الرسالة العامة
“في سِرّ القربان الأقدَس – سِرّ الإيمَـان”
Mysterium Fidei
لقداسة البابا
بولس السادس
إلى الإخوة المحترمين البطاركة والمقدمين ورؤساء الأساقفة والأساقفة وسواهم من الرؤساء المكانيين، وإلى الإكليروس والمؤمنين في العالم أجمع.
أيها الإخوة المحترمون والأبناء الأعزاء
سلام وبركة رسولية
1- سر الإيمان وعطية المسيح، عروس الكنيسة، إلى كنيسته عربوناً لمحبته العظمى، ذلك هو القربان الأقدس الذي احتفظت به الكنيسة الكاثوليكية دوماً، في أي تدين، بوصفه الكنز الذي لا يوازيه ثمن، وعكفت في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني على أن تجدّد إيمانها به وإكرامها له بشكل علني حافل.
2- ففي بحث الإصلاح الليتورجي أراد الآباء، سعياً إلى خير الكنيسة جمعاء، أن يجعلوا من حمل المؤمنين على الاشتراك بخدمة الذبيحة القربانية، اشتراكاً عملياً، محور هذا البحث. فقد دعي المسيحيون إلى كمال الإيمان وعميق التقوى حيال هذا السرّ الفائق القداسة، وإلى أن يرفعوه إلى الله، متحدين مع الكاهن، ذبيحة لأجل خلاصهم الشخصي وخلاص العالم أجمع، ويتقرّبوا منه غذاء لنفوسهم.
القربان الأقدس، محور الليتورجيا
3- إذا كان لليتورجيا المقدسة المقام الأول في حياة الكنيسة، فقلب الليتورجيا ومحورها إنما هو القربان الأقدس، بوصفه نبعة الحياة حيث نجد ما ينقّينا ويشددنا، حتى لا نعيش بعد لذواتنا بل لله، ونتحد بعضنا برباط المحبة الوثيق.
4- ولكي يطهر آباء المجمع في جلاء ما يربط في الصميم تقوى المؤمن بإيمانه، فقد أثبتوا التعليم الذي ما فتئت الكنيسة تتمسك به وتنشره، ذلك التعليم الذي حدّده رسمياً المجمع التريدنتيني. وقد قدّموا لما بسطوه حيال سر القربان الأقدس بخلاصة العقيدة هذه:
“إن مخلصنا رسم سر الذبيحة القربانية، ذبيحة جسده ودمه، تخليداً لذبيحة الصليب عبر الأجيال حتى رجوعه. وبذلك، فقد ترك للكنيسة، عروسه الحبيبة، ذكرى موته وقيامته، سر تقوى، وعلامة وحدة، ورباط محبة، وعشاءً فصحياً يُتنَاول فيه المسيح، والنفس تغمرها النعمة وتُعطى عربون المجد الآتي”. (1)
5- هذا النص يشيد في الوقت نفسه بالذبيحة التي هي جوهر القداس الإلهي الذي يقام كل يوم، وبالسر الذي يشترك فيه المؤمنون، كل مرة يتقربون من المائدة المقدسة ويأكلون جسد المسيح ويشربون دمه وينالون النعمة التي هي استباق للحياة الأبدية. فالقربان الأقدس دواء الخلود وفقاً لكلمة الرب “من يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة الأبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يوحنا 6 : 54).(2)
6- وإنّا لعلى ثقة أن الإصلاح الليتورجي سيأتي بثمار غزيرة، ثمار التعبد للقربان الأقدس. وإذ تتقدّم الكنيسة المقدسة بعلامة التقوى الخلاصية هذه، فهي تخطو أكثر فأكثر في سبيل الوحدة الكاملة (يوحنا 17 : 20) (3) وتدعو إلى وحدة الإيمان والمحبة جميع الذين يفاخرون بتسميتهم المسيحية، وتجتذبهم بلطف بدافع عمل النعمة الإلهية.
7- ويخيّل إلينا أنّا نتبيّن هذه الثمار ونتذوقها كما تُتّذوق البواكير في ما أبداه أبناء الكنيسة الكاثوليكية من فرح مخلص واستعداد نشيط للتلبية حيال المرسوم في الإصلاح الليتورجي، وفي نشر مؤلفات قيّمة تهدف إلى تعمّق أكثر في العقيدة القربانية، وإلى تعميم هذه العقيدة تعميماً خصيباً، لاسيما في ما يتعلق بعلاقات هذا السرّ بسرّ الكنيسة.
8- هذا كله يبعث فينا عظيم السرور ويشدّدنا. وإنّا لسعيدون أن نعلمكم به، أيها الإخوة المحترمون، حتى تشتركوا معنا في رفع آية الشكر لله، نبعة كل خير؛ فهو يسوس الكنيسة بروحه القدوس ويخصبها بتنميتها في الفضيلة.
بعض المواقف العقائدية تدعو إلى القلق
9- ومع ذلك، أيها الإخوة المحترمون، ففي الموضوع الذي نحن بصدده لدينا ما يدعو إلى القلق والاهتمام، ولا يسمح لنا وعينا واجبنا الرعوي أن نسكت.
10- فهناك بين من يتكلمون أو يكتبون في هذا السرّ الفائق القداسة، من ينشرون حيال القداس الفردي وعقيدة التحول الجوهري والعبادة القربانية بعض آراء تلقي البلبلة في عقول المؤمنين، وتتسبب في خلق فوضى فكرية حيال حقائق الإيمان، كأن كل من يشأ له الحق أن يتناسى العقيدة التي سبقت الكنيسة وحددتها أو يفسّرها بشكل يضعف فيه معنى الأوضاع الأصيل أو يقضي على ما أقرّ للعبارات من قوة تعبير.
11- فلا يجوز، مثلاً، أن نشيد بالقداس “الجماعي” بشكل يخفض قيمة القداس “الفردي” ولا أن نشدد على ناحية العلامة السرية وكأن الدور الرمزي الذي للقربان الأقدس، وهو دور ليس من يرتاب فيه، هو التعبير الأوحد والمطلق عن طريقة وجود المسيح في هذا السرّ. ولا يجوز أن يُبحث سر التحول الجوهري دون الإشارة إلى تحوّل جوهر الخبز بكليته إلى جسد المسيح وجوهر الخمر بكليته إلى دم المسيح، وهو تحول عجيب ورد في تعليم المجمع التريدنتيني. وبالتالي فلا يجوز أن يظل البحث في نطاق ما يدعونه “التحول المعنوي” “والتحول الغائي”. كذلك، لا يجوز القول أن ربنا يسوع المسيح لم يعد موجوداً في القرابين التي تقدست وبقيت بعد نهاية الاحتفال بالذبيحة الإلهية، ولا يجوز أن يتكيّف بهذا الرأي الموقف العملي حيالها.
12- كل يرى كم تسيء هذه الآراء التي نودي بها وسواها من أمثالها إلى الإيمان بالقربان الأقدس والعبادة له.
13- لقد بعث المجمع المسكوني الأمل في أن يتجدّد إشراق العبادة القربانية ويلّف الكنيسة جمعاء. فحذار أن يخيب هذا الأمل وأن تخنق الأضاليل التي زرعت هنا وهناك الزرع الجيد. ذلك ما حدانا إلى التحدث إليكم، أيها الإخوة المحترمون، في هذا الموضوع الكثير الخطورة، وأن نعلن لكم، بقوة سلطاننا الرسولي، فكرتنا فيه.
14- أجل، لا ننكر على الذين يروّجون أمثال هذه الآراء الرغبة الصادقة في سبر أغوار هذا السرّ العظيم، واكتشاف كنوزه اللامتناهية وتثقيف إنسان اليوم في معانيه. هذه الرغبة، نعترف بها ونقرها. غير أنّا لا نستطيع أن نقر هؤلاء الباحثين على هذه الآراء، ونعلم أن واجبنا يقضي علينا أن نحذركم من الخطر الجسيم الذي يهدّد الإيمان القويم من جرّائها.
