رسالة البابا بندكتس السادس عشر بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين 2007
بعنوان: “العائلة المهاجرة”.
الفاتيكان، 14 يناير 2007 (ZENIT.org).
ننشر في ما يلي رسالة البابا بندكتس السادس عشر
بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين 2007
بعنوان: “العائلة المهاجرة”.
أيها الإخوة والأخوات الأعزّاء،
أودّ أن أدعوكم، بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين القادم، عبر التأمّل بعائلة الناصرة المقدّسة، إلى التفكير حول حالة العائلة المهاجرة. يخبرنا متّى الإنجيلي، أنّ يوسف، بعد ولادة يسوع بقليل، اضطرّ إلى الفرار ليلاً إلى مصر مع الطفل وأمّه للهروب من اضطهاد هيرودس (أنظر متى 2، 14- 15). كتب سلفي المكرّم خادم الله البابا بيوس الثاني عشر معلّقًا على هذا النصّ: “تشكّل العائلة المقدسة في المنفى – يسوع ومريم ويوسف المهاجرون إلى مصر واللاجئون إليها للنجاة من بطش الملك الغاشم – مثالاً وسندًا لكلّ المهاجرين والحجّاج في كلّ عصرٍ وكلّ بلدٍ، ولكلّ لاجئ أُجبر بسبب الاضطهاد والحاجة إلى ترك أرضه، أحباّئه، عائلته، مقرّبيه وأصدقائه للجوء إلى أرضٍ غريبة”. (Exsul famiglia, AAS 44, 1952, 649).
في محنة عائلة الناصرة التي أرغمت على اللجوء إلى مصر، نستشفّ حالة كلّ المهاجرين المؤلمة، بالأخصّ اللاجئين، المنفيين، المشرّدين، الهاربين والمضطهدين. كما وندرك صعوبات العائلات المهاجرة من ضيقاتٍ وذل وضيقات وحالة هشاشة عامة يعيشها ملايين المهاجرين، اللاجئين واللائذين. تعكس عائلة الناصرة صورة الله المطبوعة في قلب كلّ عائلة بشريّة حتى ولو مرهقة ومشوّهة بسبب الهجرة.
يتكامل موضوع اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين لهذه السنة والذي عنوانه “العائلة المهاجرة”، مع مواضيع السنوات الفائتة (1980 ? 1986 ? 1993) ويهدف إلى تأكيد التزام الكنيسة لصالح عائلة المهاجر بأسرها، لا المهاجر الفرد فحسب. فالعائلة موضع ومنبع ثقافة الحياة وعامل تأصّلٍ في القيم. غالبًا ما يؤدي تشرذم أفراد العائلة وتعذّر إعادة لمّ شملها إلى تقطّع أوصالها بالكلّيّة. فتنشأ علاقات وعواطف جديدة، ويُنسى الماضي والتزام الواجب نحو العائلة الأصليّة تحت ضغط البعد والوحدة الساحق. إذا لم تُُؤمَّن وسائل الانخراط للعائلة المهاجرة، يصعب عليها النمو المتناسق.
يهدف الاتفاق الدولي لحماية حقوق العامل المهاجر وأفراد عائلته الصادر في 1 يوليو 2003، إلى ضمان العمّال الأجانب وعائلاتهم. يعني هذا الاعترافَ بالعائلة كقيمة سامية، حتّى في حالة الهجرة التي باتت جزءًا من بنية مجتمعنا المعاصر. تشجّع الكنيسة سنّ قوانين دوليّة ترمي إلى الدفاع عن حقوق المهاجر وعائلته، وتقدّم عبر مؤسساتها وجمعياتها وسائل الدفاع الذي أضحت غايةً في الضرورة. فلهذا السبب، تمّ استحداث العديد من مراكز استقبال للمهاجرين، ومن البيت لاستضافة المهاجرين، ومن المكاتب لخدمتهم وعائلاتهم. كما بُوشر بعدّة مبادرات للإجابة على الحاجة المتزايدة في هذا المجال.
