كتاب امجاد مريم البتول
القديس ألفونس دي ليكوري
الفصل الثامن
في شأن ما يلاحظ هذه الكلمات وهي: “فأرينا بعد هذا المنفى يسوع ثمرة بطنكِ المباركة”
*وفيه ثلاثة أجزاء*
† الجزء الأول †
في أن مريم البتول تنجي المتعبدين لها من جهنم
أنه لمن المستحيل أن يمضي هالكاً في الجحيم من يكون متعبداً لمريم بأمانةٍ ويكرمها ويلتجئ إليها. فربما أن هذه القضية تظهر للبعض في بدء ملاحظتهم إياها أنها متفاوتة الحدود الواجبة. غير أني أتوسل إلى من يقول ذلك عنها بألا يحكم عليها بالشجب قبل أن يقرأ ما أنا مزمعٌ أن أبرهنه بالمحاماة عنها، فالقول أن من كان للعذراء عبداً لن يدركه الهلاك أبداً. لا ينبغي أن يفهم به عن أولئك الذين يطمعون باستنادهم على تعبدهم لمريم لكي يستهونوا بفعل الخطايا بأقل خوفٍ، ولذلك يوجد البعض الذين ظلماً وعدواناً يتلاومون على نوعٍ ما ضد تعظيم شأن رحمة مريم نحو الخطأة قائلين: أن هؤلاء الأثمة عند سماعهم ذلك يستخدمونه بيسماً لكي يتزايدوا في أفعال الخطايا: على أنه لا شك في أن عباداً جهلةً هذه صفتهم يستحقون لأجل طمعهم الجسور بالنوع المذكور عقاباً لا رحمةً، فإذاً إنما يفهم بالمتعبدين لمريم أولئك الذين برغبةٍ حقيقيةٍ في أن يصلحوا ذواتهم ويغيروا سيرتهم، يكرمونها بحسن تدينٍ أمينين ويلتجئون إليها مستغيثين. فعن هؤلاء أقول أنه لمن المستحيل أدبياً أن يدركهم الهلاك الأبدي. فأنا أجد أن هذه القضية هي مقالةٌ من الأب كراسات أيضاً، وقبل هذا الأب هي مقولةٌ من المعلم فاغا في الكتاب المسمى اللاهوت المريمي، ومن العلامة ماتدونسا ثم من لاهوتيين آخرين غيرهم. ولكي يعرف جيداً أن هؤلاء العلماء لم يوردوا هذه القضية بطريق العرض فلننظرن ما الذي قاله في هذا الشأن القديسون والمعلمون في بيعة الله، إلا أني أرغب من القارئ أن لا يستغرب إيرادي أن كنت أستشهد آراء كتبةٍ مختلفين يقولون شيئاً واحداً هو هو نفسه، لأني قصدت بذلك أن أدون ههنا أقوالهم كلها لكي أبين، كيف أن الكتبة الكنائسين قد اتفقوا برأيٍ واحدٍ عند إيرادهم هذه القضية في مصنفاتٍ مختلفةٍ.*
فيقول القديس أنسلموس: إنه كما أن من ليس هو حسن التعبد لمريم، ولا تحامي هي عنه لا يمكن له أن يفوز بالخلاص، فهكذا لمن المستحيل أن يهلك من يلتجئ إلى هذه البتول القديسة وهي تقتبله في حمايتها بحبٍ: وهذا القول يورده القديس أنطونينوس بكلماتٍ تماثله قائلاً: أنه كما أن أمراً من المستحيل هو أن يفوز بالخلاص من تعرب مريم عنه عيني رحمتها معرضةً عنه، فبالضرورة ينتج أن أولئك الذين مريم تلاحظهم بعين رأفتها، وتحامي هي عنهم يحصلون على الخلاص ويتمتعون بالمجد. فإذاً هذا القديس يضيف إلى القول السابق ذكره أن المتعبدين لمريم بالضرورة يخلصون.*
