رسالة الأب الأقدس بندكتس السادس عشر
بمناسبة يوم الشبيبة العالمي الثالث والعشرين
لورينزاغو دي كادوري، 24 يوليو 2007 – ننشر في ما يلي الرسالة التي وجهها الأب الأقدس بندكتس السادس عشر إلى الشبيبة في العالم أجمع من أجل الاستعداد للاحتفال بيوم الشبيبة العالمي الثالث والعشرين الذي سيقام في سيدني (استراليا)، من 15 ولغاية 20 يوليو 2008 حول موضوع: ” ستنالون قوة من الروح القدس الذي ينزل عليكم فتكونون لي شهودًا” (رسل 1، 8)
أيها الشباب الأعزاء!
1- يوم الشبيبة العالمي الثالث والعشرون
أذكر دومًا بفرح كبير اللحظات المنوعة التي قضيناها سوية في كولونيا في أغسطس عام 2005. في ختام ذلك الاستعراض من الإيمان والحماسة، الذي يبقى مطبوعًا في روحي وفي قلبي، أعطيتكم موعدًا للّقاء المقبل الذي سيعقد في سيدني، في عام 2008. سيكون اليوم العالمي الثالث والعشرين وموضوعه: “ستنالون قوة من الروح القدس الذي ينزل عليكم فتكونون لي شهودًا” (رسل 1، 8).
إن الموضوع المحوري للاستعداد الروحي للقاء سيدني هو الروح القدس والرسالة.
فإذا كنا قد توقفنا في عام 2006 للتأمل بالروح القدس كروح الحق، في عام 2007 سنحاول أن نكتشفه بشكل أعمق كروح الحب، لكي نسير نحو لقاء الشبيبة العالمي 2008، ونحن نفكر بروح القوة والشهادة، الذي يسبغ علينا الشجاعة لكي نحيا الإنجيل والجرأة لكي نعلنه. لهذا يصبح أمرًا أساسيًا بالنسبة لكل منكم أيها الشباب، في جماعاتكم ومع مربيكم، أن تتأملوا برائد تاريخ الخلاص هذا، الذي هو الروح القدس أو روح يسوع، للبلوغ إلى الأهداف السامية التالية: الاعتراف بهوية الروح القدس الحقة بشكل خاص عبر الإصغاء لكلمة الله في وحي الكتاب المقدس؛ الوعي الواضح لحضوره المستمر والعامل في حياة الكنيسة، بشكل خاص من خلال إعادة اكتشاف أن الروح القدس هو “نَفْس”، والنَفَس الحيوي في حياتنا المسيحية، بفضل أسرار الإعداد المسيحي – المعمودية، التثبيت والافخارستيا؛ أن نصبح بالتالي قادرين على إنضاج معرفة أكثر عمقًا وبهجةً ليسوع، وفي الوقت عينه، أن نحقق تجسيدًا فعالاً للإنجيل في فجر الألفية الثالثة.
أقدم لكم بفرح عبر هذه الرسالة خريطة تأمل للتعمق طوال هذا العام التحضيري، تستطيعون أن تتحققوا خلالها من نوعية إيمانكم بالروح القدس، فتجدوه من جديد إذا كنتم قد فقدتموه، ولكي تقووه إذا ما كان قد خار، ولكي تتذوقوه كصداقة الآب والابن، بنعمة عمل الروح القدس الذي لا غنى عنه.
لا تنسوا أبدًا أن الكنيسة، لا بل البشرية نفسها، هذه البشرية التي تحيط بكم والتي تنتظركم في مستقبلكم، تتوقع منكم الكثير أيها الشبان لأنكم تملكون عطية الآب السميا، التي هي روح يسوع.
