كتاب امجاد مريم البتول
القديس ألفونس دي ليكوري
الفصل الأول
تفسير السلام عليك أيتها الملكة أم الرحمة والرأفة
† الجزء الثالث †
في كم هو عظيمٌ الحب الذي به تحبنا هذه الأم الإلهية
فإن كانت إذاً مريم البتول هي أمنا. فيمكننا أن نتأمل كم هو صدق الحب الذي فيها نحونا. فالمحبة التي بها البنون يحبون والدتهم هي محبةٌ ضروريةٌ لازمةٌ. وهذا هو السبب الذي من أجله رسمت الشريعة الإلهية على الأولاد. الوصية بمحبة والديهم (كما يورد القديس توما اللاهوتي في الرأس4 من كتيبه الستين) غير أنه بالخلاف لا توجد وصيةٌ ما خصوصيةٌ مرسومةٌ على الوالدين بأن يحبوا بنيهم. من حيث أن المحبة الكائنة في الوالدين نحو المولودين منهم. هي محبةٌ مغروسةٌ فيهم طبيعياً. وثابتةٌ وطيدةٌ في قلوبهم غريزياً بقوةٍ شديدة. حتى أن الوحوش الأشد شراسةً: حسبما يعلم القديس أمبروسيوس في الفصل4 من كتابه6: لا تستطيع أن تهمل حبها لأجروتها المولودة منها. ولذلك يورد المؤرخون عن النمرة الكلية الشراسة طبعاً، أنها إذا سمعت صوت أجروتها المخطوفة بأيدي الصيادين ضمن المركب في البحر، فتطرح ذاتها في المياه سابحةً، وتسرع لتدرك المركب الذي منه تسمع هي صوت أولادها، فإذاً تقول مريم أمنا الكلية الحب نحونا، أنه إن كان حتى ولا النمرات أنفسهن لا يستطعن أن ينسين أجروتهن. فكيف أنا يمكنني أن أنسى أن أحبكم أنتم أولادي ومن ثم يقول أشعيا النبي عن لسان الله: هل تنسى الامرأة أبنها، أو هل ما ترحم أولاد جوفها، فأن نست الامرأة أولادها إلا أني لست أنساك يقول الرب الضابط الكل: فهنا مريم تردف كلامها نحونا قائلةً: إنه إذا اتفق أن يحدث هذا الأمر الذي يبان أنه غير ممكنٍ، وهو أن والدةً تنسى بنيها، أو لا ترحم أولاد جوفها، فمع ذلك لا يمكن لي أن أهمل من محبتي نفساً ما تكون متبننةً لي*
فمريم هي أمنا لا الطبيعية (كما قلنا قبلاً) بل هي أمنا بالحب. حسبما يقال في سفر حكمة ابن سيراخ: أنا هي أم المحبة الجميلة: (ص24ع24) فإذاً المحبة وحدها التي هي تحبنا بها. فهذه جعلتها أن تصير أمنا. ولذلك يقول أحد العلماء: أن مريم تفتخر بحال كونها أم المحبة. لأنها إذ اتخذتنا بنيناً لها فأضحت بكليتها حباً متقداً نحونا. لأنه ترى من يستطيع أن يصف عظم المحبة، التي هي في قلب مريم نحونا نحن الأشقياء البائسين. فيقول أرنولدوس كانوطانسه (في شرحه عن لفظة سيد): أنها أي مريم البتول، قد كانت حين موت أبنها يسوع المسيح تشتهي بحرارةٍ فائقة الوصف أن تموت هي أيضاً مع ابنها حباً بنا: ويضيف إلى ذلك القديس أمبروسيوس (في الرأس7من ارشاده فيما يخص البتولية) بقوله: أنه كما أن الابن كان معلقاً على الصليب منازعاً. فهكذا أمه مريم كانت تقدم ذاتها للجلادين لتبيح حياتها من أجلنا*
فهنا يلزمنا أن نبحث عن علل هذا الحب وبراهينه، لأننا بذلك نفهم بأفضل نوعٍ مقدار ما تحبنا به هذه الأم الصالحة. فالسبب الأول الذي من أجله تحب مريم البشر محبة هكذا مضطرمةً، فإنما هو الحب العظيم الذي به تحب هي الله، لأن وصية المحبة لله ووصية المحبة للقريب، فإنما هما وصيةٌ واحدةٌ هي هي نفسها. حسبما يعلمنا القديس يوحنا الرسول بقوله: فهذه الوصية لنا منه، أن من يحب الله، يحب أخاه أيضاًيوحنا أولى ص4ع21) بنوع أنه بمقدار ما يزداد الحب لله، فبمقدار ذلك ينمو الحب للقريب متزايداً. ولهذا نحن نعلم أن القديسين لأجل أنهم كانوا يحبون الله حباً وافراً، فمارسوا نحو القريب الأعمال التي نحن ننذهل منها عند تأملنا إياها، لأنهم قد توصلوا ليس فقط إلى أن يفقدوا حريتهم