كتاب امجاد مريم البتول
القديس ألفونس دي ليكوري
المقالة الخامسة: في زيارة العذراء للقديسة أليصابات
فيما يلاحظ تذكار زيارة والدة الإله عند نسيبتها القديسة أليصابات، حيث يبرهن عن هذه البتول أنها هي خازنة جميع النعم الإلهية. وأن من يلتجئ إليها يلزمه أن يطمئن بنواله النعم التي يرغبها.*
*وفيه جزءان*
† الجزء الأول †
* في أن من يروم أن يفوز بنعمةٍ ما فيلزمه أن يلتجئ إلى مريم العذراء*
أنه يعتبر سعيداً ذاك البيت الذي يزوره شخصٌ من العيلة الملوكية. أو الملك نفسه، لأجل الشرف الذي تحصل عليه سكان ذاك البيت، ولأجل النجاحات الزمنية التي تؤملون نوالها فيما بعد. ولكن يلزم أن تسمى بأكثر من ذلك سعيدةً، تلك النفس التي تزورها ملكة السموات والأرض البتول الكلية القداسة. التي لا تعرف أن لا توعب خيراتٍ ونعماً تلك الأنفس المغبوطة التي تتنازل هي لأن تفتقدها بمواهبها. فبيت عوبيد أدوم الجيتاني قد أمتلأ من بركات الرب لأجل أن تابوت العهد زار ذلك البيت موضوعاً فيه مدة ثلاثة أشهر (سفر الملوك الثاني ص6ع11) ولكن من أية بركاتٍ أفضل وأعظم تمتلئ تلك الأنفس اللواتي تحلصن على زيارةٍ ما، بها يفتقدهن هذا التابوت الحي للرب الصباوت الذي هو أم الله. كما كتب أنجالكرافه. فقد اختبر حقيقة هذا الأمر سكان بيت أهل القديس يوحنا المعمدان، البيت الذي حالما دخلت إليه البتول المجيدة قد استوعب سكانه أي العيلة كلها بركاتٍ ونعماً سماويةً، ولذلك يسمى عموماً العيد الحاضر. (المختص بتدكار زيارة والدة الإله عند نسيبتها القديسة أليصابات): عيد العذراء الموزعة النعم: فمن ثم نحن نلاحظ اليوم في الفصل الحاضر كيف أن هذه الأم الإلهية هي خازنة النعم بأسرها. مقسم إلى جزئين. فنتكلم في هذا الجزء الأول عن أن من يرغب الفوز بنعمةٍ ما، فيلزمه أن يلتجئ إلى مريم خازنة النعم، تاركين إلى الجزء الآخر التكلم عن أن من يلتجئ إلى هذه الخازنة، يلزمه أن يطمئن في نواله النعم التي يرومها*
فالبتول الكلية القداسة بعد أن سمعت من زعيم الملائكة جبرائيل، أن نسيبتها أليصابات كانت هي أيضاً حبلى بابنٍ على شيخوختها، وهذا القول كان في الشهر السادس من حبل تلك المدعوة عاقراً. فقد عرفت بنورٍ خاص من قبل الروح القدس، أن كلمة الآب الأزلي المتجسد في أحشائها ابناً لها، قد كان يريد أن يبتدئ في أن يعلن للعالم عنى مراحمه، بتلك النعم الأولى التي كان هو يشاء أن يوزعها على عيلة الكاهن زخريا، فلهذا من دون تأخيرٍ: قامت مريم في تلك الأيام وذهبت مسرعةً إلى الجبل إلى مدينة يهوذا، ودخلت إلى بيت زخريا وسلمت على أليصابات: (لوقا ص1ع39) مع أنها في هذا السفر احتاجت إلى أن تنتزح عن هذوها في انفرادها المحبوب منها، الذي فيه كانت تمارس تأملاتها في الحقائق الأبدية، ولكن لأجل أن المحبة المقدسة تحتمل كل شيء ولا تعرف أن تتكاسل في عملها، كما يتكلم في هذا الشأن القديس أمبروسيوس قائلاً: أن نعمة الروح القدس لا تعرف أن تستعمل الإعاقة في تكميل مقصودها: فلذلك العذراء المجيدة الحديثة ألسن، واللطيفة المزاج لم تتوقف عن أن تعاني سفراً مضنكاً، بذهابها السريع من الناصرة الى مدينة يهوذا، متحركةً من قبل المحبة التي لا تقوى عليها صعوبةٌ، ومنجذبةً من قبل نعمة الروح القدس. وحالما بلغت إلى بيت زخريا فسبقت هي أولاً بالتحية وسلمت على أليصابات، حسبما يلاحظ ذلك القديس أمبروسيوس عينه، ولكن زيارتها هذه لم تكن نظير زيارات أهل العالم التي غالباً تقوم باحتفالاتٍ خارجية وبغاياتٍ كاذبة، بل أن زيارة الطوباوية مريم البتول قد جلبت لأهل ذلك البيت كنزاً من النعم، لأنه حال دخولها إليه قد امتلأت القديسة أليصابات من الروح القدس، والطفل يوحنا الذي كان في