زيارة البابا بنديكتس السادس عشر إلى البرتغال
11-14 أيار 2010
برنامج زيارة البابا بنديكتس السادس عشر للبرتغال 11 ـ 14 أيار مايو 2010
راديو فاتيكان 26/3/2010
نشرت دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي أمس الخميس برنامج زيارة الأب الأقدس إلى جمهورية البرتغال المرتقبة من الحادي عشر وحتى الرابع عشر من أيار مايو القادم وتتزامن والذكرى العاشرة لتطويب جاثينتا وفرانشيسكو.
لشبونة هي المحطة الأولى من زيارة البابا حيث سيزور رئيس البلاد أنيبال كافاكو سيلفا ويترأس مساء الحادي عشر من مايو القداس الإلهي ويوجّه رسالة في الذكرى السنوية الخمسين لتأسيس مزار المسيح الملك في ألمادا…
صباح الثاني عشر من مايو، يلتقي بندكتس السادس عشر عالم الثقافة في لشبونة، ويجتمع ظهرا برئيس مجلس الوزراء جوزي سوكراتيس في مقر السفارة البابوية ليتوجّه بعدها إلى فاطمة على متن طائرة مروحية حيث سيزور عند الساعة خامسة والنصف بالتوقيت المحلي كابلة الظهورات في مزار عذراء فاطمة ويحتفل بصلاة الغروب مع الكهنة والرهبان والإكليريكيين والشمامسة في كنيسة الثالوث الأقدس ويبارك المشاعل في ساحة المزار ويترأس صلاة السبحة الوردية…
صباح الخميس الثالث عشر من مايو يحتفل بندكتس السادس عشر بالقداس الإلهي في ساحة مزار عذراء فاطمة ويلتقي عصرا المنظمات المعنية بالرعوية الاجتماعية وأساقفة البرتغال… صباح الرابع عشر من مايو يودّع البابا فاطمة وينتقل على متن طائرة مروحية إلى بورتو ليترأس القداس الإلهي ويغادر المدينة عند الثانية من بعد الظهر عائدا إلى روما.
كلمة البابا لدى وصوله الى البرتغال
“آتي كحاج لزيارة فاطيما”
ليشبونة، الثلاثاء 11 مايو 2010 (Zenit.org)
ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر لدى وصوله الى البرتغال ظهر اليوم.
السيد رئيس الجمهورية،
سلطات الأمة المحترمة،
الإخوة الموقرون في الأسقفية،
سيداتي وسادتي!
الآن فقط أُتيح لي أن أقبل دعوة السيد الرئيس وإخوتي في الأسقفية لأزور هذه الأمة العريقة التي تحتفل هذا العام بمرور قرن على إعلان الجمهورية. منذ أن طأت قدماي هذه الأرض للمرة الأولى منذ أن دعتني العناية الإلهية لاعتلاء السدة البطرسية، أشعر بالفخر الكبير والعرفان وأشكركم جميعاً على حضوركم. أشكركم، سيدي الرئيس، على كلماتكم اللطيفة، باسم الشعب البرتغالي الطيب. أوجه تحية للجميع، بغض النظر عن إيمانهم أو دينهم، وبخاصة لجميع الذين لم يستطيعوا الحضور معنا. آتي كحاج الى سيدة فاطيما، ولأثبت إخوتي الذين يمضون قدماً في مسيرة حجهم نحو السماء.
منذ فجر انطلاقته، توجه الشعب البرتغالي الى خليفة بطرس رغبة منه بالحصول على الاعتراف به كأمة؛ وقد تشرف البرتغال بالحصول، في شخص ملكه، على لقب “الأمين” من أحد سلفائي (راجع بيوس الثاني، 25 يناير 1460)، للخدمات الكبيرة لقضية الإنجيل. ما حصل منذ 93 سنة، أي انفتاح السماء على البرتغال – كنافذة رجاء يفتحها الله عندما يغلق الانسان الباب في وجهه – لتعزيز ربط الأخوة في العائلة البشرية، انطلاقاً من مبدأ الاعتراف بالآب الواحد، كان مخطط من قبل الله. الأمر لا يتعلق بالبابا ولا بأية سلطة كنسية أخرى،: “الكنيسة ليست هي التي فرضت فاطيما”، كما كان يقول الكاردينال مانويل تشيريجيرا السعيد الذكر، بل إن “فاطيما فرضت ذاتها على الكنيسة” على حد قوله.
جاءت العذراء مريم من السماء لتذكرنا بحقائق الإنجيل التي هي مصدر رجاء بالنسبة للبشرية التي تفتقد الى المحبة والى الرجاء في الخلاص. من المؤكد أن بُعد الرجاء الأول ليس العلاقة الأفقية، بل العلاقة العمودية، التصاعدية. العلاقة مع الله هي في صلب الكائن البشري: هذا الأخير خُلق لله، وهو يبحث عن الحقيقة في كيانه، يميل الى الخير وينجذب الى الجمال في بعده الشكلي. ويكون الضمير مسيحياً بقدر ما ينفتح على ملء الحياة والرجاء، الذي لنا في المسيح يسوع. وما هذه الزيارة التي أبدأها الآن، تحت راية الرجاء، سوى طرح حكمة ورسالة.
من الرؤية الحكيمة للحياة والعالم ينبثق نظام مجتمع عادل. بحكم وجودها في التاريخ، تنفتح الكنيسة على التعاون مع الذين لا يهمشون ولا يحولون الى “خاص” الاعتبارَ الأساسي للمعنى البشري في الحياة. الأمر لا يتعلق بمواجهة أدبية بين نظام علماني ونظام ديني، بل إنها مسألة المعنى والحرية الشخصية. ما يصنع الفرق هو القيمة المعطاة لمسألة المعنى، وتداعياتها على الحياة العامة. إن التحول الجمهوري، الذي حصل منذ قرن خلا في البرتغال، فتح فسحة جديدة من الحرية للكنيسة، تجسدت في معاهدتي 1940 و 2004، في محيط ثقافي وتطلعات كنسية متسمة بالتغيرات الاجتماعية السريعة. لقد تمت مواجهة المعاناة التي تسببت بها التغيرات، بشجاعة. إن العيش في تعددية نظم القيم والأطر الأخلاقية يفترض عودة الى قلب الأنا وإلى نواة المسيحية لتدعيم نوعية الشهادة حتى القداسة وإيجاد سبل الرسالة حتى راديكالية الاستشهاد.
أيها الإخوة والأصدقاء البرتغاليون الأعزاء، أجدد شكري لكم على استقبالكم الودي. فليبارك الله جميع الحاضرين وجميع سكان هذه الأمة النبيلة التي أوكلها الى عذراء فاطيما، صورة محبة الله السامية التي تغمر الجميع كأبناء.
كلمة قداسة البابا بندكتس السادس عشر قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي
الفاتيكان، الاثنين 10 مايو 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي نهار الأحد.
* * *
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!
مايو هو الشهر المحبوب والذي يُفرحنا حلوله لأسباب عدة. في نصف الكرة الأرضية الشمالي، يتقدم الربيع مع جم من الألوان والزهور؛ الطقس ملائم للنزهات والرحلات.
بالنسبة لليتورجيا، ينتمي مايو دومًا لزمن الفصح، زمن الـ “هليلويا”، زمن اعتلان سر المسيح في نور القيامة والإيمان الفصحي؛ وهو زمن انتظار الروح القدس، الذي نزل بقوة على الكنيسة المولودة من العنصرة.
يتناغم بشكل جيد مع هذين الإطارين، الطبيعي والليتورجي، التقليد الكنسي الذي يكرس شهر مايو للعذراء مريم. فالعذراء بالواقع هي أجمل وردة تفتحت في الخليقة، هي “الزهرة” التي ظهرت في ملء الأزمنة، عندما أعطى الله العالم، من خلال إرسال ابنه، ربيعًا جديدًا. وهي في الوقت عينه رائدة، متواضعة ووديعة، للخطوات الأولى للجماعة المسيحية: مريم هي قلب البشرية الروحي، لأن حضورها بالذات في وسط التلاميذ هو ذكرى حية للرب يسوع وعربون هبة روحه.
إنجيل هذا الأحد، المأخوذ من إنجيل القديس يوحنا، يقدم لنا رسمًا روحيًا بينًا للعذراء مريم، حيث يقول الرب يسوع: “إذا أحبني أحد، حفظ كلمتي، وأبي يحبه ونأتي ونقيم عنده” (يو 14، 23).
هذه التعابير تتوجه إلى التلاميذ، ولكن يمكننا أن نطبقها بشكل سامٍ على تلك التي هي أولى تلاميذ يسوع وأكثرهم كمالاً. مريم هي الأولى التي حفظت بالكامل كلمة ابنها، مبينةً بهذا الشكل أنها تحبه، ليس فقط كأم، بل قبل كل شيء كأمة وضعية ومطيعة؛ لهذا احبها الآب وأقام فيها الثالوث الأقدس.
إضافة إلى ذلك، حيث يعد يسوع أصدقاءه بأن الروح القدس سيعضدهم مساعدًا إياهم على تذكر كلماته وعلى فهمها بالعمق (راجع يو 14، 26)، كيف لنا ألا نفكر بمريم، التي كانت تحفظ في قلبها – هيكل الروح القدس – كل ما كان يقوله ابنها ويفعله، وكانت تتأمله وتؤوّله بأمانة؟ بهذا الشكل، في البدء وبشكل خاص بعد الفصح، صارت أم يسوع أيضًا أم الكنيسة ونموذجها.
أيها الأصدقاء الأعزاء، في قلب هذا الشهر المريم، سيكون لي فرح الذهاب في الأيام المقبلة إلى البرتغال. سأزور العاصمة ليشبونا وبورتو التي هي المدينة الثانية في القطر. وستكون محطة زيارتي الأساسية مدينة فاطيما، بمناسبة الذكرى العاشرة لتطويب الراعيين الصغيرين جاثينتا وفرنسيكو. للمرة الأولى كخليفة بطرس سأزور المزار المريمي العزيز جدًا على المكرم يوحنا بولس الثاني.
أدعو الجميع لكي يرافقوني في هذا الحج، مشتركين بشكل فاعل بالصلاة: بقلب واحد ونفس واحدة نستدعي شفاعة العذراء مريم لأجل الكنيسة وبشكل خاص لأجل الكهنة، ولأجل السلام في العالم.
عظة البابا في ساحة تيرييرا دو باسو
“ماذا سيحصل إذا فسُد الملح”
ليشبونة، الثلاثاء 11 مايو 2010 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر خلال القداس الذي أقامه في ساحة تيرييرا دو باسو في ليشبونة.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
أيها الأصدقاء الشباب!
“اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، … وعلموهم أن يحفظوا ما أوصيتكم به. وها أنا معكم طوال الأيام حتى انقضاء الدهر” (متى 28: 19-20). كلمات يسوع القائم هذه تأخذ معنى مميزاً هنا في مدينة ليشبونة، التي منها انطلقت أجيال وأجيال من المسيحيين – أساقفة، كهنة، مكرسين وعلمانيين، رجال ونساء، شباب وغيرهم – ، بطاعة لنداء الرب، متسلحين بضمانته لهم: “أنا معكم طوال الأيام”. لقد تميز البرتغال بين الأمم بالخدمة التي قدمها في نشر الإيمان: في قارات العالم الخمس نجد كنائس محلية تأسست بفضل العمل الإرسالي البرتغالي.
في الماضي، لم تقف انطلاقتكم للبحث عن شعوب أخرى، حاجزاً في وجه الرباط مع ذواتكم وإيمانكم، بل على العكس، وبفضل حكمتكم المسيحية، نجحتم في زرع خبراتكم ومميزاتكم، منفتحين في الوقت عينه على إسهام الآخرين في ضعف ظاهري تبين أنه في الواقع قوة. اليوم، بإسهامكم في بناء الجماعة الأوروبية، تقدمون إسهام هويتكم الثقافية والدينية. إن يسوع المسيح الذي انضم في الطريق الى تلميذي عماوس، يسير اليوم معنا بحسب الوعد: “أنا معكم طوال الأيام، حتى انقضاء الدهر”. على الرغم من اختلافها عن خبرة الرسل، تبقى خبرتنا نحن أيضاً خبرة حقيقية وشخصية مع الرب القائم. الرب القائم يتخطى مسافات الزمن ويقدم ذاته من خلالنا حياً وفاعلاً في حاضر الكنيسة والعالم. في هذا يكمن فرحنا الكبير. في بحر التقليد الكنسي الحي، لا يقف المسيح على مسافة 2000 سنة من الزمن، بل إنه حاضر فعلياً بيننا ويمنحنا الحقيقة، والنور الذي ينير لنا الدرب نحو المستقبل. بحضوره في كلمته، في جماعة شعب الله ورعاته، وبنوع بارز في سر جسده ودمه، يسوع حاضر معنا.