القربان الأقدس، سرّ إيمان
15- لا بدّ لنا أولاً من تذكيركم حقيقة تعرفونها حق المعرفة، غير أنه من الضروري أن تكون ماثلة دوماً أمام أنظارنا حؤولاً دون الانزلاق في أي اتجاه “عقلاني”. فكم من أبناء الكنيسة الكاثوليكية من ختموا هذه الحقيقة بدمائهم! فيما آباء الكنيسة العظام ومعلّموها ما فتئوا يعلّمونها وينادون بها: إن القربان الأقدس لسرّ فائق السموّ بل هو، بحصر المعنى، سرّ الإيمان كما تدهوه الليتورجيا. ويشير إلى ذلك سلفنا السعيد الذكر لاون الثالث عشر، فيقول، في أي حكمة: “هذا السرّ وحده يحوي في غنى فريد عجائب الله والأوضاع الفائقة الطبيعة جميعها” (4).
16- وبالتالي، فلا يمكن الاقتراب من هذا السرّ إلا بعاطفة الاحترام المقرون بالاتضاع، وإذ نُسكت فينا أي تفكير بشري، نتمسك أشدّ التمسك بوحي الله.
17- إنكم لتعلمون أي سمو في التعبير وأي تقوى نيرة نجدها في ما قال القديس يوحنا فم الذهب في السرّ القرباني. فقد كان يوماً يعلم رعاياه وتساقطت من شفتيه هذه العبارات الرائعة في الموضوع: “فلنجثُ أمام الرب دون أن نحتجّ حتى ولو كان ما يقوله لنا منافياُ لعقلنا وفهمنا، لأن كلمته تعلو عليهما كليهما. ولنقف الموقف نفسه حيال السرّ (القربان الأقدس)، دون أن نحصر نظرنا في ما يقع تحت الحواس، لنتمسكن، بالأحرى، بما يقول، لأن كلمته لا يمكن أن تخدع” (5).
18- وكثيراً ما ردد اللاهوتيون “المدرسيون” تصريحات كهذه. إن وجود جسد المسيح ودمه الحقيقيين في هذا السرّ “لا يمكن أن يعرف أصلاً بواسطة الحواس، يقول القديس توما الأكويني، بل بالإيمان وحده، والإيمان يستند إلى سلطة الله. ولذلك، فالقديس كيرلس يعلن في معرض تفسيره النص الوارد في الفصل الثاني والعشرين من الإنجيلي لوقا “هذا هو جسدي الذي يبذل لأجلكم” “حذار أن تسأل ذاتك إذا كان هذا القول صحيحاً، بل تقبّل في إيمان كلمة الرب؛ والرب إذ هو الحق فلا يكذب”. (6)
19- والشعب المسيحي يردد أصداء المعلم الملائكي، ويرتل متواتراً: “في حضرتك، ينخدع النظر واللمس والذوق. السماع وحده هو الذي يولي الإيمان الطمأنينة. إني أؤمن بكل ما يقوله ابن الله، ولا شيء أكثر حقيقة من كلمة الحق هذه”.
20- بل إن القديس بوناونتورا يؤكد “إن السرّ القرباني هو السرّ الأصعب إيماناً ليس بين الأسرار التي تولي النعمة فحسب، بل بين أسرار الإيمان كلها” (7)
21- وهذا ما يشير إليه الإنجيل إذ يذكر أن تلاميذ كثيرين للمسيح إذ سمعوا ما كان يقوله في جسده ودمه مأكلاً ومشرباً رجعوا إلى الوراء وأمسكوا عن اتباعه معلنين “هذا الكلام قاس! فمن يستطيع سماعه؟” وإذ سأل يسوع الاثني عشر إذا كانوا هم أيضاً يريدون أن يذهبوا، قام بطرس وصرّح في سرعة وثبات بإيمانه وإيمان الرسل، قائلاً: “إلى من نذهب، يا رب؟ إن عندك كلام الحياة الأبدية” (يوحنا 6 : 61 – 69). (8)
22- فمن المنطق، إذن، أن نستوحي تعليم الكنيسة في بحثنا هذا السر. فالفادي الإلهي قد سلّم إليها كلمة الله المكتوبة أو تلك التي تؤلف التقليد الشفوي لتصونها وتفسرها. وإنّا لمتأكدون أنه “بصرف النظر عن الأبحاث التي يستطيعها العقل البشري، وعن الشروحات التي يستطيع الكلام البشري أن يقدّمها، أن ما تنادي به الكنيسة وتؤمن به منذ القديم وفقاً للتعليم الكاثوليكي الأصيل، يظل حقاً” (9)
حذار أن يمس أحد تعابير المجمع التريدنتيني
23- ولن يكفي هذا. فمع نقاء الإيمان، لا بد من التمسك بصحة التعابير عن هذا الإيمان لئلا يؤول، لا سمح الله، استعمال بعض التعابير استعمالاً في غير محله، إلى الانزلاق في بعض أضاليل تمس الإيمان نفسه الذي نعرف به الأسرار الأكثر سمواً. ويجدر بنا هنا أن نذكر التحذير الذي أطلقه القديس أوغسطينوس حيال الفرق الذي يميز، من حيث وسائل التعبير، بين المسيحيين والفلاسفة: “يتكلم الفلاسفة في حرية مطلقة دون أن يخشوا تخديش آذان المستمع الدّين في أمور يصعب جداً استيعابها. أما نحن فلا بدّ لنا من التقيد بتعابير معينة حؤولاً دون أن تفسح حرية التعبير المجال أمام هذا أو ذاك من الآراء الخاطئة على صعيد المعنى الذي يراد التعبير عنه” (10).
24- لقد وضعت الكنيسة قاعدة للتعبير ودعمت ذلك بسلطة المجامع؛ وقد كلفّها ذلك مجهود قرون بمعاونة الروح القدس. وهذه القاعدة كثيراً ما كانت للإيمان القويم ميزة وشعاراً. ولا بدّ من التقيد بها في صرامة. وحذار أن يسمح أحد لذاته تغييرها وفقاً لهواه أو تحت برقع التجديد العلمي. ومن تراه يسلم بحكم يقول أن التعابير العقائدية التي وضعتها المجامع المسكونية لسرّي الثالوث الأقدس والتجسد ما عادت تتوافق و الفكر المعاصر، ويجرؤ على الاستعاضة عنها بسواها. كذلك لا يمكن التسليم بأن يمس الفرد تلقائياً التعابير التي استعملها المجمع التريدنتيني لعرض سرّ القربان الأقدس على المؤمنين. ذلك إن هذه التعابير، وسواها من التعابير التي اتخذتها الكنيسة لبسط عقائد الإيمان، تعبرّ عن مفاهيم ليست مرتبطة بثقافة خاصة أو بمرحلة معينة من مراحل التطور العلمي أو بهذه أو تلك من المدارس اللاهوتية. بل إنها تتناول ما يستمده الفكر الإنساني من الواقع عبر الخبرة الشاملة والضرورية، وفي الوقت نفسه فهذه التعابير يستوعبها إنسان أي زمن وأي مكان.
25- أجل، يمكن أن يعكف على تفسير هذه التعابير تفسيراً أكثر وضوحاً وانفتاحاً وقد حصل ذلك وأتى بنتائج طيبة، ولكن، شرط أن يكون ذلك في نطاق مفهوم الكنيسة لها. وهكذا، تظل حقيقة الإيمان الخالدة دون مساس فيما يتطور تفهمنا لها. ذلك أن العقائد المقدسة، كما يعلّم المجمع الفاتيكاني الأول، “لا بد أن يحتفظ لها دوماً بالمفهوم الذي أعلنته أمنا الكنيسة المقدسة بشكل نهائي، ولا يجوز اطلاقاً أن يحاد عنه تحت شعار العمل على التعمّق في تفهمه” (11).
السرّ القرباني يتحقق في الذبيحة الإلهية
26- والآن، يطيب لنا، أيها الإخوة المحترمون، أن نذكركم بالعقيدة التي تنادي بها الكنيسة في إجماع وقد تسلمتها من التقليد، سعياً إلى بنيان الجميع وبعثاً للفرح فيهم.
