المرحلة الثالثة: من السبي إلى بابل
حتى السيطرة الرومانية:
– الحكم الفارسي والعودة إلى إسرائيل.
– السيطرة الهيلينستية (الحكم اليوناني) والثورة المكابية.
– الحكم الروماني وانطلاقة الكنيسة.
1ـ الحكم الفارسي والعودة إلى إسرائيل:
بعد موت نبوخذ نصّر سنة 562 ق.م بدأت فترة من الإضطرابات لخلافة نبوخذ نصّر. فقد كان يوجد في منطقة بلاد ما بين النهرين ثلاثة مناطق:
– منطقة عيلام وعاصمتها سوس.
– منطقة الماديين وعاصمتها إيكاباتان.
– منطقة حرّان.
فالمنطقة كانت مهدّدة من القوى الخارجية إلى أن وصل قورش من منطقة عيلام وأعلن نفسه ملكاً على كل الفرس في مناطق إيكاباتان وعلى سوس وقام بتقوية حكمه باحتلال المناطق تلو الأخرى إلى أن وصل إلى ميديا أو الأيونية في تركيا واحتلّ أفغانستان وإيران الشرقية حتى إنَّ مملكته امتدت من سورية حتى مناطق الهندوس.
في هذه الحقبة بين 550-539 نقرأ أشعيا الثاني، (أشعيا 40/55) وأشعيا الثاني يتكلم عن قورش وكأنه المسيح المنتظر، مسيح إسرائيل المسبي، فقورش سيخلّص شعب إسرائيل وسيسمح له بالعودة إلى أرضه.
فقورش كان ملكاً متحرراً نسبياً بعكس أسلافه الأشوريين والبابليين، فهو الملك الوحيد، ولكن بالرغم من ذلك نراه يقسم الإمبراطورية إلى ولايات ويضع على رأس كل ولاية موظف فارسي يعينه بنفسه، وكل ولاية تتمتع بحرية تامة بشرط أن لا تهدّد بتصرفاتها وبحريتها النظام الملكي المركزي. هذا من الناحية الإدارية. ومن الناحية الدينية فقد سمح قورش بإعادة الآلهة الخاصة بكل ولاية وبكل شعب من الشعوب التي ضمها إلى الإمبراطورية. فلكل شعب الحرية بإيمانه وبممارسة طقوسه وشعائره الخاصة. وفي سنة 583 أعلن قورش قراراً يسمح بعودة اليهود إلى بلادهم (عزرا 6/1-5). وهذا القرار ينص على:
1- عودة إسرائيل إلى أرضه.
2- عودة بناء الهيكل وإرجاع كنوزه.
أصبحت اليهودية تتمتع بحكم من قِبَل موظف فارسي ويحيط به مجلس مؤلّف من 150 شيخ قبيلة وهذا ما سيُعرَف فيما بعد باسم المجمع اليهودي. أما اليهود الذين بقوا في إسرائيل بعد السبي ولم يُسبَوا فقد تقوقعوا على ذواتهم وأصبح همهم الوحيد المحافظة على نقاوة شرائعهم والتمسك بحرفية الشريعة؛ أما الذين رحلوا (سُبُوا) إلى بابل فقد انفتحوا إلى ثقافات أخرى، إلى ديانات أخرى غير الديانة اليهودية، إلى تقاليد وطقوس تختلف عن تقاليدهم وطقوسهم مما سمح بإدخال التقاليد الوثنية في التقاليد اليهودية. ومن هنا نُدرِك أنَّ لقاء العائد من بابل مع اليهود الباقين في اليهودية لم يكن لقاءً حاراً وهذا الأمر سيولّد تشنجاً متجدداً حتى على المستوى اللاهوتي.
وأرسل قورش شصبصّر ليحكم اليهودية وكان عنده مهمة وحيدة هي إعادة بناء الهيكل. وبالفعل بدأ ببناء الهيكل ولكنَّ العمل توقف بسرعة واستقال شصبصّر من مهمته لسببين:
1- سبب فقر الشعب.
2- سبب الإنقسام الحاد الموجود في بنية الشعب اليهودي.
كذلك في هذه الفترة يظهر نبي هو أشعيا الثالث (أشعيا 56-66). يموت قورش سنة 530 ويخلفه إبنه كمبيز الذي يدوم حكمه من سنة 530-522. كمبيز إنتصر على المصريين سنة 525 ولكننا نفتقر جداً إلى معلومات عن وضع اليهود في هذه الحقبة.