2- الوعد بالروح القدس في الكتاب المقدس
إن الإصغاء النبيه لكلمة الله في كل ما يتعلق بسر وبعمل الروح القدس يفتح قلوبنا على معرفة عالية ومشوقة يمكننا أن نلخصها في النقاط التالية:
قبل صعوده بقليل، قال يسوع للتلاميذ” “إِنِّي أُرسِلُ إِلَيكم ما وَعَدَ بهِ أَبي” (لو 24، 49). وقد تم هذا الأمر يوم العنصرة، بينما كانوا مجتمعين للصلاة في العلية مع العذراء مريم. لقد كان حلول الروح القدس على الكنيسة الناشئة تحقيقًا لوعد إلهي قديم، تم الإعلان عنه والتحضير له في العهد القديم.
في الواقع، تتحدث صفحات الكتاب المقدس الأولى، عن روح الله كنسمة “ترفرف على وجه الغمر” (راجع تك 1، 2) ويوضح الكتاب بدقة بأن الله نفخ في أنف الإنسان نسمة حياة (راجع تك 2، 7)، مانحًا إياه هكذا هبة الحياة بالذات.
بعد الخطيئة الأصلية، يظهر روح الله المحيي مرات عدة في تاريخ البشر، ويقيم أنبياء لكي يدعو الشعب المختار للرجوع إلى الله ولكي يحفظ بأمانة وصاياه.
في رؤيا النبي حزقيال الشهيرة، يقوم الله بروحه بإعادة إحياء شعب إسرائيل، المتمثل بـ “العظام الجافة” (راجع 37، 1- 14).
ويتنبأ يوئيل بشأن “حلول الروح” على الشعب بأسره، دون استثناء: “سيَكونُ بَعدَ هذه أَنِّي أُفيضُ روحي على كُلِّ بَشَر … وحتى على العَبيدِ والإِماءِ أَيضاً أُفيضُ روحي في تِلكَ الأَيَّام” (3، 1- 2).
في “ملء الأزمنة” (راجع غلا 4، 4)، أعلن ملاك الرب لعذراء الناصرة أن الروح القدس، “قوة العلي”، سيُظللها، لذلك يكون الـمَولودُ منها قُدُّوساً وَابنَ اللهِ يُدعى (راجع لو 1، 35).
بحسب تعبير النبي أشعيا، المسيح سيكون ذاك الذي يحل روح الرب عليه (راجع 11، 1- 2؛ 42، 1).
ولقد تطرق يسوع إلى هذه النبوءة بالذات في مطلع حياته العلنية في مجمع الناصرة، فقد قال يسوع على مسمع الجمع المندهش: “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَني لأبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ عنِ الـمَظلومين وأُعلِنَ سَنَةَ رِضىً عِندَ الرَّبّ” (لو 4، 18- 19؛ راجع أش 61، 1- 2). بتوجهه إلى الجمع سيطبق يسوع على نفسه هذه الكلمات النبوية قائلاً: “اليوم تَمَّت هذه الآيةُ بمسمَعٍ منكُم” (لو 4، 21).
وأيضًا، قبل موته على الصليب، سيعلن يسوع مرات عدة لتلاميذه مجيء الروح القدس، “المعزي”، الذي ستكون رسالته أن يشهد ليسوع وأن يعضد المؤمنين، معلمًا إياهم وهاديًا إياهم إلى الحق كله (راجع يو 14، 16- 17. 25- 26؛ 15، 26؛ 16، 13).
3, العنصرة، نقطة انطلاق رسالة الكنيسة
عشية يوم قيامة يسوع، ظهر يسوع على الرسل، “ونَفَخَ فيهم وقالَ لَهم: ‘خُذوا الرُّوحَ القُدُس‘” (يو 20، 22). وبقوة أكبر حل الروح القدس على الرسل يوم العنصرة، إذ نقرأ في كتاب أعمال الرسل: “انْطَلَقَ مِنَ السَّماءِ بَغتَةً دَوِيٌّ كَريحٍ عاصِفَة، فمَلأَ جَوانِبَ البَيتِ الَّذي كانوا فيه، وظَهَرَت لَهم أَلسِنَةٌ كأَنَّها مِن نارٍ قدِ انقَسَمت فوقَفَ على كُلٍّ مِنهُم لِسان” (2، 2- 3).