27- أولاً، يحسن أن نردد ما يشكل خلاصة هذا التعليم وقمته: في سرّ القربان الأقدس تتجدد بشكل عجيب ذبيحة الصليب، تلك التي تمت مرة واحدة على الجلجلة. وهذه الذبيحة ما زالت دوماً حاضرة الذكرى في القربان الأقدس يطبق مفعولها الخلاصي لغفران الخطايا التي تقترف كل يوم. (12)
28- وإذ رسم ربنا يسوع المسيح سرّ القربان الأقدس فقد مهر بدمه العهد الجديد الذي هو وسيطه كما سبق موسى ومهر العهد القديم بدم الأضاحي (خروج 24: 8) (13)، كما ورد في الإنجيل: ففي العشاء الأخير، أخذ خبزاً وشكر، وكسر الخبز وأعطى رسله قائلاً: “هذا هو جسدي الذي يبذل لأجلكم؛ اصنعوا هذا لذكري”. وكذلك الكأس من بعد العشاء، قائلاً: “هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي، الذي يهراق من أجلكم”. (لوقا 22 : 19 – 20؛ متى 26: 26 – 29؛ مرقس 12 : 22 – 24) (14). وإذ أمر رسله أن يجددوا ما فعل لذكره، فقد أراد أيضاً أن يتجدد ذلك حتى المنتهى.
وقد نفذت الكنيسة في أمانة وصية الرب، متمسكة بتعاليم الرسل وملتئمة لإقامة الذبيحة القربانية. وقد جاء في أعمال الرسل: “وكانوا مواظبين على تعليم الرسل، والشركة، وكسر الخبز، والصلوات” (2 : 42) (15). وبلغت الحرارة التي كان المؤمنون يستمدّونها من ذلك حد أن يقال فيهم: “وكان لجمهور المؤمنين قلب واحد ونفس واحدة” (أعمال 4 : 32) (16)
29- والرسول بولس الذي سلم إلينا في أمانة قصوى ما تسلمه من الرب (1 كورنتس 11: 23) (17)، يتكلم صريحاً عن الذبيحة القربانية عندما يشرح كيف أن المسيحيين لا يستطيعون أن يشتركوا في ذبائح الأوثان لمحض اشتراكهم في مائدة الرب: “كأس البركة التي نباركها أليست هي شركة في دم المسيح؟ والخبز الذي نكسره أليس هو شركة في جسد المسيح؟… إنكم لا تستطيعون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشياطين؛ ولا تستطيعون أن تشتركوا في مائدة الرب ومائدة الشياطين” (1 كورنتس 10 : 16 – 21) (18).
هذه “التقدمة الجديدة، تقدمة العهد الجديد” التي تنبأ عليها ملاخيا النبي (1 : 11) (19)، ما زالت الكنيسة تقربها أمينة لوصية الرب والرسل، “ليس لأجل الخطايا والعقوبات ومقتضيات التكفير وسائر حاجات المؤمنين الأحياء فحسب، بل أيضاً لأجل الذين رقدوا في المسيح وما بلغوا بعد كمال التنقية” (20).
30- وها نحن نصرف النظر عن شهادات السوى من الآباء ونكتفي بشهادة القديس كيرلس أسقف أورشليم الذي قال في معرض تثقيفه المعتمدين الجدد على الحياة المسيحية: “بعد إذ نكون قد أتممنا الذبيحة الروحية في طقس غير دموي، نرفع إلى الله أمام هذه الضحية التكفيرية تضرعات لأجل سلام الكنيسة حيثما وجدت، ولأجل الإمبراطور وجيوشه وحلفائه، والمرضى والمنكوبين، ونتضرع عموماً لأجل جميع الراقدين من أخوتنا. وإنّا لمتأكدون إن هذه الضراعة ستكون غزيرة الفائدة للذين ترفع لأجلهم، فيما تكون حاضرة الضحية القدوسة والمخيفة”. ويدعم معلم الكنيسة المذكور تعليمه بمثل يتخذه من عادة ضفر أكليل يقدم للإمبراطور طلباً للعفو عن المنفيين، ويستخلص قائلاً: “ونحن كذلك نرفع إلى الله صلوات لأجل الراقدين، حتى الذين منهم عايشوا الخطيئة في حياتهم. إنّا لا نضفر لله إكليل، بل نقدم له كفارة عن خطايانا المسيح الذبيح، محاولين أن نستعطف الله لأجلنا ولأجلهم”. (21)
31- ويشهد القديس أوغسطينوس أن عادة تقدمة ذبيحة فدائنا لأجل الأموات كما تقدم لأجل الأحياء، كانت جارية في كنيسة روما، (22) كما كانت منتشرة في الكنيسة جمعاء (23).
32- وهناك أيضاً غير ذلك يطيب لنا أن نزيده نظراً إلى فائدته الكبرى إذ يلقي أضواء على سرّ الكنيسة: فالكنيسة باتحادها بالمسيح هي بالوقت نفسه الكاهن الذي يقرب والذبيحة التي تقرب، وهي، بالتالي، بكليتها تقرب الذبيحة الإلهية، وتقرّب فيها. إن هذا التعليم الرائع الذي سلمه إلينا الآباء (24) قد تبسط فيه من زمن غير بعيد سلفنا السعيد الذكر بيوس الثاني عشر (25) وأعلنه مؤخراً المجمع الفاتيكاني الثاني في مرسومه العقائدي في الكنيسة في معرض بحثه “شعب الله”. (26) وإن لنا رغبة حارّة في أن نراه يزداد انتشاراً وتفسيراً وينطبع أكثر فأكثر في صميم نفوس المؤمنين. مع الاحتفاظ بالفارق، من حيث الطبيعة وليس فقط من حيث الدرجة، بين كهنوت المؤمنين والكهنوت الاكليريكي يحصر المعنى. (27) فليس من عقيدة أكثر ملائمة لتغذية التقوى القربانية وتقييم كرامة المؤمنين جميعاً، والحث على السعي إلى بلوغ قمة القداسة التي ليست سوى خدمة الجلال الإلهي بعطية ذات سخية.
القداس الإلهي من طبيعته علني واجتماعي
33- ولابد من التذكير أيضاً بما ينتج من كون أي قداس إلهي من طبيعته علني واجتماعي (28) وفي الواقع، فالقداس الإلهي وإن أقامه الكاهن فردياً فلا يعني ذلك أصلاً أنه عمل شخصي خاص، بل هو عمل المسيح والكنيسة التي تعلمت أن تقرب ذاتها، في الذبيحة التي تقربها، ذبيحة شاملة، مشركة العالم أجمع في الطاقة الفدائية الفريدة واللامتناهية التي بذبيحة الصليب. فليس من قداس إلهي إلا ويقرب لأجل خلاص العالم أجمع وليس لخلاص بعض أشخاص فحسب.
وبالتالي، فإذا كان من المحبّذ جداً أن يشترك عدد كبير من المؤمنين عملياً في إقامة القداس الإلهي، مع ذلك فلا مجال لأن يلام الكاهن الذي يقيمه فردياً بحضور خادم واحد وفقاً لمراسيم الكنيسة المقدسة وتقاليدها، بل بالعكس ينبغي اقراره على عمله. ذلك أن القداس الإلهي هو نبعة غزيرة من النعم الخاصة يفيد منها الكاهن نفسه والشعب المؤمن والكنيسة جمعاء وحتى العالم أجمع، وهي نعم لا يمكن الحصول عليها غزيرة كهذه بالتناول وحده.
34- لذلك، فإنّا نحرض في إلحاح أبوي الكهنة، وهم بشكل خاص فرحنا وإكليلنا في الرب، ليظلوا دوماً واعين السلطان الذي نالوه من الأسقف الذي رسمهم، سلطان يخولهم تقدمة الذبيحة لله وإقامة القداس الإلهي باسم الرب سواء لأجل الأحياء أم لأجل الأموات (29). ونحثهم على إقامة الذبيحة الإلهية كل يوم في وقار وخشوع، حتى يفيدوا هم أنفسهم وسائر المؤمنين من الثمار الغزيرة المتساقطة من ذبيحة الصليب. وبذلك يسهمون إلى حد بعيد في خلاص الجنس البشري.