أحيي السيد الكاردينال بطريرك ليشبونة، وأشكره على الكلمات الحارة التي وجهها لي في بداية هذا الاحتفال باسم جماعته. تحية أخوية لكم أنتم الحاضرين هنا – الإخوة الأحباء في الأسقفية وفي الكهنوت، الرجال والنساء المكرسين الأعزاء، والمؤمنين العلمانيين الملتزمين، العائلات العزيزة والشباب، المعمدين والموعوظين – ولجميع الذين يشتركون معنا عبر الإذاعة والتلفزيون. أشكر السيد رئيس الجمهورية لحضوره كما وأشكر حضور السلطات الأخرى، وبخاصة عمدة ليشبونة، الذي سلمني مفاتيح المدينة. ليشبونة الصديقة، ميناء وملجأ الآمال التي أوكلك إياها من كان يرحل عنك ورغب في زيارتك، أتشرف بحصولي على هذه المفاتيح التي أسلمتنيها لكيما تضعي آمالك البشرية في الرجاء الإلهي.
في القراءة التي سمعناها للتو، من رسالة القديس بطرس الأولى، نقرأ: ” هاءنذا أضع في صهيون حجرا للزاوية مختارا كريما، فمن اتكل عليه لا يخزى”. ويوضح الرسول: إقتربوا من الرب، “فهو الحجر الحي الذي رذله الناس فاختاره الله وكان عنده كريما” (1بط 2: 6. 4). أيها الإخوة والأخوات، من يؤمن بيسوع لا يخزى: إنه كلمة الله الذي لا يَغِش ولا يُغَش. كلمة يشهد لها “جمع كثير لا يستطيع أحد أن يحصيه، من كل أمة وقبيلة وشعب ولسان” وقال عنهم صاحب الرؤيا إنهم “لابسين حللا بيضاء، وبأيديهم سعف النخل”(رؤ 7: 9). بين هذا الجمع الذي لا يحصى، لا يوجد فقط القديسون فيريسيمو، ماكسيم وجوليا الذي استشهدوا هما على يد ديوكليتيانوس، أو القديس فينشينسو، الشماس والشهيد، شفيع البطريركية؛ القديس انطونيوس والقديس يوحنا من بريتو اللذان زرعا بذرة الكلمة في شعوب وأراض بعيدة؛ القديس نونو القديسة مريم الذي أعلنت قداسته منذ أكثر من سنة؛ بل إن هذه الجموع تتكون من “خدام إلهنا”، إله كل الأزمنة والأمكنة، وعلى جبهتها رُسمت علامة الصليب “بختم الله الحي” (رؤ 7: 2): الروح القدس. إنه سر المعمودية الذي بواسطته تلد الكنيسة “القديسين”.
لا تخلو الكنيسة من أبناء معاندين ومتمردين، غير أن سماتها تظهر في القديسين، وفيهم بالذات تتذوق الفرح العميق. تجمعهم جميعاً الرغبةُ في تجسيد الإنجيل في حياتهم الخاصة، يقودهم المحرك الأبدي لشعب الله وأعني به الروح القدس. بتركيز نظرها على قديسيها، توصلت هذه الكنيسة المحلية الى الوعي الى أن الأولوية الرعوية تكمن في العمل على أن يكون لكل رجل امرأة مسيحيين شعاع البعد الإنجيلي وسط العالم، في العائلة، في الثقافة، في الاقتصاد وفي السياسة. غالباً ما نهتم للنتائج الاجتماعية والثقافية والسياسية للإيمان، مفترضين، مع الأسف، أن وجود هذا الإيمان يفقد أكثر فأكثر واقعيته. لربما كانت هناك ثقة مفرطة بالهيكليات والبرامج الكنسية، وفي توزيع السلطات والأعمال؛ ولكن ماذا سيحصل إذا فسُد الملح؟ ولكي لا يحدث ذلك، لا بد من الإعلان بفرح حدث موت وقيامة المسيح، قلب المسيحية، ونقطة ارتكاز إيماننا وعضدد يقيننا، الريح التي تكشح كل قلق وريبة، وكل شك وحساب بشري. قيامة المسيح تضمن لنا أنه ما من قوة معادية يمكنها أن تدمر الكنيسة. وبالتالي فإن لإيماننا أساس، ولكن لا بد لهذا الإيمان أن يضحي حياً في كلّ منا. هناك إذن مجهود ينبغي القيام به لكيما يتحول كل مسيحي الى شاهد قادر على إظهار الرجاء الفاعل فيه، للجميع (راجع 1 بط 3: 15): وحده المسيح قادر على إرضاء أشواق قلب الإنسان العميقة، والجواب على تساؤلاته القلقة بشأن المعاناة، والظلم والشر، بشأن الموت والحياة الآخرة.
أيها الإخوة الأعزاء والأصدقاء الشباب، المسيح معنا دائماً، وهو يسير دائماً مع كنيسته، يرافقها ويحفظها، كما قال هو نفسه: “أنا معكم طوال الأيام، حتى انقضاء الدهر” (مت 28: 20). لا تشكوا أبداً بحضوره! ابحثوا دائماً عن الرب يسوع، انموا في صداقته، تناولوه في الافخارستيا. تعلموا أن تصغوا الى كلمته وأن تلتقوه في الفقراء. عيشوا حياتكم بفرح وحماس، متأكدين من حضوره ومن صداقته المجانية، السخية، الأمينة حتى الموت على الصليب. اشهدوا أمام الجميع لفرح حضوره القوي واللطيف، بدءاً بأترابكم. قولوا لهم ما أجمل أن يكون المرء صديقاً ليسوع وأن الأمر يستحق اتباعه. أظهروا بحماسكم أنه، من بين كل طرق العيش التي يقدمها العالم- وكلها تنتمي الى نفس المستوى – الطريق الوحيد الذي فيه نجد معنى حقيقياً للحياة، وبالتالي الفرح الحقيقي والمستدام، هو طريق اتباع يسوع. اطلبوا كل يوم حماية مريم، أم الرب ومرآة كل قداسة. هي، الكلية القداسة، تساعدكم لتكونوا تلاميذاً أمينين لابنها يسوع المسيح.
تحية البابا للشباب أمام السفارة البابوية
“أشكركم على شهادتكم الفرحة للمسيح”
ليشبونة، الثلاثاء 11 مايو 2010 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي التحية التي وجهها بندكتس السادس عشر للشباب الذي اجتمعوا أمام مقر السفارة البابوبة في ليشبونة للترحيب بالبابا في البرتغال.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
أيها الأصدقاء الشباب
أيها الأصدقاء،
أود أن أعرب عن تقديري لمشاركة الشباب الكثيفة بالقداس بعد الظهر في تيرييرا دو باس. إنه لدليل واضح على إيمانهم ورغبتهم في بناء مستقبلهم على إنجيل يسوع المسيح. أشكركم على شهادتكم الفرحة للمسيح الذي هو شاب الى الأزل، كما وأشكركم على الرعاية التي أحطتم بها نائبه على الأرض في اجتماعكم هنا الليلة. لقد جئتم تتمنون لي ليلة سعيدة، ولهذا أشكركم من كل قلبي. أما الآن فاسمحوا لي بأن أخلد للنوم، فغداً ينتظرنا.
أشعر بالفرح الكبير لإمكانية انضمامي الى الجموع الغفيرة الحاجة الى فاطيما، بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لتطويب فرنشيسكو وجاسينتا. بمعونة السيدة، تعلما رؤية نور الرب في عمق قلبيهما، وعبادته في حياتهما. فلتنل العذراء مريم هذه النعمة لكم أيضاً ولتحرسكم! أتكل عليكم وعلى صلواتكم لتعطي هذه الزيارة الى البرتغال الثمر الكثير. بعاطفة كبيرة أمنحكم البركة الرسولية باسم الآب والابن والروح القدس.
ليلة سعيدة! والى اللقاء غداً.
وشكراً جزيلاً!
صلاة البابا أمام عذراء فاطيما في البرتغال
فاطيما، الأربعاء 12 مايو 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي الصلاة التي تلاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر في مزار سيدة فاطيما في البرتغال.
* * *
الأب الأقدس:
يا سيدتنا
وأم كل البشر رجالاً ونساء،
هاأنذا كابن
يأتي لزيارة أمه
يرافقه
حشد من الإخوة والأخوات.
كخليفة بطرس،
الموكلة إليه رسالة
أن يتقدم خدمة المحبة في كنيسة المسيح
وتثبيت الجميع في الإيمان
والرجاء،
أود أن أقدم
إلى قلبك البريء من الدنس
أفراح وآمال
مشاكل وآلام
كل واحد من أبنائك وبناتك
الذين يتواجدون في مغارة إيريا
أو يرافقوننا من بعيد.
أيتها الأم الحبيبة،
أنت تعرفين كل شخص باسمه،
مع وجهه وتاريخه،
وتحبين الجميع بعطف أمومي ينبع من قلب الله المحبة.
أوكل الجميع وأكرسهم لك،
أيتها الأم الكلية القداسة،
أم الله وأمنا.
الجوقة والجماعة: ننشد لك ونعظمك يا مريم
الأب الأقدس:
إن المكرم يوحنا بولس الثاني،
الذي زارك مرات ثلاث هنا في فاطيما
والذي شكرك لأجل تلك “اليد الخفية”
التي أعتقته من الموت
في اعتداء الثالث عشر من مايو،
في ساحة القديس بطرس،
منذ نحو ثلاثين عامًا
وقد أراد أن يقدم إلى مزار فاطيما
رصاصة أصابته بشكل بليغ
وُضعت في إكليلك، إكليل ملكة السلام.
يعزينا بعمق
أن نعرف أنك مكللة
ليس فقط بفضة
وذهب أفراحنا وآمالنا،
بل أيضًا بـ “طلقة رصاص”
همومنا وآلامنا.
أشكر، أيتها الأم الحبيبة،
الصلوات والتضحيات
التي كان يقدمها رعاة فاطيما الصغار
لأجل البابا،
تدفعهم إلى ذلك العواطف التي
أوحيتها أنتِ إليهم في ظهوراتك.
أشكر أيضًا جميع الذين يصلون،
كل يوم،
لأجل خليفة بطرس،
ولأجل نواياه،
لكي يكون البابا قويًا بالإيمان،
شجاعًا في الرجاء ومتقدًا بالمحبة.
الجوقة والجماعة: ننشد لك ونعظمك يا مريم
الأب الأقدس:
يا أمنا الحبيبة،
أسلم هنا في مزارك في فاطيما،
الوردة الذهبية
التي حملتُها من روما،
عربونًا لعرفان البابا
لأجل العظائم التي حققها الضابط الكل
بواسطتك في قلوب الكثير من الحجاج
إلى هذه الدار الأمومية.
أنا أكيد أن رعاة فاطيما الصغار
الطوباويين فرنسيسكو وياسينتا
وخادمة الله لوسيا يسوع
يرافقوننا في ساعة التضرع والفرح هذه
الجوقة والجماعة: ننشد لك ونعظمك يا مريم
خطاب بندكتس السادس عشر لدى لقائه بالعالم الثقافي في المركز الثقافي في بيليم
ليشبونة، الأربعاء 12 مايو 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي الخطاب الذي تلاه بندكتس السادس عشر لدى لقائه بالعالم الثقافي في المركز الثقافي في بيليم – ليشبونة.