واضعين ذواتهم تحت الأسر، بل لأن يبيحوا حياتهم أيضاً من أجل خلاص القريب. فليقرأ ما صنعه القديس فرنسيس سافاريوس في بلاد الهند، حيث أنه لرغبته في أن يسعف أنفس أولئك الشعوب البرابرة، كان يجتاز صاعداً إلى الجبال الغير المسلوكة، مطوحاً ذاته في أخطارٍ مختلفة الأنواع، ليمكنه أن يجد أولئك المساكين، الذين كانوا يقطنون في المغاير والكهوف نظير الوحوش الفاقدة الأستيناس، ويكتسبهم إلى معرفة الله وإلى الإيمان به تعالى. والقديس فرنسيس سالس لكي يجتذب الأراتقة سكان إقليم كامبلاي إلى الإيمان الكاثوليكي، قد استمر مدة سنةٍ يلقي ذاته يومياً في خطر الموت، باجتيازه ماشياً على يديه ورجليه من فوق سارية خشبٍ، كانت ممتدةً على النهر، مجلدةً مع المياه من شدة البرد، لكي يكرز على الشعوب القاطنين في عبر النهر. المصرين على ضلالهم، والقديس باولينوس قد باع ذاته أسيراً لكي يستفك من السبي أحد الشبان ويرده لأمه الأرملة، والقديس فيداله قد ارتضى بأن يموت من أجل أكتسابه إلى الرب أولئك لأراتقة الذين كان ينذرهم بالإيمان المستقيم. فإذاً من حيث أن القديسين كانوا يحبون الله حباً شديداً، فقد اتصلوا إلى أن يصنعوا أشياء مثل هذه حباً بالقريب، ولكن ترى من هو الذي أحب الله نظير ما أحبته مريم العذراء، فهذه الطوباوية قد أحبته تعالى منذ البرهة الأولى من حياتها، محبةً أعظم مما أحبه به القديسون أجمع، والملائكة قاطبةً في أزمنة حياتهم كلها، كما نحن عتيدون أن نتكلم عن ذلك بأكثر اتساعٍ في تكلمنا عن فضائل هذه الأم الإلهية. التي هي نفسها قد أوحت إلى الأخت البارة ماريا كروجيفيسا (حسبما يوجد مدوناً في الرأس5 من كتاب2 من سيرة حياتها) بأن الحب الذي كان يتقد لهيبه في قلبها نحو الله، كانت ناره بهذا المقدار ملتهبةً، حتى أنه لو وضعت الأرض والسماوات في ذاك الأتون، لفنيت مستحيلةً إلى رمادٍ، ومن ثم بالنسبة والمقابلة لحرارة هذا الحب لم تكن حرارة قلوب السيرافيم سوى كنسيم صبحٍ باردٍ، فإذاً من حيث أنه لم يكن يوجد فيما بين الأرواح الطوباويين بأسرهم، من يماثل حبها لله، فهكذا نحن لا نستطيع أن نجد بعد الله من يحبنا نظير هذه الأم الكلية الحب، حتى أنه اذا أجتمع معاً حب جميع الأمهات الذي به يحببن أولادهن، جملةً مع حب كل العرسان لعروساتهم. والقديسين والملائكة للمتعبدين لهم فلا يبلغ مقدار هذا المجموع العظيم، لأن يوازي حب مريم البتول لنفسٍ واحدةٍ فقط من أنفسنا، بل أن الأب نيارامبارك يقول، أن المحبة الكائنة في قلوب جميع الأمهات نحو بنبنهن، اذا أجتمعت معاً، فلا تصور ولا ظل المحبة التي في قلب هذه البتول نحو أحدٍ فقط منا، حتى أنها هي وحدها تحبنا أشد حباً، مما يحب بعضهم بعضاً الملائكة كافةً والقديسون أجمعون*
وما عدا ذلك إن أمنا هذه الصالحة إنما تحبنا هكذا حباً شديداً، لأجل أننا قد سلمنا لملاحظتها من ابنها الإلهي يسوع المسيح المحبوب منها فوق كل شيءٍ، حينما قال لها وهو على الصليب قبل موته: يا امرأة ها ابنك: معلناً لها في شخص تلميذه، يوحنا أشخاصنا نحن البشر جميعاً، كما تكلمنا عن ذلك آنفاً. وهذه الكلمات قد كانت هي الأخيرة المقالة منه لوالدته الطوباوية. والحال أنه لأمرٌ واضحٌ هو أن التوصيات التي يتركها الأشخاص المحبوبون في ساعة موتهم، فتعتبر وتكرم من محبيهم ولا تهمل منسيةً. ثم يضاف إلى هذا كله أننا نحن بنون أعزاء جداً على قلب أمنا هذه الحنونة. وبالتالي— وهو من قبل ثمن الأوجاع الشديدة التي— تبنتنا بها…ومما لا شك فيه أن الأمهات اللواتي يكن تكبدن أوجاعاً