حضور المسيح السري في ذبيحة القداس
35- إن ما لخصّناه من تعليم حول ذبيحة القداس يحملنا على أن نقول كلمة في سرّ القربان الأقدس: ذلك إن الذبيحة والسر مرتبطان معاً ولا يمكن الفصل بينهما. فالمسيح يقدم ذاته ذبيحة بشكل غير دموي في القداس الإلهي الذي تتمثل فيه ذبيحة الصليب وتوزع فيه طاقاتها الخلاصية، حين يبدأ، بقوة كلمات التقديس، وجوده السري بوصفه غذاء روحياً للمؤمنين تحت شكلي الخبز والخمر.
36- نعلم جميعاً أن حضور المسيح في كنيسته حضور متعدد الوجوه. ومن المفيد أن نعود قليلاً إلى هذه الحقيقة الرائعة التي أوجزها المرسوم المجمعي في الليتورجيا المقدسة (30). فالمسيح حاضر في كنيسته العاكفة على الصلاة، لأنه هو نفسه ذاك الذي “يصلي لأجلنا، ويصلّي فينا، وموضوع صلاتنا: فهو يصلّي لأجلنا بوصفه كاهننا ويصلّي فينا بوصفه رئيسنا. وهو موضوع صلاتنا بوصفه إلهنا” (31). أليس إنه وعدنا هو نفسه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فأنا أكون هناك في وسطهم” (متى 18 : 20) (32).
والمسيح حاضر في كنيسته العاكفة على أعمال الرحمة ليس لأن كل خير نصنعه إلى أحد إخوته الأصاغر فإليه نصنعه، فحسب (متى 25 : 40) (33) بل أيضاً لأن المسيح نفسه هو الذي يقوم بأعمال الرحمة هذه بواسطة كنيسته. ملبياًَ دوماً نداء البشرية بمحبته الإلهية. والمسيح حاضر في كنيسته التائقة، عبر مسيرها على الأرض، إلى ميناء الحياة الأبدية إذ هو حيّ في قلوبنا بالإيمان (متى 3 : 17) (34) ينثر فيها المحبة بعمل الروح القدس الذي أعطاناه هو نفسه (روما 5 : 5) (35).
37- والمسيح حاضر في كنيسته العاكفة على الكرازة بشكل لا يقل حقيقة عن سواه. لأن الإنحيل الذي تبشر به هو كلمة الله، وكلمة الله هذه ينادى بها باسم المسيح كلمة الله المتجسد. واستناداً إلى سلطته وبمعونة نعمته، حتى لا يكون إلا “قطيع واحد يسهر عليه راع واحد” (36).
38- والمسيح حاضر في كنيسته العاكفة على قيادة شعب الله وسياسته، لأن سلطتها المقدسة مصدرها المسيح، ولأن المسيح “راعي الرعاة” يمدّ يد المعونة إلى الرعاة المضطلعين بهذه السلطة (37) وفقاً للوعد الذي قطعه للرسل.
39- ثم إن المسيح حاضر أيضاً حضوراً أكثر روعة في كنيسته العاكفة باسمه على إقامة الذبيحة الإلهية وتوزيع الأسرار.
وإذ نحن بصدد حضور المسيح في تقدمة ذبيحة القداس، فليسمح لنا أن نورد ما قاله، في أي صحة وبلاغة، القديس يوحنا فم الذهب، وقد أخذته الدهشة: “أريد أن أزيد شيئاً يدعو إلى العجب، أما أنتم فلا يعترينكم الذهول ولا الاضطراب. ماذا تراه يكون؟ إن التقدمة هي هي، أياً كان من يتولى تقدمتها، سواء بولس أم بطرس. هذه التقدمة نفسها التي استودعها المسيح تلاميذه، ويقوم بها اليوم الكهنة. ليست هذه أقل قيمة من تلك، لأنها إنما تستمد قداستها ليس من البشر بل من الذي جعلها مقدسة، وكما أن الكلمات التي قالها الله هي نفسها التي يقولها اليوم الكاهن، كذلك التقدمة هي نفسها” (38).
ثم إنه ليس من يجهل أن الأسرار إنما هي عمل المسيح وهو يوزعها بواسطة البشر . لذلك، فهي مقدسة في ذاتها، وبقوة المسيح تمنح النعمة للنفس عبر الجسد.
أي دهشة تعتري الإنسان حيال هذه الوجوه المتعددة لحضور المسيح، وإنّا لنتأمل فيها سر الكنيسة بالذات. مع ذلك، فحضور المسيح في كنيسته بواسطة سر القربان الأقدس، هو حضور يتخطى هذه الوجوه وهو الروعة في قمتها. لذلك، فسر القربان الأقدس هو بين الأسرار كلها، السر الأكثر جمالاً على صعيد العقل، والأكثر عذوبة على صعيد العبادة. والأكثر قداسة من حيث ما يحوي (39) أجل، إنه ليحوي المسيح نفسه، “وهو كمال الحياة الروحية والغاية التي تسعى إليها الأسرار كلها” (40).
الحضور في أسمى حقيقته
40- هذا الحضور يدعى “الحضور الحقيقي” ليس حصراً كأن سواه ليس حقيقياً، بل سمواً، أو هو الحضور، لأنه حضور جوهري، يشمل المسيح، الإنسان – الإله، في كلّيته (41).
وبالتالي، فمن الخطأ أن نفسر هذا الوجه من الحضور بأن نعزو إلى جسد المسيح الممجد طبيعة روحية حاضرة في كل مكان؛ أو أن نحصر الحضور القرباني في نطاق الرمز كأن هذا السرّ الفائق الإكرام لا يقوم إلا على الإشارة الفعّالة ” لحضور المسيح حضوراً روحياً واتحاده الوثيق بالمؤمنين أعضاء الجسد السرّي” (42).
41- لا ريب في أن الرمزية القربانية قد بحثها كثيراً آباء الكنيسة واللاهوتيون المدرسيون، لاسيما من حيث علاقتها بوحدة الكنيسة. والمجمع التريدنتيني لخّص هذا التعليم إذ قال أن مخلصنا قد ترك لكنيسته القربان الأقدس “كرمز لوحدتها وللمحبة التي يريد أن تضمّ المسيحيين جميعاً بعضهم إلى بعض ضماً صميماً” “وبالتالي، كرمز لهذا الجسد الوحيد الذي هو رأسه”. (43)
42- من بواكير النتاج الأدبي المسيحي كتاب “الذيذاكي” أو “تعليم الرسل الاثني عشر” لمؤلف مجهول كتب فيه حيال الموضوع ما يلي: “أما بشأن القربان الأقدس، فاشكروا على الشكل التالي: كما أن هذا الخبز الذي نكسره كان قبلاً مشتتاً على الجبال وأضحى الآن واحداً بتجمع الحبوب، هكذا فلتتجمع كنيستك من أقاصي الأرض في ملكوتك”. (44)
43- كذلك كتب القديس كبريانوس في معرض دفاعه عن وحدة الكنيسة ضد الانشقاق: “أخيراً، إن ذبائح الرب نفسها تبين في وضوح وحدة المسيحيين، إذ تضمهم بعضهم إلى بعض محبة راسخة لا تنفصم عراها. لأن الرب إذ يدعو الخبز الذي يؤلفه اتحاد حبات كثيرة جسده إنما يشير إلى شعبنا المنضم، هذا الشعب الذي كان يحمله هو نفسه؛ وإذ يدعو الخمر، المستخرج من عناقيد عنب كثيرة عصرت وامتزجت عصارتها، دمه فهو يشير إلى قطيعنا الموّحد بانصهار جموع من الأفراد” (45).
