مقدمة تاريخ الكتاب المقدس
والأحداث التاريخية
مقدمة:
الكتاب المقدس هو كتاب يتضمن كتابة وهذه الكتابة تتحدث عن الله، عن تاريخ شعب، عن اليهود، عن المسيح، عن حياة، وكُتِبَ هذا الكتاب بواسطة أشخاص كتبوا عن حياة شعب.
مثلاً: سفر الخروج الذي عاشه شعب يرأسهم شخص هو موسى.
ومن الجدير بالملاحظة أن هناك بين كتابة الحدث والفترة التي صار فيها هذا الحدث فترة زمنية، تُسمَّى هذه الفترة بالتقليد الشفهي.
ما هي علاقة الشعب في العهد القديم بالله؟
كان الله مع شعبه يقودهم ويكشف لهم ذاته ويوحي بذاته لهم. إذاً ما يميز هذه الحقبة من التاريخ كان الوحي الإلهي، وفي أثناء كتابة الحوادث والقصص كان الله مع الذين يكتبون يوحي لهم ما يجب أن يكتبوه، أي أنّ الله معنا يساعدنا لنعيش ونكتب.
لماذا الكتاب المقدس؟
لكي نقرأه ولكن قراءة عيش وليس قراءة مجلة أو صحيفة. فالكتاب المقدس هو قصة حياة من أجل الحياة. والسؤال هل هناك وحي؟ نجيب بنعم لأنّ الله معنا بشكل دائم، والذي يجعلني أقرأ قراءة صحيحة لأعيش الوحي بشكل صحيح هو تعليم الكنيسة لأنّ الكنيسة تجعل لنا طريقاً واضحاً لنسير عليه في قراءتنا، ولو لم يكن هناك بين أيدينا تعليم الآباء وتعليم الكنيسة بواسطة أشخاصها ومجامعها لكنّا لا نفهم شيئاً من الكتاب المقدس.
ملاحظات: الكتاب المقدس:
1- الكتاب المقدس يشبه جوزة الهند، من داخلها الذي هو لذيذ جداً، ولكن لكي نصل إلى الداخل يجب أن نمر بصعوبات كبيرة (منظرها وقساوتها) وهذا هو الكتاب المقدس، فمن الخارج قاسٍ ولا يجذب ومتعدد اللغات، ولكن من خلال تجاوز هذه القشور أصل إلى اللب الذي هو يسوع المسيح، فالمشكلة تكمن في أن نفكر بأنّ القشرة هي اللب أي أن نأخذ الكتاب المقدس بحرفيته… وهذا هو أكبر خطر، يقول المجمع البابوي لتفسير الكتاب المقدس: كل محاولة قراءة أصولية (حرفية) هي محاولة إنتحار للجنس البشري أي عندما أفكر بأنّ القشرة هي يسوع المسيح أكون في محاولة للإنتحار. ويجب ألا نخاف من أن نضع الكتاب المقدس تحت “الميكروسكوب” ونفحصه جيداً وهذا لا يعني أن أضع يسوع تحت الميكروسكوب وأفحصه بل أن أعرف ما معنى هذه الكتابة ولماذا كتبت ولماذا هي متنوعة ومختلفة.
2- إنّ الكتاب المقدس هو كتاب مشترك بين الديانات الثلاث ولكن هذا لا يعني أنّ المسيحية هي دين كتابي لأنها مؤسسة على شخص هو يسوع المسيح ومن خلال الكتاب نفتش عن يسوع.
3- الكتب المقدسة تُجمع كلها في كتاب واحد، فالكتاب المقدس هو مكتبة بما تحمل الكلمة من معنى، وهذه المكتبة تصنَّف فيها الكتب بعدة طرق: حسب التاريخ، حسب الأشخاص…
4- يجب أن نميز بين تاريخ شعب الله وبين تاريخ الكتاب المقدس فنحن الذي سندرسه هو تاريخ شعب الله مع العودة من وقت إلى وقت إلى تاريخ الكتاب المقدس.