فليعتبرون جيداً الجزء الأول من القضية الموردة من القديسين المقدم ذكرهما أولئك الذين يحتسبون التعبد لمريم فضلةً زائدةً، أو أنهم بعد ابتدائهم بالعبادة لها يهملونها كسلاً وتهاوناً. وليرهبوا مرتعدين من هذا الوعيد المخوف وهو أنه غير ممكنٍ أن يفوز بالخلاص أولئك الذين لا تحامي عنهم مريم الأم الإلهية، وهذا يورده آخرون أيضاً نظير الطوباوي ألبرتوس الكبير القائل: أن كل الذين ليسوا عبيداً لكِ يا مريم يهلكون جميعاً. والقديس بوناونتورا يقول: أن من يهمل تعبده لمريم البتول فيموت في خطيئته. وقال هو نفسه في مكانٍ آخر: أن من لا يلتجئ إليكِ أيتها السيدة فلا يبلغ إلى الفردوس السماوي، بل أن هذا القديس الجليل قد اتصل إلى أن يقول: أنه ليس فقط لا يخلص أولئك الذين تغرب مريم عنهم نظرها معرضةً. لكن أيضاً لا يوجد رجاءٌ لخلاصهم: وقبل هؤلاء القديسين قد كان أورد هذه القضية القديس أغناتيوس الرسولي الشهيد بتعليمه: في أنه لا يمكن خلاص أحدٍ من الخطأة الا بواسطة مريم البتول المثلثة القداسة. التي بضد ذلك هي تخلص بواسطة شفاعاتها ذات الرأفة كثيرين من أولئك الذين بموجب العدل الإلهي كان يلزم أن يهلكوا. فقد يوجد البعض الذين يضعون صعوباتٍ ما في تصديق أن هذه الكلمات هي حقاً للقديس أغناتيوس المذكور. أما الأب كراسات فقلما يكون يبرهن في أن القديس يوحنا فم الذهب اسعمل هو ذاته هذا القول، ويوجد ذلك مكرراً من الأنبا جالانسه أيضاً، ثم بهذا المعنى تخصص الكنيسة المقدسة بمريم تلك الكلمات المدونة في سفر الأمثال (أ ص8ع36) وهي: أن جميع الذين يمكتوني يحبون الموت: أي الذين يمقتوني ولا يحبوني فيجتلبون لذواتهم الموت ويحبونه. لأن ريكاردوس الذي من سان لورانسوس في تفسيره كلمات سفر الأمثال (ا ص31ع14) وهي: فصارت كمركب تاجرٍ: يقول أن كل أولئك الذين هم خارج المركب المذكور يغرقون في بحر هذا العالم: حتى أن أيكولامباديوس الأراتيكي نفسه كان يعتبر علامةً أكيدةً للرذل الأبدي قلة العبادة الموجودة في البعض لمريم والدة الإله إذ أنه يقول هكذا: أنه لا يقالن أصلاً عني أني مضاد لمريم التي أعتبر أن من يضادها يكون حاصلاً على علامةٍ أكيدةٍ في عقله بأنه هو من المرذولين. وبضد ذلك تقول مريم: من أطاعني لا يخزى: (ابن سيراخ ص24ع30) ومن يلتجئ إليَّ ويستمع ما أقوله له لن يمضي هالكاً: ولهذا يقول نحوها القديس بوناونتورا: أن الذي يهتم في أن يكرمكِ أيتها السيدة فيكون بعيداً من أن يدركه الهلاك. ويقول القديس أيلاريوس: أن هذا عينه يصح ولئن كان مكرم العذراء قد أغاظ الله كثيراً فيما مضى.*