* * *
إخوتي الأجلاء في الأسقفية،
السلطات الموقرة،
حضرة الممثلين البارزين عن الفنون والعلوم،
أيها الأحباء،
يسعدني أن ألتقي بكم أنتم الرجال والنساء الملتزمون بالبحث والتطوير في مختلف مجالات المعرفة، والممثلون الأكفاء عن عالم الثقافة الغنية في البرتغال. أغتنم هذه الفرصة للتعبير عن تقديري الكبير لكم ولعملكم. والحكومة الممثلة هنا بوزيرة الثقافة التي أشملها بتحياتي الحارة والمفعمة بالاحترام، تقدم دعماً جديراً بالثناء للأولويات الوطنية لعالم الثقافة. إنني ممتن لجميع الأشخاص الذين سمحوا بانعقاد هذا اللقاء، بخاصة للجنة الثقافية التابعة لمجلس الأساقفة ورئيسها الأسقف مانويل كليمنت الذي أشكره على كلماته الترحيبية الطيبة وعرضه لواقع الثقافة البرتغالية المتعدد الأوجه والمتجلي هنا بحضور بعض أبرز قادته. فقد نقل مشاعرهم وتوقعاتهم مخرج الأفلام مانويل دي أوليفييرا، الرجل المبجل في سنواته وفي النشاط المهني، والذي أشمله بتحيات الإعجاب والتقدير. كما أشكره أيضاً على كلماته الطيبة التي أعطت لمحة عن مخاوف الروح البرتغالية وتوقعاتها وسط اضطرابات المجتمع المعاصر.
ففي الواقع أن الثقافة المعاصرة تعكس “توتراً” يتخذ أحياناً شكل “صراع” بين الحاضر والتقليد. فاندفاع المجتمع يعطي قيمة مطلقة للحاضر فاصلاً إياه عن إرث الماضي الثقافي من غير السعي إلى رسم درب للمستقبل. لكن هذا التشديد على “الحاضر” كمصدر إلهام لمعنى الحياة الفردية والاجتماعية يتضارب مع التقليد الثقافي العريق للشعب البرتغالي، التقليد المتميز بشدة بتأثير المسيحية الألفي وبحس المسؤولية العالمية. هذا ما اتضح في مغامرة الاكتشافات وفي الحماسة التبشيرية، من خلال مشاطرة هبة الإيمان مع شعوب أخرى. إن مثال الشمولية والأخوة المسيحي هو الذي ألهم هذه المغامرة المشتركة التي اتسمت أيضاً بتأثيرات التنوير والعلمنة. وهذا التقليد ولّد ما يسمى “حكمة” أي معنى الحياة والتاريخ الذي شمل مجموعة من القيم الأخلاقية و”هدفاً” حققه البرتغال من خلال السعي الدائم إلى إقامة علاقات مع باقي أنحاء العالم.
تظهر الكنيسة بمظهر المؤيدة لتقليد سليم وسام وتقدم إسهامها الغني لخدمة المجتمع. ما يزال المجتمع يحترم ويقدر خدمتها من أجل المصلحة العامة لكنه يبتعد عن تلك “الحكمة” التي تشكل جزءاً من إرثها. هذا “الصراع” بين التقليد والحاضر يتجلى في أزمة الحقيقة، لكن الحقيقة وحدها هي التي توجه وترسم درب وجود ناجح للأفراد والشعوب. ففي الواقع أن الشعب الذي يتوقف عن إدراك حقيقته ينتهي به الأمر بالضياع في متاهة الزمان والتاريخ، ويصبح محروماً من القيم المحددة، ومفتقراً إلى أهداف عظيمة ومعلنة بوضوح. أيها الأحباء، ما يزال هناك الكثير ليتعلمه المرء حول الشكل الذي تقوم فيه الكنيسة في العالم، بمساعدة المجتمع على أن يفهم أن إعلان الحقيقة هو خدمة تقدمها للمجتمع، من خلال توفير آفاق جديدة للمستقبل، آفاق من العظمة والوقار. يجب أن تؤدي الكنيسة “رسالة حقيقة في كل الأزمنة والظروف من أجل مجتمع متناغم مع الإنسان وكرامته ودعوته […]. تتطلب الأمانة للإنسان أمانة للحقيقة التي تشكل وحدها ضمانة الحرية (يو 8، 32) وإمكانية التنمية البشرية الشاملة. لذلك، تسعى الكنيسة وراء الحقيقة، وتكرز بها بلا كلل وتميزها أينما ظهرت. فرسالة الحقيقة هي رسالة لا تستطيع الكنيسة أن تتخلى عنها أبداً (المحبة في الحقيقة، 9). وبالنسبة لمجتمع يتألف بشكل أساسي من الكاثوليك، وتتأثر ثقافته بالمسيحية، يعتبر السعي وراء الحقيقة بعيداً عن المسيح أمراً مأساوياً. فالحقيقة إلهية بالنسبة إلى المسيحيين؛ إنها “كلمة الله” الأبدية التي اتخذت شكلاً بشرياً في يسوع المسيح الذي استطاع أن يقول بموضوعية: “أنا الحق” (يو 14، 6). إن الكنيسة، وباتحادها مع طابع الحقيقة الأبدي، تتعلم كيفية العيش مع احترام “الحقائق” الأخرى، وحقيقة الآخرين. ومن خلال هذا الاحترام، والانفتاح على الحوار، تفتح مجالات جديدة لنشر الحقيقة.
“الكنيسة – حسبما كتب البابا بولس السادس – يجب أن تتحاور مع العالم الذي تعيش فيه. الكنيسة تضحي كلمة، تضحي رسالة، تضحي حواراً (Ecclesiam Suam, 67). والحوار المجرد من الغموض والمتسم باحترام المشاركين فيه هو أولوية في العالم المعاصر، والكنيسة لا تنوي الانسحاب منه. والدليل على ذلك هو حضور الكرسي الرسولي في عدة منظمات دولية، بما في ذلك حضوره مثلاً في مركز الشمال والجنوب التابع للمجلس الأوروبي والذي تأسس هنا في لشبونة قبل 20 عاماً مرتكزاً على الحوار بين الثقافات في سبيل تعزيز التعاون بين أوروبا ومنطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، وبناء مواطنية عالمية قائمة على حقوق الإنسان والمسؤولية المدنية بغض النظر عن الأصول الإتنية والانتماءات السياسية، ومع احترام المعتقدات الدينية. نظراً إلى واقع التنوع الثقافي، لا يحتاج الناس فقط إلى تقبل وجود ثقافة الآخرين، بل أيضاً إلى التطلع إلى الاغتناء منها وتزويدها بكل ما هو جيد وحقيقي ورائع.
زماننا يتطلب بذل قصارى جهودنا، وإظهار شجاعة نبوية وقدرة متجددة على “إرشاد العالم إلى عوالم جديدة”، كما قال شاعركم الوطني “لويجي دي كامويس، Os Lusíades، الجزء الثاني، 45). أنتم صناع الثقافة بجميع أشكالها ومبدعو الفكر والرأي، “تستطيعون بفضل موهبتكم أن تخاطبوا قلب البشرية، وتدركوا الإحساس الفردي والجماعي، وتوقظوا الأحلام والآمال، وتوسعوا آفاق المعرفة والالتزام البشري. […] لا تخافوا من الاقتراب من منبع الجمال الأول والأخير، ومن التحاور مع المؤمنين، مع الذين يعتبرون مثلكم أنهم حجاج في هذا العالم وفي التاريخ نحو الجمال اللامتناهي! (الكلمة إلى الفنانين، 21 نوفمبر 2009).
ففي سبيل “جعل العالم الحديث يتواصل مع طاقات الإنجيل المحيية والخالدة” (يوحنا الثالث والعشرون، الدستور الرسولي Humanae Salutis، رقم 3)، انعقد المجمع الفاتيكاني الثاني. خلاله، وانطلاقاً من إدراك متجدد للتقليد الكاثوليكي، أخذت الكنيسة على محمل الجد الانتقادات الأساسية التي أدت إلى نشأة العالم الحديث أي الإصلاح والتنوير، وبدلتها وتغلبت عليها. هكذا، قبلت الكنيسة بنفسها متطلبات الحداثة وجددتها من خلال التفوق عليها من جهة، وتلافي أخطائها وطرقها المسدودة من جهة أخرى. لقد وضع المجلس أسس تجدد كاثوليكي فعلي وحضارة جديدة – هي “حضارة المحبة” – كخدمة إنجيلية للإنسان والمجتمع.
أيها الأحباء، تعتبر الكنيسة أن رسالتها الأكثر أهمية في الثقافة المعاصرة هي الحفاظ على حيوية البحث عن الحقيقة وبالتالي عن الله، وحث الناس على النظر إلى ما يتخطى الوقائع الزائلة والبحث عن الوقائع الثابتة. أدعوكم إلى تعميق معرفتكم بالله الذي تجلى بيسوع المسيح من أجل سعادتنا التامة. افعلوا الأمور الجميلة، واعملوا بخاصة على أن تكون حياتكم زاخرة بالجمال. فلتتشفع لكم سيدة بيت لحم هي التي كرمها الملاحون خلال قرون، والتي يكرمها حالياً ملاحو الصلاح والحقيقة والجمال.
عظة البابا خلال صلاة الغروب في فاطيما
فاطيما، الأربعاء 12 مايو 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي عظة قداسة البابا بندكتس السادس عشر لدى ترؤسه صلاة الغروب مع الكهنة، الشمامسة، المكرسين والإكليريكيين في مزار سيدة فاطيما في البرتغال.
* * *
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
“عندما حل ملء الزمن، أرسل الله ابنه، مولدًا من امرأة […] لكي ننال التبني” (غل 4، 4 . 5). لقد حل ملء الزمن عندما ولج الأبدي في الزمان؛ بعمل ونعمة الروح القدس، حُبل بابن العلي وصار إنسانًا في حشا امرأة: العذراء الأم، المثال والنموذج الأسمى للكنيسة المؤمنة. هي لا تكف عن ولادة أبناء جدد في الابن، الذي أراده الآب بكرَ إخوة كثيرين. كل منا مدعو لكي يكون، مع مريم ومثل مريم، علامة متواضعة وبسيطة للكنيسة التي تستمر في تقدمة ذاتها كعروسة في يدي ربها.
أود في هذا المساء أن أعبر لكم جميعًا، أنتم الذين وهبتم حياتكم للمسيح، عن التقدير والاعتراف الكنسي. أشكركم على شهادتكم التي غالبًا ما تكون صامتة وغير سهلة؛ أشكركم لأمانتكم للإنجيل والكنيسة. في يسوع الحاضر في الافخارستيا، أعانق جميع إخوتي في الكهنوت والشماسية، المكرسين والمكرسات، الإكليريكيين والمنتمين إلى الحركات والجماعات الكنسية الحاضرة هنا. فليرض الرب أن يكافئ، كما وحده يعرف أن يفعل، أولئك الذين جعلوا هذا اللقاء ممكنًا هنا مع يسوع الافخارستي. أذكر بشكل خاص اللجنة الأسقفية لأجل الدعوات والخدام، مع رئيسها، المونسينيور أنطونيو سانتوس، الذي أشكره لأجل الكلمات المليئة بالعطف الجماعي والأخوي التي ألقاها في مطلع صلاة الغروب.
في هذه “العلية” النموذجية للإيمان التي هي فاطيما، تدلنا العذراء مريم على الدرب لتكريسنا الطاهر والمقدس في يدي الآب.
اسمحوا لي أن أفتح لكم قلبي وأقول لكم أن الاهتمام الأول لكل مسيحي، وبشكل خاص لكل شخص مكرس ولخدام المذبح، هو الأمانة، الولاء للدعوة كتلميذ يريد اتباع الرب. الأمانة في الزمن هي اسم الحب؛ حب متماسك، حق وعميق للمسيح الكاهن. “إذا كانت المعمودية دخولاً في قداسة الله من خلال الانخراط في المسيح وسكنى روحه، يضحي حماقة أن يكتفي المرء بحياة فاترة، معاشة بحسب أخلاقيات مبدئية وحياة دينية سطحية” (يوحنا بولس الثاني، رسالة عامة، مطلع الألفية الجديدة، 31). في هذه السنة الكهنوتية التي تقارب النهاية، فلتحل النعمة على جميعكم بغزارة لكي تعيشوا فرح التكرس وتعيشون شهادة الأمانة الكهنوتية المرتكزة على أمانة المسيح. هذا الأمر يتطلب طبعًا علاقة حميمية حقة مع المسيح في الصلاة، لأن الخبرة القوية والمكثفة لحب الرب هي التي يجب أن تحمل الكهنة والمكرسين على التجاوب بشكل حصري وخَتني مع حبه.