44- والرسول بولس ألم يسبق الجميع إذ كتب إلى الكورنثيين: “فبما أن الخبز واحد، فنحن، الكثيرين، جسد واحد؛ لأنّا جميعاً نشترك في الخبز الواحد” (1 كورنتس 10 : 17) (46).
45- ولكن إذا كانت الرمزية القربانية تبين لنا في وضوح الثمرة الخاصة بهذا السرّ التي هي وحدة الكنيسة جسد المسيح السرّي، فهي، مع ذلك، لا تضع في أي نور ولا تعبر عما يميز هذا السرّ من سواه بالاستناد إلى طبيعته نفسها. لأن التعليم الثابت الذي ألقته الكنيسة على الموعوظين، وقناعة الشعب المسيحي وشعوره، والعقيدة التي حددها المجمع التريدنتيني والعبارات نفسها التي استعملها المسيح في رسم القربان الأقدس، كل هذا يرغمنا على الإقرار “إن القربان الأقدس هو جسد مخلصنا يسوع المسيح الذي تألم لأجل خطايانا وأقامه الآب من الموت في محبته” (47) وعلى هذا القول للقديس الشهيد أغناطيوس نزيد قول ثيودورس أسقف موبسويست، وهو شهادة لإيمان الكنيسة: “ذلك أن الرب في حديثه إلى التلاميذ لم يقل قط: هذا رمز جسدي، وهذا رمز دمي، بل هذا هو جسدي، وهذا هو دمي، معلماً إيانا ألا نعتبر طبيعة الشيء الماثل أمام حواسنا. وفي الواقع، فإن هذا الشيء قد تحول بصلاة الشكر إلى جسد وإلى دم” (48).
46- واستناداً إلى إيمان الكنيسة هذا، فالمجمع التريدنتيني “يعلن صريحاً ومباشرة أن ربنا يسوع المسيح الإله الحقيقي والإنسان الحقيقي حاضر في سر القربان الأقدس الفائق الإكرام بعد تقديس الخبز والخمر، حضوراً حقيقياً وواقعياً وجوهرياً تحت مظاهر هذه الوقائع الحسية”. فمخلصنا حاضر، إذن، في إنسانيته، ليس إلى يمين الآب فحسب، بل أيضاً في سر القربان الأقدس، “بشكل وجودي تكاد كلماتنا تعبر عنه، إلا أن عقلنا يستطيع، في ضوء الإيمان، أن يتبينه. ولابد لنا من الاعتقاد الراسخ أنه شيء ممكن لدى الله” (49).
حضور المسيح في سرّ القربان الأقدس بواسطة التحوّل الجوهري
47- غير أنه حؤولاً دون أي التباس يمسّ هذا الشكل من الحضور الذي يسمو على نواميس الطبيعة وهو، في ذاته أعظم المعجزات (50) لابد من الإصغاء إلى صوت الكنيسة في تعليمها وصلاتها والخضوع له. والحال، إن هذا الصوت الذي لا يني يردد صوت المسيح يؤكد لنا أن المسيح لا يحضر في هذا السرّ إلا بتحوّل جوهر الخبز كله إلى جسد المسيح وجوهر الخمر كله إلى دم المسيح؛ وهو تحوّل فريد وعجيب تدعوه الكنيسة الكاثوليكية في حق وصحة تعبير “التحول الجوهري”. (51) وإذ يتمّ هذا “التحول الجوهري”، تتخذ أشكال الخبز والخمر، دون ريب، معنى جديداً وغاية جديدة، لأن الخبز العادي والمشرب العادي قد زالا، إلا أنه معنى يلازم شيئاً مقدساً، وغاية تلازم غذاء روحياً. وإذا كان للأشكال هذا المعنى وهذه الغاية فإنما ذلك لأنها تحمل الآن واقعاً جديداً ندعوه في حق “واقعاً كيانياً”.
أجل، تحت الأشكال التي نحن بصددها قد زال ما كان سابقاً، وقام الآن سواه؛ وهذا الوضع الجديد إنما مصدره ليس الحكم الذي يمليه إيمان الكنيسة فحسب، بل أيضاً من جراء الواقع الموضوعة نفسه. لأنه إذ تتحوّل طبيعة الخبز والخمر أو جوهرهما إلى جسد المسيح ودمه، فلا يبقى من الخبز والخمر سوى الأشكال الحاضر تحتها المسيح بكليته في واقعه الطبيعي وحتى الجسدي، وإن كان هذا الحضور يختلف كيفية عن ذاك الذي تحتل الأشياء بموجبه هذا أو ذاك من الأمكنة.
حذار من اعتماد الحواس، بل ينبغي اعتماد قول المسيح
48- هذا ما حدا الآباء إلى تنبيه المؤمنين ألا يعتمدوا، في تأمل هذا السرّ الفائق الكرامة، معطيات الحواس التي تبدو لها ميزات الخبز والخمر، بل قول المسيح الذي له المقدرة على تغيير الخبز والخمر حتى في عناصرهما وتحويلهما إلى جسد الرب ودمه. وفي الواقع، والآباء يرددون ذلك كثيراً، إن القدرة التي تجري هذه المعجزة إنما هي قدرة الله الكلية التي في البدء خلقت الكون من العدم.
49- يقول القديس كيرلس أسقف أورشليم في نهاية خطابه في أسرار الإيمان: “إذ قد تعلمت هذه الحقائق وملأك إيمان راسخ دلّك على أن ما يبدو خبزاً ليس بالخبز، بالرغم من أحاسيس الذوق، بل هو جسد المسيح، وما يبدو خمراً ليس بالخمر، بالرغم من الطعم الملحوظ، بل هو دم المسيح… شدّد قلبك بتناول هذا الخبز غذاء روحياً وأعظ وجه نفسك فرحاً”. (52)
50- ويتشدّد القديس يوحنا فم الذهب في القول: “ليس الإنسان هو الذي يجعل القرابين تتحوّل إلى جسد المسيح ودمه، بل المسيح نفسه الذي صلب لأجلنا. فالكاهن، صورة المسيح، يتلفظ بهذه الكلمات، إلا أن فعاليتها والنعمة إنما مصدرهما الله. هذا هو جسدي: هذه الكلمة تحوّل القرابين” (53).
51- ومع يوحنا أسقف القسطنطينية يتجاوب كيرلس أسقف الاسكندرية، تجاوباً كاملاً، فهو القائل في تفسيره إنجيل القديس متى: “لقد استعمل المسيح صيغة الإشارة في قوله: هذا هو جسدي، وهذا هو دمي، حتى لا يتبادر إلى ذهنك أن الأشياء ليست إلا صورة، بل تؤمن أن القرابين قد تحوّلت حقيقة إلى جسد المسيح ودمه بطريقة سرّية بعمل قدرة الله الكلية. وإذ نشترك في هذه الوقائع ننال قوة المسيح المحيية والمقدسة” (54)
52- وأمبروسيوس أسقف ميلانو يقول صريحاً في التحوّل القرباني: “لنكن على يقين أن هذا ليس ما عملته الطبيعة، بل ما قدسته البركة، وإن قوة البركة لتفوق قوة الطبيعة، لأن البركة تحوّل الطبيعة نفسها” ولكي يدعم حقيقة السرّ، يذكّر أمبروسيوس بمعجزات كثيرة أوردها الكتاب المقدس، بينها خصوصاً ولادة يسوع من العذراء مريم. وإذ ينتقل إلى عمل الله الخلاّق، يستخلص: “إن كلمة المسيح التي أبدعت من العدم ما لم يكن موجوداً، ألا تستطيع أن تحوّل الأشياء الموجودة إلى ما لم تكن بعد. لأن منح الأشياء طبيعتها الأولى ليس أقلّ من تحويل هذه الطبيعة الأولى في الأشياء” (55).