فمن ثم يبذل الشيطان كل مجهوده مع الخطأة لكي يصيرهم بعد أن يكونوا أضاعوا نعمة الله بالإثم أن يفقدوا عبادتهم لمريم أيضاً. فأمنا ساره حينما رأت اسماعيل ابن جاهر المصرية يلعب مع إسحاق ابنها فخوفاً من أن الأول يعلم الثاني عوائد رديئةً قالت لرجلها أبراهيم أبينا: أخرج هذه الأمة وابنها: (تكوين ص25ع10) وإنما لم تكتف ساره بإخراج اسماعيل وحده من بيتها، بل أرادت إخراج أمه أيضاً معه. لتأملها أن اسماعيل لو كان يخرج هو وحده خارجاً وتبقى أمه في البيت فمن المعلوم أنه لكان يستمر يتردد هو إلى هناك ليشاهد أمه، وهكذا لما كان يزول سبب العشرة فيما بينه وبين ابنها أسحق، فمثل ذلك الشيطان لا يكتفي بأن يشاهد النفس تطرد عنها يسوع بفعل الخطيئة، بل يريد منها أن تطرد أمه مريم أيضاً بترك العبادة لها، لأنه يخاف من أن الأم بواسطة شفاعتها ترجع الابن معها إلى تلك النفس، وخوفه هذا هو في محله. لأن الأب العلامة باجيوكالى يقول: أن من هو أمينٌ بمواظبته على تكريم والدة الإله فمن دون إعاقةٍ يقتبل عنده هذا الإله راجعاً إليه بواسطة أمه مريم. ولذلك بكل حقٍ يسمي القديس أفرام السرياني التعبد لمريم: صك العتق ومصحف الحرية. أي أنه بواسطتها لا يعود المتعبد لها مأسوراً بعد من الجحيم ولا يمضي اليه هالكاً، كما أنه أي القديس أفرام نفسه يسمي مريم: المحامية عن الهالكين. وبالحقيقة أن يكن صادقاً كما هو حقاً كذلك ما يقوله القديس برنردوس وهو: أن مريم لا تقدر أن تنقص لا في اقتدارها ولا في إرادتها عن أن تخلصنا: وإنما لا ينقض اقتدارها عن تخليصنا لأنه لمن المستحيل على الإطلاق أن تضرعاتها لدى الله لا تفوز بالقبول التام، حسبما يقول القديس أنطونينوس: أنه لمن المستحيل مطلقاً أن طلبات والدة الإله تمضي خائبةً من القبول. وقال القديس برنردوس عينه: أن طلبات هذه الأم الإلهية لا يمكن أصلاً أن لا تستجاب أو أن تذهب سداً، بل أنها تستمد كل ما تشاء ثم ولا تنقص إرادتها عن أن تخلصنا، لأنها هي أمنا وتشتهي تخليصنا أوفر اشتهاءً منا نحن أنفسنا، فإن كان ذلك كذلك إذاً كيف هو ممكنٌ حدوث هذا الأمر، وهو أن إنساناً ما أميناً في عبادته لمريم يمضي هالكاً، لأنه أن يكن هذا الإنسان خاطئاً ولكنه ذو إرادةٍ على إصلاح سيرته بالتوبة، وذو ثباتٍ على الالتجاء إلى هذه الأم الصالحة، فيخصها أن تستمد هي له النور الذي به يخرج عن حاله السيئة. وتنال له التوجع القلبي على خطاياه والثبات على عمل الصلاح وأخيراً الميتة الصالحة. لأنه ترى أية أمٍ يمكنها بسهولةٍ ان تخلص ابنها من الموت بمجرد توسلها لدى القاضي في أن يمنحه نعمة العتق من حكومة الموت المبرزة ضده. وهي تتأخر عن أن تصنع ذلك. أفهل نحن نستطيع أن نفتكر هذا الفكر فضلاً عن أن نقبله، وهو أن مريم التي هي الأم الأشد حباً والأكثر إشفاقاً من كل الأمهات نحو المتعبدين لها، فمع أنها تقدر أن تخلص نفس من هو ابنها من الموت الأبدي، وتستطيع أن تفعل ذلك بكل سهولةٍ وهي لا تصنعه.*