زائدةً، ومخاطر خصوصيةً، من أجل حفظ حياة البعض من أولادهن، فيكون حبهن نحو هؤلاء أشد مما هو نحو باقي بنيهن الآخرين، فنحن هم هؤلاء الأولاد الذين، لكي تكتسب لنا حياة النعمة، أمنا هذه الإلهية قد التزمت بأن تحتمل تلك الأوجاع الشديدة، التي بها قدمت عنا حياة ابنها الطبيعي يسوع مصلوباً على الخشبة، مرتضيةً بأن تتكبد تلك المشاهدة الموعبة مرارةً، وهي موت وحيدها أمام عينيها، فيما بين العذابات من أجل خلاصنا. ومن قبيل ذلك القربان المقدم منها على هذه الصورة نحن ولدنا حينئذٍ لحياة النعمة. وبالتالي أنها ــ شاركتنا بأوجاع هذا عظم مقدارها. ولذلك نحن لديها أولادٌ كليوا القيمة. فمن ثم بموجب ما هو مكتوبٌ عن الحب الذي به أحب الآب الأزلي البشر، بأعطائه أبنه الوحيد فديةً عنهم، كما هو مدون في الإنجيل المقدس: أنه هكذا أحب الله العالم حتى أنه بذل ابنه الوحيد لكيلا يهلك كل من يؤمن به: (يوحنا ص3ع16) فكذلك. يقول القديس بوناونتورا، يمكن أن يمثل القول بأنه هكذا أحبت مريم العالم، حتى أنها بذلت أبنها الوحيد من أجلهم. ولكن متى بذلت مريم ابنها الوحيد من أجل البشر، فيجيب الأب نيارا مبارك بأنها قد بذلته عنهم:
– أولاً: حينما سمحت له بأن يمضي إلى الموت.
– ثانياً: قد بذلته عندما كان يمكنها أن تحامي هي بمفردها أمام القضاة عن حياة ابنها. في الوقت الذي فيه أهمله الجميع. أما بروح البغضة وأما بحركة الخوف، وهي لم تفعل ذلك. مع أن كلمات أمٍ مملؤةٍ من الحكمة مثلها، وبراهينها السديدة، قد كانت تحصل على اعتبارٍ عظيمٍ قلما يكون في منبر بيلاطوس الذي هو نفسه كان مقتنعاً ببراءة يسوع. وبالتالي لكانت هي تقدر أن تؤخر عن أن يبرز حكومة الموت ضد ابنها، فمع ذلك لم ترد هي أن تفه ولا بكلمةٍ واحدةٍ بالمحاماة عنه، لكيلا تمنع موته الذي به كان متعلقاً أمر خلاصنا الأبدي.
– ثالثاً: وأخيراً قد بذلته عنا ألوف مراتٍ على جبل الجلجلة، بوقوفها تحت صليبه مدة ثلاث ساعات نزاعه، حاضرةً موته. ففي كل رفة عينٍ من تلك الثلاث الساعات، كانت تقرب حياته ذبيحةً من أجلنا بأوجاعٍ فائقة الوصف وبحبٍ شديد نحونا، وقد كان عزمها بهذا المقدار ثابتاً على بذل حياة ابنها عنا، حتى أنه حسبما يقول القديسان أنسلموس وانطونينوس: أنه لو اتفق حينئذٍ ألا يعود يوجد من الجلادين أحدٌ، ليكمل ضد ابنها حكومة الموت، لكانت هي نفسها أماتته مصلوباً لتتمم بذلك إرادة الآب الأزلي، الذي كان يشاء موته لأجل خلاصنا، على أنه إن كان أب الآباء ابراهيم عينه قد اتصف بشجاعة مثل هذه، منطلقاً بابنه الحبيب أسحق إلى الجبل لكي يذبحه بيديه ذاتيهما قرباناً لله، فيلزمنا أن نصدق من دون ريبٍ، بأن مريم البتول الأعظم قداسةً من ابراهيم، والأوفر طاعةً منه لأوامر الله، لكانت بالحقيقة تممت بيديها هذه الذبيحة بأكثر شجاعةٍ وبأشد عزمٍ، لو لم يوجد من الجلادين من يميته، فلنعد الآن إذا إلى موضوعنا، وهو أنه كم يلزمنا أن نعيش حافظين معرفة الجميل نحو أمنا هذه الحنونة، مقابلةً للحب الذي بهذا المقدار من السمو تحبنا هي به، أي لتأملنا بتقدمتها ابتها قرباناً بأوجاعٍ هكذا مرة، لكي تكتسب لجميعنا الخلاص، فالباري تعالى قد كافأ حسناً عزم أبينا ابراهيم على استعداده لأن يذبح له ابنه. وأما نحن فماذا يمكننا أن نكافئ به هذه السيدة الجليلة، عن حياة ابنها يسوع التي قربتها ضحيةً عنا، مع أن هذا الابن الإلهي هو أشرف وأعز وأفضل بما لا يحد من اسحق بن ابراهيم أبينا. فيقول القديس بوناونتورا: أن حب مريم إيانا بهذا النوع قد ألزمنا إلتزاماً كلياً بأن نحبها. إذ نتأمل بأنها أحبتنا أشد حباً من كل أحدٍ، لأنها بذلت عنا ابنها الطبيعي الوحيد الذي كانت تحبه أعظم من حبها نفسها*