لقد جدد الروح القدس الرسل من الداخل، وألبسهم قوة مكنتهم من الإعلان بشجاعة ودون خوف أن “المسيح قد مات وقام!”. فبتحررهم من كل خوف، بدأوا بالكلام بجرأة (راجع رسل 2، 29؛ 4، 13؛ 4، 29. 31). فمن صيادين خائفين أصبحوا مبشرين شجعان بالإنجيل. وحتى أعداؤهم، لم يتمكنوا أن يفهموا كيف أن رجالاً “أمّيّن ومن عامة الناس” (راجع رسل 4، 13) يستطيعون أن يُبدوا شجاعة مماثلة وأن يتحملوا الضيقات والعذابات والاضطهاد بفرح. لم يكن بإمكان شيء أن يقف بطريقهم. وكانوا يجيبون من كان يسعى إلى إسكاتهم: “أَمَّا نَحنُ فلا نَستَطيعُ السُّكوتَ عن ذِكْر ما رَأَينا وما سَمِعْنا” (رسل 4، 20). وهكذا ولدت الكنيسة، التي منذ يوم العنصرة لم تكفّ عن الإشعاع بالبشرى السارة “حتى أقاصي الأرض” (رسل 1، 8).
- الروح القدس، نفس الكنيسة ومبدأ الشركة
ولكن لكي نفهم رسالة الكنيسة، علينا أن نعود إلى العلية حيث بقي التلاميذ سوية (راجع لو 24، 49)، يصلون مع مريم، “الأم”، بانتظار الروح الموعود. على كل جماعة مسيحية أن تعود لتستلهم باستمرار أيقونة الكنيسة الناشئة هذه.
إن الخصب الرسولي والإرسالي ليس في المقام الأول ثمرة برامج وأساليب رعوية منظمة بحكمة و “فعالية”، بل هي ثمرة صلاة الجماعة المتواصلة (راجع بولس السادس، إرشاد رسولي “التبشير بالإنجيل”، 75).
تتطلب فعالية الرسالة أيضًا وحدة الجماعات، أي أن تكون “قلبًا واحدًا ونفسًا واحدة” (راجع رسل 4، 32)، وأن تكون مستعدة للشهادة للحب والفرح اللذين يفيضهما الروح القدس في قلب المؤمنين (راجع رسل 2، 42).
لقد كتب خادم الله يوحنا بولس الثاني أنه قبل أن تكون الرسالة نشاطًا، هي شهادة وإشعاع (راجع الرسالة العامة “رسالة الفادي”، 26).
هكذا كان الأمر في فجر المسيحية، عندما كان الوثنيون، بحسب ما يكتب ترتليانوس، يرتدون لدى رؤيتهم الحب الذي كان سائدًا بين المسيحيين: “انظر – يقولون – كيف يحبون بعضهم البعض” (راجع المدافع عن الإيمان، 39، 7).
في ختام هذه النظرة السريعة إلى كلمة الله في الكتاب المقدس، أدعوكم لكي تلاحظوا كيف أن الروح القدس هو عطية الله الكبرى للإنسان، وبالتالي هو الشهادة السنية لحبه لنا؛ حبٌّ يتم التعبير عنه بشكل عملي بشكل “نَعَم للحياة” التي يريدها الله لكل خليقة من خلائقه. تنال “النَعم للحياة” هذه بنيتها الكاملة في يسوع الناصري وفي انتصاره على الشر في القيامة.
في هذا الإطار لا ننسينّ أبدًا أن إنجيل يسوع، بفضل قوة الروح القدس، لا يقتصر على تحقّق مجرد وقائع ، بل يريد أن يصبح “بشرى سارة للفقراء، عتقًا للأسرى، وبصرًا للعميان…”.
هذا ما ظهر بقوة في يوم العنصرة، فأصبح نعمة وواجبًا على الكنيسة نحو العالم، أصبح رسالتها الأولوية.