فيا لحسن حظنا أيها القارئ الحبيب أن كنا نشعر في ذواتنا أن الله قد منحنا الحب لسلطانة السماء هذه. ووهبنا التعبد الأمين لها الأمر الذي من أجله يلزمنا أن نشكره عز وجل شكراً دائماً. على أنه كما يقول القديس يوحنا الدمشقي أن الله لا يهب هذه النعمة إلا لأولئك الذين هو يريد خلاصهم بإرادةٍ خصوصيةٍ، وهذه هي كلمات القديس المذكور الجليلة التي بها ينعش رجاه ورجانا وهي:” أن كنت أنا أضع رجائي فيكِ يا والدة الإله فأكون مخلصاً. وإذ ما كنت تحت كنف حمايتكِ فلا أخاف من شيءٍ أصلاً، لأن الكيان في التعبد لكِ هو نفس أمتلاك الأسلحة الضرورية للخلاص، التي لا يمنحها الله إلا لأولئك الذين هو تعالى يريدهم خالصين. ولهذا كان يسلم عليها المعلم أرازموس قائلاً: السلام عليكِ يا مخيفة الجحيم ويا رجاء المسيحيين لأن الإتكال عليكِ هو تأكيد نوال الخلاص.*
فمن ثم أمرٌ محزنٌ جداً للشيطان أن يشاهد نفساً ما مواظبةً واجبات العبادة لهذه الأم الإلهية، فيقرأ في سيرة حياة الأب ألفونسوس الافارس الكلي التعبد لمريم، أنه إذ كان هو مرةً ما ممارساً صلواته وشعر بذاته مجرباً بقلقٍ من أفكار ضد العفة محركة ضده من الشيطان ليخزيه بها، فقال له حينئذٍ هذا العدو الجهنمي هكذا: أترك أنت عبادتك هذه لمريم وأنا أكف عنك من التجارب.*
ثم أن الآب الأزلي قد أوحى إلى القديسة كاترينا السيانية، كما هو مورد من بلوسيوس، بأنه تعالى من قبل جودة خيرية صلاحه قد وهب مريم، إكراماً لابنه الوحيد المولود منها بالجسد، بأنه ولا واحدٌ من الذين يستغيثون بشفاعاتها، ولو كان خاطئاً يمضي مأخزذاً غنيمةً للجحيم. حتى أن النبي والملك داود كان يتوسل في أن تنقذ نفسه من الجحيم لأجل الحب الذي كان في قلبه وقتئذٍ نحو مريم العتيدة أن تولد في العالم. إذ يقول: يا رب أحببت جمال بيتك وموضع محله مجدك فلا تهلك مع الكفرة نفسي ولا مع رجال الدماء حياتي: (مزمور 26ع8) لأن مريم هي بيت الرب الذي شيده عز وجل لذاته على الأرض ليسكن فيه بين الناس واجداً فيها راحته بتجسده منها. حسبما هو مدون عنها في سفر الأمثال: أن الحكمة أبتنت لها بيتاً: (ص9ع1) فمن ثم يقول القديس أغناطيوس الرسولي الشهيد: أن من يكون مهتماً في العبادة لمريم العذراء لا يمضي هالكاً: والقديس بوناونتورا يثبت ذلك بقوله نحو هذه البتول المجيدة هكذا: أن المغرمين بحبكِ أيتها السيدة يتمتعون في هذه الحياة بسلامٍ عظيمٍ، وفي العالم العتيد لا يصادفون الموت إلى الأبد: ثم أن بلوسيوس الحسن التعبد يؤكد لنا: بأنه لا حدث قط ولا يحدث أصلاً أن إنساناً متعبداً لمريم بإتضاعٍ ونشاطٍ يذهب هالكاً في الأبدية.*
فكم وكم من الخطأة لكانوا هلكوا مؤبداً، أو لكانوا لبثوا مصرين على آثامهم من دون توبةٍ، لولا تكون دخلت مريم وسيطةً عنهم لدى ابنها الإلهي مستمدةً لهم منه الرحمة. فهكذا يقول المعلم توما الكامبيسي وهذا هو رأي لاهوتيين كثيري العدد لا سيما القديس توما شمس المدارس. وهو أن والدة الإله قد وقفت بقوة شفاعاتها لدى الله حكومة الهلاك المبرزة على كثيرين من أولئك الذين ماتوا في حال الخطيئة المميتة. مكتسبةً لهم نعمة الرجوع الى الحياة ليمارسوا أفعال التوبة ويخلصوا