لماذا هناك قصص تاريخية كثيرة في الكتاب المقدس؟
في عالم الكتاب المقدس لأنه ليس منزل للزمن والوقت مهمة خاصة، فالله كشف ذاته في التاريخ البشري من خلال حوادث متتالية فيها يكشف الله عن ذاته. فالتاريخ يبين لنا مهمة خاصة في المسيحية وظهر هذا التاريخ بشكل خاص في التجسد الذي هو حضور الله بيننا، وما التجلي الإلهي إلا ظهور الله المتجلي لنا من خلال التاريخ. والله في المسيحية دخل في الزمن وكسر الزمن الذي كان يسير عادياً، والأعياد أصبحت لولبية متجهة نحو الله بعد أن كانت دائرية تنطلق من نقطة إلى أخرى لتعود إلى نفس النقطة. فالله كسر الزمن بتجسده وقيامته وجعله يصير زمناً خارجاً عن الإنطلاق من نقطة والرجوع إليها. إذاً هناك قصص كثيرة لأنّ الله كان يكشف ذاته من خلال التاريخ، ونحن لا ندرس تاريخ الوحي، بل ندرس التاريخ الذي هو وحي. فتاريخ شعب الله هو محاولة كشف ذات الله.
ما هو الحدث التاريخي؟
الحدث هوكل شيء ممكن أن نتذكره، فالأحداث التاريخية هي التي تبقى في الذاكرة وهذا معناه أنّ هذا الحدث يحمل لي رسالة، ويهمني ويعنيني ولأجل ذلك هو حدث تاريخي. فالأحداث في الكتاب المقدس هي الأحداث التي تحمل لنا معنى روحياً وتكشف لنا عن بعض ما لله. وهذه الأحداث التاريخية ذات المعنى الروحي هي التي تجعل التاريخ تاريخ خلاص لأنّ الله تدخل في التاريخ وكشف ذاته في التاريخ؛ وما عمل الكاهن اليوم على المذبح إلا تأوين لعمل الخلاص.
هل جميع الأحداث هي صحيحة؟
يجب أن نميز بين ما هو مطابق للواقع وبين ما هو صحيح. ما معنى حدث مطابق للواقع: أي حسب ما حدث في التاريخ. ما معنى صحيح: أي أنّ هذا الحدث المطابق للواقع أو غير مطابق للواقع يحمل معنى روحي أستطيع أن أعيشه اليوم.
فآدم وحواء يحملان معنى روحي، هو أنّ أصلنا من عند الله ويجب أن نحافظ على هذا الأصل. فحدث آدم وحواء هو غير مطابق للواقع لكنه صحيح، فكل الأحداث هي صحيحة ولكن ليست كل الأحداث مطابقة للواقع، هذا في العهد القديم؛ أما في العهد الجديد، فكل الأحداث هي صحيحة ومطابقة للواقع ومن الممكن التأكد منها تاريخياً (لوقا 1/1-3).
المرحلة الآولى: قبل الإقامة في كنعان:
تكوين فصل 12-50: إنطلق من أرضك وعشيرتك إلى الأرض التي أريك.
1- الآباء: إبراهيم ـ إسحق ـ يعقوب : تك فصل 12-50
2- الإقامة في مصر، الخروج والتشرّد في الصحراء: خر 1-18 ، عدد 10/11 ـ 20/13.
3- الإقامة في سيناء: خروج 19؛ أحبار؛ عدد1و10/10
4- إحتلال منطقة عبر الأردن: عدد 20/4-36؛ تثنية الإشتراع.
المرحلة الثانية: من الإقامة إلى تأسيس أمة حتى السبي إلى بابل:
واستولى يشوع على البلاد: يشوع 11/16.
وسُبِيَت يهوذا عن أرضها: 2ملوك 25/21.
1- الفتح وتوزيع الأراضي بين الأسباط: يشوع 1/24.
2- القضاة: سفر القضاة؛ صموئيل.
3- الملوكية.
a- صموئيل وشاول البنياميني: 1صموئيل.
b- داود اليهودي: 1-2صموئيل.
c- سليمان الحكيم: 1ملوك 1-11.
4- إنقسام المملكة يهوذا وإسرائيل:1ملوك 12 -2ملوك.
a- الإنقسام.
b- تعاقب الملوك.
5- السبي إلى بابل.
المرحلة الثالثة: من السبي إلى بابل إلى السيطرة الرومانية: عزرا 1/3.
1- الحكم الفارسي والعودة إلى إسرائيل.
2- الحكم اليوناني.
3- ثورة المكابيين.
4- سيطرة الرومان ومولد يسوع.