مستودعها قد أنحل من وثاق الخطيئة الأصلية وتقدس بنعمة الله. لذلك قد أعطى هو العلامة الحسية بحركةٍ غير اعتيادية مبتهجاً في جوف أمه، مريداً بهذا أن يعلن حقيقة النعمة التي فاز بها من الله بواسطة مريم البتول، حسبما أوضحت ذلك القديسة أليصابات نفسها بقولها لهذه السيدة: هوذا لما صار صوت سلامكِ في مسمعي، أرتكض الجنين بابتهاجٍ في بطني: فمن ثم كما يلاحظ العلامة برنردينوس البوسطي، أنه بقوة سلام مريم قد اقتبل يوحنا في مستودع أمه بابتهاجٍ نعمة الروح الإلهي الذي قدسه وبرره.*
فإن كانت إذاً نواجم أثمار سر الفداء هذه قد توزعت في العالم بيد مريم الطوباوية، وهي وجدت القناة التي بواسطتها قد جرت نعمة التقديس ليوحنا الجنين في أحشاء والدته. ونعمة الامتلاء من الروح القدس للبارة أليصابات، ونعمة روح النبؤة للكاهن زخريا والد السابق، وبركاتٌ أخرى كثيرة قد استوعب منها ذاك البيت، وهذه هي النعم الأولى التي نعرفها أنها أعطيت في الأرض من الكلمة الأزلي بعد تأنسه. فإذاً عادلٌ جداً هو الإيقان من دون ريبٍ، في أن الله منذ ذلك الحين قد أقام مريم البتول وعينها بصفة قناةٍ أو مجرى عام للنعم، كما يسميها القديس برنردوس. وبواسطة هذه القناة قد جرت وتجرى إلينا بعد ذلك كل النعم الأخرى. التي يريد الرب أن يوزعها علينا. حسبما برهنا عن هذه القضية في الفصل الخامس من القسم الأول من مؤلفنا الحاضر.*
فإذاً بالصواب قد دعيت هذه الأم القديسة: خزنة النعم الإلهية وخازنتها وموزعتها: كما يسميها الأنبا جلانسه المكرم بقوله: أنها هي خزنة الله وخازنة أنعامه: والقديس بطرس داميانوس يدعوها: خزنة النعم الإلهية. والطوباوي ألبارتوس الكبير يسميها: خازنة يسوع المسيح. والقديس برنردينوس يلقبها: بموزعة النعم والمواهب. وأحد العلماء اليونانيين المورد من بيطافيوس ينعتها: بأنها خزنة الخيرات كلها. والقديس غريغوريوس العجائبي يقول: أنه كتب عن البتول مريم أنها ممتلئةٌ نعمةً، من حيث أن كنز النعم قد أذخر فيها كداخل خزنةٍ. وقال ريكاردوس الذي من سان لورانسوس: أن الله قد أستودع في مريم كضمن الأهراء المختصة برحمته جميع المواهب والنعم، ومن هذا الكنز يغني هو عبيده. ثم أن القديس بوناونتورا بتكلمه عن المثل المورد من سيدنا يسوع المسيح بقوله: يشبه ملكوت السموات كنزاً مخفياً في حقلٍ وجده إنسانٌ فخبأه، ومن فرحه مضى فباع كل شيءٍ له وأشترى ذلك الحقل: (متى ص3ع4) يقول:أن هذا الحقل إنما هو مريم سلطانتنا المخبئ فيها كنز الله الذي هو يسوع المسيح، ومع هذا الكنز الإلهي يوجد ينبوع النعم كلها. وقبلاً قد كان أثبت هذه الحقيقة القديس برنردوس بقوله: أن جميع النعم التي يريد الرب أن يوزعها علينا قد وضعها تعالى في يد مريم، لكي نعرف أن كل ما نحن نقتبله من الخيرات فإنما نفوز به بواسطتها ونعطاه عن يدها: بل أن هذه الأم الإلهية عينها تؤكد لنا ذلك قائلةً: فيَّ أنا نعمة كل مسلكٍ وحقٍ: (ابن سيراخ ص24ع25) أي أن جميع نعم الخيرات الحقيقية التي يمكنكم أنتم يا معشر البشر أن ترغبوها وتشتهوها في مدة حياتكم، فهذه كلها تجدونها فيَّ. ولذلك يقول نحو هذه السيدة القديس بطرس داميانوس: أي نعم أننا نعلم حسناً يا أمنا ورجانا أن خزائن المراحم الإلهية وكنوزها كلها توجد تحت يدكِ. وقبل هذا الجليل كان القديس أيدالفونسوس أوضح ذلك بأكثر إعلان إذ قال مخاطباً هذه السيدة هكذا: أن جميع النعم التي رسم الله وحدد أن يمنحها للبشر، فعين تعالى أن يوزعها كلها عليهم عن يدكِ أيتها السيدة، ولذلك قد سلم إليكِ عز وجل خزائن النعم جميعها: ومن ثم يستنتج القديس جرمانوس قائلاً نحوها: فإذاً لا توجد يا مريم نعمةٌ ما من النعم تعطى لأحدٍ إلا بواسطتكِ وعن يدكِ.*