وُلدت حياة التكرس الخاص كتذكار إنجيلي لشعب الله، كذاكرة تبيّن، تضمن، وتعلن للكنيسة الجامعة الجذرية الإنجيلية ومجيء الملكوت. أيها المكرسين والمكرسات، بالتزامكم في الصلاة، التقشف، ونمو الحياة الروحية، والعمل الرسولي والرسالة، إنما تتوقون إلى أورشليم السماوية، وتستبقون الكنيسة الأخيرية (الإسكاتولوجية)، التي تتوطد في عيش التأمل المحب لله المحبة.
ما أشد الحاجة اليوم لهذه الشهادة! الكثير من إخوتنا يعيشون وكأن ما من وجود للحياة الآخرة، دون الاهتمام بخلاصهم الأبدي. إن البشر اليوم مدعوون لكي يعتنقوا معرفة الله ومحبته، ورسالة الكنيسة هي أن تساعدهم في هذه الدعوة. نعرف جيدًا أن الله هو رب عطاياه؛ وارتداد البشر هو نعمة. فلنكن مسؤولين عن إعلان الإيمان، كل الإيمان مع كافة متطلباته.
أيها الأصدقاء الأعزاء، فلنقتد بخوري آرس الذي كان يصلي إلى الله الطيب هكذا: “امنحني ارتداد رعيتي، وأنا أقبل أن أتألم قدر ما تشاء على مدى حياتي”. وقد قام بكل ما بوسعه لكي ينتزع الأشخاص من الفتور لكي يقودهم إلى الحب.
هناك تعاضد عميق بين جميع أعضاء جسد المسيح: من غير الممكن أن نحبه دون أن نحب إخوته. من أجلهم بالذات أراد جان ماري فيانيي أن يضحي كاهنًا: “ربح النفوس لله الطيب” هذا ما كان يصرح به في إعلانه عن دعوته بعمر الثامنة عشرة، كما كان بولس يقول: “أن أربح أكبر عدد ممكن” (1 كور 9، 19). وقد قال له النائب العام: “ليس هناك كثير من الحب في الرعية، أنت اجلبه إليها”. وفي غيرته الكهنوتية، كان الخوري القديس رحيمًا مثل يسوع في لقائه مع كل خاطئ. كان يفضل التشديد على بُعد الفضائل الجذاب، على رحمة الله التي تضحي خطايانا أمامها مثل “حبوب رمل”. كان يقدم حنان الله المجروح. كان يخاف أن يفقد الكهنة الإحساس وأن يعتادوا على عدم اكتراث المؤمنين، وكان يحرض: “ألويل للراعي الذي يبقى صامتًا عندما يرى الله مهانًا والنفوس هالكة”.
أيها الإخوة الكهنة الأحباء، في هذا المكان الذي جعلته مريم مميزًا للغاية، بينما ننظر إلى دعوتها كتلميذة أمينة لابنها يسوع منذ الحبل به وحتى الصليب، ومن ثمّ في مسيرة الكنيسة الناشئة، فلنعتبر النعمة العظيمة التي هي الكهنوت. الأمانة للدعوة تتطلب شجاعة وثقة، ولكن الرب يريد أيضًا أن تعرفوا كيف توحدوا طاقاتكم؛ كونوا غيورين بعضكم نحو بعض، وساندوا بعضكم البعض بروح أخوي. إن أوقات الصلاة والدرس سوية، المشاركة بحاجات الحياة والعمل الكهنوتيين هي جزء ضروري من حياتكم.
ما أروع تلك الأوقات عندما تستقبلون بعضكم البعض في بيوتكم، مع سلام المسيح في قلوبكم! ما أهم أن تساعدوا بعضكم من خلال الصلاة عبر النصائح الضرورية ومن خلال التمييز!
كرسوا انتباهًا خاصًا لحالات يضعف فيها الانتباه للمثل الكهنوتية أو عندما ينكب الكهنة على نشاطات لا تتطابق بالكامل مع مهمة خادم يسوع المسيح. فهذا وقت يجب أن تعتمدوا فيه، إلى جانب حرارة الأُخُوّة، موقف الأخ الثابت الذي يساعد أخاه لكي يبقى واقفًا.
مع أن كهنوت المسيح هو كهنوت أبدي (راجع عب 5، 6)، فحياة الكاهن هي محدودة. يريد الكاهن أن يطيل آخرون على طول الزمان كهنوت الخدمة الذي أقامه. لذا احفظوا في قلوبكم وحولكم الاهتمام بتوليد دعوات جديدة بين المؤمنين، مذعنين هكذا لنعمة الروح القدس. ستساعد الصلاة الواثقة والثابتة، والحب الفرح لدعوتكم، والوقت الذي تكرسونه للإرشاد الروحي على تمييز موهبة الدعوة في أولئك المدعوين من قبل الله.
أيها الإكليريكيين الأعزاء، الذي سبق وقمتم بالخطوة الأولى نحو الكهنوت وتستعدون الآن في الإكليريكية الكبرى أو في دور التنشئة الرهبانية، إن البابا يشجعكم لكي تعوا المسؤولية الكبيرة التي يجب أن تلتزموا بها. افحصوا جيدًا النوايا والدوافع؛ انكبوا بروح قوي وسخي على تنشئتكم. الافخارستيا، محور حياة المسيحي ومدرسة التواضع والخدمة، يجب أن تكون الموضوع الرئيسي لحبكم. السجود، التقوى والاهتمام بسر القربان الأقدس، على مدى سنيّ تنشئتكم ستؤدي بكم يومًا إلى الاحتفال بالذبيحة على المذبح بمسحة بنّاءة وحقيقية.
تقودنا وترافقنا الطوباوية مريم العذراء في مسيرة الأمانة هذه، أيها الكهنة والشمامسة، المكرسين والمكرسات، الإكليريكيين والعلمانيين الملتزمين الأحباء. معها ومثلها نحن أحرار لأن نكون قديسين؛ أحرار لكي نكون فقراء، أعفّاء ومطيعين؛ أحرار للجميع، لأننا مستقلين عن الجميع؛ أحرار من ذواتنا لكي ينمي المسيح في كل منا، هو المكرس الحق للآب والراعي الذي يقدم له الكهنة تصرفاته وأصواتهم، لأنهم حضوره؛ أحرار لكي نحمل في مجتمع اليوم يسوع المائت والقائم، الذي يبقى معنا حتى انقضاء الدهر والذي يهب ذاته للجميع في سر الافخارستيا الأقدس.
كلمة البابا إلى الحجاج خلال التزياح بالشموع في فاطيما
فاطيما، الخميس 13 مايو 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي كلمة قداسة البابا بندكتس السادس عشر إلى الحجاج خلال مسيرة الصلاة في فاطيما – البرتغال مساء الأربعاء 12 مايو 2010.
* * *
أيها الحجاج الأعزاء،
بوقوفكم معاً حاملين شموعاً مضاءة في أيديكم، تبدون كبحر من النور حول هذه الكابيلا المتواضعة التي شيدت بمحبة تكريماً لأم الله وأمنا التي ظهرت دربها من الأرض إلى السماء كدرب من النور أمام الأطفال الرعيان. إلا أن لا مريم ولا نحن نملك نوراً خاصاً بنا، فالنور نناله من يسوع. إن حضوره فينا يجدد السر والدعوة من العليقة المشتعلة التي جذبت مرة موسى على جبل سيناء والتي ما تزال تفتن الأشخاص الذين يدركون النور الموجود في داخلنا الذي يشتعل من دون أن يحرقنا (خر 3: 2، 5). نحن مجرد عليقة إلا أننا عليقة حل عليها مجد الله. لذلك، له كل مجد، ولنا الاعتراف المتواضع بعدميتنا والعبادة اللائقة للتدبير الإلهي الذي يتحقق عندما “يكون الله هو كل شيء في كل شيء” (1 كور 15، 28). والخادمة الاستثنائية لهذا التدبير كانت العذراء الممتلئة نعمة: “ها أنا أمة الرب. فليكن لي بحسب قولك” (لو 1، 38).
أيها الحجاج الأعزاء، فلنتشبه بمريم سامحين لكلماتها “فليكن لي بحسب قولك” أن تتردد في حياتنا. لقد أمر الله موسى: “اخلع نعليك من رجليك فإن الموضع الذي أنت قائم فيه أرض مقدسة” (خر 3، 5). وهذا ما فعله. وسوف يلبس نعليه ليذهب فيحرر شعبه من العبودية في مصر ويرشده إلى أرض الميعاد. هنا لا يتعلق الأمر فقط بمجرد امتلاك قطعة أرض أو الأرض الوطنية التي هي حق لكل شعب؛ ففي الصراع من أجل تحرير إسرائيل وخلال الخروج من مصر، يعتبر الأمر الأساسي حرية العبادة، حرية الشعائر الدينية الخاصة. على مر تاريخ الشعب المختار، يتخذ وعد الأرض المعنى التالي: تُمنح الأرض لتكون مكان طاعة، مجالاً مفتوحاً لله.
في زماننا الحالي الذي يبدو فيه الإيمان في أماكن عديدة كشعلة معرضة لخطر الانطفاء، تتمثل الأولوية السامية في جعل الله حاضراً في العالم وتأمين درب للبشرية نحو الله. وليس نحو أي إله بل نحو الله الذي تكلم على جبل سيناء، الله الذي نميز وجهه في “أقصى المحبة” (يو 13، 1)، في يسوع المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات. أيها الإخوة والأخوات الأحباء، كرسوا المسيح رباً في قلوبكم (1 بط 3، 15)! لا تخافوا من التحدث عن الله والمجاهرة بإيمانكم من غير خوف، سامحين لنور المسيح بأن يشع في أعين معاصريكم، مثلما تنشد الكنيسة في ليل عشية الفصح التي تحفظ البشرية كعائلة الله.
أيها الإخوة والأخوات، في هذا المكان، من المذهل التفكير في أن ثلاثة أطفال سلموا أنفسهم للقوة الداخلية التي ألهبتهم في ظهورات الملاك وأمنا السماوية. في هذا المكان الذي دعينا فيه مراراً لتلاوة الوردية، دعونا نفتتن بأسرار المسيح، أسرار وردية مريم. فلتسمح لنا تلاوة الوردية بتركيز أنظارنا وقلوبنا على يسوع كما فعلت أمه، أسمى مثال للتأمل بالابن. خلال التأمل بأسرار الفرح والنور والحزن والمجد في تلاوة السلام المريمي، دعونا نفكر بسر يسوع، ابتداءً من التجسد وحتى الصلب ومجد القيامة؛ دعونا نتأمل بمشاركة مريم في سر حياتنا في المسيح اليوم، الحياة الممزوجة بالفرح والحزن، بالظلمة والنور، بالخوف والرجاء. النعمة تغمر قلوبنا وتثير رغبة في تبدل حياتي حاسم وإنجيلي لنقول مع القديس بولس: “فالحياة عندي هي المسيح” (فيل 1، 21) في شركة حياة ومصير مع المسيح.
إنني أشعر بتفانيكم ومحبتكم أنتم المؤمنون الذين أتيتم إلى هنا من كافة أنحاء العالم. وأحمل معي مخاوف زماننا وآماله، آلام بشريتنا الجريحة ومشاكل العالم، وأضعها عند قدمي سيدة فاتيما. يا أم الله العذراء وأمنا الحبيبة، تشفعي لنا أمام ابنك لكيما تتمكن الأمم جمعاء منها التي تدعى مسيحية والأخرى التي ما تزال تجهل المخلص، من العيش بسلام ووئام لتجتمع كشعب الله الواحد في مجد الثالوث المقدس والواحد غير المقسوم. آمين.