نشكل نحن ثمرةَ رسالة الكنيسة هذه بعمل الروح القدس. نحمل في أعماقنا الروح القدس الذي هو وسم محبة الآب في يسوع المسيح. لا ننسينّ هذا الأمر أبدًا، لأن روح الرب يذكر كل واحد منا دومًا، ويريد من خلالكم أيها الشباب بالأخص، أن يحرك في العالم ريح ونار عنصرة جديدة.
- الروح القدس “المعلم الداخلي”
أيها الشباب الأعزاء، يستمر الروح القدس اليوم أيضًا بالعمل بقوة في الكنيسة وتكون ثماره جمة بقدر ما نكون مستعدين للانفتاح على قوته المجدّدة. لهذا من الضروري بالنسبة لكلّ منا أن يتعرف إليه وأن يدخل في علاقة معه وأن يسمح للروح بأن يتولى قيادته.
ولكن يتوارد على الذهن سؤال بشكل طبيعي: من هو الروح القدس بالنسبة لي؟ ليس قليلٌ عديد المسيحيين الذين ما زال الروح القدس يشكل بالنسبة لهم “المجهول الأكبر”. لهذا، من خلال استعدادنا للقاء الشبيبة العالمي، أردت أن أدعوكم للتعمق بالمعرفة الشخصية للروح القدس.
في قانون إيماننا نعلن: “أؤمن بالروح القدس، الرب واهب الحياة، المنبثق من الآب والابن” (قانون الإيمان النيقوي-القسطنطيني). أجل، إن الروح القدس، روح محبة الآب والابن، هو ينبوع الحياة الذي يقدسنا، “لأن محبة الله قد أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وُهب لنا” (روم 5، 5).
ولكن لا يكفي أن نتعرف إليه؛ ينبغي أن نقبله كدليل نفوسنا، مثل “المعلم الداخلي” الذي يدخلنا في السر الثالوثي، لأنه هو وحده يستطيع أن يفتح قلوبنا على الإيمان ويسمح لنا أن نعيشه بالملء كل يوم. هو الذي يدفعنا نحو الآخرين، ويشعل فينا نار الحب، ويجعل منا رسل المحبة الإلهية.
أعرف جيدًا كيف تحملون، أنتم الشباب، في قلوبكم تقديرًا ومحبة كبيرة ليسوع، وكم تتمنون اللقاء به ومخاطبته. لذا تذكروا أن حضور الروح فينا هو الذي يشهد، ويُنشئ ويبني شخصنا على نموذج يسوع المسيح المصلوب والقائم. فلندخل في حميمية الروح القدس، لكي نكون في حميمية مع المسيح.
- سرّي التثبيت والافخارستيا
ولكن – تقولون – كيف يمكننا أن نتجدد بالروح القدس وأن ننمو في حياتنا الروحية؟
الجواب – تعرفونه – هو: نستطيع ذلك بواسطة الأسرار، لأن الإيمان يولد ويتقوى فينا بفضل الأسرار، وخصوصًا أسرار الإعداد المسيحي: المعمودية، التثبيت والافخارستيا، التي هي أسرار مُتَتامّة وغير منفصلة (راجع تعليم الكنيسة الكاثوليكية، 1285).
لربما تم التغاضي عن هذه الحقيقة بشأن الأسرار الثلاثة التي هي في أصل كياننا المسيحي، في حياة الكثير من المسيحيين، الذين يرون في هذه الأسرار مجرد أعمال تمت في الماضي دون وقع حقيقي في يومنا، كجذور لا تحتوي على اللنف الحيوي.
فبعد تلقي سر التثبيت، يبتعد الكثير من الشباب عن حياة الإيمان. هنالك أيضًا شباب لا ينالون هذا السر حتى. ومع ذلك، فمع أسرار المعمودية والتثبيت ومن ثم، بشكل مستمر، مع الافخارستيا يجعل منا الروح القدس أبناءً للآب، إخوة ليسوع، وأعضاء في كنيسته، مؤهلين لشهادة حقة للإنجيل، ومتمتعين بفرح الإيمان.