فمما تقدم إيراده يتلد السبب الثاني الذي من أجله تحبنا والدة الإله محبةً هكذا شديدةً، وهو لأنها تشاهد واضحاً أن أنفسنا هي ثمن دم ابنها الوحيد يسوع المسيح وموته على أنه إذا اتفق أن أماً ما تشاهد أمامها عبداً ما قد اشتراه ابنها الحبيب بهذا الثمن. وهو أنه استمر مدة عشرين سنةً مسجوناً، يتكبد أنواع الشدائد والآلام التي أكتسبه بها. فترى كم لكانت هذه الأم لأجل ذلك بمفرده تعتبر ذاك العبد وتكرمه. فمريم تعلم جيداً أن ابنها الإلهي لم يأتِ الى العالم، الا لكي يخلصنا نحن المساكين. كما يعلن هذا الأمر هو تعالى نفسه بقوله: أن ابن البشر إنما جاء ليخلص الهالك: (لوقا ص19ع15) ولأجل تخليصنا قد ارتضى بأن يبيح حياته عينها، مخضعاً ذاته حتى الموت أي موت الصليب. (فيليبوسيوس ص2ع8) فإذاً لو كانت مريم تحبنا قليلاً، لكانت توضح إنها تعتبر كلا شيء ثمن دم ابنها الذي هو قيمة خلاصنا، فقد أوحى إلى القديسة أليصابات الراهبة، بأن مريم البتول منذ كانت عائشةً في هيكل الرب بأورشليم، لم تكن تصنع شيئاً آخر سوى أن تتضرع من أجلنا، بتوسلاتها لله في أن يرسل عاجلاً ابنه ليخلص العالم. فمن ثم كم يلزمنا أن نعتبر أنها الآن تحبنا بأفضل نوعٍ. بعد أن شاهدت أن أبنها قد كرمنا بهذا المقدار، حتى أنه لم يأنف من أن يشترينا بثمنٍ هذا سمو قيمته*
ومن ثم حيث أن البشر جميعاً قد افتدوا من يسوع، فلهذا مريم تحبهم كافةً من دون استثناءٍ، وتسعى في خيرهم أجمعين. فالقديس يوحنا الإنجيلي رآها في جليانه ملتحفةً بالشمس، كما هو مدون في بدء الإصحاح الثاني عشر من الابوكاليبسي هكذا “وظهرت أيةٌ عظيمةٌ في السماء امرأةٌ ملتحفةٌ بالشمس”. فيقال أنها ملتحفة بالشمس، لسبب أنه لا يوجد في الأرض كلها أحدٌ لا تتصل إليه حرارة الشمس، كما يقول المرتل: وليس من يختفي من سخونتها: (مزمور 19ع6) فعلى هذه الصورة لا يوجد إنسانٌ حي على وجه الأرض معدوماً من حب مريم اياه، فالعلامة أيديوطا يخصص كلمات: وليس من يختفي من سخونتها: بالحب الشديد الحرارة الذي في قلب مريم نحو الجميع، ويقول القديس أنطونينوس: ترى من يستطيع أن يعقل بالكفاية مقدار سمو عناية هذه الأم نحونا كافةً. ولذلك هي توزع رحمتها على الجميع، فاتحةً حضن رأفتها لكل واحدٍ: ويثبت ذلك القديس برنردوس بقوله: لأجل أن أمنا هذه قد رغبت قلبياً خلاص الجميع، فساعدت مشتركةً بعمل خلاصهم كافةً: ومن ثم لمفيدةٌ هي في الغاية الطريقة المستعملة من البعض من عبيد هذه الأم الإلهية، وهي أنهم كما يخبر كورنيليوس الحجري، من عادتهم أن يتوسلوا إلى الرب في أن يمنحهم تلك النعم، التي تطلبها من أجلهم الطوباوية مريم البتول، إذ يبتهل كلٌ هكذا قائلاً: يا رب أعطني الشيء الذي تلتمسه منك لأجلي مريم العذراء الكلية القداسة: فيقول كورنيليوس المذكور أنهم بالصواب يصنعون هذه الطلبة. من حيث أن أمنا هذه الحبيبة ترغب لنا خيراتٍ أعظم من تلك التي نحن نفتكر فيها، ثم أن برنردينوس البوسطي الحسن العبادة يقول (في عظته الخامسة): إن مريم تحب أن تصنع معنا الخير، وأن توزع علينا النعم، حباً أعظم مما نحن نبتغي أن نفوز بالخير والنعم المشتهاة منا. ولهذا فالطوباوي البرتوس الكبير يخصص بوالدة الإله تلك الكلمات المدونة في سفر الحكمة (ص6ع14) وهي: أنها تبادر إلى من يشتهي إليها أن تظهر لهم أولاً: أي أن مريم تسبق هي متقدمةً لقبول الذين يلتجئون إليها. لكي تظهر لهم قبل أن يفتشوا عليها، فبهذا المقدار هو شديد الحب الذي تحبنا به هذه الأم الصالحة. يقول ريكاردوس، حتى أنها حالما تلاحظ احتياجاتنا فهي نفسها تأتي لمعونتنا*
