خطاب البابا بندكتس السادس عشر بمناسبة
ختام أسبوع الصلاة لأجل وحدة المسيحيين
بقلم: روبير شعيب (ترجمه من الإيطاليّة)
بينما نحن في مسيرة نحو ملء الوحدة،
نحن مدعوون لتقديم شهادة مشتركة أمام التحديات المتزايدة في زمننا
روما، الاثنين 25 يناير 2010 (Zenit.org)
ننشر في ما يلي عظة قداسة البابا بندكتس السادس عشر خلال الاحتفال بصلاة الغروب،
بمناسبة عيد ارتداد القديس بولس الرسول، في بازيليك القديس بولس خارج الأسوار،
المناسب أيضًا ختام أسبوع الصلاة لأجل وحدة المسيحيين التي كان موضوعها:
“أنتم شهود على ذلك” (لو 24، 48).
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
نلتقي في حشد ليتورجي أخوي، في عيد ارتداد القديس بولس، لنختتم اليوم أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين الذي نحتفل به كل عام. أود أن أحييكم جميعًا بعطف، وأخص بالتحية الكاردينال فالتر كاسبر، رئيس المجلس الحبري لوحدة المسيحيين، ورئيس كهنة البازيليك، المونسينيور فرنشيسكو مونتريزي، مع الأباتي وجماعة الرهبان الذين يستضيفوننا. أوجه أيضًا تحيتي القلبية إلى السادة الكرادلة الحاضرين، إلى الأساقفة وإلى جميع ممثلي الكنائس والجماعات الكنسية الذين حضروا للمشاركة.
لم تمض أشهر كثيرة على ختام السنة المكرسة للقديس بولس التي قدمت لنا إمكانية التعمق بعمله المدهش كمبشر بالإنجيل، وكما ذكرنا موضوع أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس، – “أنتم شهود على ذلك” (لو 24، 48) ? دعوتنا هي أن نكون رسلاً للإنجيل. إن بولس، رغم أنه يذكر جيدًا ماضيه كمضطهد للمسيحيين، لا يتردد في تسمية ذاته رسولاً. ركيزة تلك التسمية هي لقاؤه بالرب القائم من الموت على طريق دمشق، الذي يضحي أيضًا مطلع نشاط إرسالي لا يكل، لن يوفر فيه جهدًا لكي يعلن لكل الأمم ذلك المسيح الذي التقى به شخصيًا.
هكذا بولس، من مضطهد للكنيسة، سيضحي هو نفسه ضحية للاضطهاد لأجل الإنجيل الذي كان يشهد له. يكتب في الرسالة إلى أهل كورنثوس: “جلدني اليهود خمس مرات أربعين جلدة إلا واحدة ،ضربت بالعصي ثلاث مرات، رجمت مرة واحدة… أسفار متعددة، أخطار من الأنهار، أخطار من اللصوص، أخطار من بني قومي، أخطار من الوثنيين، أخطار في المدينة، أخطار في البرية، أخطار في البحر، أخطار من الإخوة الكذابين، جهد وكد، سهر كثير، جوع وعطش، صوم كثير، برد وعري، فضلا عن سائر الأمور من همي اليومي والاهتمام بجميع الكنائس” (2 كور 11، 24 ? 25 . 26 ? 28). ستصل شهادة بولس إلى قمتها في استشهاده على مقربة من هذا المكان، عندما سيقدم برهانًا عن إيمانه بالمسيح الذي يغلب الموت.
إن الدينامية الفاعلة في خبرة بولس هي عينها التي نجدها في صفحة الإنجيل الذي أصغينا إليه لتونا. يرجع تلاميذ عماوس إلى أورشليم، بعد أن التقوا بالرب القائم، ويجدون الأحد عشر مجتمعين سوية مع الآخرين. يظهر لهم المسيح القائم، يعزيهم، يتغلب على مخاوفهم وشكوكهم، ويقاسمهم مائدتهم ويفتح قلبهم لفهم الكتب، مذكرًا إياهم بما كان يجب أن يتم وبما سيشكل نواة التبشير المسيحي. يقول يسوع: “كتب أن المسيح يتألم ويقوم من بين الأموات في اليوم الثالث، وتعلن باسمه التوبة وغفران الخطايا لجميع الأمم، ابتداء من أورشليم” (لو 24، 46 ? 47). هذه هي الأحداث التي سيشهد لها تلاميذ الساعة الأولى، ومن بعدهم المؤمنون بالمسيح في كل زمان ومكان. من الأهمية بمكان أن نشدد على أن هذه الشهادة، في الماضي كما اليوم، تولد من اللقاء بالقائم من الموت، وتتغذى من العلاقة الدائمة معه، ويحييها الحب العميق نحوه. فقط من قام بخبرة الشعور بالمسيح الحاضر والحي ? “انظروا يدي ورجلي: أنا هو” (لو 24، 39) ? من جلس على المائدة معه، من أصغى إليه وهو يجعل القلب يتقد، يستطيع أن يكون شاهدًا له!
