كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثالث:
الفصل الثاني
عن الخصوع لإرادة الله في الآلام
العبد
إليك التجئ يامعزية الحزانى في وسط أحزاني وآلامي التي تكتنفني! ألا تنازلي وأرشديني إلى الأفكار والعواطف التي تشغل فكري وقلبي في وسط الآلام التي أعانيها وإزاء ما يهددني من العذابات.
مريم
يابني: إن ما يجب أن يشغل أفكارك في وسط الآلام والأحزان هي عواطف المطابقة التامة لإرادة الله الذي ينظم ويرتب كل شيئ لمجده وخلاصك. فحين تنتابك مصيبة ما وتدوم متزايدة، بل وإذا تتبعها أخرى وأخرى، ردد مكرراً: يارب لتكن مشيئتك. إن تذكر هذه الإرادة الإلهية هو الذي قواني وأفعمني تسلية في هيكل أورشليم عندما أخبرني سمعان بأن يسوع سيكون هدفاً للمخالفة، وبأن سيف الحزن سيغوص في نفسي، وكذلك قد شجعني وغمرني عزاء بنوع خاص فوق الجلجلة حين عاينت يسوع معلقاً على الصليب ومسلماً نفسه الأخير في وسط أقسى العذابات. وحيث أن محبتي ليسوع لم يكن يحدها حد، هكذا قل عن آلامي ايضاً! وخضوعي لم يكن بأقل من محبتي وآلامي. حين تكون غائصاً في بحر من الآلآم لا تفكر إلا بهذه الحقيقة: إن الله يريد منك ذلك. وكل فكر مخالف لهذا من شأنه أن يزيد في حزنك وسيشعرك أكثر فأكثر بوطأة تعاستك. وهل تجسر يابني على رفض الآلام وأنت تعلم بأن الله هو الذي يسلطها عليك؟ إذا كان الإنسان المسير بعقل متزن لا يقدر أن يريد إلا ما كان خيراً، فما القول إذاً عن إله لا حد لحكمته؟ إن الله لا يرتضي بخطيئة من يسبب لك الأحزان، إلا أنه يريد أن تمجده بصبرك على الاحتمال. إنه يسمح بخطايا أعدائك ويستخدم مفعولها لتقديسك. لم ير داؤد في شخص شمعي شيئاً يهينه، بل رأى فيه إلهاً عادلاً يستخدم هذه الألة الذليلة ليواضعه ويحمله على التكفير عن خطاياه.
وعندما كلم يسوع رسله عن كأس آلامه لم يذكر لهم قط نكران جميل اليهود الذين كانوا يعدون له هذه الكأس، بل ذكر لهم إرادة أبيه السماوي الذي هكذا شاء. لقد قال يسوع في بستان الزيتون لبطرس الذي لم يكن يفهم بعد بأن ليس للمسيحي المتألم والمتضايق والمضطهد أن يستخدم أسلحة غير الصبر والخضوع لإرادة الله: الكأس الذي أعطاني الآب ألأ يجب أن أشربها؟ إن هذا لا يعني بأنه لايجوز لك أن تضرع إليه تعالى كي ينقذك من الكوارث والملمات، غير أنه إذا كانت إرادته عز وجل أن تشرب هذه الكأس فما عليك إلا أن تقول: يا أبتي ليس كإرادتي بل كإرادتك. لا يارب: لاتراع نفوري الشديد من الآلآم إلا بقدر ما يسمح به مجدك وتدابير عنايتك. وحين تزداد آلامك متضاعفة عليك أن تردد قائلاً: نعم يا أبتي إنني خاضع لهذه الرزايا الجديدة لأنه هكذا حسن لديك أنني أريد ذلك طالما أنت تريده، وأوافق عليه طالما تفرضه. إذا كان ولا بد أن أسقط تحت ثقل الصليب فلأسقطن، أو أن أموت فلأموتن! ليت الضربات التي تنزلها بي أوتسمح بإنزالها بي تعجل عليَ الوقت لآتي فأتمتع بحلاوات حضورك ومحبتك الأبدية.
No Result
View All Result
Discussion about this post