فإن كانت إذاً مريم جوّادةً سخيةً نحو الجميع، حتى نحو أولئك الناكري الجميل أيضاً والمتوانين والذين يحبونها قليلاً ويقصدونها نادراً، فكم بأكثر من ذلك تتلألأ جودتها وصلاحها ومفاعيل حبها نحو أولئك الذين يحبونها جداً، ويستغيثون بها بتواترٍ مستدعينها مراتٍ كثيرةً لمعونتهم، فبالحقيقة: أن الذين يحبونها يبصرونها بسهولةٍ، والذين يبتغونها يصادفونها: (سفر الحكمة ص6ع13): فكم هو شيءٌ ساهلٌ (يردف كلامه الطوباوي البرتوس بكلامه) أن تصادف مريم من الذين يحبونها. حيث يجدونها مملؤةً من الرأفة والحنو والحب نحوهم: (أمثال ص8ع8) فهي تعلن واضحاً أنها لا تستطيع أن لا تحب من يحبها. ثم أنه ولئن كانت هذه السيدة الكلية الانعطاف تحب البشر أجمعين. بحسب كونهم أولادها، فمع ذلك يقول القديس برنردوس هي تعرف أن تعتبر جيداً، وأن تحب بنوعٍ خاصٍ متميز، أولئك الذين يحبونها بأكثر انعطافٍ وبأشد تعلقٍ، فمحبوا مريم هؤلاء السعيدون ليس فقط هم محبوبين منها، بل أيضاً هي تخدمهم كما يقول أيديوطا*
ففي تاريخ رهبنة القديس عبد الأحد، يورد عن أحد هؤلاء الآباء المدعو لاوناردوس، الذي كان من عادته مئتين مرةٍ في النهار يستغيث بمريم أم الرحمة، فهذا إذ كان مدنفاً على الموت، قد شاهد ملكةً فائقاً وصف جمالها الفريد، قد جاءت اليه وجلست بجانبه. ثم قالت له: أتريد يا لاوناردوس أن تموت وتحضر عند أبني وعندي. فأجابها الراهب المذكور قائلاً: وأنتِ من هي: فقالت له: أني أنا هي البتول أم المراحم. فأنت قد استدعيتني مراتٍ هكذا عديدةً. وهوذا أني الآن قد أتيت لآخذك، فلنذهب إذاً إلى الفردوس السماوي. ومن حيث أن لاوناردوس قد رقد بالرب في ذلك النهار عينه، فنؤمل أن يكون لحق هذه السيدة إلى السعادة المغبوطة*
فالطوبى لمن يحبك أيتها البتول الكلية العذوبة. إن الأخ يوحنا باركمانس المكرم الراهب اليسوعي، كان من عادته أن يقول هكذا: إن كنت أنا أحب مريم، فأنا متأكدٌ أني أفوز بنعمة الثبات الأخيرة، وسأنال من الله كل ما أريده: ومن ثم لم يكن يغفل هذا الشاب الحسن العبادة، أو يشبع من أن يكرر مراتٍ عديدةً في ذاته هذه الكلمات وهي: إني أريد أن أحب مريم، إني أشاء محبة مريم: ولكن إن حب هذه الأم الصالحة لبنيها، يتفاوت بما لا يحد حب أولادها إياها جميعاً، ولو مهما أحبوها بكل استطاعتهم، فيقول القديس أغناتيوس الشهيد المتوشح بالله: أن مريم هي أشد حباً مع محبينها: فليحبوها إذاً نظير القديس سطانيسلاوس كوستكا، الذي كان يحبها بأنعطافٍ قلبيٍ هذا حده. حتى أنه حينما كان يتكلم عنها ويخاطب الآخرين في شأنها، فقد كان يحرك في قلوب سامعيه أشواقاً متقدةً لحبها، وقد اخترع لذاته كلماتٍ خصوصيةً وألقاباً جديدةً ينعت بها أمه هذه العزيزة لديه ويكرمها، فلم يكن يبتدئ عملاً ما قبل أن يلتفت أولاً نحو أحدى أيقوناتها مستمداً منها البركة، وعند تلاوته الفرض المختص بها. أو المسبحة الوردية، أو صلواتٍ أخرى راجعة لعبادتها. فكان يتمم ذلك بعواطف باطنيةٍ وبدالةٍ بنويةٍ. كما لو يكون يخاطب شخصها نفسه وجهاً بازاء وجهٍ. وحين استماعه ترتيل الصلاة المبدوءة: السلام عليك يا ملكة الرحمة: فكان يتقد كله بحرارة نار الحب ليس باطناً فقط. بل خارجاً أيضاً، بعلاماتٍ تظهر في وجهه، فيوماً ما سأله أحد آباء جمعيتهم اليسوعية، إذ كان ذاهباً برفقته لزيارة أيقونةٍ مختصةٍ بهذه السيدة الطوباوية قائلاً: كم هو مقدار الحب الذي به أنت تحب مريم البتول، فأجابه سطانيسلاوس: أنه ماذا يمكنني أن أقول لك أيها الأب أكثر من هذا، وهو أنها هي أمي: ولكن يخبر الأب المشار إليه، بأن الشاب القديس قد تلفظ بالكلمات المذكورة بصوتٍ خشوعيٍ، وبحركات عواطف الاحتشام والحب بهذا المقدار، حتى أنه كان يظهر ليس كإنسانٍ بل كملاكٍ يخاطبه عن محبة مريم*