سنتناول في بحثنا قصة الخلق إبتداءً من آدم وحواء حتى الوصول إلى نوح (طوفان ـ بابل)، ومن ثم نصل إلى أول الآباء (إبراهيم) واسحق ومن سلالته يأتي يعقوب وعيسو. يعقوب ولد 12 ولد وهم أسباط إسرائيل، ومع يوسف إبن يعقوب تصبح إسرائيل في مصر بسبب المجاعة التي حلت في أرضها (إسرائيل) وإسرائيل في مصر كانت سيدة حرة ولكنها تتحول تدريجياً من السيادة إلى العبودية. بعد ذلك يُرسِل الرب موسى الذي يُعتبر من أهم الأشخاص في تاريخ إسرائيل، ولأهميته الكبرى كان الكاهن والمشترع و…
وحتى يسوع المسيح لقبه الشعب بموسى، فشخصية موسى شخصية مهمة من الناحية التاريخية واللاهوتية والتشريعية. ومن أهم الأعمال التي قام بها موسى هو أنه قاد شعبه إلى الخروج من مصر. ومع الخروج تبدأ مسيرة العذاب والغربة في الصحراء، ومن الجدير بالملاحظة أن الشعب في تلك اللحظات العسيرة الصعبة إستطاع أن يكتشف الله من خلال الوصايا التي أنعم الله بها على شعبه، فقد كان مع كل مأساة، يحصل الشعب على خير عظيم.
هذا الزمن أساسي جداً لأن الشعب المشتت من نواحٍ عدة، أتى شخص إسمه موسى جمعه في بوتقة واحدة وأصبح الخليط شعباً تحت رايته. ومن ثم يموت موسى، لكنه قبل موته يعيّن يشوع بن نون ليرعى شعب إسرائيل، ويشوع هذا له أهمية كبرى لأنه من أساسات التجمع في شكين (خروج 24)، وهو أهم شخص أعطى تقريراً صحيحاً عن استكشاف أرض الميعاد لموسى الذي توفي على جبل نابو. ومن ثم سندرس الإقامة في كنعان (أرض الميعاد).
سيشمل بحثنا في جزئه الأول دراسة إبراهيم حتى الإقامة في كنعان. وفي كنعان توزعت الأراضي بعد موت يشوع حسب أساطير إسرائيل، والمسؤول عن توزيع الأراضي كان يُدعى قاصنيا، وهنا ندخل في سفر القضاة الذين كانوا يُقسمون إلى قسمين: صغاراً (كالمخاتير)؛ وكباراً (يستطيعون القيام بالحملات).
بعد ذلك كان الشعب في حرب دائمة، وكان لا بدّ من تنظيمه وتوحيده، فأتت سلطة الملوك من شاول إلى داوود وسليمان. والمرحلة الملوكية تتميز بأهمية كبيرة في إسرائيل، لأنه في هذه المرحلة ستنظم الدولة بتقسيماتها ومحافظاتها وإداراتها وجيشها واتصالاتها… وهذه الأمور مهمة جداً في نقل الإيمان ونقل المعرفة، وبسبب ما صارت الدولة من تنظيم وانفتاح في المرحلة الملوكية، بدأ الشعب يختلط مع الآخرين من ذوي الديانات الأخرى. بعد ذلك بدأت سلالة الملوك بالإنحدار وخصوصاً في وقت سليمان عندما انقسمت المملكة إلى مملكة الشمال ومملكة الجنوب.
حتى موعد الحروب الأشورية في زمن نبوخد نصّر تأتي مرحلة السبي إلى بابل. هذه المرحلة هي مرحلة مهمة في تاريخ شعب الله. ففي هذه الفترة يقع الشعب في مشكلة كبيرة تمتحن إيمانه، فقد كان لهذا الشعب هيكلاً يصلون فيه، وهذا الهيكل قد بناه سليمان الحكيم وبه وحّد الشعب إيمانياً بطقس موحَّد.
ففي بابل لم يعد هناك هيكل للإجتماع والصلاة وممارسة الطقوس الدينية الموحَّدة. ويمكن أن نعتبر أن زمن السبي هو زمن إعادة النظرة العميقة الداخلية لإيمان شعب الله. ففي بابل أصبح الإيمان – يُعاش خارجياً بتقدمة الذبائح – ويُعاش داخلياً بالقلب – لذلك أصبح الشعب يستطيع أن يقول: ” كما يشتاق الأيل إلى مجاري المياه، هكذا نفسي تشتاق إليك يا الله “، وهذا يعني أن الشعب متعطش لهيكل الله.
ففي بابل أُعيدت قراءة كل الأحداث التي رافقت إسرائيل منذ النشأة.
