شخصيات من الكتاب المقدس
لوقا الانجيلي
لوقا :
اسم لاتيني ربما كان اختصار ((لوقانوس)) أو ((لوكيوس)) وهو صديق بولس ورفيقه وقد اشترك معه في إرسال التحية والسلام إلى أهل كولوسي (كو 4: 14) حيث وصفه بالقول ((الطبيب الحبيب)) وكذلك في الرسالة على فليمون (فل 24) حيث وصفه بالقول ((العامل معي)). وكان مع بولس في رومية حين كتابة الرسالة الثانية إلى تيموثاوس (2 تي 4: 11) ويجب التمييز بين لوقا ولوكيوس المذكور في اع 13: 1 و لوكيوس المذكور في رو 16: 21.
نجد في القرن الثاني لميلاد أن الاعتقاد كان سائداً بأن لوقا هو كاتب الإنجيل الثالث وأعمال الرسل- السفريين اللذين كتبا بدون ريب بقلم واحد (اع 1: 1) الأمر الذي يساعدنا على معرفة الكثير عن لوقا من سفر الأعمال حيث يذكر أنه كان مع بولس في قسم من أسفاره بدليل استعمال ضمير الجمع المتكلم ((نحن)) ((ونا)) في وصف تلك الأسفار (اع 16: 10-17 و 20: 5 إلى 21: 18 و 27: 1 إلى 28: 16).
ويظهر من الآيات أن لوقا التقى ببولس في سفرته الثانية في ترواس ورافقه إلى فيلبي ثم التقى به في فيلبي مرة أخرى في سفرة بولس الثانية وسافر معه إلى أورشليم. ويظهر أنه بقي في فلسطين مدة السنتين اللتين كان بولس فيهما مسجوناٌ في قيصرية، ويستدل من ذلك أنه سافر مع الرسول من قيصرية إلى رومية.
يعتقد أن لوقا كان من الأمم بدليل أن بولس لم يذكره مع الأخوة اليهود بل أفراده عنهم في رسالته إلى كنيسة كولوسي (4: 14) وحسب الأخبار القديمة أنه ولد في إنطاكية سوريا وهذا ليس ببعيد عن الصواب ولكن سواء أصحت هذه الرواية أم لا فإن اهتمام لوقا بكنيسة إنطاكية ظاهر بطريقة جلية فيسفر الأعمال (اع 6: 5 و 11: 19-27 و 13: 1-3 و 14: 26-28 و 15: 1 و 2 و 30-40 و 18: 22 و 24).
على أن زمن موته وكيفيته لا يعرف أحد عنها شيئاً. إلا أن هناك تقليداً يذكر أنه مات في بثينية في سن متقدمة.
إنجيل لوقا :
وهو الإنجيل الثالث وقد وجه إلى شخص شريف يدعى ثاوفيلس يرجح أنه أحد المسيحيين من أصل أممي. ويقول البشير في فاتحة بشارته ((إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور التي تمت بيننا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء، شهود عيان وخداماً للكلمة، قد رأيت أنا أيضاًَ إذ قد اتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن اكتبها لك بالترتيب… (لوقا 1: 1-3) مما يشير بوضوح إلى أنه استقى بإرشاد الروح القدس ما سطرته يده من ثقاة وشهود عيان ولأنه قضى وقتاً طويلاً في فلسطين أثناء سجن الرسول بولس اعتقد الكثيرون بأنه على الأرجح استقى كثيراً مما كتبه وبخاصة عن ولادة يسوع وزيارته للهيكل في سن الثانية عشرة من العذراء مريم نفسها. ويعتقد البعض أنه ربما كان من بين ((الكثيرين الذين أخذوا بتأليف قصة)) كاتباً بشارة مرقس ومتى.
وتظهر لنا شخصية الكاتب بوضوح إذا تأملنا محتويات هذه البشارة وكذلك محتويات سفر أعمال الرسل، ومنها ندرك أنه كان وديعاً متواضعاً وقد جعله تواضعه أن يخفي نفسه وأن يسلط الأضواء كلها على المواضيع التي يتناولها بالكتابة.
ويظهر من أسلوب كتابته وكذلك من محتويات البشارة وسفر الأعمال أن لوقا كان يونانياً عالي الثقافة. ويقر العلماء والثقاة اليوم بصفاته الممتازة كمؤرخ ثقة يعتمد كل الاعتماد على ما يكتب ويؤرخ.
ويستدل مما ذكره الرسول بولس في رسالته إلى أهل كولوسي (كو 4: 14) على أن لوقا ((هو الطبيب المحبوب)) الذي يرافقه وكذلك يذكره الرسول في رسالته إلى فليمون (فلي 24) كأحد العاملين معه. أما أنه كان طبيباً ممتازاً فيظهر ذلك من محتويات البشارة وسفر أعمال الرسل وكذلك من العبارات الخاصة التي يستعملها في وصف حالات المرض في كتاباته (قابل لو 4: 38 مع متى 8: 14 أو مر 1: 30، وكذلك لوقا 8: 43 مع مر 5: 26).
