الاقتداء بمريم 2/ 30: عن أنه لا يجب أن نفتش على مجد العالم واعتبار الناس

كتاب 

الإقتداء بمريم

لمؤلف مجهول

الكتاب الثاني:

الفصل الثلاثون

عن أنه لا يجب أن نفتش على مجد العالم واعتبار الناس

العبد

حقاُ أيتها الأم القديسة: انك كنت تشعرين بسرور فائق لما كان يقدم لابنك الحبيب في شتى الظروف من دلائل الاحترام أثناء قيامه بتعليم الشعب، وإن لم يوجهوا إليك شيء من ذلك الإكرام ولم ترفعي صوتك قط للادعاء بالانعام الذي خصك به الرب حين انتخبك أماً لذلك الذي كان يثير دهشة الشعب بقوة عجائبه وسمو تعاليمه. وحين تتبعت يسوع في تنقلاته لم تفعلي ذلك على مثال باقي الأمهات اللواتي يتفاخرن بعظائم أولادهن، بل قد تتبعه لانعاش نفسك باقتبال تعاليمه، فحافظت دائماً على تواضع العواطف حتى في كل تلك الظروف التي كانت تساعد على أن تجلب عليك المدح والثناء، شاجبة في عملك هذا رغبة التفتيش على مجد العالم وحب تقدير الناس إيانا. هذا السم الزعاف الذي يفسد كل أعمالنا.

مريم

اي نعم يابني: لقد تمكنت بنعمته تعالى إن أقي نفسي مما دعوته بكل حق سماً زعافاً. إليه وحده تعالى يعود الفضل في هذا. وأي شيئ في وسع الخلائق أن تفاخر به ولم تأخذه منه؟ إن الله ذاته كان قد خصني بأعظم أمتياز وهوأن أضحي أما ً له. أفهل كان بعد لنفسي أن تصبو إلى مجد العالم؟ من لا يفتش إلا على الله لايرى عظيماً إلا الله ذاته، فمجد العالم وما يحتسبه الناس في أقصى درجة الاعتبار هوله بمثابة أباطيل ومواضيع تافهة.

يابني: شاور إيمانك وكذلك عقلك فلن تكن متعطشاً بهذه الدرجة إلى المديح والعظمة. ستتبدل حينئذ مواضيع أشواقك وستكتفي باشتهاء المجد الذي أعده الله لقديسيه. حين تترك في طي النسيان وتعتبر كلا شيئ فالفرح أولى بك من الحزن،إذ ما من طريقة تؤدي بأمان إلى المراتب العليا في السماء كالتواضع المقتبل بروح التدين. دع لأهل العالم الألقاب الباطلة والامتيازات التي يتباهون بها واحتفظ لذاتك بمجد أكثر ثباتاً ورسوخاً. لا تفتاْ من أن تطلب من الرب على مثال داؤود كي يصرف عينيك عن النظر إلى الباطل. كثيرون هم الهالكون لأنهم عبدوا العالم، فلا تزد عدد الجهلاء الذين يتكاثر عددهم من يوم إلى يوم.

العبد

إنني راغب الاستفادة من مثلك وإرشادك أيتها البتول القديسة. ولن أطلب لذاتي مجداً غير مجد الاقتداء بفضائلك. إلا أن قلبي ضعيف وسهل النكث بالوعد، لذلك أستمد منك العون. فنالي لي إذاً ايتها البتول المتواضعة ثبات النفس الذي يعوزني لأتغلب على نبذ العالم إياي وعلى ملاحقاته الخائنة.