53- ولكن أي حاجة لنا في الإكثار من الشهادات. إنه لأكثر فائدة لنا أن نعيد إلى الأذهان تلك الصلابة في الإيمان التي جابهت بها الكنيسة في إجماع أضاليل “بيرانجه” الذي كان أول من تجرأ على إنكار التحوّل القرباني متأثراً بما يثيره العقل حياله من صعوبات. وقد هددته الكنيسة مرات عديدة بالحرم إذا لم يتراجع. وهكذا، فقد ألزمه سلفنا غريغوريوس السابع أن يصرّح ويدعم تصريحه بالقسم، بما يلي: “إني أؤمن بالقلب واعترف بالفم أن الخبز والخمر اللذين على المذبح، قد تحوّلا جوهرياً، بعمل الصلاة المقدسة السرّي وبكلمات فادينا، إلى جسد ربنا يسوع المسيح نفسه الحقيقي والمحيي وإلى دمه؛ وإنهما، بعد التقديس، جسد المسيح الحقيقي الذي ولد من العذراء وعلق على الصليب مقدماً ذاته لأجل خلاص العالم، والجالس عن يمين الآب، ودم المسيح الحقيقي الذي نزف من جنبه. فهو ليس حاضراً شكلاً وبقوة السرّ فحسب، بل و في طبيعته الخاصة أيضاً وجوهره الحقيقي” (56).
54- وقد تجاوبت مع هذه الكلمات المجامع المسكونية المنعقدة في اللاتران وكونستانسا وفلورنسا، وأخيراً المجمع التريدنتيني، في ما علمت بشأن سرّ التحوّل القرباني، سواء ببسط معتقد الكنيسة أم بشجب بعض الأضاليل. وإن لدينا في ذلك مثالاً رائعاً عن ثبات الإيمان الكاثوليكي حيال الموضوع.
55- وبعد المجمع التريدنتيني، حذّر سلفنا بيوس السادس في شدة كهنة الرعايا، وهم الذين يلازمهم واجب التعليم، من إهمال الوعظ في التحوّل الجوهري الذي يشكل قاعدة إيمانية. وذلك كردة فعل حيال أضاليل سينودس بيستوا. (57)
وكذلك سلفنا السعيد الذكر بيوس الثاني عشر، ذكّر بالحدود الواجب احترامها في مجالات الجدل البعيد المدى بشأن سرّ التحول الجوهري. (58)
ونحن نفسنا، في المؤتمر القرباني القومي الإيطالي المنعقد مؤخراً في مدينة بيزا، قد شهدنا علناً واحتفالياً لإيمان الكنيسة. (59)
56- ثم إن الكنيسة الكاثوليكية ما اكتفت بان نادت دوماً إيمانها بحضور جسد الرب ودمه في القربان الأقدس، بل عاشت هذا الإيمان. فهي ترفع إلى هذا السرّ الأعظم السجود، أي تلك العبادة التي لا يمكن أن يكون موضوعها غير الله.
وبهذا الصدد، يقول القديس أوغسطينوس: “بهذا الجسد مشى الرب على أرضنا، وأعطانا هذا الجسد نفسه غذاء لنا لخلاصنا. وليس من يتناوله قبل أن يسبق ويرفع له السجود، بنوع أنّا لا نخطئ إذا سجدنا له، بل بالعكس فإنّا نخطئ إذا لم نسجد له” (60).
السجود الواجب لسرّ القربان الأقدس
57- إن الكنيسة الكاثوليكية تعترف أنها ترفع السجود لسرّ القربان الأقدس ليس في الذبيحة الإلهية فحسب، بل أيضاً خارجاً عنها. فهي تحتفظ، في أي عناية، بالقرابين التي تقدّست وتعرضها على المؤمنين ليقدموا لها الإكرام الحافل.
58- وهذا الإكرام يعبّر عنه الكثيرون من شهود معتقد الكنيسة في العصور القديمة. فرعاة الكنيسة نراهم يلحّون في تحريض المؤمنين على الاحتفاظ في عناية قصوى بالقربان الأقدس الذي يحملونه إلى بيوتهم. “كيف لا، وما يقدّم غذاء للمؤمنين إنما هو جسد المسيح” كما يقول القديس هيبوليتوس. (61)
59- ونعلم أن المؤمنين كانوا يعتبرون ذواتهم، وفي حق، كما يقول أوريجانوس، مخطئين، إذا استدعوا جسد الرب، وتركوا على غير انتباه جزءاً منه يسقط على الأرض، بالرغم من الحيطة القصوى والإكرام. (62)
60- أما القساوة التي كان الرعاة يلجأون إليها عقاباً لمن لا يقومون بالاحترام الواجب، فيشهد عليها نوفاسيانوس، إذ يعتبر مستحقاً العقاب ذاك الذي “إذ خرج من الاحتفال يوم الأحد، حاملاً القربان الأقدس وفقاً للعادة… لم يذهب تواً إلى بيته ليضع جسد الرب المقدس، بل أسرع إلى المشاهد”. (63)
61- والقديس كيرلس الاسكندري يرّد وكأنه جنوني رأي من كانوا يحسبون أن القربان الأقدس يفقد قوته التقديسية في جزء من قربانة تعود إلى الأمس. فهو يقول: إن المسيح ليس عرضة للاضمحلال، وجسده المقدس لا يتغير، بل تظلّ فيه دوماً القوة والقدرة والنعمة التي تحيي (64).
62- ولا يمكن أن ننسى أيضاً أن المؤمنين في العصور القديمة سواء أكانوا معرضين لضراوة الاضطهادّات أم فضلوا العزلة في البراري محبة بالحياة الرهبانية، كانت لهم عادة تناول القربان الأقدس، وحتى كل يوم، فكانوا يتناولونه بأيديهم كل مرة حُرموا وجود كاهن أم شماس إنجيلي. (65)
63- نقول هذا ليس سعياً إلى تغيير طريقة حفظ القربان الأقدس وتناوله كما حددتها شرائع الكنيسة السارية اليوم، بل لنسرّ برؤية إيمان الكنيسة يظل دوماً على ما هو.
64- من هذا الإيمان الواحد نشأ عيد الجسد الإلهي، فقد احتُفل به للمرة الأولى في أبرشية لياج في بلجيكا، وكان لأمة الله الطوباوية “جوليين دي مون كورنيون” النصيب الأكبر في وضع هذا العيد. ثم عممه على الكنيسة جمعاء سلفنا أوربانوس الرابع. وهذا الإيمان كان مصدر مؤسسات كثيرة قامت على التعبّد للقربان الأقدس وراحت تزداد عدداً يوماً بعد يوم. وقد اتخذتها الكنيسة الكاثوليكية وسيلة تعبّر فيها على أوسع مدى عن إكرامها المسيح أو شكرها له هذه العطية العظمى أو لاستنزال رحمته.
تحريض على نشر العبادة القربانية
65- لهذا السبب، نوجه إليكم، أيها الإخوة المحترمون، رجاءنا لتصونوا هذا الإيمان المستند إلى كلمة المسيح والرسل، بين الشعوب المسلّمة إلى عنايتكم وسهركم، نقياً وكاملاً، بعيداً عن أي تفكير ضال ومضرّ. واسعوا إلى نشر العبادة القربانية قولاً وعملاً. هذه العبادة التي ينبغي أن تستقطب في النهاية سائر أشكال التقوى.
66- وليتعلم المؤمنون وليختبروا أكثر فأكثر، بدافع منكم، ما يقوله القديس أوغسطينوس: (66) “من أراد أن يحيا فلديه مقوّمات العيش؛ وحيث العيش، فليقترب، وليؤمن، وليندمج لكي ينال الحياة. وحذار أن يهمل اتحاد الأعضاء في ما بينهم، أو أن يكون عضواً فاسداً يستحق البتر، أو عضواً مسخاً يخجل منه. فليكن بالأحرى عضواً جميلاً حاذقاً وصحيحاً ليلازم الجسد وليعيش من الله ولأجل الله؛ وليشتغل الآن على الأرض ليتمكن في ما بعد من أن يملك في السماء”.