أما الطوباوي ألبارتوس الكبير. فإذ يتكلم مفسراً ألفاظ زعيم الملائكة جبرائيل بقوله للدائمة بتوليتها: لا تخافي يا مريم فقد ظفرتِ بنعمةٍ أمام الله (لوقا ص1ع30) يضيف إلى ذلك هذه العبارة الجليلة قائلاً: فأنتِ يا مريم لم تختطفي النعمة كما اختطفها لوسيفوروس، ولا أضعتيها كما أضاعها آدم، ولا اشتريتيها كما كان يرغب أن يشتريها بالأموال سيمون الساحر، لكنكِ قد وجدتيها وظفرتِ بها لأجل أنكِ فتشتِ عليها ورغبتيها، فقد وجدتِ النعمة الغير المخلوقة التي هي الله نفسه المتأنس منكِ صائراً أبناً لكِ. ومع هذه النعمة الغير المخلوقة قد ظفرتِ بجميع الخيرات المخلوقة: ثم أن القديس بطرس خريسولوغوس يثبت ذلك بقوله: أن هذه الأم العظيمة قد ظفرت بالنعمة ووجدتها، لكي تجلب بعد هذا لكل البشريين الخلاص الأبدي، فمريم قد وجدت نعمةً طافحةً يمكنها بها أن تخلص كل واحدٍ.*
يقول ريكاردوس الذي من سان لورانسوس: بحسبما أن الله قد خلق الشمس لكي تنير الأرض، فهكذا تعالى قد خلق مريم لكي يوزع بواسطتها على العالم مراحمه كلها. ويضيف إلى ذلك القديس برنردينوس قائلاً: أنه من حينما صيرت مريم البتول والدةً لله المخلص قد اكتسبت على نوعٍ ما التولي على كل النعم:*
فلنختتم إذاً هذا الجزء بما قاله ريكاردوس المار ذكره، وهو أننا أن كنا نريد أن ننال نعمةً ما فلنلتجِ إلى مريم التي لا تقدر أن لا تستمد لعبيدها كل ما تطلبه لهم، لأنها قد ظفرت هي بالنعمة الإلهية، ودائماً تظفر بها إذ يقول: أننا إ؟ن كنا نرغب أن نصادف نعمةً ما، فلنفتش على تلك التي وجدت النعمة، لأنها هي قد وجدتها دائماً، ولا يمكن أن لا تحصل عليها. وهذا هو موافق لما قاله القديس برنردوس هكذا: فلنطلب النعمة بواسطة مريم، لأنها تجد الذي تطلبه، ولا يمكن أن لا تحصل عليه. فإن كنا إذاً نرغب نوال نعمةٍ ما، فيلزمنا أن نمضي إلى خازنة النعم وموزعتها. لأن هذه هي إرادة معطي كل خير العلي. كما يحقق لنا ذلك القديس برنردوس عينه قائلاً: لأن هذه هي إرادة ذاك الذي شاء أن نحصل نحن على كل شيءٍ بواسطة مريم، أي أن النعم كلها أنما تتوزع بواسطة مريم العذراء وعن يدها: فمن المعلوم أن قوله كلها لا يستثني نعمةً ما منها، ولكن من حيث أنه لكي ينال أحدٌ النعمة التي يرغبها فيلزم بالضرورة أن يكون موجوداً فيه الرجاء والثقة في نوالها. فلنأت إلى التكلم عن ذلك في الجزء الآخر.*
† الجزء الثاني †
* في كم يلزمنا أن نثق مطمئنين في نوال النعم التي نطلبها بواسطة ألتجائنا الى مريم العذراء*
فلماذا قد وضع يسوع المسيح في يد والدته هذه المجيدة غنى مراحمه كلها التي هو يريد أن يستعملها نحونا. إلا لكي تغني هي بها عبيدها الذين يحبونها ويكرمونها ويلتجئون إليها بحسن الرجاء فوالدة الإله نفسها تعلن قائلةً: عندي هو الغنى والمجد واقتناء العظمة والعدل، والذين يبكرون إليَّ يجدوني: (أمثال ص8ع17) لأن الكنيسة المقدسة تخصص هذه الألفاظ بالعذراء الكلية القداسة. وتكررها نحوها في صلوات أعيادها السنوية. فيقول الأنبا آدم: أنه ليس لأجل غايةٍ أخرى غير هذه تحفظ خزائن غنى الحيوة الأبدية تحت يد مريم البتول، وهي لكي تكون مفيدةً لنا، لأن مخلصنا قد وضع في حضنها كنز المساكين البائسين حتى أنهم اذا ما أسعفوا من هذا الكنز فيزول عنهم الفقر ويصيرون أغنياء ويضيف إلى ذلك القديس برنردوس بقوله: أنه لأجل هذه الغاية قد أعطيت مريم للعالم نظير قناة للرحمة، لكي تنحدر بواسطتها من السموات النعم على البشر باتصال:*
