوع. إنه يحفظ هذا الصوت بأمانة كلية ويتأمل فيه بأجتهاد عظيم، ولاشيئ مثله يثمر فيه ثماره الحية. إذا نامت نفسه كعروسة الانشاد فعلى مثالها تفيق لاخف صوت يأتيها من يسوع عروسها قائلة: آهاً: إنني أسمع صوت حبيبي، ها إنه مقبل. إن النفس النقية لاتنخدع قط بصوت يسوع، لأن عندما لانحب إلا يسوع تسهل علينا معرفته حين يتكلم ونميزه عن غيره. إن للعالم والأباطيل والملذات لساناً مختلفاً لا تصغي إليه النفس النقيه إلا عن كره، فيتولد فيها عنه اشمئزاز وفزع. إن أعين المجدلية لم تميز يسوع حين ظهوره لها بعد القيامة. ولكن ما أن كلمها حتى شعر قلبها بأن المتكلم معها كان: رابوني! يا يسوع مخلصي: ابعد عني كل الأصوات الغريبة التي كثيراً ما تحاول أن تشغلني عن سماع كلامك الإلهي.
لا أريد من بعد الآن أن أصغي إلا إليك! فيا أيتها الملذات الباطلة والمواضيع التافهة التي يا ما أكثر ما صدتني عن سماع صوت يسوع، أني لا أعرفك من بعد الآن! دعيني وحدي معه! وحتى أحظى بشرف الإصغاء إليك إني سأتبعك أيها المعلم الإلهي إلى حيث تمضي، وإذا لم أسمع صوتك في الناصرة فسأذهب لسماعه في كفرناحوم وفي أورشليم..ولكن كلا! في وسعي أن أفوز بهذه السعادة التي أنشدها أينما وجدت. فكلم إذاَ يارب كلم نفسي بلا انقطاع لأني مصغ بكل أنتباه إلى ما تكلمني به في أعماق نفسي. سعداً للذي تتنازل فتعلمه وتهذبه معرفة شريعتك، انه سيجد فيها ما يريحه في أيام السوء. اسمعني اذاً صوتك ياعريس نفسي السماوي حتى اسمعك صوتي! كلم قلبي حتى يكلمك هوايضاً. أن صوتك يعلمنا في لحظة واحدة ما لا نتعلمه في مدرسة حكماء الأرض مدة سنين! وكم من النفوس البسيطة في نظر العالم تعلمت التكلم بطريقة جذابة وسامية عن المحبة الإلهية وعن أعظم الأسرار الإلهية وذلك بفضل المعرفة التي اسقتها منك يارب!
No Result
View All Result
Discussion about this post