بها. ثم يوردون في هذا الشأن جملة حوادث هذه صفتها محررة من مؤرخين مدققين جداً، ففيما بين النموذجات الأخرى المثبتة هذه القضية نورد هنا ما دونه فلوداردوس الذي كان عائشاً نحو الجيل التاسع. فهذا العلامة يخبرنا في تاريخه عن شماس إنجيلي اسمه أدالمانوس، الذي إذ كان اعتبر أنه مات فحينما أخذت جثته إلى القبر لتدفن، قد رجعت روحه إليه فعاش وأخبر بأنه شاهد مكان جهنم حيث حكم عليه العدل الإلهي بالخلود هناك، ولكن لأجل تضرعات البتول المجيدة والدة الإله من أجله قد أرجع إلى العالم كي يمارس واجبات التوبة عن خطاياه.*
وكذلك سوريوس يورد في الرأس الخامس والثلاثين من كتابه الأول: أن إنساناً مدنياً رومانياً اسمه أندراوس قد مات غير تائب، وأن مريم قد استمدت له من الله أن يرجع إلى الحياة حيث يمكنه أن يكتسب الغفران:*
ويخبر بالبارتوس (في العدد الأول من القسم الثاني من كتاب الثاني عشر على البتول الطوباوية) بأنه في أزمنته حينما كان مجتازاً الملك سيجيزموندوس بعسكره في جبال الألب قد سمع صوتاً من جثةٍ كانت مطروحةً في الأرض فانيةً لم يبق منها سوى العظام، وكان ذاك الميت يطلب معلم أعتراف قائلاً: أنه لأجل كونه هو أحد المتعبدين لمريم والدة الإله، فحينما كان خادماً في الجندية ومات، قد استمدت هي له من الله النعمة في أنه يستمر باقياً بالنفس مع تلك الجثة الى أن يعترف بخطاياه، وهكذا إذ جاء إليه الكهنة وسمع اعترافه فحينئذٍ مات.*
فهذه النموذجات وغيرها لا يلزم أن تستخدم لكي تشجع أحداً ما من الجسورين على أن يعيش في حال الخطيئة تحت الرجاء في أن مريم العذراء تخلصه من جهنم ولئن أدركه الموت وهو في حال الخطيئة، لأنه كما أن من يطرح ذاته في بئرٍ عميقةٍ تحت الأمل في أن مريم تحفظه من الموت، حسبما صنعت ذلك بعض الأحيان مع غيره، يحسب أحمق عديم العقل! فهل من حماقةٌ أعظم وجهالةٌ أشد إلقاء الإنسان ذاته في خطر، فيموت في حال الخطيئة تحت الأمل في أن البتول الطوباوية تخلصه من جهنم، بل إنما تفيد هذه النموذجات لأن تنعش رجانا عند تأملنا في أنه إن كانت شفاعات هذه الأم الإلهية، قد استطاعت أن تخلص من الجحيم أيضاً أولئك الذين ماتوا في حال الخطيئة، فكم بأولى حجةٍ تحفظ من الذهاب إلى جهنم أولئك الذين وهم في الحياة يلتجئون إليها بنية أن يصلحوا ذواتهم ويغيروا سيرتهم الردية ويخدموا هذه السيدة بأمانةٍ.*
فلنقل إذاً نحوها مع القديس جرمانوس (في عظته على وضع زنارها): ترى ما عساه أن يكون لنا يا أمنا العزيزة نحن الذين نعم أننا خطأة، ولكننا نريد أن ننقي ذواتنا من الأثم ونبادر إليكِ أنتِ التي هي حياة المسيحيين: فنحن يا سيدتنا نسمع القديس أنسلموس قائلاً: أنه لا يمضي هالكاً ذاك الذي أنتِ تصلين من أجله مرةً واحدةً فقط: فإذاً صلي من أجلنا ونحن نعود ناجين من جهنم. ثم أن ريكاردوس الذي من سان فيقطر يقول: ترى من