ثم أن هذا القديس نفسه أي برنردوس يجتاز بخطابه قائلاً: لماذا أن رئيس الملائكة جبرائيل بعد أن عرف أن مريم كانت موعبةً من النعم. ولهذا هو عينه سلم عليها قائلاً: افرحي يا ممتلئةً نعمةً الرب معكِ. فمع ذلك قال لها: أن الروح القدس يحل فيكِ وقوة العلي تظللكِ. لكي تمتلئ من النعمة بأوفر زيادة، فإن كانت هي من ذي قبل ممتلئةً نعمةً، فما الذي كان يمكنها فوق استعابها من النعمة أن تأخذه من إتيان الروح القدس عليها من النعم الجديدة. فالقديس المذكور عينه يجيب عن ذلك قائلاً: أن مريم قد كانت قبلاً ممتلئةً نعمةً. إلا أن اروح القدس قد حل عليها وأفاض فيها زيادة النعم فوق ملوئها لأجل خيرنا نحن البشر. لكي نفوز نحن الأشقياء المساكين من زيادة امتلاء هذه البتول من النعم بما نحتاج إليه، ولذلك قد لقبت مريم وشبهت بالقمر الذي يقال عنه: أنه ممتلئ لذاته ولغيره.*
فأمنا هذه الرحيمة تقول عن ذاتها:” من يجدني يجد الحياة ويستقي الخلاص من عن الرب: (أمثال ص8ع35) أي مغبوطٌ هو من يصادفني بألتجائه إليَّ، لأنه بواسطتي يجد الحياة ويفوز بها بسهولةٍ، لأنه كما أن أمراً سهلاً هو أن يجد أحدٌ الماء في ينبوعه وحوضه ويأخذ منه بمقدار ما يشتهي، فهكذا هو سهلٌ وجود النعم ومصادفتها والظفر بها، ونوال الخلاص الأبدي بواسطة الإلتجاء الى مريم.” فأحد الأبرار كان يقول: أنه لأجل نوال النعمة يكفي طلبها من والدة الإله. كما أن القديس برنردوس يقول:” أنه لأجل ذلك قبل أن تولد مريم العذراء في الدنيا، كان ينقص العالم سخاء النعم العظيمة التي الآن هو مملؤٌ منها، أي من حيث أنه كان ناقصاً وجد هذه القناة المشتهاة التي هي والدة الإله. فإذاً إذ نحن الآن حاصلون على هذا المجرى الذي هو أم الرحمة الإلهية. فأية نعمة نحن نلتمسها منها بإلتجائنا إليها ونخاف من أن لا ننالها. فالقديس يوحنا الدمشقي يصيرها أن تتكلم عن ذاتها قائلةً: أنا هي مدينة الملجأ لكل أولئك الذين يبادرون نحوي محتمين بي، فتعالوا إذاً يا أولادي إليَّ لتنالوا النعم بأوفر سخاءٍ مما أنتم تفتكرون وتأملون.*
فأي نعم أنه يحدث لكثيرين ذاك الشيء الذي عرفته الراهبة مريم فيلاني، بواسطة رؤيا سماوية، حيث شاهدت هي مرةً ما والدة الإله بصورة ينبوع ماءٍ عظيمٍ متدفقٍ بغزارةٍ، وأن كثيرين كانوا يدنون من هذا الينبوع ويستقون لذواتهم مياه نعمٍ وافرة جداً، إلا أنه ماذا كان يحدث بعد ذلك. فقد نظرت هذه الراهبة البارة أن أولئك الذين كانوا يأتون إلى الينبوع، بأوعيةٍ سالمةٍ صحيحةٍ وبها يستقون منه الماء، فكانت مياه النعم تحفظ لهم في أوعيتهم سالمةً فيما بعد أيضاً فائزين بأمتلاكهم تلك النعم. وأما أولئك الذين كانوا يقبلون إلى العين بأوعيةٍ مشققةٍ، أي الخطأة المثقلون برباطات الأثم، فأي نعم أنهم هم أيضاً كانوا يملاءون أوعيتهم من نعم هذا الينبوع. ولكن من دون إبطاءٍ كانوا يفقدونها جديداً. فالشيء الحقيقي هو أن البشر يقتبلون يومياً بواسطة مريم البتول نعماً فائقة الإحصاء ويفوز بذلك الناس العديمون المعروف والناكرون الجميل أيضاً والخطأة الأكثر شقاوةً. فيقول القديس أوغوسطينوس مخاطباً والدة الإله هكذا: أننا نحن الأشقياء قد ورثنا الرحمة بواسطتكِ، ونحن الناكرين الجميل حزنا بكِ النعمة، ونحن الخطأة فزنا بكِ بالغفران، ونحن الحقيرين الأذلاء قد حصلنا بكِ على الأشياء العالية، ونحن الأرضيين قد نلنا بكِ الملكوت، ونحن المائتين قد فزنا بكِ بالحياة، ونحن الغرباء بكِ حصلنا على الوطن”. فلننعش إذاً فينا يا معشر المتعبدين لمريم الرجاء والثقة والطمأنينة نحوها متزايدةً يوماً فيوماً في قلوبنا. ولنفتكر باتصالٍ بنوعٍ خاصٍ في هاتين الصفتين الجليلتين الحاصلة عليهما هذه الأم الإلهية، وهما الرغبة المستحرة باشتياقٍ لأن تصنع معنا الخير، والمقدرة التي لها عند ابنها على أن تستمد منه كل شيء تطلبه، فلكي تفهم الرغبة التي لها في أن تسعف الجميع وتفيدهم، يكفي أن يصير