قد تمّ العمل بجدٍّ لتسهيل دمج عائلات المهاجرين، ومع ذلك يبقى أمامنا الكثير من الجهد. فهنالك الكثير من المصاعب العمليّة مردّها “آليّات دفاع” جيل المهاجرين الأول التي قد تشكل حاجزًا أمام نضج واندماج أبناء الجيل الثاني. لذلك، ينبغي إجراء تعديلات قانونيّة، قضائية واجتماعيّة لتسهيل الاندماج. تنامى خلال السنوات الأخيرة عدد النساء اللواتي يهاجرن بحثًا عن إمكانيّات عيشٍ أفضل، وعن آفاق عملٍ واعدة. ولكن الكثير من هذه النساء يقعن ضحايا الدعارة والمتاجرة بالبشر. بإمكان المساعدات الاجتماعيّات، والمكّرسات منهم بالأخصّ، لعب دور فاعل كوسيطات مهمّات وقيّمات في عمليّة لمّ شمل العائلات.
بالكلام عن لمّ شمل العائلات، أشعر بواجب الحديث عن عائلات اللاجئين، التي ساءت أحوالها بالنظر إلى الماضي، حتى في ما يتعلّق بلمّ شمل أفراد العائلة. إذ يضاف إلى الصعوبات التي يعانونها عمليًا في المراكز المخصّصة لهم، وإلى الصدمات الشخصيّة والضغط النفسي الناجم عن خبرتهم المأساويّة، خطرُ وقوع نسائهم وأطفالهم ضحيّة للاستثمار الجنسيّ، كوسيلة للبقاء على قيد الحياة. يتوجّب في هذه الحالات وجود رعايةٍ نبيهة، إلى جانب العناية الرامية إلى تضميد جراح القلب، لتأمين دعم الجماعة المسيحيّة من أجل إعادة اكتشاف حضارة الاحترام وقيمة الحبّ الحقيقيّة. يجب تشجيع المدمَّرين داخليًا على استعادة الثقة بالذات. ينبغي من ثمّ السهر على تأمين حقوق العائلة وكرامتها إضافةً إلى مسكنٍ لائقٍ يوافق حاجاتها. يُطلب من اللاجئين تعزيز موقف إيجابي نحو المجتمع الذي يستقبلهم، منفتحٍ إيجابيًا على مقترحات المشاركة في بناء جماعة متناغمة، تكون بمثابة “بيت مشترك” للجميع.
هناك فئة من المهاجرين تتطلب اهتمامًا فريدًا وهي فئة التلاميذ الوافدين من دولٍ أخرى، الذين يجدون أنفسهم بعيدين عن أرضهم الأمّ، دون معرفة لغويّة مناسبة، وغالبًا ما يكونون دون أصدقاء ودون مِنَحٍ دراسيّة كافية. والوضع يزداد تعقيدًا إذا كان التلاميذ متأهّلين. تسعى الكنيسة جاهدة، بغياب دعم أهل هؤلاء الشبّان والشابّات، لجعل حالتهم أقلّ صعوبة، فتساعدهم على الانخراط في المدن التي تستضيفهم، من خلال تعريفهم إلى عائلاتٍ مستعدّة لاستضافتهم.
كما سبق وأشرت في مناسبة سابقة، تُشكّل مساعدة التلاميذ الأجانب “حقلاً رعويًّا مهمًا. فالشبان الذين يتركون بلادهم لأسباب دراسيّة يواجهون الكثير من المصاعب وبالأخصّ خطر أزمة الهويّة” (Osservatore Romano, 15 dicembre 2005).
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، فليكن اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين مناسبةً مؤاتية لتعزيز إدراك الجماعة الكنسيّة والرأي العام حول حاجات ومشاكل العائلات المهاجرة من جهة، والإمكانيات الإيجابيّة التي تحملها من جهة أخرى. أذكر بشكلٍ خاصّ المرتبطين مباشرة بظاهرة الهجرة الواسعة، والذين ينفقون الطاقات الرعويّة لخدمة حركة التنقّل البشريّة. فلتدفعهم كلمة الرسول بولس: ?Caritas Christi urget nos? “محبّة المسيح تضطرّنا” (1 قور 5، 14) إلى إعطاء الأفضلية في هبة الذات إلى من هو في أمسّ الحاجة من الإخوة والأخوات. مع هذه المشاعر، أستدعي المعونة الإلهية لتواكب كلّ شخصٍ وأمنحكم بركةً رسوليّةً قلبيّة.
أُعطي في حاضرة الفاتيكان، في 18 أكتوبر 2006.
بندكتس السادس عشر، بابا روما.
ترجمة وكالة زينيت العالمية
Discussion about this post