فليحبوها نظير الطوباوي أرمانوس الذي كان يسميها عروسته بالحب، لأجل أنه قد كان كرم هو من هذه السيدة نفسها بلقب عريسٍ. فليحبوها نظير القديس فيلبس نيري، الذي كان يمتلئ تعزيةً وفرحاً بمجرد تأمله إياها، ولذلك كان يدعوها لذته وتنعمه. ثم فليحبوها بمقدار ما كان يحبها القديس بوناونتورا، الذي ليس فقط كان يسميها سيدته وأمه، بل ليظهر عظم انعطافه نحوها وحبه الشديد إياها، فكان يدعوها أيضاً قلبه ونفسه وروحه. فليحبوها نظير القديس برنردوس محبها العظيم، الذي بهذا المقدار كان انشغافه متزايداً في محبته أمه هذه العزيزة، حتى أنه كان يسميها: سالبة القلوب: خاطفة الألباب. ولكي يوضح حقائق الحب الذي كان لها في جوارحه متقداً، فكان يقول لها هكذا: أما أنكِ خطفتِ قلبي. وليسموها حبيبتهم ومعشوقتهم: كما كان يسميها القديس برنردينوس السياني، الذي كان يومياً يمضي ليزور أيقونتها. لكي يوضح لها حبه اياها بمخاطباتٍ خشوعيةٍ كان يتفوه بها مع ملكته هذه العظيمة، ولذلك حينما كان يسأله أحدٌ إلى أين ماضٍ. فكان يجيبه: إني ذاهبٌ عند معشوقتي لكي أراها. فليحبوها نظير القديس لويس غونزاغا، الذي بهذا المقدار كان يلتهب بالحب نحوها، حتى أنه كان يسمع ذكر اسمها الحلو فكان شهبُ نار المحبة المتقد في قلبه يظهر في وجنتيه ووجهه احمراراً طافحاً كلون الورد، بنوعٍ كان يلاحظ عياناً من الجميع. فليحبوها شبه القديس فرنسيس صولانس، الذي على نوعٍ ما قد جن (ولكن جنوناً مقدساً) في حبه إياها، حتى أنه أحياناً كان يستعمل بعض آلات الطرب في ترتيله أمام بعض أيقوناتها تراتيل ومدائح عشيقةً مقدسةً. وكان يقول أنه نظير ما تصنع العشاق العالميون حباً بمعشوقاتهم، فهو كان يصنع أفراحه مع حبيبته وملكته مريم الطوباوية*
فليحبوها كما أحبها عددٌ هكذا عظيمٌ من القديسين والأبرار والعباد. الذين لم يكونوا يعودوا يعلمون بأية طرائق يمكنهم أن يظهروا حقائق حبهم إياها الشديد، فالأب لأيرونيموس الطراكسوى الراهب اليسوعي. كان يمتلئ سروراً عند تسميته ذاته أسير مريم، ودلالةً على كونه أسيرها، كان يمضي مراتٍ كثيرةً ليزورها في كنيسةٍ مشيدةٍ على اسمها، وهناك ما عساه كان يصنع. أنه عند وصوله إلى تلك الكنيسة كان يبل البلاط بدموعه المنسكبة من عينيه، بحبٍ خشوعيٍ مشتعلة ناره في قلبه نحو هذه السيدة. وبعد ذلك كان يكنس البلاط بلسانه ووجهه، مقبلاً إياه ألف مرةٍ تقريباً، لتفكره في أن ذلك البيت هو مسكن سيدته وملكته المحبوبة منه. والأب دياكوس مارتيناس اليسوعي الذي لشدة حرارة حبه وعبادته لهذه المثلثة القداسة. قد كرم من الملائكة بأنهم أخذوه مخطوفاً إلى السماء في أيام أعيادها المقدسة، ليشاهد هناك كم من الاحتفال العظيم يصنع في الأيام المختصة بتكريمها. فهذا الأب البار كان من عادته أن يقول هكذا: أواه ليتني أمتلك قلوب جميع الملائكة والقديسين، لكي أحب مريم نظير ما هم يحبونها، وإني أتمنى أن أنال سني حياة البشر كلهم. لكي أصرفها جميعها في أعمال الحب لهذه السيدة: فليحبوها نظير ما كان يحبها كارلوس أبن القديسة بريجيتا، الذي كان يقول، إنه لم يعد يعلم أي