لذا أدعوكم إلى التأمل بما أكتبه لكم الآن. فمن الضرورة بمكان أن تتم إعادة اكتشاف سر التثبيت في أيامنا، وأن نعاود اكتشاف قيمته بالنسبة لنمونا الروحي. فليذكر من تقبل أسرار المعمودية والتثبيت أنه أصبح “هيكلاً للروح القدس”: الله يسكن فيه. فليعي دومًا هذا الأمر وليحرص على أن يثمر هذا الكنز فيه ثمار قداسة.
فليتحضر المعمد الذي لم يتلق بعد سر التثبيت لكي يتقبله عالمًا بأنه سيصبح بهذا الشكل مسيحيًا “مكتملاً”، لأن التثبيت يكمّل نعمة المعمودية (راجع تعليم الكنيسة الكاثوليكية، 1302 – 1304).
يمنحنا التثبيت قوة خاصة للشهادة ولتمجيد الله بكل حياتنا (راجع روم 12، 1)؛ ويجعلنا واعين داخليًا لانتمائنا للكنيسة، “جسد المسيح”، الذي نشكل فيه جميعنا أعضاءً حية، متحدين بعضنا ببعض (راجع 1 كور 12، 12- 25).
من خلال استسلامه لهداية الروح، يستطيع كل معمّد أن يقدم إسهامه في بناء الكنيسة بفضل المواهب التي يمنحها الروح، لأنه “لِكُلِّ واحِدٍ يوهَبُ ما يُظهِرُ الرُّوحَ لأَجْلِ الخَيرِ العامّ” (1 كور 12، 7). وعندما يعمل الروح، فهو يحمل إلى النفس ثماره التي هي “المَحبَةُ والفَرَحُ والسَّلام والصَّبرُ واللُّطْفُ وكَرَمُ الأَخْلاق والإِيمانُ والوَداعةُ والعَفاف” (غلا 5، 22).
أوجه نداءً قلبيًا إلى جميع الذين، من بينكم، لم يتلقوا سر التثبيت بعد، لكي يتحضروا لقبوله، طالبين معونة كهنتهم. إنها مناسبة خاصة للنعمة يقدمها لكم الرب: لا تضيعوها!
أود أن أضيف هنا كلمة بشأن الافخارستيا. لكي ننمو في الحياة المسيحية، من الضروري أن نتغذى من جسد ودم المسيح: فبالواقع، نحن نتعمد ونتثبت بانتظار الافخارستيا (راجع تعليم الكنيسة الكاثوليكية، 1322؛ الإرشاد الرسولي “سر المحبة، 17).
الافخارستيا، “مصدر وغاية” الحياة المسيحية هي “عَنْصرة دائمة”، لأنه في كل مرة نحتفل بالقداس الإلهي نتلقى الروح القدس الذي يوحدنا بشكل أعمق بيسوع وفيه يحولنا.
إذا اشتركتم أيها الشباب الأعزاء بالافخارستيا بشكل منتظم، إذا كرستم بعضًا من وقتكم للسجود للقربان الأقدس، سيأتيكم، من ينبوع الحب الذي هو الافخارستيا التصميم الفرح لتكريس حياتكم لاتباع الإنجيل. ستختبرون في الوقت عينه أنه حيث لا تصل قوانا الشخصية، سيقوم الروح القدس نفسه بتحويلنا، مالئًا إيانا بقوته وجاعلاً منا شهودًا ممتلئين من توقّد المسيح القائم الإرسالي.