يمكنه (حينما أحضر في الديوان الإلهي ولا يكون القاضي على صالحي) أن يخبرني بأني حصلت في دعواى على أن تكوني أنتِ يا أم الرحمة محاميةً عني. والطوباوي أريكوس صوزونه قد كان يعلن جهاراً أنه وضع نفسه في يدي مريم البتول، وكان يقول أنه أن كان القاضي يوجد معتمداً على أن يحكم عليه بالهلاك، فهو كان يريد أن الحكومة عليه تدخل إلى يد مريم، مترجياً هو بأنه إذا تسلم الحكم لتلك اليدين المملؤتين سخاءً وإشفاقاً يدي مريم البتول، فمن دون أرتيابٍ هي حينئذٍ توقف الحكومة: فهذا الأمر عينه أقوله أنا أيضاً يا ملكتي الكلية القداسة وأرجو أن يكون لي، ولذلك أريد أن أكرر لديكِ الهتاف دائماً مع القديس بوناونتورا قائلاً: عليكِ يا سيدتس توكلت فلا أخزى إلى الأبد. فأنا أيتها السيدة قد وضعت كل رجائي فيكِ مؤملاً أن لا أرى ذاتي ضائعاً، بل أفوز بالخلاص في السماء حيث أسبحكِ وأحبكِ إلى الأبد.*
* نموذجٌ *
أنه قد كان في أحدى مدن أقليم فياندرا شابان حديثان في السن يدرسان العلوم، ولكن عوضاً عن أنهما يهتمان وقتئذٍ في اكتساب العلوم قد كانا يبيحان ذاتيهما لكل نوعٍ من رذلتي الشراهة والدنس، فإذ وجدا ليلةً ما من تلك الليالي المدنسة منهما بالقبائح في بيت امرأةٍ خاطيةٍ لأفعال الإثم، فأحدهما الذي كان أسمه ريكاردوس بعد ساعاتٍ من الليل قد رجع إلى مكان سكناه. وأما رفيقه فبقي عند تلك الامرأة الدنسة، فعندما دخل ريكاردوس إلى مخدعه لينام قد فكر بأنه في ذاك اليوم لم يكن صلى تلك المرات السلام الملائكي حسب عادته التي بها يومياً كان يتلوها عبادةً منه لمريم العذراء، فأي نعم أن النوم كان حينئذٍ متغلباً عليه وبالتالي كان يستصعب تلاوتها في ذاك الوقت، ولكن لم يرد أن يتركها مطلقاً بل اغتصب ذاته وقالها، ولئن كان بقليل من العبادة وكأن نصف نائمٍ، ثم أتكأ على سريره راقداً، فبعد برهةٍ وفيما هو يغط في النوم سمع باب بيته يقرع بشدةِ، وحالاً من دون أن يفتح الباب قد شاهد رفيقه الشاب داخلاً إليه بصورةٍ مخيفةٍ من شدة البشاعة، وإذ سأله من أنت، قد أجابه قائلاً: أما عدت تعرفني من أنا: فقال له ريكاردوس: وكيف أنك قد استحلت إلى هذه البشاعة حتى يبان كأنك شيطان: فحينئذٍ ذاك التعيس تنفس الصعداء صارخاً: أواه الويل لي، فأنا قد هلكت في جهنم: فسأله ريكاردوس: وكيف تم ذلك: فأجابه الشخص بقوله: أعلم أنه حينما خرجت أنا بعدك من بيت تلك الامرأة الدنسة. قد وثب عليَّ الشيطان فخنقني وبقي جسدي طريحاً في الطريق ونفسي حكم عليها بالهلاك، ثم أعلم أيضاً أن هذا العقاب الذي حل بي قد كان معداً لك أنت أيضاً، إلا أن الطوباوية مريم البتول لأجل الكرامة القليلة التي أنت صنعتها لها، بتلاوتك السلام الملائكي المرات المعتاد على تلاوتها، قد أنقذتك من هذا العقاب، فسعيدٌ أنت أن كنت تستفيد من هذا التنبيه الذي أرسلتني والدة الإله لأن أنبهك به.
