كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثالث:
الفصل الثامن عشر
عن أشواق الموت المقدسة
العبد
أيتها البتول القديسة: إن الفتة التي قضيتها على الأرض بعد صعود ابنك إلى السماء كانت سلسلة تنهدات وتحسرات حبية، وكانت لهبات الحب الإلهي النقية تذيبك شيئاً فشيئاً. لعمري! إن تعلقي بالأرضيات لا يساعدني بالكفاية على تفهم هذا النزاع المقدس الذي رافق كل نسمات حياتك. وإذا ليس في وسعي أن أفهم سقم داؤد من طول منفاه، أوكل بولس الرسول الذي كان يتشوق متحرقاً إلى انحلال جسده، فما عسى أن يكون موقفي من حالتك أنت؟ آهاً! لكم كانت تذل الأرض في عيني لو أصابت قلبي شرارة واحدة من أتون المحبة التي كانت تستعر نارها في قلبك! من كان يقدر أن يصف حينئذ حرارة الأشواق المنبعثة من قلبي نحو السماء؟ وهل للقلب المتقد بحب يسوع أن يشتهي على الأرض شيئاً غير أقتناء يسوع ذاته؟ وحتى لوتجمعت كل خيرات الدنيا لتجعلني أسعد البشر جميعاً لوجب عليّ أن أقول مردداً بأن الأفضل لي أن أنحل لأكون مع يسوع. وهل للأرض أن تقدم لي خيراً مماثلاً للذي أحصل عليه حين أكون مع يسوع الأب الجواد والصديق الحنون والسيد الكلي السخاء والمخلص المحبوب، وحين أتمتع بحضوره وأحبه من كل قلبي وإلى الأبد؟ آهاً! ليتني أرى عن قريب ينفتح أمامي المسكن الذي يضم هذا الحبيب السماوي! هووحده في وسعه أن يروي غليلي. صحيح هو بأنني أشعر أيضاً بخوف المثول أمام منبره عز وجل حين أتشوق إلى الموت للاتحاد به، إلا أنني أثق برحمة مخلصي وبشفاعتك أيتها الأم الحنون!
مريم
ثق يابني ولتكن ثقتك ثابتة! إذا كان يسوع دياناً مخيفاً فهو أيضاً مخلص مملوء جودة ومراحم. حافظ في ذاتك على الخوف من أحكامه، ولكن أعط المجال أيضاً للرجاء والمحبة كي يتغلبا على الخوف. خف، ولكن ثق بالأكثر، ولا تقدر أن تعرب ليسوع عن محبتك إلا بتمنيك أن تراه في مجده وأن تبارح هذه الأرض المليئة بأخطار الزيغ عن طريق الأمانة معه. ومتى ملأت هذه الأفكار قلبك يمكنك حينئذ أن تتأكد يابني بأنه تعالى سيدافع عنك في ساعة الموت ضد أعدائك. وسأتحد معك حينذ لنستمد سوية هذه النعمة لك، ولأنني أسهر على أولادي دائماً، وخاصة في ساعة موتهم.
No Result
View All Result
Discussion about this post