شيءٍ يمكنه أن يعزيه في هذا العالم ويبهجه، بمقدار ما كان يحصل على ذلك، عند تأمله في أن مريم هي بهذا المقدار محبوبة من الله، وكان يضيف الى ذلك بقوله: أنه لقد كان هو أحتمل بأختيارٍ ورضى، أشد ما يمكن أحتماله من أمر العذابات، لكيلا تخسر مريم درجةً ما من درجات المجد العظيم الحاصلة هي عليه في السماء، ولو كان أمراً ممكناً هو أن تلم بها هذه الخسارة. وأنه على فرضيةٍ محاليةٍ وهي أن العظمة المالكة عليها مريم في المجد السماوي، تكون موهوبةً له ومختصةً به، لكان تنازل عنها وأعطاها لهذه السيدة، ليصير مجدها وعظمتها ذات استحقاقٍ أفضل*
ثم فليشتهوا أن يقدموا حياتهم عينها ضحيةً برهاناً على حقيقة حبهم لمريم، كما كان يشتهي ذلك ألفونسوس رودريكوس. وأخيراً فليبلغوا إلى أنهم ينقشون على صدورهم مكتوباً بنخس الأبر، أسمها المحبوب في الغاية، كما صنع فرنسيس بينانسيوس الراهب، وكذلك راداغونده عروسة السلطان كلوطاريوس، أو أنهم يتصلون إلى أن يدمغوا لحمانهم بحديدٍ محمى: محفور فيه اسم هذه الطوباوية العذب. لكي يستمر مرتسماً بأبلغ نوع في أجسادهم، كما فعل باتيستا أركينتوس، وأوغسطينوس أسبينوزا الراهبان اليسوعيان علامةً لشدة حبهما هذه الأم الإلهية*
فمهما كان حبهم شديداً نحو مريم، ولو أنهم اجتهدوا بكل قوتهم. واهتموا في أن يخترعوا أنواعاً غريبةً، مما تصنعه العشاق والمغرمون في المحبة. ليظهروا لاولئك الحبوبين منهم حقائق غرامهم وتعلق قلوبهم بالحب لهم، فمع ذلك هؤلاء أي محبو مريم، لا يستطيعون أن يبلغوا إلى أن يحبوها بمقدار ما هي تحبهم. ولهذا يقول القديس بطرس داميانوس (في العظة الأولى على ميلادها): أنا عالمٌ يا سيدتي أنه فيما بين أولئك الذين يحبونك، فأنتِ هي المتصفة بالحب نحوهم أكثر من جميعهم، لأنكِ تحبيننا محبةً لا يمكن أن ينتصر عليها حبٌ ما مهما كان شديداً: فمرةً ما إذ كان واقفاً أمام أحدى أيقونات والدة الإله، المكرم ألفونسوس رودريكوس اليسوعي. وهناك شعر بزيادة التهاب قلبه بنار الحب نحو هذه الطوباوية، فطفرت الدموع من مقلتيه، وهتف مخاطباً حبيبته البتول قائلاً: أنني لعالمٌ يا أمي المحبوبة في الغاية أنكِ تحبينني، ولكنكِ لا تحبينني بمقدار ما أنا أحبكِ: فحينئذٍ مريم العذراء كمن أهين في موضوع المحبة، قد أجابته من الأيقونة قائلةً: ماذا تتكلم يا ألفونسوس. وأي شيء تقول، هيهات أن تدرك مقدار تفاضل الحب الذي أنا أحبك به، عن المحبة التي أنت تحبني بها، فأعلم أنه لم يكن البعد الشاسع الكائن فيما بين السماء والأرض، موازياً لبعد زيادة الحب الذي لي نحوك، عن الحب الذي لك نحوي*
فإذاً بكل صوابٍ يهتف القديس بوناونتورا صارخاً: يا لهم من طوباويين بالحقيقة وسعيدين، أولئك الذين هم مالكون الحظ المغبوط، في أن يدوموا أمينين في التعبد لهذه الأم الكلية الحب، وثابتين على محبتهم إياها، وذلك لأن هذه الملكة المكافئة المعروف، لا يمكن أن تدع ذاتها أن تغلب أصلاً من محبة المتعبدين لها: فمريم إذ اتبعت في ذلك نموذج فادينا يسوع المسيح الكلي المحبة نحونا، فتمنح الذين يحبونها أضعاف الحب، مفيضةً عليهم أنعاماتها ومواهبها وأسعافاتها لهم. (فاذاً مباحٌ لي أن أهتف أنا أيضاً، مع القديس أنسلموس في مناجاته البتول وأبنها قائلاً): فليلتهب من أجلكما قلبي دائماً. ولتذب نفسي كلها بنار الحب نحوكما، يا مخلصي يسوع المحبوب: ويا أمي العزيزة مريم، فأمنحا هذه الموهبة لنفسي بأن أحبكما، لأنني من دون نعمتكما لا أستطيع أن أحبكما. فأعطياني لأجل أستحقاقاتكما، لا لأجل استحقاقاتي هذه النعمة. وهي أن أحبكما بمقدار ما تستحقان… فيا أيها الإله المحب البشر، أنه لقد أمكنك أن تموت متجسداً من أجل أعدائك، فهل أنك تستطيع بعد ذلك أن تنكر إيهاب طلبة من يلتمس منك أن تمنحه أن يحبك، ويحب والدتك المجيدة.*