كاتب البشارة وتاريخ كتابتها:
سبق لنا أن ذكرنا أن لمعرفة الكثير عن لوقا البشير علينا أن نرجع إلى البشارة نفسها وإلى سفر الأعمال. وبالنظر إلى أن سفر الأعمال قد كتب بعد كتابة البشارة بوقت قصير (انظر أعمال 1: 1-3) فإن تاريخ كتابة بشارة لوقا يتوقف إلى حد كبير على تعيين تاريخ كتابة سفر الأعمال وبما أنه مرجح أن سفر الأعمال قد كتب حوالي سنة 62 أو 63 ميلادية لذا فكل الدلائل التي لدينا تشير إلى أن هذه البشارة كتبت حوالي عام 60 ميلادي.
محتويات البشارة:
يمكن أن تقسم إلى ستة أقسام:
(1) مقدمة ص 1: 1-4.
(2) السنوات الأولى من حياة الرسول ص 1: 5-2: 52.
(3) الاستعداد للخدمة ص 3: 1-4: 13.
(4) المناداة بالرسالة في الجليل ص 4: 14-9: 50.
(5) الارتحال إلى أورشليم ص 9: 51-19: 44.
(6) الصلب والقيامة ص 19: 45-24: 53.
بعض الأشياء التي وردت في بشارة لوقا ولم ترد في متى أو مرقس:
يذكر دارسو الكتاب المقدس أنه قد وردت في بشارة لوقا بعض الحوادث التي لم تذكر في غيرها من البشائر. فهناك ما يقرب من نصف البشارة خاص بلوقا دون غيره من البشرين وتشمل هذه القصص الآتية:
1- قصص خاصة بميلاد يسوع غير ما ذكر في متى انظر لو ص 1: 5-2: 52.
2- عظة يسوع في الناصرة لو 4: 16-30.
3- مثل السامري الصالح لو 10: 29-37.
4- مريم ومرثا لو 10: 38-42.
5- مثل صديق منتصف الليل لو 11: 5-8.
6- مثل الدرهم المفقود ومثل الابن الضال 15: 8-10 و 11-32.
7- مثل الغني ولعازر لو 16: 19-31.
8- قصة خلاص زكا لو 19: 1-10.
9- اللص التائب على الصليب لو 23: 40-43.
10- قصة تلميذ عمواس لو 24: 13-35.
11- الصعود لو 24: 50-53.
بعض الخواص المميزة لهذه البشارة:
1: إنه يؤكد تأكيداً خاصاً حقيقة أن يسوع هو المخلص الإلهي للعالم أجمع. فيسوع هو الذي يقدم الغفران والفداء مجاناً لجميع الناس بغضّ النظر عن اللون أو الجنس أو الجنسية أو الاستحقاق للخلاص فقدم الخلاص للسامريين (لوقا 9: 52-56 و 10: 30-37 و 17: 11-17) وللأمم (لوقا 2: 32 و 3: 6 و 8 و 4: 25-27 و 7: 9 و 10: 1 و 24: 47) كما قُدم لليهود (لو 1: 33 و 2: 10 الخ) وقد قدم للنساء كما قدم للرجال. وقد قدم للمنبوذين ولجباة الضرائب المبغضين وللخطاة (لو 3: 12 و 5: 27-32 و 7: 37-50 و 19: 2-10 و 23: 43) كما قدم أيضاً لقوم هم ذوو مكانة في مجتمعهم (لو 7: 36 و 11: 37 و 14: 1) وقد قدم للفقراء (لو 1: 53 و 2: 7 و 6: 20 و 7: 22) كما قدّم للأغنياء (لو 19: 2 و 23: 50).
2- يؤكد لوقا ويثبت إثباتاً قاطعاً أن المسيح هو المخلص الذي له قدرة إلهية على شفاء النفس والجسد كليهما، وشفاؤه كامل للدهر الحاضر وإلى الأبد.
3- يذكر لوقا اختلاء يسوع للصلاة، أكثر مما يذكر ذلك عن غيره من البشيرين (لو 3: 21 و 6: 12 و 9: 18 و 29 و 29 و 1: 1) كما تتميز هذه البشارة بحثها المتواصل على الصلاة (لو 11: 5-9 مثل صديق نصف الليل و 18: 1-8 مثل القاضي الظالم).
4- يظهر لوقا بوضوح وتفصيل عمل يسوع الفدائي الذي يسمو بالمرأة فيشير بقوة إلى عطف يسوع وحنانه على النساء، على النقيض من عدم عطف كثيرين من اليهود والأمم عليهن بل وخشونتهم نحوهن.
5- يعطي لوقا مكانة مرموقة في بشارته لأمثال المسيح التي تصور بوضوح وجلاء محبة الله الفادية (انظر مثلاً لو 15: 1-32).
60 يعطينا لوقا في بشارته تاريخ حياة يسوع بصيغة شاملة واضحة أكثر من غيره من البشيرين فيحدثنا في فاتحة بشارته أنه تحرى كل شيء من الأول بتدقيق وأنه قرر، بإرشاد الروح القدس، أن يكتب بشارته بكيفية مرتبة منظمة. ومن يدرس هذه البشارة من بدايتها إلى نهايتها يتبين الدقة والترتيب اللذين اتبعهما البشير في كتابة هذه البشارة المجيدة.
Discussion about this post