67- كم نتمنى أن يشترك عملياً عدد كبير من المؤمنين كل يوم في الذبيحة الإلهية، ويغتذوا من المناولة المقدسة، يقبلون إليها في قلب نقي وسليم، وليرفعوا الشكر لربنا يسوع المسيح الذي أولاهم هذه العطية العظمى.
ألا فليعلموا “أن رغبة يسوع والكنيسة في أن يريا المؤمنين يقتربون كل يوم من المائدة المقدسة غايتها خصوصاً أن يستقي المؤمنون جميعاً، وقد اتحدوا بالله بفعل السرّ، القوة للسيطرة على الميول والتطهر من الخطايا اليومية الخفيفة وتجنّب الخطايا الثقيلة، التي يتعرّض لها الضعف البشري” (67)
وليحذر المؤمنون، سحابة النهار، أن يهملوا زيارة القربان الأقدس، الذي ينبغي أن يحفظ في مكان لائق جداً من الكنائس، محفوفاً بأكثر ما يمكن من الإكرام وفقاً للقواعد الليتورجية. لأن الزيارة دليل العرفان والمحبة وواجب يمليه قدر النعمة، نعمة حضور المسيح في هذا المكان.
68- كل يفهم أن القربان الإلهي يولي الشعب المسيحي كرامة لا توازيها كرامة. لأن المسيح وهو “العمانوئيل” أي “الله معنا” حاضر في وسطه ليس وقت تقدمة الذبيحة وتحقيق السرّ فحسب، بل أيضاً بعد ذلك ما دامت القرابين الإلهية محفوظة في الكنائس والمعابد. فهو، ليلاً ونهاراً، ساكن معنا، مقيم في وسطنا، “مملوءاً نعمة وحقاً” (يوحنا 1 : 14) (68)، يصلح الأخلاق، يغذي الفضائل، يعزي الحزانى، يشدد الضعفاء، ويدعو في إلحاح إلى الاقتداء به جميع الذين يقتربون منه، فيتعلموا منه الوداعة وتضاع القلب، ويعكفوا على السعي إلى ما هو لله وليس إلى مصلحة ذاتهم. وهكذا، فأي مؤمن يواجه السرّ الفائق الكرامة في عبادة خاصة ويجتهد في أن يحب بقلب سخي المسيح الذي يحبنا محبة لا حدّ لها، يحس ويعي في عمق قيمة الحياة المستترة مع المسيح في الله (كولسي 3 : 3) (69)، ولن يبقَ هذا التحسّس وهذا الوعي بلا ثمر ولا فرح في الصميم. فهو يعرف من خبرته الذاتية فوائد الحوار مع المسيح. فليس على الأرض ما هو أكثر عذوبة وكفاية لدفع النفوس في سبل القداسة.
69- وتعلمون أيضاً، أيها الإخوة المحترمون، أن القربان الأقدس محفوظ في الكنائس والمعابد كمحور روحي للجماعة الرهبانية أو الرعوية، بل للكنيسة جمعاء والبشرية كلها، إذ أن المسيح حاضر فيه تحت الأشكال المقدسة، والمسيح رأس الكنيسة غير المنظور، وفادي العالم وقطب القلوب، “الذي به كل شيء ونحن به” (1 كورنتس 8 : 6) (70).
70- وبالتالي فالعبادة القربانية تحمل النفوس في قوة على التقدم في المحبة “الاجتماعية” ، (71) أي تلك التي تجعلنا نفضّل الصالح العام على الصالح الخاص، ونحتسب مصلحة المجتمع والرعية والكنيسة جمعاء مصلحتنا، ونلفّ بمحبتنا العالم أجمع وعياً منا أن أعضاء المسيح منتشرة في كل مكان.
القربان الأقدس علامة الوحدة في الكنيسة، جسد المسيح، والباعت لها
71- وإذ أن القربان الأقدس هو علامة وحدة الكنيسة جسد المسيح والباعث لها؛ ولما كان يخلق في النفوس التي تحوطه بإكرام أكثر حرارة، روحاً كنسياً أكثر نشاطاً، فثابروا، أيها الإخوة المحترمون، على إقناع رعاياكم أن يحملوا في قلوبهم كل مرة يقتربون منه شؤون الكنيسة، ويصلوا إلى الله بلا انقطاع ويقدّموا له ذواتهم ذبيحة مرضية لأجل سلامها ووحدتها. ليكون أبناء الكنيسة جميعاً واحداً وعلى استعداد واحد، ولا يوجد بينهم شقاق، بل يضمهم كامل الاتحاد في روح واحد وعاطفة واحدة حسب وصية الرسول (1 كورنتس 1 : 10) (72)؛ وليبلغ في أقرب آن، بمعونة النعمة الإلهية، إلى التمتع معنا بهذه الوحدة في الإيمان والشركة التي أرادها المسيح ميزة تلاميذه، جميع الذين لا يربطهم بعد بالكنيسة الكاثوليكية رباط كمال الشركة، بل إنهم منفصلون عنها إلى حد ما مع كونهم يحملون في اعتزاز اسم المسيح.
72- هذه الرغبة في الصلاة والتكرّس لله لأجل وحدة الكنيسة تهتّم أكثر ما تهتّم، وبصفة خاصة الرهبان والراهبات، بحكم توجيه دعوتهم صوب عبادة القربان الأقدس، وتجمعهم حوله من جراء ارتباطهم بنذورهم.
73- غير أن أمنية الكنيسة في وحدة جميع المسيحيين، وهي الأمنية المقدسة الأكثر تأججاً في قلبها، نريد أن نعبّر عنها بكلمات المجمع التريدنتيني في خاتمة مرسومه في القربان الأقدس: “ختاماً، ينبّه المجمع المقدس في محبته الأبوية، ويرجو ويستحلف “بأحشاء رحمة الله” (لوقا 1 : 18) (73) الذين يحملون اسم المسيح، جميعاً وكلاً بمفرده، أن يتلاقوا وأن ينصهروا في قلب واحد، في علامة الوحدة هذا، ورباط المحبة ورمز الوفاق. وإذ يذكرون عظمة ربنا يسوع المسيح الفائقة ومحبته العجيبة، المسيح الذي بذل حياته الغالية ثمناً لخلاصنا، وأعطانا جسده لنأكله (يوحنا 6 : 48…) (74)، فليؤمنوا إيماناً راسخاً غير متزعزع، بأسرار جسده ودمه المقدسة، وليرفعوا لها الإكرام بقلب مفعم حرارة وتقوى واحتراماً يمكنهم من أن يتناولوا بتواتر هذا الخبز السامي الغذاء (متى 6 : 11) (75).ألا فليكن حقيقة حياة لنفسهم وصحة دائمة لفكرهم؛ وإذ يتشددون بقوته (1 ملوك 19 : 8) (76) فليبلغوا، عبر طريق الشقاء، إلى الموطن السماوي حيث يتناولون خبز الملائكة وقد زالت عنه الحجب (مزمور 77 : 25) (77) ذلك الخبز الذي يأكلونه اليوم وقد غلّفته الحجب المقدسة” (78).
74- ألا، فليتنازل فادينا الحبيب، الذي سأل أباه قبيل موته أن يكون جميع المؤمنين به واحداً كما أنه هو والآب واحد (يوحنا 17 : 20 – 21) (79)، ويستجب في أقرب آن أمنيتنا هذه، وأمنية الكنيسة جمعاء، وليشأ أن نحتفل جميعاً. بصوت واحد وإيمان واحد، بسرّ القربان الأقدس. وإذ تجمعنا شركة جسد المسيح نؤلف جسداً واحداً (1 كورنتس 10 : 17) (80) تضمه الروابط نفسها التي أرادها، هو نفسه، ضمانة للوحدة.
75- وإنّا لنتجه أيضاً في محبة أبوية صوب أبناء كنائس الشرق العريقة، حيث لمع الكثيرون من آباء الكنيسة العظام، وقد سرّنا أن نورد في هذه الرسالة شهاداتهم بشأن القربان الأقدس. إنّا لنشعر بفرح يغمر قلبنا إذ نرى إيمانكم بالقربان الأقدس، هذا الإيمان الذي هو إيماننا أيضاً ونسمع الصلوات الليتورجية التي تشيدون فيها بهذا السرّ الأعظم، ونتأمل في إعجاب عبادتكم القربانية، ونقرأ لاهوتييكم في شرح عقيدة هذا السرّ الفائق الإكرام والدفاع عنه.