التأمل في سر العيد الحاضر المختص بتذكرة زيارتها عند نسيبتها القديسة أليصابات. على أن المسافة الكائنة فيما بين مدينة الناصرة حيث كانت ساكنةً هذه البتول الكلية القداسة، وبين المدينة التي كانت تسكنها القديسة أليصابات، وهي مدينة حبرون على رأي الكردينال بارونيوس وغيره من الكتبة (والقديس لوقا الإنجيلي يسميها مدينة يهوذا) هي مسافة ذات تسع وستين ميلاً. كما يؤكد ذلك الأب يوسف الراهب الكرملي، وبيدا، وبروكاردوس ومع ذلك هذه الفتاة الحديثة السن واللطيفة الجسم لم تتأخر عن أن تباشر حالاً هذا السفر المتعب جداً، فما الذي حركها لصنيعه، أنه بلا شكٍ لم يكن شيئاً آخر إلا الحب المتقد فيها على الدوام بقلبٍ كلي الانعطاف، لأن تمارس منذ ذلك الوقت وظيفتها التي هي: موزعة النعم: حسبما يتكلم عن ذلك القديس أمبروسيوس في تفسيره الإصحاح الأول من بشارة لوقا قائلاً: أن مريم البتول لم تذهب من الناصرة الى مدينة يهوذا لكي تتحقق صدق ما قاله لها زعيم الملائكة جبرائيل عن حبل أليصابات، بل أنها لابتهاجها في أن تصنع الخير مع تلك العيلة. فقد أسرعت فرحةً بذهابها لأن تفعل الصلاح مع الآخرين. متحركةً بجملتها الى ذلك من قبل المحبة المتقدة في قلبها نحو القريب: ولذلك ينبغي أن تلاحظ عبارة الإنجيل المدونة عن سفر هذه الأم الرؤوفة وهي: أن مريم قامت وذهبت مسرعةً إلى الجبل: وبخلاف ذلك إذ يخبر الإنجيل عن رجوعها فلا يورد شيئاً من الإسراع. بل بنوع البساطة يقول: أن مريم مكثت عند أليصابات نحو ثلاثة أشهرٍ وعادت إلى منزلها: (لوقا ص1ع56) ثم أن القديس بوناونتورا يتكلم هكذا قائلاً: فأية غايةٍ أخرى كانت تغتصب والدة الإله لأن تسرع ذاهبةً لتزور بيت أهل المعمدان. إلا رغبتها في أن تصنع الخير مع تلك العيلة المكرمة:*
فمن المعلوم أن مريم العذراء بعد ارتقائها إلى السماء لم تدع أن يفتر فيها هذا الحب نحو البشر بل أنه هناك قد تضاعف فيها نامياً، لأنها قد عرفت أفضل معرفة كم هي احتياجاتنا القصوى. ومن ثم هي الآن نحونا ذات إشفاقٍ أعظم، لتفهمها جيداً حال شقائنا، فقد كتب برنردينوس البوسطي: أن مريم تريد راغبةً بشوقٍ أن تفعل معنا الخير أكثر من رغبتنا نحن أن نناله منها بنوع أنه، كما يقول القديس بوناونتورا: ان والدة الإله تحتسب ذاتها مهانةً من أولئك الذين لا يلتجئون إليها طالبين النعم لأن هذه هي رغبة العذراء المجيدة (كما يقول أيديوطا) أي أنها تروم أن تغني الجميع بالنعم. ولكنها بنوعٍ فائقٍ في السخاء ترغب أن تغني المتعبدين لها:*
ولذلك يقول أيديوطا عينه: أن من يجد مريم فيجد كل خيرٍ: ويضيف إلى هذا قوله: أن كل أحدٍ يمكنه أن يجدها، ولئن كان هو الخاطئ الأكثر إثماً من أهل العالم بأسره، لأنها إذ هي كلية الحنو والإشفاق فلا تطرد أحداً من أولئك الذين يبادرون نحوها مستغيثين بها. وتوما الكامبيسي يجعلها متكلمةً هكذا: أنني أنا نفسي أدعو الجميع لأن يلتجئوا إليَّ وأنتظرهم كافةً، وأرغب حضورهم إليَّ جميعاً، ولا أزدري بأحدٍ من الخطأة مهما كان عديم الأستحقاق، متى أستغاث بي وطلبني لمعونته: ويقول ريكاردوس: أن كل من يمضي نحو مريم ملتمساً نوال النعم فيجدها على الدوام مستعدةً راغبةً مشتهيةً أن تسعفه بها وتستمد له كل النعم المفيدة لخلاصه الأبدي بواسطة شفاعاتها المقتدرة.*