لهذا يعد يسوع التلاميذ وكل منا عونًا قويًا من العلاء، حضورًا جديدًا، حضور الروح القدس، هبة المسيح القائم الذي يقودنا إلى الحقيقة بأسرها ويقول للأحد عشر ولنا: “وها إني أرسل إليكم وعد الآب” (لو 24، 49). سيقضي الأحد عشر حياتهم في إعلان البشرى السارة المتألفة من موت الرب وقيامته وسيسم جميعهم تقريبًا شهادتهم بدم الاستشهاد، البذر الخصب الذي أنتج ثمرًا وفيرًا.
إن خيار موضوع أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين لهذا العام، أي الدعوة إلى شهادة مشتركة للمسيح القائم بحسب المهمة التي أوكلها إلى التلاميذ، ترتبط بالذكرى المئوية للمؤتمر الإرسالي الذي عقد في أديمبورغ في اسكوتلندا، والذي يعتبره الكثيرون كحدث مصيري في ولادة الحركة المسكونية الحديثة. في صيف 1910، في العاصمة الاسكوتلندية التقى أكثر من ألف مرسل من مختلف التوجهات البروتستانتية والأنغليكانية، وانضم إليهم ضيف أرثوذكسي للتفكير سوية حول ضرورة التوصل إلى الوحدة لإعلان إنجيل المسيح بمصداقية. بالواقع، إنها رغبة إعلان المسيح للآخرين وحمل رسالة المصالحة إلى العالم تجعلنا نختبر تناقض انقسام المسيحيين. فكيف يستطيع غير المؤمنين أن يقبلوا بشرى الإنجيل إذا كان المسيحيون، الذي يزعمون الانتماء للمسيح الواحد، مختلفين في ما بينهم؟ إضافة إلى ذلك، كما نعرف، إن المعلم، في ختام العشاء السري، صلى الآب لأجل تلاميذه: “ليكونوا واحدًا… حتى يؤمن العالم” (يو 17، 21). إن شركة ووحدة تلاميذ المسيح هي إذًا شرط خاص وهام لمصداقية وفعالية أكبر للشهادة.
بعد قرن من الزمان على حدث أديمبورغ، ما يزال حَدْس هؤلاء الرواد المقدامين آنيًا. في عالم يتسم بعدم المبالاة نحو الدين، وحتى بنقمة متزايدة نحو الإيمان المسيحي، من الضروري القيام بعمل تبشيري جديد ومكثف، ليس فقط بين الشعوب التي لم تعرف الإنجيل أبدًا، بل أيضًا بين تلك الشعوب التي انتشر لديها الإنجيل والتي يشكل جزءًا من تاريخها. لا تنقص، للأسف، المسائل التي تفصلنا بعضنا عن بعض والتي نرجو أن يتم تجاوزها من خلال الصلاة والحوار، ولكن هناك مكنون محوري في رسالة المسيح نستطيع أن نعلنه سوية: أبوة الله، انتصار المسيح على الخطيئة والموت بصليبه وقيامته، الثقة بعمل الروح المحوّل. وبينما نحن في مسيرة نحو ملء الوحدة، نحن مدعوون لتقديم شهادة مشتركة أمام التحديات المتزايدة في زمننا، مثل العلمنة واللامبالاة، النسبية والبحث المفرط عن اللذة، المواضيع الأخلاقية الدقيقة المتعلقة ببدء ونهاية الحياة، حدود العلم والتكنولوجيا، الحوار مع التقاليد الدينية الأخرى. هناك أيضًا حقول يجب أن نقدم فيها منذ الآن شهادة مشتركة: الحفاظ على الخليقة، تعزيز الخير المشترك والسلام، حماية محورية الشخص البشري، الالتزام في التغلب على بؤس زماننا، مثل المجاعة، الفاقة، الأمّية، والتوزيع غير العادل للخيرات.
الالتزام بالعمل لأجل وحدة المسيحيين ليس واجبًا يترتب على البعض وحسب، ولا عمل ثانوي في حياة الكنيسة. كل منا مدعو لكي يقدم إسهامه للقيام بتلك الخطوات التي تحمل نحو الوحدة الكاملة بين جميع تلاميذ المسيح، دون أن ننسى أبدًا أنها قبل كل شيء هبة من الله يجب أن نطلبها دومًا. بالواقع، إن القوة التي تعزز الوحدة والشركة تنبع من اللقاء الخصب والمتقد بالقائم من الموت، كما حدث مع القديس بولس على طريق دمشق وللأحد عشر والتلاميذ الآخرين المجتمعين في أورشليم. فلتشفع بنا العذراء مريم، أم الكنيسة لكيما تتحقق في أقرب وقت ممكن رغبة ابنها: “ليكونوا واحدًا… حتى يؤمن العالم” (يو 17، 21).
Discussion about this post