كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثالث:
الفصل الرابع عشر
عن أنه يجب على كل أحد أن يكون غيوراً على مجده تعالى وخلاص النفوس كل حسب حالته
العبد
كم يلذ لي أن أتأملك أيتها البتول القديسة وأنت في وسط هذا قطيع المؤمنين الصغير الذي كان يتكون شيئاً فشيئاً بعناية ومواعظ الرسل بعد صعود يسوع وحلول روحه القدوس . أن هؤلاء المسيحين الأولين كانوا يرون فيك أحن الأمهات وأكثرهن غيرة! من يقدر أن يصف الخدمات الجمة التي قدمتها للكنيسة المولودة حديثاً في أورشليم. كانت صلواتك ترافق الرسل حين انتشروا في العالم ليفتتحوه ليسوع وتسندهم في وسط انشغالهم وتساعدهم في التغلب على كل الموانع والأخطار. إنك عشت فيما بينهم مثبتة أياهم في الأيمان والفضيلة. وساعية في كسب ثقتهم. وهل كان من الممكن لهؤلاء المتقربين منك أن يرفضوا عليك هذه الثقة؟ ان المحبة التي كنت تحمليها لهم، والدالة والعناية اللتين كنت تبدينهما نحوهم فاقت كل مديحم وثنائهم! أن سمو مرتبتك وفضائلك والأنوار المفاضة التي غمرك بها الله قد نال لك أحترام الجميع، وجودك الوالدي أخذ بمجامع القلوب! نظرة واحدة تلقينها على نفس متألمة كانت تكفي للتخفيف عن الآمها، وكلماتك المضطرمة بالنار الإلهية والمتشحة بثوب القوة من العلا كانت تلين أكثرهم قساوة، وتنعش أزيدهم فتوراً، وتشجع أعظمهم خوفاً، وتضرم أشدهم حباً!. وكم من مريض نال بشفاعتك شفاء الروح والجسد! واذا قد تألمت غيرتك للأضطهاد الذي شن ضد المسيحيين الأولين في أورشليم، فقد تعزت أيضاً لدى سماعها بما حازه الرسل من نجاح بين الأمم، وخاصة النجاح الذي حازه مار يوحنا أمام عينيك في أفسس حيث عشت معه لمدة سنين، ويكفي التفكير بأعتنائك الخاص بكل ما كانت له صلة بنشر ملكوت الله حتى نفهم مدى اغتباطك لأزدهار تعليم الإنجيل. فيا ملكة الرسل، استمدي لي شرارة من هذه النار الإلهية التي كانت تلهب فيك الرغبة في أن تري يسوع ممجداً. نالي لي النعمة لأتمكن من جعله ممجداً ومحبوباً.
مريم
يابني: كم يروق لي هذا الشوق الذي ألاحظه فيك! أن الغيرة على مجده تعالى هي صفة ملازمة لأسم المسيحي، وهي ملزمة له بقدر ماتلزمه المحبة، إذ ليست الغيرة ألا نتيجة ضرورية لها. كثيرون يعتقدون بأن الغيرة على مجده تعالى هم من اختصاص الرجال المبشرين الرسوليين مع أنها من اختصاص كل الطبقات. ولاتوجد طبقة أو حالة بين المسيحيين إلا ويمكن، بل ويلزم، ممارسة هذه الغيرة فيها، سواء أكان ذلك بالأمثلة الصالحة أم بالمشورات المقدمة في وقتها أم بالكلمات المسلية المعطاة للحزانى، ولاسيما بالصلاة. كثيراً ما يحدث أن تكون توبة إنسان خاطئ ثمرة تنهدات نفس متعبدة مجهولة عن العالم، رفعتها إلى الله أثناء خلوتها! أنك في بعض فترات حرارة تعبدك تتمنى لويعطى لك أن تكون في وسط عبدة الأوثان لتسعى في سبيل هدايتهم. أنه لشوق مقدس، إلا أنه عديم المفعول. فأنت بعملك هذا تفتش بعيداً عنك على ماهوقريب منك! إن الحقل الذي يريد رب الكرم أن تشتغل فيه لمجده هوبين فقراء ومرضى يحتاجون إلى معونتك، وبين جهلاء يفتقرون إلى تنوير بواسطتك، وبين أولاد يجب أن تهذبهم بطرق التقوى، وبين خدمة يجب أن تساعدهم على القيام بالواجب، وفي وسط يحتاج إلى إصلاحك بالأمثلة الصالحة. وهل يمكن أن يبقى الإنسان غير مكترث لخلاص القريب وهويرى يسوع يسفك دمه وحياته لأجله؟ كثيرون سيدانون لأنهم أهملوا الخير الذي كان في وسعم أن يفعلوه، وسيدانون عن خطايا القريب التي كان في وسعهم وواجباً عليهم أن يحولوا دون ارتكابها. وهل يمكن أن تعرب لله عن محبتك بطريقة أفضل مما أن تجعله مباركاً ومحبوباً؟ كم أن عبيد الله الصالحين قليلون! فرح قلبه تعالى إذاً ليس فقط بتمجيده فيك بل وباستخدام كل الوسائط التي تقدمها لك حالتك لجعله ممجداً في الغير أيضاً.
No Result
View All Result
Discussion about this post