وقولي شفاعاتها المقتدرة يعني الصفة الثانية التي يلزمها أن توطد رجانا بزيادةٍ وثقتنا بطمأنينةٍ. في أنها تستمد من الله كل شيء تطلبه منه في خير المتعبدين لها. فيقول القديس بوناونتورا: تأمل يا هذا بالحصر في زيارة الطوباوية مريم عند القديسة أليصابات، في كم حصلت كلمات هذه السيدة على القوة العظيمة لأن تبرز مفعولها. لأنها بمجرد كلماتها وصوتها قد أوعبت من نعمة الروح القدس في الوقت عينه أليصابات والجنين في بطنها، كما يوضح الإنجيلي بقوله: وكان لما سمعت أليصابات سلام مريم تحرك الجنين بابتهاج في بطنها وأمتلأت أليصابات من الروح القدس: (لوقا ص1ع41) فأنظر كم هي عظيمة قوة صوت مريم ومفعول كلماتها المقدسة. حيث أنها حالما تلفظت بها قد منحت نعمة الروح القدس: ثم يقول ثاوفيلوس الأسكندري:
” أن يسوع المسيح يسر جداً حينما تتضرع إليه مريم والداته من أجلنا. لأن جميع النعم التي يمنحناها تعالى حينئذٍ لأجل توسلات مريم، لا يعتدها موهوبةً لنا بمقدار ما يعتبرها أنها معطاة منه لأمه هذه عينها”. فلاحظ هنا كلماته المذكورة بقوله عن يسوع المسيح: أنه يعتبر تلك النعم ممنوحةً منه لأمه عينها. على أنه كما يقول القديس جرمانوس: أن يسوع المسيح لا يقدر أن لا يستجيب مريم في كل شيء تطلبه منه، مريداً بذلك على نوعٍ ما أن يطيعها خاضعاً لها بحسب كونها والدته، لأن تضرعات هذه الأم الإلهية لها نوعٌ من الولاية لدى ابنها. ومن ثم هي تستمد منه الغفران للخطأة الأكثر إثماً الذين يلتجئون إليها.*
وهذا الأمر يتحقق بأبلغ البيان، كما ينبه القديس يوحنا فم الذهب، من الحادث الذي تم في عرس قانا الجليل. وهو أنه حينما قالت هذه الأم الرؤوفة ليسوع عن أصحاب وليمة العرس. أن ليس عندهم بعد خمرٌ. فأجابها قائلاً: مالي ولكِ أيتها الأمرأة لم تأتِ ساعتي بعد: (يوحنا ص2ع4) فلئن لم يكن حينئذٍ جاء الزمن الذي فيه كان ينبغي للمسيح أن يبتدئ بصنيع العجائب، كما يبرهن الذهبي فمه نفسه. ومثله تاوفيلاكطوس فمع ذلك (يقول هذا العسجدي الفم) أن المخلص طاعةً منه لإرادة أمه قد صنع الأعجوبة التي هي طلبتها منه. إذ أحال الماء إلى خمر:*
“ فلنتقدم إذاً بدالةٍ إلى عرش النعمة (كما يحرضنا الرسول عبرانيين ص4ع16) لندرك الرحمة ونجد النعمة عوناً لنا في زمانٍ واجبٍ: فعرش النعمة هو الطوباوية مريم البتول، يقول الطوباوي ألبارتوس الكبير: فإن كنا إذاً نرغب نوال نعمةٍ ما فلنذهب نحو عرش النعمة الذي هو مريم، ولكن فلنتقدم إلى هذا العرش بدالةٍ أي برجاءٍ وطيد في أن مطلوبنا يستجاب بتأكيدٍ، لأننا حاصلون على شفاعة هذه الأم الإلهية التي تنال من ابنها كل ما تطلبه منه. ولهذا أكرر كلمات القديس برنردوس: أننا إن أردنا أن نجد نعمةً فنجدها بواسطة مريم: مشيراً بذلك إلى ما قالته البتول الكلية القداسة هي نفسها للقديسة ماتيلده: أنه إذ كان الروح القدس قد أملأ هذه السيدة من عذوبته كلها. فصيرها عزيزةً على قلبه تعالى ومحبوبةً منه بهذا المقدار. حتى أن كل من ألتمس منه عز وجل بواسطتها النعم التي يرغبها فينالها من دون ريب:*
ثم إن كنا نصدق القضية المشتهرة عن القديس أنسلموس بقوله: أنه يتفق بعض الأحيان أن ننال الخلاص بإستغاثتنا بأسم مريم بأكثر سرعةٍ مما نناله إذا استغثنا باسم يسوع: فكذلك (كما يقول القديس نفسه) يتفق بعض الأحيان أن نفوز بالنعم بإلتجائنا إلى والدة الإله بأكثر سرعةٍ من نوالها إياها إذا ألتجأنا إلى مخلصنا يسوع المسيح نفسه، لا كأنه تعالى ليس هو ينبوع النعم كلها ومولاها المطلق، بل من قبيل أننا حينما نبادر بالإستغاثة نحو هذه الأم الإلهية، التي هي حينئذٍ تتوسل لدى ابنها يسوع من أجلنا، فبأكثر سرعةٍ تستمد لنا منه النعم التي نلتمسها. إذ أن تضرعاتها لديه هي تضرعات أمٍ، ولها قوة أكثر من توسلاتنا الغير المتوسطة أمامه. فإذاً ينبغي لنا أن لا نبارح قدمي خازنة النعم هذه قائلين لها مع القديس يوحنا الدمشقي: افتحي لنا باب التحنن يا والدة الإله المباركة، لأننا بأتكالنا عليكِ لا نخيب وبكِ نخلص من كل المحن، لأنكِ أنتِ خلاصٌ لجنس المسيحيين”. وإذا ما ألتجأنا إلى هذه