بعد موت كمبيز قامت حرب أهلية دامت سنتين لخلافته، فانتصر داريوس الأول سنة 522-468 وتابع داريوس الأول سياسة قورش حيث أكمِل في عهده بناء الهيكل (عزرا 6/15-18). على الصعيد الديني سيصبح تحوّل كبير في هذه الفترة. فكل الرجاء الإسكاتولوجي (النهيوي) سيوضع في رئيس الكهنة بهيكل أورشليم. وهنا بهذه الحقبة يبرز نبيان هما حجّاي وزكريا.
يموت داريوس الأول ويخلفه إبنه أحشاويروش سنة 486-465 ومُنِيَ بنكسة كبيرة لأنه فشل في احتلال اليونان. ولكن ما يميّز ملكه هو كثرة الحريم في قصره ونقرأ في هذه الفترة سفر أستير وكتاب ملاخي.
فنقرأ في سفر أستير الصعوبة الكبيرة في التوافق بين الخصوصية اليهودية والوسط الوثني. أما ملاخي فينتقد الكهنوت الذي ينقصه إندفاع كبير في الإيمان، وملاخي يُعلن مجيء المسيح الذي يسبقه مرسل وهو ربما إيليا.
أحشاويروش يموت قتلاً سنة 465 ويخلفه أرتحششتا الأول سنة 465-424، ذو شخصية ضعيفة، تأثر بالنساء ورجال البلاط الملكي. كان له عمل أساسي جداً يخص اليهود، فقد أرسل نحميا إلى اليهودية في مهمتين:
1- إعادة بناء مدينة أورشليم.
2- تنظيم الإدارة المحلية في أورشليم.
نحميا لم يكن كاهناً لكنه إنتقد الكهنة وجابه رفضاً كبيراً وخصوصاً من كهنة أورشليم، ولكنه استطاع تنظيم الأمور في الهيكل، فألغى ورفض كل الزواجات المختلطة مع الوثنيين.
بعد أرتحششتا الأول يأتي داريوس الثاني سنة 424-404 لكننا نفتقر إلى معلومات عن اليهود في اليهودية في هذه الحقبة. ولكن توجد عندنا معلومات عن اليهود في مصر وخاصة عن وضعهم في جزيرة الفيلة وأنَّ هيكلهم في هذه الجزيرة قد هُدِّم.
ويخلفه أرتحششتا الثاني سنة 404-358. عند وصوله إلى الحكم تبدأ المشاكل في عدة مناطق من الإمبراطورية وذلك تحت تأثير يوناني متصاعد الذي بدأ يظهر ويشجع الثورات ضد الحكم، وأرتحششتا الثاني سيرسل إلى اليهودية عزرا الذي يميّزه عن نحميا أنه كان كاهناً وكاتباً، وعزرا سيقوم بقراءة التوراة (الشريعة) وسيعطي لليهود مفهوماً جديداً للشرائع. فبالنسبة له الذبيحة ليست مهمة جداً بل المهم هو عيش الشريعة الإلهية بمفهومها الروحي (نحميا 8). فشرح أي أعاد قراءة الأحداث من بعد السبي وقراءة الأحداث الماضية ليصبح نوعاً من التوحيد للشعب القادم من السبي والشعب الموجود في اليهودية. إذاً في هذه الحقبة نشهد نشاط أدبي مميز:
1- كتاب سفر أيوب
2- نشيد الأناشيد
3- راعوت
4- سفر يونان
5- الأمثال
6- المزامير
بعد أرتحششتا الثاني يأتي أرتحششتا الثالث سنة 358- 337 ويخلفه داريوس الثالث سنة 337-331 وهو آخر ملوك الفرس قبل وصول الإسكندر الكبير اليوناني.
2ـ السيطرة الهلينستية “الحكم اليوناني”
اليونان هم أول الأوروبيين وصولاً إلى آسيا، ووصولهم يشكل منعطفاً مهماً في تاريخ البشرية. سقطت إسرائيل تحت سيطرة الإسكندر، ومراجع الكتاب المقدس لا تعطينا معلومات عن مرور الإسكندر إلى فلسطين. من هنا نعود إلى ما كتبه فلافيوس يوسيفوس (حاكم الجليل سنة 66)، لقد أرّخ الفترة الزمنية في كتابين:
– كتاب الأقدميّات اليهودية.
– كتاب حرب اليهود ضد الرومان.