- ضرورة وإلحاحية الرسالة
ينظر الكثير من الشباب إلى حياتهم بخوف ويطرحون الكثير من الأسئلة حول مستقبلهم. ويتساءلون قلقين: كيف الانخراط في عالم يطبعه الكثير من الظلم الفادح والألم؟ كيف السبيل إلى مواجهة الأنانية والعنف اللذين يبدوان أحيانًا وكأنهما يسيطران على الوضع؟ كيف يمكن أن نمنح الحياة معناها الكامل؟ كيف يمكننا الإسهام لكي تستطيع عطايا الروح القدس التي ذكرناها آنفًا، “المَحبَةُ والفَرَحُ والسَّلام والصَّبرُ واللُّطْفُ وكَرَمُ الأَخْلاق والإِيمانُ والوَداعةُ والعَفاف” (عدد 6)، أن تغمر هذا العالم الجريح والضعيف، عالم الشبيبة بشكل خاص؟ ما هي الشروط التي بموجبها يستطيع الروح المحيي، روح الخلق الأول، وفوق كل شيء، روح الخلق الثاني أو الفداء، أن يصبح نفس البشرية الجديدة؟
لا ننسينّ أنه بقدر ما تكون عطية الله كبيرة – وعطية روح يسوع هي العطية السميا – فبقدر ذلك هي حاجة العالم لقبوله، ولذا يجب أن تكون رسالة الكنيسة كبيرة ومولعة حتى تعطي شهادة تستحق الإيمان.
وأنتم أيها الشباب، من خلال لقاء الشبيبة العالمي، تبرهنون بشكل ما عن إرادة الاشتراك بهذه الرسالة. في هذا الصدد، أشعر، أيها الأصدقاء الأعزاء، بضرورة تذكيركم ببعض الحقائق المرجعية لكي تتأملوا فيها.
مرة أخرى أقول لكم بأن المسيح وحده يستطيع أن يشبع تطلعات القلب البشري الأكثر عمقًا؛ وحدة قادر أن يؤنسن البشرية وأن يقودها نحو “التأليه”. بقوة روحه، يفيض فينا المسيح المحبة الإلهية التي تجعلنا قادرين على محبة القريب ومستعدين لكي نقوم بخدمته. يمنح الروح القدس النور، فيكشف عن المسيح المصلوب والقائم، ويبين لنا السبيل لكي نصير مشابهين له، أي لكي نكون “تعبيرًا وأداةً للحب الذي ينبع منه” (الرسالة العامة “الله محبة”، 33). ومن سمح للروح القدس أن يقوده، يفهم أن التكرس لخدمة الإنجيل ليس موقفًا خياريًا، بل يعي ضرورة نقل البشرى السارة إلى الآخرين. على أي حال، يجب أن نذكر أيضًا، بأننا نستطيع أن نكون شهودًا للمسيح فقط إذا ما استسلمنا لهدي الروح القدس، الذي هو “العامل الأول في التبشير” (راجع “التبشير بالإنجيل”، 75) و “رائد الرسالة” (راجع “رسالة الفادي، 21).
أيها الشباب الأحباء، كما سبق وردد مرارًا سلفاي المكرمان بولس السادس ويوحنا بولس الثاني، إعلان الإنجيل والشهادة للإيمان هما اليوم ضروريان أكثر من أي وقت مضى (راجع “رسالة الفادي”، 1).
يعتقد البعض أن تقديم كنز الإيمان الثمين إلى الأشخاص الذين لا يقاسمونه يعني أن نكون غير متفهمين نحوهم، ولكن الأمر ليس كذلك، لأن عرض الإيمان بالمسيح لا يعني فرضه (راجع “التبشير بالإنجيل”، 80).
علاوة على ذلك، منذ حوالي 2000 سنة، قدم الرسل حياتهم لكي يُعرف المسيح ويُحَبّ. ومنذ ذلك الحين، ما زال الإنجيل مستمرًا في الانتشار عبر العصور بفضل رجال ونساء تحركهم الغيرة الإرسالية نفسها. وعليه، حتى في أيامنا هذه، نحتاج إلى تلاميذ للمسيح لا يوفرون وقتًا أو طاقات لخدمة إنجيل المسيح. نحتاج إلى شباب يسمحون لمحبة الله بأن تتوقد في داخلهم ويتجاوبون بسخاء مع الدعوة الملحة، كما قام بذلك الكثير من الطوباويين والقديسين الشباب في الماضي وفي الأزمنة القريبة منا.