عظة البابا في عيد سيدة فاطيما
فاطيما، الخميس 13 مايو 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي عظة قداسة البابا بندكتس السادس عشر لدى ترؤسه الاحتفال بالقداس الإلهي بمناسبة عيد عذراء فاطيما في البرتغال.
* * *
أيها الحجاج الأعزاء،
“ستعرف ذريتهم في الأمم، (…) إنهم ذرية باركها الرب” (أش 61، 9). هكذا بدأت في هذا الاحتفال الافخارستي القراءة الأولى التي تتحقق كلماتها بشكل رائع في هذا الحشد المجتمع عند قدمي سيدة فاتيما. أيها الإخوة والأخوات الأحباء، أنا أيضاً جئت كحاج إلى فاتيما، إلى هذه “الدار” التي اختارتها مريم لتكلمنا في الزمن المعاصر. جئت إلى فاتيما لأتمتع بحضور مريم وحمايتها الوالدية. جئت إلى فاتيما لأن الكنيسة الحاجة التي أرادها ابنها كأداة تبشرية وسر خلاصي تتجه اليوم إلى هنا. جئت إلى فاتيما لأصلي مع مريم ومع العديد من الحجاج من أجل بشريتنا المصابة بالشدائد والآلام. ختاماً، جئت إلى فاتيما بمشاعر الطوباويين فرانشيسكو وجاسينتا وخادمة الله لوسيا لأوكل إلى العذراء الاعتراف الجوهري بأنني “أحب” يسوع، وبأن الكنيسة والكهنة “يحبونه” ويرغبون في أن تكون أعينهم شاخصة إليه دوماً فيما تختتم هذه السنة الكهنوتية، ولأوكل إلى العناية الوالدية الكهنة والمكرسين والمبشرين وجميع العاملين على جعل بيت الله مكان ترحيب وإحسان.
إنهم الذرية التي باركها الرب… الذرية التي باركها الرب هي أنت يا أبرشية ليرا- فاتيما العزيزة مع راعيك المونسنيور أنطونيو مارتو الذي أشكره على التحيات التي وجهها لي في بداية هذا الاحتفال، وعلى كل الضيافة التي أظهرها لي في هذا المزار ومن خلال معاونيه. أحيي فخامة رئيس الجمهورية والمسؤولين الآخرين الذين يخدمون هذه الأمة العظيمة. وأحتضن روحياً كل أبرشيات البرتغال الممثلة هنا بأساقفتها وأوكل إلى السماء جميع شعوب وأمم الأرض. أوكل إلى الله في قلبي كل أبنائها وبناتها، بخاصة أولئك المتألمين أو المنبوذين، مع الرغبة في أن أحمل إليهم هذا الرجاء الكبير المتقد في قلبي والذي يمكن الشعور به بوضوح هنا في فاتيما. فليتجذر رجاؤنا الكبير بعمق في حياة كل منكم أيها الحجاج الأعزاء الحاضرون هنا، وفي حياة جميع الذين ينضمون إلينا من خلال وسائل الاتصالات الاجتماعية.
أجل! إن الرب، رجاؤنا الكبير، حاضر معنا. بمحبته الرحيمة، يقدم مستقبلاً لشعبه، مستقبل شركة معه. فشعب الله يهتف قائلاً “إني أسر سروراً في الرب وتبتهج نفسي في إلهي” (أش 61، 10) بعد اختبار الرحمة والتعزية اللتين أظهرهما الله الذي لم يتخل عنه على درب العودة الشاقة من المنفى في بابل. إن ابنة هذا الشعب البارزة الممتلئة نعمة والمتفاجئة بهدوء بحمل ابن الله في أحشائها هي مريم العذراء الناصرية التي جعلت هذا الفرح وهذا الرجاء خاصتها في نشيد التسبيح: “تبتهج روحي بالله مخلصي”. لكنها لم تكن تعتبر نفسها ذات حظوة وسط شعب عقيم، وإنما على العكس كانت تتنبأ له بأفراح أمومة استثنائية لابن الله لأن “رحمته إلى جيل فجيل للذين يتقونه” (لو 1: 47، 50).
هذا المكان المبارك هو الدليل على ذلك. بعد سبع سنوات، ستعودون إلى هنا للاحتفال بالذكرى المئوية للزيارة الأولى التي قامت بها السيدة “الآتية من السماء”، المعلمة التي عرّفت الرائين الصغار على محبة الثالوث الأقدس، وأرشدتهم إلى اختبار الله، أجمل واقع في الوجود البشري. إنها تجربة نعمة جعلتهم يحبون الله في يسوع، لدرجة أن جاسينتا كانت تهتف: “أحب كثيراً أن أقول ليسوع أنني أحبه! عندما أقول له ذلك عدة مرات، أشعر بلهيب في قلبي لكنه لا يحرقني”. وكان فرنشيسكو يقول: “أكثر ما أحببته هو رؤية ربنا في هذا النور الذي وضعته أمنا في قلبنا. أحب الله كثيراً!” (مذكرات الأخت لوسيا، الفصل الأول، ص 4 وص 126).
أيها الإخوة، خلال سماع هذه التصريحات الروحانية البريئة والعميقة الصادرة عن الرعيان الصغار، قد ينظر إليهم البعض بحسد على ما تمكنوا من رؤيته، أو باستسلام مرير نابع من شخص لم يحظ بالفرصة عينها إلا أنه يصر لأنه يريد أن يرى. إلى هؤلاء الأشخاص، يقول البابا مثل يسوع: “ألستم في ضلال لأنكم لا تفهمون الكتاب ولا قدرة الله؟ (مر 12، 24). الكتاب يدعونا إلى الإيمان: “طوبى للذين يؤمنون دون أن يروا” (يو 20، 29)، لكن الله – الأقرب إلي من نفسي (القديس أغسطينوس، اعترافات، III، 6، 11) – قادر على الوصول إلينا، بخاصة من خلال حواسنا الداخلية بحيث تلمس الروح واقعاً غير محسوس يسمح لنا ببلوغ ما هو غير محسوس ومدرك. في سبيل حصول ذلك، يجب أن ننمي تيقظاً قلبياً لا نتمتع به في معظم الأحيان بسبب الضغط الكبير المفروض من قبل الواقع الخارجي، وبسبب الصور والمشاغل التي تملأ النفس (تعليق لاهوتي حول رسالة فاتيما، 2000). أجل! المسيح قادر على المجيء إلينا وإظهار نفسه لقلبنا.
إضافة إلى ذلك، إن النور في أنفس الأطفال الرعيان المنبثق من أزلية الله هو النور عينه الذي ظهر في اكتمال الزمان وجاء من أجلنا جميعاً: هو ابن الله الذي صار إنساناً. هو قادر على إلهاب القلوب الباردة والحزينة، وهذا ما نراه مع تلميذي عماوس (لو 24، 32). لذلك، يقوم رجاؤنا على أساس حقيقي، ويستند إلى حدث يجري في التاريخ ويتخطاه في الوقت عينه: إنه يسوع الناصري. فالحماسة التي أثارتها حكمته وقدرته الخلاصية وسط شعوب ذلك الزمان كانت عظيمة بحيث هتفت امرأة وسط الحشود – كما سمعنا في الإنجيل –: “طوبى للبطن الذي حملك، والثديين اللذين رضعتهما!”، فقال يسوع: “بل طوبى للذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها” (لو 11: 27، 28). ولكن، من يجد وقتاً لسماع كلمة الله والافتتان بمحبته؟ من يسهر، في ليل الشك أو الريبة، بقلب يقظ بالصلاة؟ من ينتظر فجر يوم جديد بشعلة إيمان مضاءة؟ إن الإيمان بالله يفتح للإنسان آفاق رجاء أكيد لا يخيب الأمل؛ إنه يرشد إلى أساس متين يمكن الاستناد إليه من دون خوف طيلة الحياة؛ وهو يتطلب تسليم الذات بثقة للمحبة التي تدعم العالم.
“ستعرف ذريتهم في الأمم، (…) إنهم ذرية باركها الرب” (أش 61، 9) برجاء راسخ ومثمر في محبة تبذل تضحيات من أجل الآخرين لكنها لا تضحي بالآخرين؛ بل على العكس – كما سمعنا في القراءة الثانية – “تستر كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتتحمل كل شيء” (1 كور 13، 7). وخير المثال والحث على ذلك يتمثل في الرعيان الصغار الذين قدموا حياتهم لله وشاطروها مع الآخرين بسبب محبتهم لله. لقد ساعدتهم العذراء على فتح قلوبهم لشمولية المحبة. وكانت الطوباوية جاسينتا لا تتعب في المشاركة مع الفقراء وفي التضحية من أجل اهتداء الخطأة. فقط بهذه المحبة الأخوية والسخية، نتمكن من بناء حضارة المحبة والسلام.
مخطئ من ظن أن رسالة فاتيما النبوية قد انتهت! هنا، يتجدد التدبير الإلهي الذي يسأل البشرية منذ بداياتها: “أين هابيل أخوك؟ (…) إن صوت دماء أخيك صارخ إلي من الأرض!” (تك 4، 9). لقد تمكن الإنسان من إطلاق حلقة من الموت والرعب، لكنه لا ينجح في وضع حد لها… في الكتاب المقدس، كثيراً ما نجد الله يبحث عن الأبرار لينقذ مدينة الإنسان، وهذا ما يقوم به أيضاً هنا في فاتيما عندما تسأل سيدتنا: “هل تريدون تقديم أنفسكم لله لتتحملوا كل الآلام التي سيرسلها لكم، وذلك تكفيراً عن الذنوب التي تسيء إليه، وابتهالاً لارتداد الخطأة” (مذكرات الأخت لوسيا، الفصل الأول، ص. 162).
إلى العائلة البشرية المستعدة للتضحية بعلاقاتها المقدسة على مذبح أنانية الأمم والأعراق والإيديولوجيات والجماعات والأفراد، جاءت أمنا المباركة من السماء لتضع في أنفس المتوكلين عليها محبة الله التي تلهب قلبها. في تلك الحقبة، لم يكونوا إلا ثلاثة لكن مثال حياتهم انتشر وتضاعف ضمن جماعات عديدة على وجه الأرض، بخاصة خلال أسفار العذراء الحاجة التي كرست لقضية التضامن الأخوي. فلتسرّع السنوات السبع التي تفصلنا عن الذكرى المئوية للظهورات تحقق نبوءة انتصار قلب مريم الطاهر لمجد الثالوث الكلي القداسة.
خطاب البابا لدى لقائه بمؤسسات الرعويات الاجتماعية
فاطيما، الخميس 13 مايو 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي خطاب قداسة البابا بندكتس السادس عشر لدى لقائه بمؤسسات الرعويات الاجتماعية في كنيسة الثالوث الأقدس في فاطيما في البرتغال.
* * *
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
لقد سمعتم يسوع يقول: “اذهب أنت أيضًا وافعل كذلك” (لو 10، 37). يحضّنا يسوع على اعتناق أسلوب السامري الصالح – الذي تم إعلان مثله على مسامعنا منذ قليل – في تعاملنا مع حالات الضعف التي نريد معالجتها بروح عون أخوي. وما هو هذا الأسلوب؟ “إنه ‘قلب يرى‘. هذا القلب يرى حيث هناك حاجة للحب ويعمل بشكل ملائم” (بندكتس السادس عشر، الرسالة العامة “الله محبة”، 31). هذا ما فعله السامري الصالح.
لا يكتفي يسوع بالتحريض، بل هو السامري الصالح، كما يعلم الآباء القديسون. يسوع يتقرب من كل إنسان و “يسكب على جراحه زيت التعزية وخمر الرجاء” (مقدمة الصلاة المشتركة الثامنة) ويقوده إلى الفندق، الذي هو الكنيسة، حيث يتم الاعتناء به، وإيكاله لخدام الكنيسة دافعًا ثمن شفائه من أمواله الشخصية، وبشكل مسبق. “إذهب أنت أيضًا وافعل كذلك”. حب يسوع اللامشروط الذي شفانا يجب أن يتحول إلى حب يوهب بمجانية وبسخاء، من خلال العدالة والمحبة، إذا ما أردنا أن نعيش بقلب السامري الصالح.
