كتاب الإكرام الحقيقي للعذراء مريم
القديس لويس ماري غرينيون دي مونفورت
16- الإكرام الحقيقي للعذراء مريم
هذا الإكرام هو:
1- باطني
2- رقيق
3- مقدّس
4- ثابت
5- ومتجرّد.
1- هو إكرام باطني
أعني أنه يصدر عن الروح والقلب، وينتج عن التقدير الواجب للعذراء القديسة، عن فكرتنا السامية لعظمتها ومحبّتنا البنوية لها.
2- هو إكرام رقيق
أعني مملوءٌ ثقةً بالعذراء المباركة، كثقة طفل بأمّه المُحبّة. يجعل الإنسان أن يلتجئ اليها في كل حاجاته الجسدية والروحية، ببساطة وثقة ورقّة، طالباً عونها الرؤوم، في كل حين ومكان وفي كل أمر. في ارتياباته لنيل الأنوار، في زَيغانه لتقويم اعوجاجه، في تجاربه لتشديده، في ضعفه لتقويته، في سقطاته لنهوضه، في خمود همّته لتنشيطها، في وساوسه للتخلّص منها، في صلبانه وأشغاله ونكسات الحياة، للحصول على التعزية، وأخيراً في جميع مساوئ الجسد والروح، مريم هي الملجأ الدائم، دون خوف إزعاجها او إهانة إبنها.
3- هو إكرام مقدّس
يحمل الإنسان على تجنّب الخطيئة والإقتداء بفضائل أمّه مريم، لا سيما بتواضعها العميق وإيمانها الحي وطاعتها وصلاتها غير المنقطعة وأمانتها التامة وطهارتها الملائكية ومحبّتها المتّقدة وصبرها الجميل ولطفها الفائق وحكمتها العديمة النظير، هذه هي الفضائل العشر التي سطعت فيها دوماً.
4- هو إكرام ثابت
اي يوطّد الإنسان في الخير ويحمله على عدم الحياد عنه وترك الممارسات الروحية بسهولة، فيُعطي الشجاعة ضد أهواء العالم وتقلّباته وتعاليمه، ويُخمد شهوات الجسد ويطرد الشيطان في تجاربه. فمن يُكرّم مريم حقّاً ليس متقلّباً في شعائره فلا تراه يوسوس ولا يهاب المحن. إلا ان هذا لا يعني انه لا يسقط ربما أحياناً، او لا يشعر باليبوسة الروحية وغير ذلك، لكنه اذا ما سقط فإنه ينهض سريعاً، باسطاً يد الثقة لأمّه الحنون لترفعه، وإذا لا يشعر بلذّة في التقوى، فإنه يغتمّ، لأن البار يحيا بالإيمان (عبرانيين 38:10) وبيسوع ومريم، وليس بشعوره الحسّي والجسدي.
5- هو إكرام متجرّد
يُلهم المرء على عدم التفتيش على المصلحة الشخصية، بل على الله وأمّه القديسة. إن الإكرام الحقيقي لايخدم مريم بروح المنفعة او المصلحة، ولا حتى لخير زمني او روحي، وقتي او دائم، بل فقط لأنها تستحق ذلك، وفي تكميل ذلك يصل الى قمّة الخدمة الواجبة لله. فمن هو متجرد في إكرامه، لا يُحبّ مريم بسبب عطائها، ولكن لأنها أهل لذلك فيجب محبّتها وخدمتها بأمانة في الضجر واليبوسة، في الحلاوة والعذوبة، يُحبّها على السواء سواءٌ كانت فوق الجلجلة أم في عرس قانا، فهذا الإكرام الحقيقي هو المرضيّ والثمين في أعيُن يسوع وأمه القديسة، طوبى لمن يمارسُه.
أشعر بالسعادة لو وقع هذا الكتيّب بيد إنسان وُلد من الله ومريم، وليس من دم ولا من مشيئة جسد، ولا من إرادة رجل (يوحنا 13:1) ليكشف له الروح القدس ويُلهمه سموّ وقيمة الإكرام الحقيقي الراسخ لمريم، والذي كنت أود ان أكتبه بدمي لو كان ذلك يجدي نفعاً أكثر لإدخال هذ الحقائق في العقول.
إني أشعر اكثر من اي وقت آخر وأومل طالباً من الله، بأن كل ما رسّخته عميقاً في القلوب سيعطي للعذراء الطوباوية، عاجلاً أم آجلاً، أبناء كثيرين وخدّاماً وعبيد محبّة، أزيد من أي زمن مضى، وأن يملك سيدي المحبّ يسوع على القلوب، بواسطتها أكثر فأكثر.
أرى بعيداً وحوشاً كثيرة حانقة، تهجم لتمزّق بأنيابها الشيطانية هذا الكتيّب، محاولة إلقاءه في الظلمات وقعر صندوق، كيلا يرى النور أبداً، مهاجمين ومضطهدين قرّاءه ايضاً، ولكن لا بأس بذلك، لا بل إن الأفضل، إذ يشجّعني هذا المنظر ويجعلني ان أومل نجاحاً باهراً، لأني أرى بعيداً جيشاً عرمرم من جنود بواسل وأبطال من كلا الجنسين، يحاربون العالم والشيطان والطبيعة الفاسدة، وينتصرون عليهم، ومن يقرأ ليفهم، ومن يقدر ان يفهم فليفهم (متى 12:19).
No Result
View All Result
Discussion about this post