بوجه خاص، أؤكد لكم أن روح يسوع اليوم، يدعوكم أنتم الشباب لتكونوا حاملي البشرى السارة لذوي عمركم. إن التعب الذي يواجهه دون شك الراشدون في لقاء مع الشبيبة بشكل مفهوم ومقنع، يمكن أن يكون علامة يريد الروح من خلالها أن يدفعكم أنتم الشباب لكي تتحملوا هذه المسؤولية. أنتم تعرفون المُثُل واللغات وأيضًا الجراح والتوقعات، إلى جانب الرغبة بالخير التي يعيشها ذوي عمركم. ينفتح أمامنا عالم العواطف، والعمل، والإعداد، والانتظار، ومضايق الشباب… فليكن في كل منكم الشجاعة حتى يَعِدَ الروح القدس بأن يحمل شابًا إلى يسوع المسيح، بالشكل الذي يراه أفضل، عارفًا “أن يردّ على مَن يَطلُبُ مِنه دَليلَ ما هو علَيه مِنَ الرَّجاء، بوداعة” (راجع 1 بط 3، 15).
ولكن للتوصل إلى هذا الهدف، أيها الأصدقاء الأعزاء، كونوا قديسين، كونوا مرسلين، لأنه من غير الممكن فصل “القداسة” عن “الرسالة” (راجع “رسالة الفادي”، 90).
لا تخافوا من أن تصبحوا قديسين مرسلين مثل القديس فرنسيس كسافارويس الذي ذهب حتى الشرق الأقصى معلنًا البشرى السارة حتى آخر رمق، ومثل القديس تريزيا الطفل يسوع، التي كانت مرسلة بالرغم من أنها لم تترك الكرمل: فالواحد والأخرى هما “شفيعا الإرساليات”. كونوا مستعدين للمراهنة بحياتكم من أجل إنارة العالم بحقيقة المسيح؛ لكي تجيبوا بالحب على البغض والاحتقار الذي تتعرض له الحياة؛ لكي تعلنوا رجاء المسيح القائم في كل زاوية من الأرض.
- استدعاء “عنصرة جديدة” في العالم
أيها الشباب الأعزاء، أنتظركم وافري العدد في يوليو 2008 في سيدني. ستكون فرصة مناسبة لاختبار تام لقوة الروح القدس. تعالوا كثيرين، لكي تكونوا علامة رجاء ودعم لجماعة الكنيسة في استراليا التي تستعد لاستقبالكم. ستكون هذه فرصة مميزة لشبيبة الدولة التي ستستقبلنا لكي يعلنوا جمال وفرح الإنجيل في مجتمع معلمنٍ في أبعاد مختلفة.
تحتاج استراليا وسائر أوقيانيا أن تعيد اكتشاف جذورها المسيحية. في الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس “الكنيسة في أوقيانيا” كتب يوحنا يولس الثاني: “بقوة الروح القدس، تستعد الكنيسة في أوقيانيا لتبشير جديد للشعوب التي تجوع اليوم للمسيح… التبشير الجديد هو أولوية بالنسبة لكنيسة أوقيانيا” (عدد 18).
أدعوكم إلى تكريس وقت للصلاة وللاستعداد الروحي في هذه المرحلة الأخيرة من المسيرة التي تقودنا إلى يوم الشبيبة العالمي الثالث والعشرين، كيما تتمكنوا في سيدني أن تجددوا مواعيد عمادكم وتثبيتكم.
سنستدعي الروح القدس سوية، طالبين بثقة من الله عطية عنصرة متجددة لأجل الكنيسة ولأجل بشرية الألفية الثالثة.
فلترافقكم مريم المجتمعة مع الرسل للصلاة في العلية، خلال هذه الأشهر ولتنل لجميع الشباب المسيحيين فيضًا جديدًا من الروح القدس يضرم قلوبهم.
اذكروا هذا: إن الكنيسة تثق بكم! ونحن الرعاة، بشكل خاص، نصلي لكي تحبوا وتجعلوا يسوع محبوبًا أكثر فأكثر، ولكي تتبعوه بأمانة.
مع هذه المشاعر أبارككم بعطف وافر.
أعطي في لورينزاغو، في 20 يوليو 2007
ترجمة وكالة زينيت العالمية
Discussion about this post