كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثالث:
الفصل السابع عشر
عن حلاوة موت البار
العبد
أيتها الأم المباركة! يجب أن نعرف عظم الحب الذي يحمله لك يسوع لندرك شيئاً من التعازي الغزيرة التي غمر بها قلبك ساعة موتك! ويجب أن نعرف كم كنت تحبينه حتى تتكون لدينا فكرة صحيحة عن اغتباط نفسك حين دنت برهة اتحادك الأبدي بموضوع محبتك الوحيدة! لقد لفظت نفسك الأخير بهدوء عظيم كما لوكنت قد استسلمت لرقاد هنيئ. وماذا كان يمكن أن يخيف بتولاً في ساعة موتها، لم تحب إلا الله ولم تعتبر إلا ماهو لله، ولم تفتش في الدنيا على سعادة إلا في الله ولم تعش إلا لإرضائه؟
مريم
إذا أردت يابني أن تكون لك حصة يوم موتك بأفراح وحلاوات موتي لاتجعل سعادتك معلقة على أمور هذه الدنيا. لتمت نفسي موت الأبرار ولتكن آخرتي آخرتهم. تلك يجب أن تكون صلاة كل المسيحيين، ولكن قد قل بينهم من لا يتعلق بأموال الدنيا ويرذلها على مثال الأبرار! ومع كونهم قد خلقوا للسماء نراهم لا يفكرون إلا بالأرضيات فأي رجاء لهم ساعة موتهم في أن يذهبوا إلى السماء؟ إن يسوع لا يشارك بسعادة أولئك الذين يكونون قد جعلوا سعادتهم على هذه الأرض في محبته هو. يالعظمة تسلية البار الذي يقدر في نهاية حياته المملؤءة تجارب وآلام أن يحصل على شهادة ضمير هادئ! ففي الوقت الذي لا يجد فيه إلا أباً ملؤه الحنان والرحمة. قد يكون هذا البار قد أخطأ في حياته وأخطاء مميتة أيضاً، إلا أنه لم ينتظر قدوم الموت ليقوم بأعمال توبة. وسخاؤه الذي به أتحد تضحيته لحياته بضحية الجلجلة يولد فيه أملا ً وثقة عظيمين. إنه منذ يوم تكريسه ذاته بكليتها لله لازال يكافح في سبيل الأمانة معه، فما الذي ينتظره ساعة موته غير إكليل العدل؟ كم سيحلولك يابني أن تتمكن في ساعة موتك من أن تردد على مثال يسوع: اترك العالم وأمضي الى الآب، أمضي لأقتبل إكليل المجد الذي أعد لي.
يا ابتي: إنني مجدتك على الأرض، إن العمل الذي أعطيتني اياه قد أكملته، والآن مجدني أنت يا أبتي. تنازل وأشركني بالمجد الذي وعدتني به. وطالما قد عشت محافظاً على مصباحك مضاءاً فليس لك أن تخشى من الصوت القائل: هوذا الختن مقبل أخرجوا للقائه. لقد أدلت أحدى النفوس التقية ساعة موتها قائلة: إنه لم يخطر على بالي أن ينطوي الموت على حلاوات هذا عظم مقدارها! وقد اعتاد يسوع أن يشعر محبيه في ساعة موتهم خاصة كم أنه يستحق المحبة. إنه لن يخيب آمالهم في تلك الساعة الأخيرة بعد أن يكونوا قد وجهوا نحوه كل عواطف قلبهم في الحياة، بل يجعلهم كالمصباح الذي يشع بأقوى أضوائه لدى دنوه من الانطفاء!
عش إذاَ حياة حب صادق تموت موت تشوق فائق!
العبد
لأيتها الأم القديسة: إن أثمن ما يمكنني أن أرجوه من نعم ربي أن أموت بعواطف مماثلة لعوطافك هذه. إنه لحلوعلى قلب البار أن يموت ضحية الحب بعد أن يكون قد عاش بالحب ولأجل الحب وفي وسط الحب! وهوأيضاَ منتهى أشواقي! ولكن هل يتاح لخاطئ مثلي أن يدفع بأشواقه إلى هذا الحد؟ ألا أستمدي لي من يسوع المضطرم قلبه حباً بي نعمة الحصول على نصيب في هذا موت الحب العذب. إنها سعادة مابعدها سعادة أن يموت الإنسان في حب يسوع بحيث تكون آخر أنفاسه شوقاً متقداً نحوه. يايسوع مخلصي وإلهي: من عليّ بهذا الفضل العميم، إنني ألتمس منك ذلك باسم المحبة التي أحبني بها قلبك المحبوب وبالمحبة الفائقة الوصف التي أحبتك بها أمك القديسة.
No Result
View All Result
Discussion about this post