* نموذج *
أنه يوجد مسطراً في الرأس السابع من المجلد الثاني من تأليف الأب أورياما، أن ابنةً مسكينةً من بنات الفلاحين، مهنتها رعاية الغنم. كانت متعبدةً لوالدة الإله بتعلق قلبٍ هذا حده، حتى أن نعيمها ولذتها وسرورها. كان قائماً في أن تتردد على كنيسةٍ صغيرةٍ حقيرةٍ. مبنيةٍ على اسم هذه السيدة المجيدة، كائنة في الجبل الذي فيه تلك الابنة كانت تترك الغنم أن ترعى، وهي تنفرد في المصلى المذكور لتصلي، وتكرم أمها العذراء الفائقة القداسة، من حيث أنها شاهدت أن شخص هذه البتول المجسم الموجود هناك، لم يكن مكتسياً برداءٍ لائقٍ. فطفقت تكد وتعمل بيديها وشاحاً لذاك التمثال المقدس بقدر مكنتها، ثم أنها يوماً ما قد اقتطفت من زهور الحقل باقةً وصنعت منها إكليلاً، وجاءت به إلى المصلى، حيث صعدت فوق الهيكل، ووضعت إكليل الزهور فوق هامة شخص البتول القديسة قائلةً لها: أنني لقد كنت أتمنى يا أمي أن أضع على رأسكِ إكليلاً من ذهبٍ مرصع بالجواهر، ولكن لعدم مقدرتي على ذلك، إذ أني فقيرةٌ، فأتوسل إليكِ بأن تقبلي مني هذا الإكليل الحقير المؤلف من الزهور، وليكن مقبولاً لديك عربوناً للحب الذي أنا أحبك به: فبهذه الأنواع وأمثالها كانت تلك الابنة البتولة تكرم سيدتها الجليلة، متعبدةً لها ببساطة قلبها فلنتأمل الآن كيف أن هذه الأم الإلهية كافأت تلك الفتاة أبنتها، عن زياراتها أياها في ذاك المعبد، وعن مفاعيل حبها الابني نحوها. فقد انطرحت الابنة الراعية مريضةً مرضها الأخير، ودنت به من زمن انتقالها من هذه الحياة، فأتفق أن اثنين من الرهبان كانا عابري طريق في تلك الأرض، فتعبا من مشقة السفر، اتكآ تحت شجرةٍ ما ليستريحا، حيث أن أحدهما خط في النوم. والآخر لبث ساهراً. إلا أنهما معاً قد شاهدا هذه الرؤيا، وهي أن مصافاً جزيل العدد من العذارى الجميلات الصور قد أقبلن مجتازاتٍ من عليهما، وفيما بين ذاك المصاف كانت توجد واحدة منهن، فائقة عليهن كافةً بالبهاء والجمال والعظمة والهيبة، فأحد ذينك الراهبين قد سأل تلك الامرأة الجليلة قائلاً: أيتها السيدة من أنتِ، و؟إلى أين تمضين في هذه الطريق: فأجابت هي وقالت له: إني أنا هي والدة الإله، وهوذا أني منطلقةٌ وصحبتي هؤلاء البتولات القديسات، لنزور في القرية القريبة فتاة مسكينة راعية غنم مشرفةً على الموت. لأنها مراتٍ كثيرةً كانت تزورني: قالت هذا وغابت الرؤيا عن أبصار ذينك الراهبين اللذين قال أحدهما للآخر. قم بنا لنمضي نحن أيضاً لنشاهد هذه الابنة. فنهضا مسرعين، وطفقا يفتشان في القرية على بيت تلك العذراء المريضة، الى أن وجداه ودخلاه فنظراها متكئةً فوق قليل من التبن، وبعد أن سلما عليها قالت هي لهما: أطلبا إلى الله أيها الأخوان العزيزان، أن يمنحكما أن تشاهدا الجمعية المحيطة بي والمساعدة إياي، فالراهبان جثيا حالاً على ركبتهما مصليين، فرأوا مريم والدة الإله قائمةً بجانب الأبنة المريضة وبيدها إكليلٌ، وكانت تعزي المنازعة وتشجعها، وهوذا بمصاف تلك البتولات قد ابتدأن أن يرتلن، وفيما بين أصوات تلك التراتيل قد انفصلت نفس الابنة المباركة من جسدها، وحينئذٍ مريم البتول وضعت على رأس النفس ذاك الإكليل الذي كان بيدها، وأخذتها صحبتها مع المصاف بأسره وصعدن إلى السماء*
† صلاة †
Discussion about this post