السيدة، فالأفضل هو أن نتوسل إليها بأن تستمد لنا من الله تلك النعم. التي تعلم هي أنها أكثر ملائمةً وإفادةً لخلاصنا، نظير ما كان يصنع الراهب الدومينيكاني راجينالدوس. حسبما هو مدون في الرأس الخامس من الكتاب الأول من تاريخ هذه الرهبنة. فيوماً ما كان عبد مريم هذا مريضاً، وكان يطلب منها الصحة الجسدية. فظهرت له سيدته هذه المجيدة مرأفقةً من القديستين كيكيليا وكاترينا، وقالت له بعذوبةٍ كلية: يا ابني ماذا تريد أن أصنع من أجلك: فالراهب المذكور عند سماعه منها هذه الكلمات قد حصل مبهوتاً لا يعلم ماذا يجاوب، فحينئذٍ الواحدة من القديستين المقدم ذكرهما شارت عليه بقولها له هكذا: أتعرف ماذا تصنع يا راجينالدوس، فأنت لا تطلب منها شيئاً معيناً، بل سلم ذاتك بجملتها بين يديها تسليماً تاماً، لأن هذه السيدة تعلم هي أن تصنع معك تلك النعمة بأفضل نوع مما أنت تعرف أن تطلبها منها: فهكذا فعل المريض ومريم وقتئذٍ استمدت له نعمة الشفاء من مرضه.*
ولكن إذا نحن أردنا أن نفوز بأن تزورنا ملكة السموات بزيارتها السعيدة، فيفيدنا كثيراً أننا نحن أيضاً نزورها مراتٍ مترادفةً بذهابنا أمام بعض أيقوناتها المقدسة. فليقرأ النموذج الآتي تسطيره، لكي يفهم بكم من المواهب الخصوصية تكافئ سلطانة العالمين الذين يزورون أيقوناتها بحسن عبادة.*
* نموذج *
أنه يوجد مدوناً في تاريخ رهبنة القديس فرنسيس، أن اثنين من رهبان هذا القانون قد كانا ذهبا معاً يوماً ما لزيارة كنيسةٍ مختصةٍ بوالدة الإله. إلا أنه في مسافة سفرهما قد أدركهما زمن الليل وهما في وسط حرشٍ مستطيل، ومن ثم استحوذ عليهما الخوف والتحير ولم يعودا يعلمان ماذا يصنعان، ولكن إذ مشيا مسافةً قليلةً إلى ما قدام، فخال لهما في الظلام أنهما كانا يشاهدان بالقرب منهما بيتاً ما. ولذلك مشيا نحوه، وعندما بلغا إليه، أخذا يلمسان في العتم جهات حيطانه ليجدا الباب، فلما وجداه قرعاه وسمعا صوتاً من داخل يسأل من هذا، فأجابا بأنهما راهبان مسكينان قد أضاعا الطريق عرضاً وأدركهما الظلام ولذلك يلتمسان أن يحتميا مدة ساعات الليل داخل حائط البيت. كيلا يفترسا من الذئاب، قالا هذا وإذا بباب الدار قد أنفتح لهما وخرج إليهما رجلان مترديان بأثوابٍ مطرزة ثمينة، كأنهما من خدام عيلةٍ ملوكية، فقبلاهما بكل أنسٍ وكرامةٍ وأدخلاهما إلى الداخل بكل حبٍ. فحينئذٍ الراهبان سألا ذنيك الرجلين عمن هو ساكنٌ في تلك الدار، فأجاباهما أنها قاطنةٌ هناك سيدتهما وهي امرأة كلية الرحمة والفضيلة، فألتمس الراهبان منهما أن يزوراها مقدمين لها واجبات الاحترام والمعروف، والرجلان قالا لهما: أننا لهذه الغاية نحن نرافقكما لمواجهتها لأنها هي تريد أن تتكلم معكما: فلما صعدا فوق الدرج ودخلا إلى القاعات، شاهداها كلها مشرقةً بكثرة المصابيح ومزينةً كدارٍ ملوكيةٍ. وقد شعرا برائحة طيبٍ زكيٍ كأنهما موجودان في فردوسٍ فائق الوصف. فدخلا أخيراً حيث كانت تلك السيدة، التي عندما نظراها قد استوعبا تهيباً من طلعتها المحترمة ومن جمالها الفريد، وهي استقبلتهما ببشاشةٍ ولطافةٍ وسألتهما عن سفرهما ومن أين وإلى أين كان. فأجاباها أنهما كانا منطلقين لزيارة كنيسةٍ ما مختصة بالطوباوية مريم البتول. فقالت لهما: حسناً، إذاً حينما تسافران أعطيكما رسالةً تفيدكما كثيراً”. وعندما كانت هي تخاطبهما فكانا يشعران بألتهاب نار الحب الشديد في قلبيهما نحو الله متمتعين بتعزيةٍ وعذوبةٍ ومسرةٍ باطنةٍ. لم يكونا قط في مدة حياتهما ذاقا نظيرها، ثم مضيا بعد ذلك إلى الرقاد (أن يكن ممكناً لهما النوم فيما بين تلك الأفراح الباطنة التي اختبراها) وحينما صار النهار حصلا من جديد على مواجهة تلك السيدة ليشكرا فضلها ويأخذا منها