كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثالث:
الفصل الثالث عشر
عما يجب أن نعمله لنجلب علينا الروح القدس
كان يسوع قد وعد بأن يرسل الروح القدس إلى رسله، فانقطعت مريم في العلية لتقتبله بمعية الرسل وأقارب يسوع والنسوة اللواتي كن قد رافقنه في أسفاره. وهناك في الخلوة والمواضبة على الصلاة استعد جميعهم لأقتبال الروح الإلهي مقدس النفوس، وكلهم اجتمعوا في محل واحد واتحدوا قلباً وإرادة، متشوقين بحرارة متقدة إلى حلوله عليهم، ياله من استعداد سامي لاقتبال إله المحبة والمودة، إن هذا الروح الإلهي يجب أن يظهر نفس الحارة التي تفتش عليه بعيدة عن الضجة والضوضاء، وتوجه إليه أشواقها المتقدة الصادقة. وكم الحت مريم بحرارة صلواتها ونقاوة أشواقها وأتقاد محبتها على مجئ هذا الروح السماوي. وكان كل المشتركين في هذا الانتظار يشعرون بشجاعتهم تتضاعف بحضور هذا البتول وبمثلها. إنها كانت قبل ذلك الوقت ممتلئة نعمة، إلا أن الروح القدس أراد أن يغني عروسته هذه بفيض مواهبه بعد أن أظهرت هي كل الاستعدادات الضرورية لذلك. مهما عظمت مفاعيل الروح في النفس يبقى دائماً في وسع هذه النفس أن تحصل على المزيد من ذلك. فالأمانة فيها تعدها لنعم غزيرة، ومداومتها على تلك الأمانة تنال لها من الرب عدداً أعظم من هذه النعم، وكنز الرب لاينضب قط!.
من عرف على مثال مريم سموهذه المواهب لن يجد على الأرض شيئاً يضاهيها قيمة، لذلك فهذه المواهب تضحي الموضوع الوحيد لرغباته. لعمري! ماذا نقول عن عدم اكتراث القسم الأعظم من المسيحيين بهذا الأمر وعن قلة شوقهم إليه مع أنه يستحق تشوقهم هذا أكثر من أي شيئ آخر. هل هذا هوموقفهم من خيرات الدنيا أيضاً؟ لعمري إنهم لا يألون جهداً في سبيل الحصول عليها ولا يتركون واسطة إلا ويستخدمونها ليظفروا بها! وحين يعتبرون قلة الخيرات الدنيوية عاراً وذلاً نراهم لا يخزون لفاقتهم الروحية. أفهمني فاقتي الروحية يا أيها الروح الإلهي ومصدر كل نعمة وعطية كاملة! أنت وحدك تقدر أن تغنيني بغناك الحقيقي. إنني أعترف نادماً بأن مقاومتي لإلهاماتك تجعلني غير مستحق لإحساناتك.
إلا أنني أتحد اليوم بطلبي إليك بخصوص هذه النعم مع الطلب الذي كانت العذراء مرمي تقدمه لك في العلية، وبهذا سيروق في عينيك ويحملك على الاستجابة. إنني ألتمس عطف هذه الأم الكلية القدرة لديك، واستحلفها بأن تتشفع بي. فتنازلي أيتها البتول القديسة وعروسة الروح القدس واستمدي لي منه نعمة الحكمة التي تذيقني حلاوة الخيرات السماوية وتجعل كل خيرات هذا العالم الفاسدة والباطلة تافهة لدي ّ، وروح المشورة والتمييز الذي يجعلني أكتشف وأتجنب الفخاخ التي يحاول عدو خلاصي وكمالي أن ينصبها لي، وروح القوة والشجاعة الذي يقويني على ضعفي وينصرني على أهوائي ويعضدني لأقاوم تيار الأمثلة الرديئة وأزدري بالحياء البشري وأطأ تحت قدمي فخفخة العالم وأثبت في الاستقرار الباطني، وروح التقوى والخوف الذي يرشدني ويشجعني في خدمة ربي وحفظ شرائعه وعبادته هو خالقي وأبي ومخلصي ودياني.
No Result
View All Result
Discussion about this post