قال هذا ثم كشف رداءه وأظهر لريكاردوس اللهيب المحيط به والأفاعي والعقارب التي كانت تلسعه وهكذا غاب من أمامه. فوقتئذٍ ريكاردوس أنطرح على الأرض مدرفاً من عينيه تياراتٍ من الدموع مقدماً الشكر الواجب لوالدة الإله التي خلصته من الهلاك. وفيما كان يفتكر عازماً على الطريقة التي بها يغير سيرته ويصلحها قد سمع ناقوس دير الرهبان الفرنسيسكانيين يقرع لأجل “صلاة الفجر”. فقال حينئذٍ لذاته: أن الله يدعوني الى هذا الدير لكي أصنع توبةً عن خطاياي: فنهض في تلك الساعة عينها ومضى الى الدير متوسلاً لأولئك الآباء بأن يقبلوه عندهم، الا أنهم لمعرفتهم به وبفساد سيرته قد كانوا يماتعون قبوله، غير أنه قد أخبرهم بالحادث جميعه بدموعٍ سخيةٍ، ومن حيث أن اثنين منهم خرجا حالاً وذهبا الى الطريق وشاهدا جثة ذاك الشاب التعيس ملقاةً على الأرض مخنوقةً مسودةً نظير الفحم، فبعد أن رجعا وأخبرا بالحقيقة قد قبل ريكاردوس في الدير، وأبتدأ بعيشةٍ فاضلةٍ. وفيما بعد ذهب إلى بلاد الهند ليكرز بالإيمان ومنها مضى إلى بلاد الجامبون، وهناك حصل أخيراً على الحظ السعيد والنعمة العظيمة بأن يموت شهيداً من أجل الإيمان بالمسيح محروقاً حياً. (كما هو مدون في تأليف ألفونسوس أندرادا)*
† صلاة †
يا مريم أمي العزيزة ترى في أي عمقٍ من الشرور لقد كنت أنا حاصلاً الآن، لولا أن يدكِ المملوءة حنواً وإشفاقاً تحفظني مراتٍ كثيرةً من هوة الهلاك، بل بأبلغ من ذلك كم من السنين مرت عليَّ إلى يومنا هذا، وأنا في قعر الجحيم هالكاً، لو لم تنجيني من جهنم، لأن خطاياي الثقيلة لكانت تقودني إلى هناك والعدل الإلهي لكان حكم عليَّ بالخلود فيها. والشياطين لكانوا بفرحٍ يتممون الحكومة لولا تخلصيني منها، وقد صنعت ذلك من دون أن أكون أنا ألتمسته منكِ. وهكذا أنقذتيني من غير أن أتوسل إليكِ يا أمي الرأوفة، فبماذا يمكنني أن أكافئكِ عن نعمٍ بهذا المقدار عظيمةٍ صنعتيها معي يا منقذتي، وعن حبٍ هذا حده قد أحببتيني به، فأنتِ قد انتصرتِ أخيراً على قساوة قلبي وأجتذبتيني لأن أحبكِ ولأن أثق بكِ راجياً، وبعد ذلك في كم وكم من الخطايا لكنت سقطت لولا أنكِ مراتٍ عديدةً تعينيني بيدكِ المعينة في الأخطار التي أنا وجدت فيها وتحفظيني من السقوط. فداومي عنايتكِ في خلاصي من الجحيم يا أمي الجليلة ويا رجائي الوطيد ويا حياتي، بل الأعز من حياتي نفسها. وقبلاً أنقذيني من الخطايا التي يمكن أن أسقط بها، ولا تسمحي بأن أشتمكِ لاعناً في جهنم، لأني أحبكِ يا سيدتي المستحقة كل محبةٍ، فهل يمكن أن يحتمل صلاحكِ أن تشاهدي أحد عبيدكِ الذي يحبكِ هالكاً. فأنا أرجوكِ بأن تستمدي لي ألا أكون بعد الآن كافراً بجميلكِ عليَّ، ولا خائناً في حق إلهي الذي حباً بكِ قد وهبني نعماً هكذا عديدةً وعظيمةً، فماذا تخبريني يا مريم أهل أنني عتيدٌ أن أخلص أم هل أني أمضي هالكاً. فأي نعم أني سأهلك أن كنت أبتعد عنكِ مهملاً، ولكن من هو الذي يطيق أن ينفصل عن حبكِ، وكيف يمكنني أن أنسى المحبة التي أحببتيني بها، فأنتِ بعد الله هي موضوع حب نفسي، بل لا أقدر أن أعيش من دون أن أحبك، لأني مغرم القلب والنفس فيكِ وأرجو أن أحبكِ دائماً في الزمن الحاضر والمستقبل وفي كل الأبدية، أيتها الخليقة الأعظم جمالاً والأكثر قداسةً والأوفر عذوبةً وحلاوةً، والموضوع الأفضل ما يكون في العالم بأسره مستحقاً أن يحب آمين.*
†
No Result
View All Result
Discussion about this post