أشعر بفرح كبير في لقائكم في هذا المكان المقدس الذي اختاره الله لكي يُذكّر البشرية، من خلال العذراء، بمشاريع حبه الرحيم. أحيي بصداقة كبيرة كل شخص حاضر هنا والمؤسسات، ومختلف الوجوه التي تتحد للتأمل في المسائل الاجتماعية وخصوصًا في ممارسة الرحمة نحو الفقراء، المرضى، المساجين، المستوحشين والمتروكين، المعوقين، الأطفال والمسنين، المهاجرين، البطالين ومن يتألم في الحاجة وتُجرح كرامته كشخص حر.
أشكر المونسينيور كارلوس أزيفيدو لأجل عربون الشركة والأمانة للكنيسة والبابا الذي أراد أن يقدمه من قبل جماعة المحبة هذه ومن قبل اللجنة الأسقفية للرعويات الاجتماعية التي يترأسها، والتي لا تنفك تقوي هذا الزرع الخصب للأعمال الصالحة في كل البرتغال.
نعي ككنيسة أننا لا نستطيع أن نقدم حلولًا ملموسة لكل المشاكل العملية، ولكن حتى ولو كنتم لا تملكون السلطان، كونوا دومًا مستعدين لخدمة الخير المشترك، وجاهزين للمساعدة ولتقديم وسائل الخلاص للجميع.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء العاملين في حقل المحبة الواسع، “المسيح يكشف لنا أن ‘الله محبة‘ (1 يو 4 ، 8) ويعلمنا أيضًا أن الشريعة الأساسية للكمال البشري ولتحول العالم هي شريعة المحبة الجديدة. وعليه إن الذين يؤمنون بالمحبة الإلهية يحصلون على الضمانة من قبل الله أن درب المحبة هو الطريق المفتوح أمام جميع البشر” (دستور فرح ورجاء، 38).
إن المشهد التاريخي الحالي هو حالة أزمة اجتماعية-اقتصادية، ثقافية وروحية، تبين بوضوح إمكانية تمييز موجه إلى عرض خلاق لرسالة الكنيسة الاجتماعية. إن درس العقيدة الاجتماعية، الذي يعتنق كقوة أساسية وكمبدأ المحبة، سيسمح برسم مسيرة تطور بشري متكامل يشمل أعماق القلب البشري ويصل إلى أنسنة أكبر للمجتمع (راجع بندكتس السادس عشر، الرسالة العامة ‘المحبة في الحقيقة‘، 20). لسنا بصدد معرفة عقلية مجردة، بل حكمة تعطي نكهة وطعمًا، وتقدم نفحة خلاقة لسبل المعرفة والتطبيق التي تهدف إلى معالجة أزمة بهذه السعة والتعقيد. فلتعنى مؤسسات الكنيسة، مع كل المؤسسات غير الكنسية، بتكميل قدراتها في حقول المعرفة وخياراتها في سبيل دينامية واسعة ومتجددة، تقود نحو “حضارة المحبة التي وضع الله بذرها في كل شعب وفي كل ثقافة (المرجع نفسه، 33).
في بعدها الاجتماعي والسياسي، تدخل شماسية المحبة هذه في إطار مؤهلات المؤمنين العلمانيين المدعويين إلى تعزيز عضوي للخير المشترك، العدالة وإلى تشكيل عادل للحياة الاجتماعية (راجع ‘الله محبة‘، 29).
إن إحدى الخلاصات الرعوية، التي برزت في معرض تأملات قمتم بها مؤخرًا، هي إنشاء جيل جديد من “القادة الخدام”. جذب عاملين علمانيين جدد في حقل الرعويات هذا إنما يستحق بكل تأكيد عناية خاصة من قبل الرعاة، المتنبهين للمستقبل. من يتعلم من الله-المحبة يضحي من دون أدنى شك شخصًا للآخرين. بالواقع، “يتجلى حب الله في المسؤولية نحو الآخر” (بندكتس السادس عشر، مخلصون بالرجاء، 28).
في اتحادنا بالمسيح المكرس إلى الآب، تجتاح الرحمة قلبنا نحو الجماعات التي تطالب بالعدالة والتعاضد، ومثل السامري الصالح في المثل، نلتزم في تقديم أجوبة عملية وسخية.
ولكن غالبًا ما نجد صعوبة في الوصول إلى خلاصة مقنعة بين الحياة الروحية والنشاط الرسولي. إن الضغط الذي تقوم به العقلية السائدة، والتي تقدم بإصرار أسلوب عيش مبني على شريعة الأقوى، على الربح السهل والمغري، تؤدي إلى التأثير على طريقة تفكيرنا، على مشاريعنا وعلى وجهات خدمتنا، مع خطر إفراغها من حافزي الإيمان والرجاء المسيحيين اللذين أطلقاها في أول مقام. إن نداءات المساعدة والعون العديدة والضاغطة التي يوجهها إلينا الفقراء ومهمشو المجتمع تحثنا على البحث عن حلول تتجاوب مع منطق الفعالية، والتأثير الظاهر والدعاية. ولكن، إن الخلاصة المذكورة هي ضرورية بشكل مطلق، أيها الإخوة الأحباء، لكي نستطيع أن نخدم المسيح في البشرية التي تنتظركم. في هذا العالم المنقسم، تُفرض على الجميع وحدة قلب، روح وعمل عميقة وأصيلة.
من بين من المؤسسات الاجتماعية التي تخدم الخير العام والقريبة مع الشعوب المحتاجة، نجد الكثير من المؤسسات الكاثوليكية. يجب أن يكون توجهها واضحًا، لكي تأخذ هوية واضحة: في استلهام أهدافها، في اختيارها للموارد البشرية، في وسائل التحقيق، في نوعية الخدمات، وفي فعالية استعمال الوسائل. الهوية الثابتة للمؤسسات هي خدمة حقيقية ذات منفعة كبيرة للذين يتمتعون بها. ترتبط بالهوية وتكملها تلك الحرية التي يجب أن تتمتع بها خدمة المحبة المسيحية أي الاستقلالية والحرية من السياسة والإيديولوجيات (راجع ‘الله محبة‘، 31 ب)، حتى ولو تعاونت مع مؤسسات الدولة للوصول إلى أهداف مشتركة.
فلتتكامل أعمال المساعدة، الأعمال التربوية أو أعمال المحبة مع مشاريع حرية تعزز الكائن البشري، في البحث عن الأُخوّة الجامعة. يندرج في هذا الإطار التزام المسيحيين في الدفاع عن حقوق الإنسان، بانتباه على كلية الشخص البشري في مختلف أبعاده. أعبر عن تقديري العميق لكل المبادرات الاجتماعية والرعوية التي تسعى لمقاومة الديناميات الاجتماعية-الاقتصادية والثقافية التي تحمل إلى الاجهاض والتي تُعنى بالدفاع عن الحياة وعن المصالحة وعن شفاء الأشخاص المجروحين من مأساة الإجهاض.
إن المبادرات التي تهدف إلى حماية القيم الأساسية والأولية في الحياة، من لحظة الحبل، كما والعائلة، المبنية على الزواج غير المنفصم بين رجل وامرأة، تساعد على الإجابة على أكثر التحديات خطورة في أيامنا والتي تعترض الخير العام. تشكل هذه المبادرات، أسوة بأشكال الالتزام الأخرى، عناصر أساسية لبناء حضارة المحبة.
كل هذه الأمور تندمج بشكل جيد برسالة العذراء التي تتردد في هذا المكان: الارتداد، الصلاة، الغفران الذي يهدف إلى ارتداد القلوب. هذا هو السبيل إلى بناء ما يعرف بحضارة المحبة، التي نثر الله بذارها في قلب كل إنسان والتي يقوم الإيمان بيسوع المسيح بإنمائها.
خطاب الباب لدى لقائه بأساقفة البرتغال
فاطيما، الجمعة 14 مايو 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي خطاب قداسة البابا بندكتس السادس عشر لدى لقائه بأساقفة البرتغال نهار الخميس 13 مايو 2010.
* * *
الإخوة الأجلاء والأعزاء في الأسقفية،
أحمد الله للفرصة التي يقدمها لي لكي ألتقي بكم جميعًا هنا في قلب البرتغال الروحي، مزار فاطيما، حيث تصبو حشود الحجاج الغفيرة من كل أنحاء الأرض إلى إيجاد ضمانات السماء وإلى تعزيزها في القلوب. من بين هؤلاء الحجاج جاء من روما خليفةُ بطرس، متقبلاً الدعوات العديدة يحركه دينُ عرفان جميل نحو العذراء مريم، التي نقلت إلى الرائين والحجاج في هذا المكان بالذات حبًا عميقًا للأب الأقدس، والذي يزهر في حشد مصلٍ يقوده يسوع: يا بطرس، “لقد صليت لك لكي لا يضعف إيمانك. وأنت، متى ما توطدت، ثبت إخوتك بالإيمان” (لو 22، 32).
كما ترون، البابا يحتاج إلى أن ينفتح أكثر فأكثر على سر الصليب، أن يعانقه رجاءً وحيدًا ودربًا نهائيًا لكي يربح ويجمع في الصليب كل الإخوة والأخوات في البشرية. مطيعًا لكلمة الله، خليفة بطرس مدعو لكي يعيش لا لأجل ذاته بل لأجل حضور الله في العالم. يعزيني العزم الذي تظهرونه في متابعتكم لي عن كثب دون خوف من أمر آخر إلا فقدان الخلاص الأبدي لشعبكم، كما تُبين عن ذلك الكلمات التي حياني بها المونسينيور خورخي أورتيغا لدى وصولي في وسطكم شهادةً للأمانة اللامشروطة التي يكنها أساقفة البرتغال لخليفة بطرس. أشكركم من كل قلبي. أشكر أيضًا كل الاهتمام الذي كرستموه لتنظيم زيارتي هذه. فليكافئكم الله ساكبًا عليكم وعلى أبرشياتكم فيض الروح القدس لكي تتمكنوا بقلب واحد ونفس واحدة أن تحملوا إلى النهاية الالتزام الرعوي الذي عزمتم عليه، أي أن تقدموا لكل مؤمن تنشئة مسيحية متطلبة وجذابة، تنقل له كلية الإيمان والروحانية، المتجذرة بالإنجيل والتي تنشئ عاملين أحرار في الحياة العامة.
بالواقع إن الأزمنة التي نعيش فيها تتطلب عزمًا إرساليًا جديدًا بين المسيحيين، المدعوين لكي يكونوا علمانيين ناضجين، يطابقون ذواتهم مع الكنيسة، متضامنين مع تحول العالم المعقد. نحن بحاجة إلى شهود أصيلين ليسوع المسيح، خصوصًا في تلك البيئات البشرية حيث صمت الإيمان أوسع وأعمق: السياسيون، المفكرون، المختصون في حقل الاتصالات الذين يعتقدون ويعززون اقتراحًا ذي وجه ثقافي مفرد ومنغلق، والذين يحتقرون البعد الديني والتأملي للحياة. في هذه البيئات لا ينقص المؤمنون الذين يخجلون ويساعدون العلمنة التي تبني أسوارًا تنغلق على المعطى المسيحي.
في الوقت عينه، أيها الإخوة الأحباء، كم من الأشخاص يدافعون في هذه المجالات، وبشجاعة، عن فكر كاثوليكي صلب، أمين لتعليم الكنيسة، ويستمرون في الحصول على معطياتكم وعلى كلماتكم المنيرة لكي يعيشوا كمؤمنين علمانيين الحرية المسيحية.
حافظوا على حيوية البعد النبوي، دون قيود، في مشهد العالم المعاصر، لكي “لا تكون كلمة الله مقيدة” (2 تيم 2، 9). البشر يطلبون بشرى يسوع المسيح السارة التي تهب معنى لحياتهم وتحفظ كرامتهم. كونكم المبشرين الأولين، يفيدكم أن تفهموا العوامل الاجتماعية والثقافية المختلفة، وأن تقيّموا النواقص الروحية وأن تبرمجوا بشكل فعال المقدرات الرعائية المتوفرة؛ ولهو أمر مصيري أن تعرفوا كيف تقطّروا في كل عامل مبشر لهيب قداسة حق، عالمين بأن النتيجة تنبع فوق كل شيء من الاتحاد بالمسيح ومن عمل روحه القدوس.
