كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثالث:
الفصل العاشر
عن كيف يجب أن نثبت في الإيمان والرجاء في وسط الظروف التي تبدولنا منافية لهاتين الفضيلتين
إن الرسل كانوا قد اعترفوا بالمسيح ابناً حياً لله، الأ أنهم لم يثبتوا في وقت آلامه في اعترافهم هذا بل أخفوا هذا الإيمان وهربوا. وأما مريم فلم تفعل هكذا، بل تبعت يسوع حتى الجلجلة معتوفة به كمخلص لها، وانتظرت قيامته لأنه قد قال بأنه سيقوم. وبعد موت يسوع لم يكن قد تبقى في الرسل، أقله في الاثنين اللذين ذكرهما لوقا في طريق عماوس، سوى بقايا رجاء ضعيف في أن يروا بأعينهم ما كان قد سبق فأخبر عنه يسوع. وأما مريم فلم تشعر بأي اضطراب، بل ذهبت إلى القبر مدفوعة بإيمانها ورجائها الوطيد بأن يسوع الذي عاينته يموت في الذل والهوان سيقوم بمجد عظيم ويخضع العالم لإنجيله. فهذا إيمان مريم، الراسخ في وسط المحن بسبب رسوخ مبدأئه الذي هو صدق الله في كلامه، يجب أن يكون القاعدة لإيمانك.
وإذا كان الأثمة الذين يغص العالم بهم لا يفسحون المجال لتعلن ذاتك عالياً بجانب ايمانك، فعدوالخلص سيهتم على الأقل بأن يزعزع فيك الحقائق الموحاة بأثارة الريب فيك. فقاومه راسخاً في الإيمان القوي الثابت، غير فاحص ما يلقنك به فيهرب منك بعيداً. اشجب حالاً وبحضور إله الحق كل ريب وبهذا الشجب السريع والسخي الصادق سينموفيك الإيمان ويتقوى. إن الشيطان سيستخدم الشدائد العظيمة التي تنتابك لبث الظلمات في عقلك ولحملك على الشك بعدالة وحكمة وقدرة وجودة الله الذي يمتحنك. فما عليك حينئذ إلا أن تتذكر ما يقوله الرب لك في كتبه المقدسة عن ضرورة الاحتمالات وعن المجد الذي سيتبعها وعن نواياه الحسنة في إنزاله المصائب بالبشر وحتى بعبيده الأكثر أمأنة معه! إن الله لا يتبدل قط، وما قاله يبقى دائماً صحيحاً، وكذلك كلامه لا يتبدل، في أي تجربة أومرارة أويبوسة روحية وكآبة وقعت أتخذ لك مثالاً من رجاء مريم السخي الوطيد.. وعوضاً عن أن ترتخي نفسك وتصرع في الكفاح، عليهما أن تتثبت بواسطة هذه الفضيلة التي ترتكز على أمانته تعالى في وعوده. ارج حيث لا رجاء. كما رجا ابراهيم يقيناً منه بأن الله قادر على إنجاز ماوعد به.
إنه خالقك، وقد أعلن لك بأنه لن يترك خلائقه بل يسهر عليها. أنه سيد مطلق على الطبيعة كلها، فليس لديه أمر عسير أوغير قابل التنفيذ. هوسند لعبيده، وهم لا يشكون في ذلك قط اذا فكروا ولوقليلاً بوعود ميثاقه. مهما ساءت حالك واشتد المك افهل يمكن لرجائك أن يوطد على أساس أفضل مما على عنايته وجودة وقدرة إلهية غير محدودة؟ كم من مرة أكد لك على فم أنبيائه ورسله القديسين بأنه يستجيب ويسند ويحمي ويعزي ويخلص كل من يلوذ به بثقة؟! فأطلب عونه بثقة، ولا يخامرك الريب في إنه لن يخلصك من حالتك التي توجد فيها أوأنه لن يعضدك فيها ولن يحاميك حتى النهاية إعلاء لمجده وحباً بخلاصك. إن الله يسمح أحياناً بأن تنتابنا حالات مؤلمة إظهاراً لعظم مفاعيل الرجاء القوي به والمحبة الوالدية التي يكنها لنا. إن الفضيلة المختبرة بالشدة تكتسب القلب لله أكثر من العبادة الرقيقة.
No Result
View All Result
Discussion about this post