76- فلترفع الطوباوية مريم العذراء التي أراد المسيح يسوع ربنا أن يتخذ منها ذلك الجسد المحجوب في السرّ تحت أشكال الخبز والخمر والمقدم ليؤكل (الحق القانوني، المادة 80) (81)، وليرفع قدّيسوا الله وقدّيساته، لاسيما أولئك الذين تميزوا بعبادة حارة للقربان الأقدس، ضراعتهم إلى أبي المراحم حتى يغذي الإيمان الواحد بالقربان الأقدس و العبادة القربانية وحدة الشركة بين المسيحيين جميعاً ويدعماها. إن نفسنا لمفعمة بكلمات القديس الشهيد أغناطيوس التي يحذّر بها مؤمني فيلادلفيا من أضرار الخروج عن الخط القويم والشقاقات ويرى في القربان الأقدس الدواء الشافي منها، وقد كتب إليهم يقول: “اجتهدوا، إذن، أن تلازموا قرباناً مقدساً واحداً؛ لأن جسد المسيح يسوع ربنا واحد؛ وواحدة هي الكأس في وحدة دمه؛ وواحد المذبح: وواحد الأسقف” (82).
77- وإذ يعضدنا الأمل السعيد أن نرى انتشار العبادة القربانية يأتي الكنيسة والعالم أجمع بالفوائد الكثيرة، نمنحكم، في عميق محبة، البركة الرسولية عربون نعم السماء، لكم أيها الإخوة المحترمون، وإلى الكهنة والرهبان، ومعاونيكم جميعاً وجميع المؤمنين الموكلين إلى رعايتكم.
أعطي في روما، بالقرب من ضريح القديس بطرس، يوم عيد القديس البابا بيوس العاشر، في الثالث من أيلول سنة 1965، في السنة الثالثة لحبريتنا.
البابا بولس السادس
الحواشي:
1)CONC. VAT. II, Cost. sulla Sacra Liturgia Sacrosanctum Concilium, 47: AAS 56 (1964), p. 113.
2) Gv 6,55.
3) Cf Gv 17,23.
4) Lett. Enc. Mirae caritatis: Acta Leonis XIII, vol. XXII, 1902-1903, p. 122.
5) In Mt. Hom. 82, 4: PG 58, 743.
6) Summa Theol., IIIª, q. 75, a. 1.
7)In IV Sent. D. 10, P. I, a. un., q. 1: Opera omnia, IV, 217.
8) Gv 6,61-69.
9) S. AGOSTINO, Contra Iulianum, VI, 5, 11: PL 44, 829.
10) De Civit. Dei, X, 23: PL 41, 300.
11) Cost. dogm. De fide catholica, c. 4.
12) Cf CONC. TRID., Doct. de SS. Missae Sacr., c. 1.
13) Cf Es 24,8.
14) Lc 22,19-20; cf Mt 26,26-28; Mc 14,22-24.
15) At 2,42.
16) At 4,32.
17) 1 Cor 11,23ss.
18) 1 Cor 10,16.
19) Cf Mal 1,11.
20) CONC. TRID., Doct. De SS. Missae Sacr., c. 4.
21) Catech. 23 (myst. 5), 8, 18: PG 33, 1115-1118.
22) Cf Confess., 9, 12, 32: PL 32, 777; cf ibidem, 9, 11, 27: PL 32, 775.
23) Cf Serm., 172, 2: PL 38, 936; cf De cura gerenda pro mortuis, 13: PL 40, 593.
24) S. AGOSTINO, De Civit. Dei, X, 6: PL 41, 284.
25) Cf Enc. Mediator Dei: AAS 39 (1947), p. 552.
26) Cf CONC. VAT. II, Cost. dogm. sulla Chiesa Lumen Gentium, c. II, n. 11: AAS 57 (1965), p. 15.
27) Cf CONC. VAT. II, Cost. dogm. sulla Chiesa Lumen Gentium, c. II, n. 10: AAS 57 (1965), p. 14.
28) CONC. VAT. II, Cost. sulla Sacra Liturgia Sacrosaпctum Concilium, c. 1, n. 27: AAS 56 (1964), p. 107.
29) Cf Pontificale Romanum.
30) Cf c. 1, n. 7: AAS 56 (1964), pp. 100-101.
31) S. AGOSTINO, In Ps. 85,1: PL 37, 1081.
32) Cf Mt 18.20.
33) Cf Mt 25,40.
34) Cf Ef 3,17.
35) Cf Rm 5,5.
36) S. AGOSTINO, Contra Litt. Petiliani, III, 10, 11: PL 43, 353.
37) S. AGOSTINO, In PS. 86, 3: PL 37, 1102.
38) In Ep. 2 ad Timoth., Hom. 2, 4: PG 62, 612.
39) EGIDIO ROM., Theoremata de Corpore Christi, theor. 50, Venezia 1521, p. 127.
40) Cf Summa Theol.. III, q. 73, a. 3.
41) CONC. TRID., Decret. De SS. Euch., c. 3.
42) PIO XII, Lett. Enc. Humani generis: AAS 42 (1950), p. 578.
43) Cf. CONC. TRID., Decret. De SS. Euch, proemio e c. 3.
44) Didaché, 9, 1.
45) Ep. ad Magnum, 6: PL 3, 1189.
46) 1 Cor 10,17.
47) S. IGNAZIO M., Ep. ad Smyr., 7, 1: PG 5, 714.
48) In Mt. Comm., c. 26: PG 66, 714.
49) Cf CONC. TRID., Decret. De SS Euch., c. 1.
50) Lett. Enc. Mirae caritatis: Acta Leonis, vol. XXII, 1902-1903, p. 123.
51) Cf CONC. TRID., Decret. De SS. Euch., c. 4 e can. 2.
52) Catech. 22, 9 (myst. 4): PG 33, 1103.
53) De prodit. Iudae, hom. 1, 6: PG 49, 380; cf In Mt. hom. 82, 5: PG 58, 744.
54) In Matth. 26,27: PG 72, 451.
55) De myst., 9, 50-52: PL 16, 422-424.
56) MANSI, Coll. Ampliss. Concil., 20, 524 D.
57) Cost. Ap. Auctorem Fidei, 28 agosto 1794.
58) Alloc. 22 settembre 1956: AAS 48 (1956), p. 720.
59) AAS 57 (1965), pp. 588-592.
60) In Ps. 98,9: PL 37, 1264.
61) Trad. Apost., ed. BOTTE, La tradition Apostolique de st. Hippolyte, Münster 1963, p. 84.
62) In Ex. fragm.: PG 12, 391.
63) De spectaculis: CSEL3, p. 8.
64) Epist. ad Calosyrium: PG 76, 1075.
65) Cf S. BASILIO, Ep. 93: PG 32, 483-486.
66) S. AGOSTINO, In Ioannem, tract. 26, 13: PL 35, 1613.
67) DECR. DELLA S. CONGR. DEL, CONCILIO, 20 dicembre 1905, approvato da S. Pio X: ASS 38 (1905), p. 401.
68) Cf Gv 1,14.
69) Cf Col 3,3.
70) 1 Cor 8,6.
71) Cf S. AGOSTINO, De Gen. ad litt., XI, 15, 20: PL 34, 437.
72) Cf 1 Cor 1,10.
73) Lc 1,78.
74) Gv 6,48ss.
75) Mt 6,11.
76) 1 Re 19,8.
77) Sal 77,25.
78) CONC. TRID., Decret. De SS. Euch., c. 8.
79) Cf Gv 17,20-21.
80) Cf 1 Cor 10,17.
81) CIC, can. 801.
82) S. IGNAZIO M., Ep. ad Philad., 4: PG 5, 700.
Discussion about this post