بالواقع، في حس الكثيرين لم يعد الإيمان الكاثوليكي إرثًا مشتركًا في المجتمع، وغالبًا ما يُرى الإيمان كبذر محاصر ومخنوق من قِبل “آلهة” وأسياد هذا العالم. من الصعب جدًا على الإيمان أن يلمس القلوب من خلال خطابات بسيطة أو تحريضات خلقية أو حتى من خلال الدعوة إلى القيم المسيحية. إن الدعوة الشجاعة والمتكاملة إلى القيم هي أساسية ولا غنى عنها؛ ومع ذلك، فإن مجرد الإعلان عن الرسالة لا يصل إلى صميم قلب الشخص، لا يلمس حريته ولا يبدل حياته. فما يخلب حقًا هو اللقاء بأشخاص مؤمنين، يجذبون من خلال إيمانهم الآخرين إلى نعمة المسيح، من خلال شهادتهم له. تتوارد إلى ذهني كلمات البابا يوحنا بولس الثاني: “تحتاج الكنيسة بشكل خاص إلى تيارات كبيرة، حركات وشهادات قداسة بين العلمانيين المؤمنين لأن كل تجدد أصيل في الكنيسة إنما يتولد من القداسة، كما وكل غنى في فهم الإيمان واتباع المسيح، وكل تحديث حيوي وخصب للمسيحية في لقائها بحاجات البشر، وتجدد الحضور في قلب الوجود البشري وثقافة الأمم” (خطاب في إعلان القرار المجمعي ” Apostolicam actuositatem “، 18 نوفمبر 1985). قد يقول قائل: ” تحتاج الكنيسة بشكل خاص إلى تيارات كبيرة، حركات وشهادات قداسة… ولكن هذه ليست موجودة!”.
في هذا الإطار، أعترف لكم بالفرح الذي شعرت به للمفاجئة التي عشتها لدى لقائي بالحركات والجماعات الكنسية الجديدة. بنظري إليها حزت على فرح ونعمة أن أرى كيف، في زمن تعب بالنسبة للكنيسة، وفي زمن يجري الكلام فيه عن “شتاء الكنيسة”، يخلق الروح القدس ربيعًا جديدًا، موقظًا في الشباب وفي الراشدين فرح أن يكونوا مسيحيين، وأن يعيشوا في الكنيسة التي هي جسد المسيح الحي. بفضل المواهب، يتم نقل جذرية الإنجيل، محتوى الإيمان الموضوعي، فيض الحياة في التقليد، يتم نقلها بشكل مقنع ويتم قبولها كخبرة شخصية، كالتزام الحرية بحدث يسوع المسيح الحاضر.
شرط ضروري، بالطبع، هو أن تريد هذه الخبرات الجديدة أن تعيش في الكنيسة الاعتيادية، حتى ومع فسحات مخصصة بشكل ما إلى حياتهم، فتضحي بهذا الشكل خصبة حتى للآخرين. يجب على حاملي موهبة معينة أن يشعروا جذريًا بأنهم مسؤولين عن الشركة، عن الإيمان المشترك في الكنيسة وأن يخضعوا لهدي الرعاة. يجب على هؤلاء أن يضمنوا كنسية الحركات. الرعاة ليسوا فقط أشخاصًا يحتلون منصبًا، بل هي أيضًا حاملي موهبة، هم مسؤولون عن انفتاح الكنيسة على عمل الروح القدس. كأساقفة، نحن موسومون في السر بالروح القدس وبالتالي يضمن لنا السر أيضًا الانفتاح على مواهبه. وهكذا، من ناحية، يجب أن نشعر بأننا مسؤولين عن قبول هذه الدوافع التي هي هبة للكنيسة والتي تسبغ عليها حيوية جديدة، ولكن من ناحية أخرى، يترتب علينا أن نساعد الحركات على إيجاد السبيل القويم، من خلال التصحيح المتفهم – أي من خلال الفهم الروحي والبشري الذي يعرف أن يمزج الهداية، بالعرفان، بالانفتاح وبالجهوزية على قبول أن نتعلم.
أطلقوا كهنتكم أو ثبتوهم في هذا المجال. في السنة الكهنوتية التي تقارب الختام، أعيدوا اكتشاف الأبوة الأسقفية خصوصًا نحو كهنتكم. لزمن طويل تم وضع مسؤولية السلطة كخدمة لنمو الآخرين، وقبل كل شيء نمو الكهنة، في درجة ثانية. الكهنة مدعوون لكي يخدموا في خدمتهم الرعوية، يدعمهم عمل رعوي في الشركة والتعاون، كما يذكرنا القرار المجمعي “الدرجات الكهنوتية” (Presbyterorum ordinis): “ما من كاهن يستطيع أن يحقق رسالته بالعمق إذا تصرف وحده وعلى هواه، دون أن يضم قواه إلى قوى الكهنة الآخرين، برعاية أولئك الذين يدبرون الكنيسة” (العدد 7). لسنا بصدد رجوع إلى الماضي، ولا مجرد رجوع إلى الأصول، بل إعادة اكتشاف حماس الأصول، وفرح بدء الخبرة المسيحية، يرافقنا المسيح مثل تلاميذ عماوس في يوم الفصح، تاركين لكلمته أن تدفئ قلوبنا، ولـ “الخبز المكسور” أن يفتح عيوننا على تأمل وجهه. بهذا الشكل فقط تضحي نار المحبة متقدة بما يكفي لكي تدفع كل مؤمن مسيحي إلى أن يضحي موزعًا للنور والحياة في الكنيسة وبين البشر.
قبل أن أنتهي، أود أن أطلب إليكم، بصفتكم رؤساء وخدام المحبة في الكنيسة، أن تنعشوا في ذواتكم ومن حولكم مشاعر الرحمة والشفقة لكي تستطيعوا أن تجيبوا على حالات الانحطاط الاجتماعي الخطيرة. فليتم تنظيم مؤسسات، وليتم تكميل تلك الموجودة، لكي تكون قادرة على الإجابة بروح خلاق على كل فقر، بما في ذلك الافتقار إلى معنى في الحياة وفقدان الرجاء. إن الجهد الذي تقومون به لمساعدة الأبرشيات الأكثر حاجة هو جهد حميد، وبشكل خاص في الدول الناطقة بالبرتغالية. لا تضعفنّ فيكم الصعوبات التي تظهر واضحة الآن منطق العطاء. بل فلتستمر حية في هذا البلد شهادتكم كأنبياء العدالة والسلام، وحُماة حقوق الشخص البشري، ضامين صوتكم إلى صوت المستضعفين، الذين شجعتموهم بحكمة أن يكون لهم صوت، دون أن تخافوا أبدًا أن ترفعوا لصالح المضنوكين، المظلومين والمحرومين.
بينما أوكلكم إلى سيدة فاطيما، طالبًا إليها أن تعضدكم بأمومتها في التحديات التي تلتزمون فيها، لكي تكونوا دعاة ثقافة وروحانية المحبة، السلام، الرجاء، العدالة، الإيمان، والخدمة، أمنحكم من كل قلبي بركتي الرسولية، شاملاً عائلاتكم وجماعاتكم الأبرشية.
تحية البابا لأهل بورتو
بورتو، الجمعة 14 مايو 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي ترجمة التحية التي ألقاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر على المؤمنين المجتمعين في ساحة دوس أليادوس.
* * *
أيها الإخوة والأصدقاء الأعزاء،
أنا سعيد لوجودي في وسطكم وأشكركم لأجل الاستقبال الاحتفالي والودي الذي حفظتموه لي في مدينة بورتو، “مدينة العذراء”. أوكل إلى حمايتها الأمومية حياتكم وعائلاتكم، جماعاتكم ومؤسسات خدمة الخير المشترك، بشكل خاصة جامعة هذه المدينة التي تواعد تلاميذها والتقوا هنا معبرين عن عرفانهم وقبولهم لتعليم خليفة بطرس.
أشكر حضوركم وشهادة إيمانكم. أود مرة أخرى أن أشكر جميع الذين ساهموا بأشكال مختلفة بإعداد وتحقيق زيارتي هذه، والتي استعددتم لها بشكل خاص بالصلاة. كنت لأقبل الدعوة لإطالة فترة بقائي هنا في مدينتكم، لكن هذا الأمر ليس ممكنًا. اسمحوا لي إذًا أن أمضي معانقًا إياكم جميعًا بعطف في المسيح رجائنا، بينما أبارككم باسم الآب والابن والروح القدس
عظة بندكتس السادس عشر خلال القداس الذي ترأسه في أفنيدو دوس أليادوس
بورتو، الجمعة 14 مايو 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي عظة قداسة البابا بندكتس السادس عشر خلال القداس الذي ترأسه في أفنيدو دوس أليادوس في بورتو، البرتغال.
* * *
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
“فتمت النبوءة الواردة في كتاب المزامير، … ليستلم وظيفته آخر! فعلينا إذن أن نختار واحداً من الرجال […] ليكون معنا شاهداً بقيامة يسوع” (أع 1: 20، 22). هذه كانت كلمات بطرس عند قراءة كلمة الله وتفسيرها وسط إخوته الذين اجتمعوا في العلية بعد صعود يسوع إلى السماء. إن الشخص الذي وقع الاختيار عليه هو متياس الذي كان شاهداً على حياة يسوع وانتصاره على الموت، والذي ظل أميناً له حتى النهاية على الرغم من تخلي كثيرين عنه. و”التفاوت” بين القوى الفعلية التي ترعبنا اليوم، كانت تذهل الأشخاص الذين رأوا المسيح وأصغوا إليه قبل ألفي سنة. لقد كان وحيداً من ضفاف بحيرة الجليل إلى ساحات أورشليم، وحيداً أو شبه وحيد في الأوقات الحاسمة: وحيداً في الاتحاد مع الآب، وحيداً في قوة الروح. مع ذلك، وفي النهاية، من المحبة عينها التي خلقت العالم، نمت حداثة الملكوت كبذرة صغيرة تنبت من الأرض، كشعاع نور يخترق الظلمات، كفجر يوم لا ينتهي: إنه المسيح القائم من بين الأموات. وظهر لأحبائه كاشفاً لهم عن الحاجة إلى الصليب في سبيل بلوغ القيامة.
في ذلك اليوم، كان بطرس يبحث عن شاهد لكل ذلك. رُشح اثنان، واختارت السماء “ماتياس فضموه إلى الرسل الأحد عشر” (أع 1، 26). إننا نحتفل اليوم بذكراه المجيدة في هذه “المدينة التي لا تُقهر” والتي رحبت بابتهاج بخليفة بطرس. أنا أشكر الله الذي سمح لي بأن أكون في وسطكم وألتقي بكم حول المذبح. وأوجه تحياتي القلبية لكم أيها الإخوة والأحباء في مدينة بورتو وأبرشيتها، وللأشخاص الذين جاؤوا من الإقليم الكنسي في شمال البرتغال، ومن الأنحاء الإسبانية المجاورة، وإلى جميع الحاضرين جسدياً أو روحياً في هذا اللقاء الليتورجي. كما أحيي أسقف بورتو، المونسنيور مانويل كليمنت الذي رغب بشدة في زيارتي هذه، ورحب بي بمحبة كبيرة وعبر عن مشاعركم في بداية هذا الاحتفال الافخارستي. وأحيي أيضاً أسلافه وإخوته الأساقفة وجميع الكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين العلمانيين، وبخاصة الأشخاص الملتزمين بالرسالة الأبرشية، وبخاصة بالتحضيرات لزيارتي. كما أعلم أنكم استطعتم الاعتماد على تعاون عمدة بورتو والمسؤولين العامين الذين أتشرف بحضور عدد منهم، وأغتنم هذه الفرصة لأحييهم وأعبر لهم ولجميع الذين يمثلونهم ويخدمونهم عن أطيب تمنياتي لمصلحة الجميع.