بعد ذلك يجيء قرار قورش الحاكم الفارسي الذي أمر بالعودة إلى إسرائيل (كنعان) فأرجع إلى الشعب كل ما أخذه نبوخد نصر من الهيكل، وأمر أيضاً بإعادة إعمار الهيكل وأعطى الشعب حقه، وكان شرطه الوحيد أن يبقى الأمن مستتباً في إمبراطوريته، وعلى هذا الأساس عاد الشعب إلى أرضه التي وعده الله بها. ومع العودة لم يعد موجوداً مع الشعب ملكاً، فأصبح الشعب يتوق إلى مخلص آخر، هذا المخلص تمثّل بالكهنة والأنبياء. ومن الملاحظ أن أغلب الأنبياء كانوا قبل السبي والبعض الآخر كان موجوداً إما في السبي أو جاؤوا بعد السبي، فأنبياء قبل السبي إنتقدوا الملوكية وفي السبي أعطوا رجاءً جديداً ونظموا السبي، وكان عمل الكهنة هو تنظيم الطقوس.
بعد ذلك يبدأ مجيء الشعوب الغربية والتي ابتدأت من اليونان وما رافقها من ثورة المكابيين حتى وصول الرومان الذين في فترة حكمهم وُلِدَ السيد المسيح وبعد يسوع تنطلق الكنيسة.
لماذا لم يُكتب الكتاب المقدس بتسلسله الزمني كما في تسلسله التاريخي الكتابي، ولماذا هناك عدة قصص عن الخلق؟
من الجدير بالذكر أن الكتابة بدأت في أيام الملوك حيث انتظمت الدولة (خصوصاً مع سليمان)، وأيضاً كُتِب الكتاب المقدس في زمن الأنبياء لأنهم قرأوا الأحداث قراءة إيمانية وقالوا إنه لا يوجد ملك سوى الله. وبعد الأنبياء بدأ الإنتاج الكهنوتي في الكتابة. ولذلك نرى في سفر واحد وفي صفحة واحدة ثلاث إتجاهات مختلفة.
إنّ التاريخ لم يُكتب من أجل التاريخ، إنما كُتب لهدف أسمى مزدوج: هدف كرازي وهدف طقسي ليتورجي. فالنصوص المكتوبة كُتِبَت لكي تُعاش في الهيكل وفي الجماعات، ونستطيع القول أن آولى الكتابات كانت القصائد، وذلك لأن في القصيدة تستطيع الذاكرة أن تستوعب اللحن بسرعة. وكان لا بدّ من الكتابة، لأنه في مجتمع منفتح على كل الحضارات والديانات كان الخوف على التقليد الشفهي من الضياع ومن تغيير عناصر الإيمان الأساسية وأيضاً كان الخوف على معنى الكلمة الصحيح أن تتغير إلى معنى خاطئ.
نرى من خلال دراستنا للكتاب المقدس أنّ هناك أحداث معادة، مثلاً: إبراهيم في مصر؛ موسى في مصر؛ يسوع في مصر… فوجود التكرار يفهمنا شيء واحد هو أن كل جماعة كَتبت كانت تكتب باسم الله، لأن الله كان يكتب من خلال هذا الشخص وأيضاً كان يَظهر لشخص آخر ويجعله يكتب أي أنه لم يكن هناك للطبع حقوق محفوظة، فالله كان الكاتب الأساسي وجميع الحقوق محفوظة له.
وأيضاً نلاحظ من خلال دراستنا أن القصص مكرَّرة وهذا يعود لسبب واحد هو أنه في قراءتي لهذه القصص أعود وأتأكد إيمانياً بأن الله كما خلصني في الماضي سيخلصني في الوقت الحاضر، فمثلاً: عندما كان الشعب في السبي كان يتذكر على ضوء إيمانه وثقته بالله أن الله كما خلصه من عبودية مصر سيخلصه من عذابه في بابل. فالله كما خلق بمحبة وخلص بمحبة، سيكمل عمله الخلاصي بمحبة، فقصد الله لا يتغير لأن الله لا يتغير.
ومن الجدير بالملاحظة في تاريخ العهد القديم أنه في كل عهد كان يبقى ما يسمى بالبقية الباقية، مثلاً: نوح هو من البقية الباقية…وإبراهيم…وموسى…حتى يوحنا المعمدان، وتختصر هذه البقية الباقية بشخص واحد ألا وهو العذراء مريم.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
Discussion about this post