الرسالة التي قالت لهما عنها، كما تم الأمر تسلما الرسالة وخرجا من تلك الدار ذاهبين في طريقهما، ولكن من دون أن يبعدا مسافةً ما عن الدار قد أنتبها على أن الرسالة كانت من دون عنوان، ولذلك رجعا نحو الدار ليخبرا بهذا السهو، الا أنهما لم يجدا لا الدار ولا أثراً لها، ولئن كانا فتشا جيداً جايلين في كل تلك الناحية، فحينئذٍ فتحا تلك الرسالة ليفهما الى من كانت مدونةً وماذا كانت تحوي من الخطاب، فرأيا أنها كانت تخبيراً لهما بأن تلك السيدة التي شاهداها في الدار هي والدة الإله، التي مكافأةً لحسن عبادتهما نحوها قد أسعفتهما ذاك الإسعاف الوقتي بالدار والقوت والمنامة. وكانت تحرضهما على دوام العبادة لها والمحبة نحوها موعدةً إياهما بمكافأةٍ أعظم وبالمساعدة لهما في حياتهما وعند موتهما، وهكذا شاهدا أمضاء تلك الرسالة بأسمها. فهنا كل واحدٍ يمكنه بسهولةٍ أن يتأمل كم كان عظيم ابتهاج هذين الراهبين، وردهما الشكر لهذه السيدة أم الرحمة، وكم تزايد في قلبيهما الحب نحوها والنشاط في خدمتها والحرارة في عبادتها.*
† صلاة †
أيتها البتول المباركة البريئة من العيب. أنكِ إذ أنتِ هي موزعة النعم الإلهية كلها، فأنتِ إذاً هي رجاء الجميع ورجائي أنا أيضاً. فأشكر سيدي شكراً دائماً على كونه أفهمني جيداً ما هي الواسطة التي بها أنا أفوز بالنعم وأحوز الخلاص. فهذه الواسطة إنما هي أنتِ أيتها الأم والدة الإله العظيمة. إذ أني عرفت حسناً أن خلاصي هو متوقفٌ على استحقاقات سيدي يسوع المسيح وعلى شفاعاتكِ أيضاً. فيا ملكتي أنتِ التي باهتمامٍ كلي قد أسرعتِ ذاهبةً لتزوري بيت نسيبتكِ القديسة أليصابات. وتقدسي تلك العيلة كلها. أني أتوسل إليكِ بأن تزوري سريعاً بيت نفسي الذليلة. فهلمي عاجلاً لأنكِ تعلمين حال فقر نفسي وأمراضها الروحية، وانعطافاتها الغير المرتبة، وعوائدها السيئة، وخطاياها الماضية، وكل شرورها التي تقودها إلى الهلاك، فأنتِ يا خازنة الله تقدرين أن تصيري نفسي غنيةً. ويمكنكِ أن تشفيها من جميع أمراضها. فزوريني يا سيدتي في حياتي، ولكن بنوعٍ أخص زوريني في ساعة موتي. لأني حينئذٍ بأبلغ نوعٍ أكون محتاجاً لمعونتكِ. فأنا لا أدعي ولا أستحق أن أفوز بحضوركِ عندي حضوراً جسدياً حسياً. كما تنازلتِ لأن تفعلي ذلك مع كثيرين من عبيدكِ المستحقين. والذين ليسوا نظيري ناكري الجميل وعدمي الاستحقاق. بل أكتفي بأن أشاهدكِ فيما بغد في السماء حيث تملكين، لكي أحبكِ هناك أشد حباً. وأقدم لكِ الشكر على النعم والخيرات العظيمة التي استمديتيها لي. إنما أرجو في الوقت الحاضر أن تزوريني برحمتكِ، ويكفيني أنكِ تصلين من أجلي.*
فتضرعي إذاً من أجلي يا مريم حبيبتي. وأوصي بي ابنكِ الإلهي ولأنكِ أفضل مني تعرفين شقاوتي واحتياجاتي فليس لي ما أقوله لكِ أكثر. بل ارحميني لأني مسكينٌ جاهلٌ لا أعلم ماذا ألتمس من النعم المفيدة لي والمحتاج أنا إليها. فأنتِ يا أمي وسلطانتي الكلية الحلاوة ألتمسي لي من أبنكِ تلك النعم التي تعرفين أنها أكثر إفادةً لي. وأوفر ضرورةً لخلاص نفسي. فأنا أسلم ذاتي بجملتها في يديكِ. وأتوسل للعزة الإلهية باستحقاقات مخلصي أن تهبني النعم التي أنتِ تطلبينها في شأني. فأطلبي من أجلي أيتها البتول الكلية الطوبى ذاك الشيء الذي تعرفين أنه أجود لي. لأن صلواتكِ لا يمكن أن ترد خائبةً، لأنها صلوات أمٍ نحو ابنها الذي يحبها حباً شديداً، ويسر بأن يصنع كل ما تطلبه منه، لكي يكرمكِ بذلك كرامةً أعظم، ويظهر لكِ في القت عينه سمو درجات الحب الذي يحبكِ به، فقد أتفقنا على ذلك يا سيدتي، وأنا أحيا واثقاً بكِ، وأنتِ يخصكِ أن تفتكري في أمر خلاصي آمين.*
†
No Result
View All Result
Discussion about this post