لقد قال بطرس: “علينا أن نختار واحداً من الرجال ليكون معنا شاهداً بقيامته”. ويكرر لكم خليفته الحالي: إخوتي وأخواتي، يجب أن تكونوا شهوداً معي بقيامة يسوع. في الواقع، إن لم تصبحوا شهوده في حياتكم اليومية، فمن سيفعل ذلك بدلاً منكم؟ المسيحيون هم في الكنيسة ومع الكنيسة مبشرو المسيح المرسلون إلى العالم. هذه هي الرسالة الأساسية لكل جماعة كنسية: أن تتلقى من الله الآب وتمنح للعالم المسيح القائم من بين الأموات لكي تتحول كل حالة ضعف وموت إلى فرصة نمو وحياة، من خلال الروح القدس. لذلك، وفي كل احتفال افخارستي، سنصغي بمزيد من الانتباه إلى كلمة المسيح ونتذوق بورع خبز حضوره. هذا ما سيجعلنا شهوداً، بل أكثر، رسل يسوع القائم من بين الأموات في العالم فنحمله إلى مختلف المجالات الاجتماعية وإلى جميع المقيمين والعاملين فيها، ناشرين “ملء الحياة” (يو 10، 10) الذي ربحه لنا من خلال صلبه وقيامته، والذي يحقق تطلعات القلب البشري المحقة.
نحن لا نفرض شيئاً بل نقترح دون انقطاع كما يوصينا بطرس في إحدى رسائله: “وإنما كرسوا المسيح رباً في قلوبكم. وكونوا دائماً مستعدين لأن تقدموا جواباً مقنعاً لكل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي في داخلكم” (1 بط 3، 15). وفي النهاية، الكل يطلب منا ذلك حتى الذين يظهرون كما لو أنهم لا يطلبونه. من التجربة الفردية والجماعية، نعلم جيداً أن يسوع هو الذي ينتظره الجميع. ففي الواقع أن أعمق توقعات العالم وأعظم الثوابت الإنجيلية تلتقي في رسالتنا التي لا يمكن الاعتراض عليها لأن “الإنسان من دون الله لا يعلم الطريق التي يجب أن يسلكها ولا يفهم حقيقته. أمام المشاكل الكبيرة المحيطة بتنمية الشعوب والتي تكاد تدفعنا نحو الإحباط، نجد التعزية في أقوال ربنا يسوع المسيح الذي يعلمنا: “فإنكم بمعزل عني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً” (يو 15، 5) ويشجعنا: “ها أنا معكم كل الأيام إلى انتهاء الزمان!” (مت 28، 20)” (المحبة في الحقيقة، 78).
على الرغم من أن هذا اليقين يعزينا ويهدئنا، إلا أنه لا يعفينا من التقدم نحو الآخرين. يجب أن نتخطى إغراء تقييد أنفسنا بما نملك أو بما نعتقد أننا نملكه: سيكون ذلك موتاً حتمياً من ناحية حضور الكنيسة في العالم؛ فالكنيسة يجب أن تكون رسولة في حركة تدفق الروح. ومنذ بداياته، أدرك الشعب المسيحي أهمية نقل بشرى يسوع السارة إلى جميع الذين لا يعرفونه بعد. خلال السنوات الأخيرة، تغير إطار البشرية الأنثروبولوجي والثقافي والاجتماعي والديني؛ والكنيسة مدعوة اليوم إلى مواجهة تحديات جديدة ومستعدة للتحاور مع مختلف الثقافات والديانات، سعياً وراء بناء التعايش السلمي بين الشعوب، مع أصحاب النوايا الطيبة. واليوم، يظهر مجال الرسالة إلى الأمم ad gentes بشكل أوسع، ولا يمكن تحديده فقط على أساس الاعتبارات الجغرافية. فالشعوب غير المسيحية والشعوب البعيدة ليست وحدها التي تنتظرنا، وإنما تنتظرنا أيضاً البيئات الاجتماعية والثقافية، وبخاصة القلوب البشرية التي تشكل الغاية الفعلية للنشاط التبشيري الذي يقوم به شعب الله.
إنه توكيل يجب أن يتقدم تنفيذه “من خلال اتباع الدرب التي سلكها المسيح، درب الفقر والطاعة، والخدمة وبذل الذات حتى الموت، الموت الذي انتصر عليه بقيامته” (إلى الأمم، 5). أجل! نحن مدعوون لخدمة البشرية في زماننا، واثقين بيسوع وحده وسامحين لأنفسنا بالاستنارة بكلماته: “ليس أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم وعينتكم لتنطلقوا وتنتجوا ثمراً ويدوم ثمركم” (يو 15، 16). كم من الوقت أضعنا، وكم من العمل أجّلنا بسبب إهمالنا! كل شيء يُحدد انطلاقاً من المسيح، من جهة جذور الرسالة وفعاليتها: نحن نتلقى الرسالة دوماً من المسيح الذي جعلنا نفهم ما سمعه من أبيه، ونحن نلتزم بالرسالة من خلال الروح في الكنيسة. على مثال الكنيسة التي هي عمل المسيح وروحه، يتعلق الأمر بتجديد وجه الأرض انطلاقاً من الله، فقط ودوماً من الله.
إخوتي وأخواتي الأعزاء في بورتو، ارفعوا أنظاركم إلى من اخترتموها شفيعة لمدينتكم، سيدة الحبل بلا دنس. لقد ألقى ملاك البشارة السلام على مريم قائلاً لها “يا ممتلئة نعمة”، مشيراً بهذه العبارة إلى أن قلبها ووجودها كانا منفتحين بالكامل على الله ومغمورين بنعمته. فلتساعدكم سيدتنا على قبول نعمة الله بحرية وبشكل تام لكيما تتجددوا وتجددوا البشرية بنور وفرح الروح القدس.
خطاب البابا قبيل مغادرة البرتغال
بورتو، الجمعة 14 مايو 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي خطاب قداسة البابا بندكتس السادس عشر في مطار بورتو الدولي قبيل مغادرة البرتغال.
* * *
السيد رئيس الجمهورية،
السلطات الكريمة،
الإخوة الأحباء في الأسقفية،
الأصدقاء الأعزاء،
في ختام زيارتي، يتردد في روحي كبر اللحظات العديدة التي عشتها في حجي هذا إلى البرتغال. أحفظ في نفسي الود الذي أبديتموه في استقبالكم لي، والطابع الحار والعفوي الذي ميّز اللقاءات التي تمت مع الجماعات التي التقيت بها، والالتزام الذي عنى إعداد وتحقيقي البرنامج الرعوي.
في لحظة الوداع هذه، أعبر عن عرفاني الصادق: إلى السيد رئيس الجمهورية، الذي كرمني بحضوره منذ لحظة وصولي إلى هنا، إلى إخوتي الأساقفة الذين جددت معهم الاتحاد العميق في خدمة ملكوت المسيح، إلى الحكومة وكل السلطات المدنية والعسكرية التي انكبت بإخلاص بادٍ على القيام بدورها طوال الزيارة.
أتمنى لكم كل الخير! لقد سمحت لي وسائل الاتصال الاجتماعي أن أصل إلى الكثير من الأشخاص الذين لم يكن ممكنًا التواصل معهم عن كثب. لهم أيضًا يذهب عربون شكري.
أوجه إلى جميع البرتغاليين، الكاثوليك وغير الكاثوليك، الرجال والنساء الذين يعيشون هنا، حتى ولو يولدوا في هذه البلاد، أوجه تحيتي في لحظة الوداع. استمروا في بناء التوافق في بينكم، فهو جوهري لبناء وحدة ثابتة، سبيلاً ضروريًا لمواجهة التحديات التي تواجهكم بمسؤولية مشتركة. فلتستمر هذه الأمة المجيدة بإظهار كبر النفس، وحس الله العميق، والانفتاح المتعاضد، تدعمها المبادئ والقيم المتشربة من الأنسية المسيحية. لقد صليت في فاطيما للعالم بأسره طالبًا أن يحمل المستقبل أخوةً وتضامن، واحترامًا متبادلاً وثقة متجددة بالله، أبينا الذي في السماوات.
كان لي فرح أن أشهد إيمان وتقوى الجماعة الكنسية البرتغالية. تسنى لي أن أشهد حماسة الأطفال والشباب، وإخلاص الكهنة، الشمامسة والمكرسين، والتزام الأساقفة الرعوي مع الرغبة في البحث عن الحقيقة والجمال الظاهر في عالم الثقافة. كما ولاقيت روح المنشطين الرعويين والاجتماعيين الخلاق، ونبض إيمان مؤمنين الأبرشيات التي زرتها.
إن رغبني هي أن تضحي زيارتي حافزًا على تجديد الغيرة الروحية والرسولية. فليتم قبول الإنجيل بكامله والشهادة له بحمية من قبل كل تلميذ من تلاميذ المسيح، لكي يظهر كخميرة تجدد أصيل في المجتمع بأسره!
فلتنزل على البرتغال وعلى كل أبنائه وبناته بركتي الرسولية، حاملة الرجاء، السلام والشجاعة، والتي أطلبها إلى الله بشفاعة سيدة فاطيما، التي تلجأون إليها بثقة وحب وطيدين. فلنتابع مسيرتنا في الرجاء! وداعًا!
بندكتس السادس عشر تخطى توقعات البرتغاليين
مدبر مزار فاتيما يتحدث عن الرحلة
بقلم مارين سورو
الثلاثاء 18 مايو 2010 (Zenit.org) – كان البرتغاليون يعتبرون بندكتس السادس عشر لاهوتياً غير قادر على ملامسة القلوب. لكنه أثبت العكس بحسب مدبر مزار فاتيما الذي أكد أن البابا “تخطى توقعات البرتغاليين”.
على أثير إذاعة الفاتيكان، وفي 16 مايو، تحدث الأب فيرجيليو دو ناسيميينتو أنتونيس عن رحلة بندكتس السادس عشر إلى البرتغال، وبخاصة إلى فاتيما.
فقال: “في البرتغال، كان يعتبر البابا لاهوتياً، فيلسوفاً لا ينجح في ملامسة القلوب. وقد حصل العكس!”، مضيفاً أن بندكتس السادس عشر “لامس قلوب الناس، وتقرب من الأطفال والشباب والمسنين، وتحدث إلى المرضى”.
وأردف قائلاً: “لقد أثر بنا الأب الأقدس بكلماته، وبخاصة بابتسامته وطريقة تصرفه وتواصله”. “إنه شخص إنساني جداً لدرجة أنه يبدو كفرد من عائلتنا” وكشخص “نعرفه منذ زمن بعيد”. “لقد تخطى توقعات البرتغاليين”.
وبالحديث عن “أيام الفرح الكبير لكل حجاج فاتيما”، اعتبر الأب فيرجيليو دو ناسيميينتو أنتونيس أن رحلة بندكتس السادس عشر إلى البرتغال سمحت بإدراك “فرح كوننا مسيحيين” و”معنى الاتحاد مع الكنيسة جمعاء” واعتبار بندكتس السادس عشر “راعياً عالمياً”.
وعن كلمات بندكتس السادس عشر “رسالة فاتيما النبوية لم تنته”، قال الأب فيرجيليو دو ناسيميينتو أنتونيس أنه إعلان “بليغ ومهم”.
وأوضح أن “البعض اعتقد خلال القرن العشرين أن رسالة فاتيما انتهت مع سقوط أنظمة أوروبا الشرقية ومحاولة اغتيال يوحنا بولس الثاني وسقوط جدار برلين واضطهاد الكنيسة”. لكن “البابا يأتي ليقول لنا أنها لم تنته لأن رسالة فاتيما تشمل برأيي كل تاريخ الكنيسة والعالم بكل مشاكله، وهذه المشاكل – مسائل السلام والعدالة والإيمان والمحبة – مستمرة”.
ولفت إلى أن رسالة فاتيما “رسالة مفتوحة تساعدنا على تفسير تاريخ زماننا، وإثبات وجود الله، وحاجة الإنسان إلى الله وروحانية القيم والاهتداء”.
ختاماً، قال: “لقد ترك البابا رجاءً كبيراً لجميع الحجاج في البلاد كلها وليس فقط لحجاج فاتيما”. فيما تعيش البلاد وضعاً صعباً من الناحية الاقتصادية، شدد على أن البابا لامس القلوب متحدثاً عن “الرجاء والفرح والله والمستقبل والإمكانيات” المعطاة للإنسان الذي يستمر في الإيمان بالله وقبوله في حياته.
Discussion about this post